سألت أحد الأحبة ؛ مدراء أحد مراكز الجاليات في المملكة وقلت له : حدثني بأعجب قصة قد مرت عليك خلال خدمتك في هذا المجال الدعوي ..
فقال : إنَّ أعجب قصة قد مرت علي ..
كنت جالساً في هذا المكتب فجاءني رجل فلبيني يريد الدخول في الإسلام ..
فرحت بذلك وابتهجت ؛ لأننا نحن الذين نذهب إليهم ، وحريصين عليهم ..
وهذا يأتيني لمكاني ..
قلت في نفسي الحمد لله ..الحمد لله ..
فقال : كيف الدخول في الإسلام ؟..
فبدأت أعلمه بذلك حتى قلت له : أن تنطق بالشهادة ..
فقلت له : قل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ..
نطق بها ولسانه يتعثر ..
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ..
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ..
لقد انطلقت بداية التميز في هذه القصة ..
إنه بدأ نور الإيمان يتحرك في قلبه ..
إنه رجل طالما دعا غير الله ..
طالما سأل غير الله ..
طالما سجد لغير الله ..
طالما انفق ماله لغير الله ..
طالما فعل وفعل وعمل ..
ولكن تحرّك نور الإيمان في قلبه ..
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } ..
قبل القصة أسألك عدة أسئلة ..
السؤال الأول : كم عمرك ؟!.
السؤال الثاني : كم مدة هدايتك ؟!.
السؤال الثالث : ماذا قدَّمت لدين الله ؟!.
السؤال الرابع : هل سهرت ليلة في سبيل الله ؟!.
السؤال الخامس : كم أقصى مدة جلست في المسجد ؟!.
السؤال السادس : هل بكيت يوماً لأنك لم تقدم لدين الله ؟!.
السؤال السابع : كم أنفقت في سبيل الله ؟!.
السؤال الثامن ، والسؤال التاسع ، والسؤال العاشر ، ولن تنتهي الأسئلة ..
بدأ نور الخير في قلب هذا الرجل ..
يقول الشيخ في كل يومين أو ثلاثة وإذا برجل فليبني يأتي به معه يقول : إنه قد دخل في الإسلام ..
وكل يوم أو يومين يقول : إنَّ عندي ممرضة أو طبيبة لقد أعلنت دخولها في الإسلام .. أخبر الأخوات في القسم النسائي يستقبلونها ..
يقول بدأ يظل حاله على هذه الحال ..
كل أسبوع ..في الأسبوع مهتدٍ أو مهتديين أو ثلاثة ، أو امرأة أو امرأتين ..
مهندس الكترونيات ..
نقلنا كفالته على مكتب الجاليات ..
لقد ازداد نشاط الرجل ..
لقد ازداد خيره ..
بدأ يتحمس للدين أعظم مما كان يتحمّس ..
نفتخر بأنَّ هدايتنا عشر أو عشرون سنة !!..
وآخر يفتخر بأنه داعية إلى سنوات كذا !!..
وآخر إمام مسجد خدمته في المسجد ثلاثون سنة !!..
وآخر ، وآخر ، وآخر !..
يقول الشيخ : نقلنا كفالته على مكتب الجاليات ..
لقد ازداد نشاط الرجل ..
نقول إنه لا ينام الليل ؛ ولا يرتاح في النهار ..
يتجوَّل على القرى والهجر ..
والله لا نكلفه بذلك بل هو الذي يذهب ..
لقد زوّجنا بعض الرجال المهتدين من بعض النساء المهتديات ..فلله الحمد ..
ذهب إلى الفلبين ..
عاد إلينا وقال : لقد فتحت مدرسة إسلامية ..ولله الحمد ..
لقد ذهب بعض الدعاة من الدمام فرأوها ورأوا نشاطها ..
رجلٌ هنا بهذه البلاد ويشرف عليها هناك ..
ثم تأمل ..
تأمل ..
لم ندخل في العجائب في هذه القصة بعد ..
ما رأينا شيء !..
ما سمعنا شيء !..
حدّثت بهذه القصة في أحد المناطق فجاءني أحد المشايخ وقال : هذا ..لقد جاءنا هنا ، وأحضرنا له ثلاثمئة فلبيني ألقى عليهم محاضرة مدة ساعتين ..
مدة ساعتين ..
ما انتهى إلا وثلاثة يدخلون في الإسلام ..
ما انتهى إلا وثلاثة يدخلون في الإسلام ..
ثم العجب ..
ثم العجب ..
ندخل في العجب في هذه القصة ..
حتى ندرك الصبر على طاعة الله وعلى الدعوة إلى الله تعالى ..
أصيب بمرض السرطان ..
فلا إله إلا الله ..
بدأ معه في أصبع من أصابع الرجل ..
قرر الأطباء عندنا بالمملكة لا بدَّ من قطعه ..
وافق على ذلك ..
قُطع الأصبع ..
تتوقعون أخذ إجازة ؟! ..
لا ..ما أخذ إجازة ..
يعمل ..
وبعده فترة وجيزة انتشر مرض السرطان في رجله كلها ..
قرر الأطباء عندنا بالمملكة قطع الرجل ..
لقد وافق الرجُل على ذلك ..
أصبح برجل ثالثة ..
إنها عصا يتكأ عليها ..
يسافر إلى الفلبين ..
يذهب ولم تعيقه هذه الرجل عن الدعوة إلى الله ..
فأين المتشاغلون بالزوجات ؟!..
أين المتشاغلون بالوظائف ؟!..
أين المتشاغلون بمزارع وحيوانات وأمور عن تقديم دعوة الله ؟!..
يقول الشيخ : قُطعت رجله ولم يتغير نشاطه ..
لم يتغير نشاطه بل يسافر إلى الفلبين ويرجع مرة أخرى ..
ونحن نقول له : خلاص استرح لأولادك ..
استرح في بلادك ..
قال : لا .. أرضكم هذه خصبة ..
الذين يأتونكم هؤلاء من سنوات لقد تأثروا وقلوبهم لينة ؛ أما الذين هناك فلا ..فلا ..فلا ..
ثم بدأت أحواله تزداد دعوةً ونشاطاً وحيوية وقوة ..
فلا إله إلا الله ..
ما أعظم الذين يقدمون لدين الله ..
فأين هممنا الفاترة ؟!..
وأين نشاطنا الفاتر عن نصرة دين الله ؟!..
لئنَّ الدين يحتاج لرجال ينصروه ..
نعم ..ليحتاج لرجال ينصرونه ..
شباب من أهل جدة ..
شباب من أهل جدة في العام الماضي في الحج جزاهم الله تعالى خير الجزاء ..
قاموا بنشاط دعوي غريب وعجيب..
لعل منكم من يخرج بإذن الله وينبري لهذا النشاط ..
فكم أنا وأنت قد قصدنا مكة ، وكم ذهب بعض شباب المكتبات وغيرها لمكة ، وكم وكم ..
إنهم مجموعة من الفضلاء اشتروا حافلة واشتركوا فيها ثم ماذا يا ترى ؟!..
هم ما يقرب الخمسة أو زيادة ..
السيارة خلال أيام التشريق وقبلها تشتغل أربعة وعشرين ساعة لا تقف ..
ماذا تفعل ؟!.
اسمعوا يا من تجوبون بسياراتكم الطرقات ..
يا من تلمعون ..
يا من تزبردون ..
يا من تفعلون وتعملون ..
يا من جعلت السيارة أكبر همك ، وبيتك أكبر شغلك ..
استمع ..
إنهم قاموا بالسقيا للحجاج ..
ثم الأمر الأعظم من ذلك مع هذه السقيا ..
وفروا دعوة إلى الله ..
إنهم بدأوا يعالجون الشح الذي يقوم به بعض سائقي السيارات ..
يقول الأخوة : نحمل الأحبة من منى ونذهب بهم إلى مكة وننقلهم من المشاعر ..
ما هو الشرط ! ..
عندما يركب الحاج فيقول : كم الأجرة ؟.
يقول : اركب .... اركب ..اركب على ما تشاء ..
فإذا ركب الحجاج وسقوهم ؛ ولعلكم تتخيلون بينهم غير العربي ، وغير الخليجي ، بينهم من هو من شرق آسيا ، وبينهم من هو من غربها ، وبينهم، وبينهم ، وبينهم ..
لغات لا يعرفون كلامهم ..
فيسقونهم الماء ، ويطعمونهم بعض الطعام ..
خلال المشوار نصف ساعة أو زيادة ..
خلال المشوار ..
كلام عن العقيدة ..
كلام عن التوحيد ..
كلام عن الخير ..
عن هذه المشاعر ..
يبكي الحجاج ..
يتأثر الحجاج بهذا الأسلوب الدعوي الذي قام به بعض هذه الفئات ..
فما هو السرّ في التميز ؟!..
وما هو سرّ التميز في هذه القصة !..
عندما ينزل الحجاج يدفعون ضعف القيمة فيقولون لهم : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً } ..
فينزل الحجاج يبكون ويذرفون الدمعات ، ويبدأ هذا وذاك وذاك يقولون : زورونا في مخيمنا ..
زورونا في مكاننا ..
زورونا ..
يقول الأحبة : فيذهب بعض طلاب العلم معنا لزيارة هذه المخيمات فيستقبلونهم استقبلالاً بحفاوة وإكرام ..
والعجيب أنهم يدعوننا لزيارتهم في بلادهم ؛ ولقد زرناهم في بلادهم ..
ولقد زرناهم في بلادهم ..
ولقد جاء رجل وحدثني بها قبل شهرين تقريباً ..
جاء من أدغال إفريقيا ..
يقول : ذهبنا إلى هناك ..
قصدنا أحد التجَّار ..
مسكنه تقريبا 10 كيلو في 10 كيلو ..
دخلنا ذلكم القصر ..
أغلب الذين عنده من الهندوس ، وهو رجل مسلم تاجر ..
زرناه ..
بدأنا نذكر له الدين ..
أوَ تدرون ما الذي قال !!..
لقد قال لهم : إنني أتبرع بقصري هذا كله على دار تحفيظ القرآن ، وأجعله في سبيل الله ؛ وأبني لي قصراً آخر ..
ثم قال للعمال : إما أن تسلموا وإما أن تخرجوا ..
فقالوا : أسلمنا ودخلنا في دينك ..
إنها الدعوة إلى الله ..
إنها الدعوة إلى الله ..
وفي العام الماضي مع الوزارة وبعد إلقاء كلمة على الحجاج من نيجيريا وبعد الكلمة وقف أمامي رجل نيجيري احمَّرت عيناه ..
احمَّرت عيناه ؛ فقال كلمات لا أفهمها وأنا أنتظر على عجل ماذا يقول لي ..
قال المترجم بعد الانتهاء : إنه يقول جزاك الله خيراً على ما قلت وقدَّمت ، ولكن نحن في قريتنا لم يزورنا ولا داعية إلى الله ، والنصارى معنا من عشرات السنوات يسكنون معنا ..
إنَّ هذا الرجل صاحب المطوية ماذا قدَّم لدين الله ..
إننا لا بدَّ أن نتساءل أيضاً ..
فلا ننسى صاحب المطوية الذي قدَّم دريهمات لدين الله فنصر الله بها رجل نصر الدين وأقام بالدين ..
ولكن أعود لصاحبنا فأقول لكم جميعاً : عظَّم الله أجركم فيه ..
لقد مات بعد أن انتشر مرض السرطان في جسمه كله ..
اللهم اقبله يا ربَّ العالمين ..
اللهم اقبله يا ربَّ العالمين ..
اللهم اقبله يا ربَّ العالمين ..
إنها منائر الدعوة إلى الله التي يتحرَّق أصحابها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الظلام إلى الظلال الوافرة ؛ من الانحراف إلى الاستقامة ..
طريق الهداة المهتدين ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ } ..
يقول : فواجب على الأمة أن يبلّغوا ما أُنزل إليهم ولينذروا كما أنذر ..
قال الله تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ ..} اسمعوا { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ } ..
يا أصحاب الشهادات ..
يا أصحاب الشهادات ..
ما حالنا جميعاً عندما نقف أمام الله ..
ما حالنا جميعاً عندما نقف أمام الله ..
ما حالنا جميعاً عندما نقف أمام الله ..
{ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ..
إنَّ الجن لما سمعت القرآن تحرَّكت بحركة عجز عنها كثير منا ..
نعم ..
لقد عجز عنها كثير منا ..
قال الله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء}..
إنها الجن ..
قامت بالدعوة إلى الله ..
إنَّ النفس فيها صفات لا بدَّ أن تُعالج ..
لا بدَّ أن تؤدّب ..
يقول ابن القيم رحمه الله :
في النفس صفات ..
إنَّ فيها ..
كبر إبليس ..
وحسد قابيل ..
وعتوّ عاد ..
وطغيان ثمود ..
وجرأة نمرود ..
واستطالة فرعون ..
وبغي قارون ..
ووقاحة هامان ..
وحيل أصحاب السبت ..
وتمرد الوليد ..
وجهل أبي جهل ..
ومن أخلاق البهائم :
حرص الغراب ..
وشره الكلب ..
ورعونة الطاووس ..
ودناءة الجعل ..
وعقوق الضب ..
وحقد الجمل ..
وصولة الأسد ..
وفسق الفأرة ..
وخبث الحية ..
وعبث القرد ..
وجمع النملة ..
ومكر الثعلب ..
وخفة الفراش ..
ونوم الضبع ..
ووثوب الفهد ..
غير أنَّ الحازم بالمجاهدة يُذهب ذلك كله بإذن الله تبارك وتعالى ..
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ..
ليس من الحزم بيع الوعد بالنقد ..
وليس من الحزم جزعٌ من صبر ساعة مع احتمال ذلّ الأبد ..
عجباً والله منا لا نصبر على الدعوة إلى الله ..
بل ولا نصبر على طاعة الله ..
أبن منا من يجلس في المسجد بعد صلاة الفجر ونستثني الذين عليهم أعمال ..
أين هم ؟!..
أين الذين يجلسون على الطاعات والقربات والاعتكاف على كتاب الله ؟!..كما سوف نرى بعد قليل ..
إننا نحتاج إلى همة ..
نحتاج إلى همة كبيرة ..
بعضنا أكبر همه ومبلغ علمه لقمة ولباس ومركب ..
مطعم شهي ، وملبس دفي ، ومركب وطي ..
قد رفع راية : إنما العيش سماع ، ومدام ، وردام ؛ فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام ..
الحزم بقدر الاهتمامات والهموم ..
والهموم بقدر الهمم والجَلد ..
والحزم خير من التفلت والتبلد ..
والصلاة خير من النوم ..
والمنية خير من الدنية ..
ومن عزَّ بز ..
ومن أراد المنزلة القصوى في الجنة فعليه بالمنزلة القصوى في الدنيا ..
على قدر مكانتك في الدنيا تكون بإذن الحي القيوم مكانتك في الآخرة ..
نعم رعاك الله ..
واحدة بواحدة ..
ولكل سلعة ثمن ..
كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى حازماً مع نفسه أشدَّ الحزم ، قد علَّق سوطاً في بيته ..
ثم تأمل كيف الأدب يا أصحاب الهمم ..
يخوّف بذلك نفسه ويقول لنفسه :
قومي .. قومي .. فوالله لأزحفنَّ بك زحفاً إلى الجنة ..
فوالله لأزحفنَّ بك زحفاً إلى الله حتى يكون الكلل منك لا مني ..
فإذا فتر وكلَّ وتعب تناول سوطه ؛ وضرب رجله ، ثم قال كلمات رائعات طيبات ..
كلمات حري بكل صاحب همة أن يرددها ..
يقول : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يستأثروا به دوننا ..
كلا ..
كلا والله لنزاحمنهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم خلَّفوا وراءهم رجالاً ..
حتى يعلموا أنهم خلَّفوا وراءهم رجالاً ..
هم الرجال وعيب أن يُقال لمن لم يكن في زيهم رجل ..
حالهم يقول : عباس ..عباسٌ إذا احتدم الوغى ..
وفضل ..فضلٌ .. والربيع ربيع ..
هذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله بلغ الثمانين من العمر ولم يفتر ولك يضعف ولم يكل ولم يمل ؛ حتى قال : ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خُلقي ، ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي وإنما اعتاض شعري غير صبغته والشيب بالشعر غير الشيب في الهمم ..
التقيت ببعض الأخوة من أسبانيا..
فقال لي أحدهم جزاه الله تعالى خيراً ..
هذا رجل سائق أجرة ، ولكنه قدَّم لدين الله..
سائق أجرة قدَّم لدين الله ( فلا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ) ..
ماذا قدَّم يا ترى ؟!.
إنه يُركب الركاب ويحرص على المسافات الطويلة ..
يقول : وأثناء الطريق يشغل الوقت بالكلام عن الإسلام بشريط أو غيره ؛ ويحرص على غير المسلمين أكثر ..
إذا جاء وقت الصلاة وقف وأخبر الذي عنده من الركاب أنَّ هذا وقت صلاة ثم يقول كلمة رائعة :
هذا موعد مع الله ..
هذا موعد مع الله ..
ثم إذا حضر غداء أو عشاء أو إفطار حرص على شراء الوجبة هو للذي أركبه معه ، والنظام هناك كلٌ يأكل لوحده وهو يقول : لا .. أأكل معك ..ثم يقول : أنت مسلم وأنا هندوسي أو نصراني أو بوذي ثم يقول : لقد علمنا الإسلام ورسولنا صلى الله عليه وسلم أننا نأكل حتى مع الفقير واليتيم والمسكين ..
يقول ناقل القصة .. يقول صاحب الأجرة ما أصل إلى المنطقة التي نقصدها إلا يقول الذي عندي من الركاب :
لا تذهب بنا إلى ذلك المكان ..
إذهب بنا إلى أقرب مركز للإسلام نريد أن ندخل في الإسلام ..
بمثل هذه الأخلاق ..
بمثل هذه الأخلاق أردنا الإسلام ..
الله أكبر ..
فأين أهل الأخلاق ؟!.
أين دعاة الأخلاق .؟!..
أين الكرماء ؟!..
أين الفضلاء ؟!..
أين من قاموا بالدعوة والدين بصدق وأمانة إلى غير ذلك من الأشياء والأمور ..
ولعلي أسألك ، وأسأل نفسي ، وأسألكِ أمةَ الله ، ولنسأل جميعاً أنفسنا ..
بماذا نقدم لدين الله من أشياء ..
إنني لا أقول أننا قد ارتكبنا الكبائر والموبقات ..
ولكنني أقول إننا قد عصينا الله..
مرت علينا ساعات غفلة ..
ربما كانت على الطرقات..
ربما كانت على الملاهي ..
ربما كانت على الشاشات ..
ربما كانت على الفضائيات ..
ربما كانت في الغيبة ..
ربما كانت في النميمة ..
ربما كانت على ما لا يرضي الله تعالى ..
إنني أجزم فأقول ..
لا شك أنه قد مرت علينا ساعات غفلة ..
ماذا عوضناها بعد الهداية ؟!
وماذا قدمنا لدين الله ؟!..
فصاحب المطوية ماذا قدم ..
وماذا عمل ..
وماذا فعلوا جميعاً ..
فقال : إنَّ أعجب قصة قد مرت علي ..
كنت جالساً في هذا المكتب فجاءني رجل فلبيني يريد الدخول في الإسلام ..
فرحت بذلك وابتهجت ؛ لأننا نحن الذين نذهب إليهم ، وحريصين عليهم ..
وهذا يأتيني لمكاني ..
قلت في نفسي الحمد لله ..الحمد لله ..
فقال : كيف الدخول في الإسلام ؟..
فبدأت أعلمه بذلك حتى قلت له : أن تنطق بالشهادة ..
فقلت له : قل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ..
نطق بها ولسانه يتعثر ..
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ..
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ..
لقد انطلقت بداية التميز في هذه القصة ..
إنه بدأ نور الإيمان يتحرك في قلبه ..
إنه رجل طالما دعا غير الله ..
طالما سأل غير الله ..
طالما سجد لغير الله ..
طالما انفق ماله لغير الله ..
طالما فعل وفعل وعمل ..
ولكن تحرّك نور الإيمان في قلبه ..
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } ..
قبل القصة أسألك عدة أسئلة ..
السؤال الأول : كم عمرك ؟!.
السؤال الثاني : كم مدة هدايتك ؟!.
السؤال الثالث : ماذا قدَّمت لدين الله ؟!.
السؤال الرابع : هل سهرت ليلة في سبيل الله ؟!.
السؤال الخامس : كم أقصى مدة جلست في المسجد ؟!.
السؤال السادس : هل بكيت يوماً لأنك لم تقدم لدين الله ؟!.
السؤال السابع : كم أنفقت في سبيل الله ؟!.
السؤال الثامن ، والسؤال التاسع ، والسؤال العاشر ، ولن تنتهي الأسئلة ..
بدأ نور الخير في قلب هذا الرجل ..
يقول الشيخ في كل يومين أو ثلاثة وإذا برجل فليبني يأتي به معه يقول : إنه قد دخل في الإسلام ..
وكل يوم أو يومين يقول : إنَّ عندي ممرضة أو طبيبة لقد أعلنت دخولها في الإسلام .. أخبر الأخوات في القسم النسائي يستقبلونها ..
يقول بدأ يظل حاله على هذه الحال ..
كل أسبوع ..في الأسبوع مهتدٍ أو مهتديين أو ثلاثة ، أو امرأة أو امرأتين ..
مهندس الكترونيات ..
نقلنا كفالته على مكتب الجاليات ..
لقد ازداد نشاط الرجل ..
لقد ازداد خيره ..
بدأ يتحمس للدين أعظم مما كان يتحمّس ..
نفتخر بأنَّ هدايتنا عشر أو عشرون سنة !!..
وآخر يفتخر بأنه داعية إلى سنوات كذا !!..
وآخر إمام مسجد خدمته في المسجد ثلاثون سنة !!..
وآخر ، وآخر ، وآخر !..
يقول الشيخ : نقلنا كفالته على مكتب الجاليات ..
لقد ازداد نشاط الرجل ..
نقول إنه لا ينام الليل ؛ ولا يرتاح في النهار ..
يتجوَّل على القرى والهجر ..
والله لا نكلفه بذلك بل هو الذي يذهب ..
لقد زوّجنا بعض الرجال المهتدين من بعض النساء المهتديات ..فلله الحمد ..
ذهب إلى الفلبين ..
عاد إلينا وقال : لقد فتحت مدرسة إسلامية ..ولله الحمد ..
لقد ذهب بعض الدعاة من الدمام فرأوها ورأوا نشاطها ..
رجلٌ هنا بهذه البلاد ويشرف عليها هناك ..
ثم تأمل ..
تأمل ..
لم ندخل في العجائب في هذه القصة بعد ..
ما رأينا شيء !..
ما سمعنا شيء !..
حدّثت بهذه القصة في أحد المناطق فجاءني أحد المشايخ وقال : هذا ..لقد جاءنا هنا ، وأحضرنا له ثلاثمئة فلبيني ألقى عليهم محاضرة مدة ساعتين ..
مدة ساعتين ..
ما انتهى إلا وثلاثة يدخلون في الإسلام ..
ما انتهى إلا وثلاثة يدخلون في الإسلام ..
ثم العجب ..
ثم العجب ..
ندخل في العجب في هذه القصة ..
حتى ندرك الصبر على طاعة الله وعلى الدعوة إلى الله تعالى ..
أصيب بمرض السرطان ..
فلا إله إلا الله ..
بدأ معه في أصبع من أصابع الرجل ..
قرر الأطباء عندنا بالمملكة لا بدَّ من قطعه ..
وافق على ذلك ..
قُطع الأصبع ..
تتوقعون أخذ إجازة ؟! ..
لا ..ما أخذ إجازة ..
يعمل ..
وبعده فترة وجيزة انتشر مرض السرطان في رجله كلها ..
قرر الأطباء عندنا بالمملكة قطع الرجل ..
لقد وافق الرجُل على ذلك ..
أصبح برجل ثالثة ..
إنها عصا يتكأ عليها ..
يسافر إلى الفلبين ..
يذهب ولم تعيقه هذه الرجل عن الدعوة إلى الله ..
فأين المتشاغلون بالزوجات ؟!..
أين المتشاغلون بالوظائف ؟!..
أين المتشاغلون بمزارع وحيوانات وأمور عن تقديم دعوة الله ؟!..
يقول الشيخ : قُطعت رجله ولم يتغير نشاطه ..
لم يتغير نشاطه بل يسافر إلى الفلبين ويرجع مرة أخرى ..
ونحن نقول له : خلاص استرح لأولادك ..
استرح في بلادك ..
قال : لا .. أرضكم هذه خصبة ..
الذين يأتونكم هؤلاء من سنوات لقد تأثروا وقلوبهم لينة ؛ أما الذين هناك فلا ..فلا ..فلا ..
ثم بدأت أحواله تزداد دعوةً ونشاطاً وحيوية وقوة ..
فلا إله إلا الله ..
ما أعظم الذين يقدمون لدين الله ..
فأين هممنا الفاترة ؟!..
وأين نشاطنا الفاتر عن نصرة دين الله ؟!..
لئنَّ الدين يحتاج لرجال ينصروه ..
نعم ..ليحتاج لرجال ينصرونه ..
شباب من أهل جدة ..
شباب من أهل جدة في العام الماضي في الحج جزاهم الله تعالى خير الجزاء ..
قاموا بنشاط دعوي غريب وعجيب..
لعل منكم من يخرج بإذن الله وينبري لهذا النشاط ..
فكم أنا وأنت قد قصدنا مكة ، وكم ذهب بعض شباب المكتبات وغيرها لمكة ، وكم وكم ..
إنهم مجموعة من الفضلاء اشتروا حافلة واشتركوا فيها ثم ماذا يا ترى ؟!..
هم ما يقرب الخمسة أو زيادة ..
السيارة خلال أيام التشريق وقبلها تشتغل أربعة وعشرين ساعة لا تقف ..
ماذا تفعل ؟!.
اسمعوا يا من تجوبون بسياراتكم الطرقات ..
يا من تلمعون ..
يا من تزبردون ..
يا من تفعلون وتعملون ..
يا من جعلت السيارة أكبر همك ، وبيتك أكبر شغلك ..
استمع ..
إنهم قاموا بالسقيا للحجاج ..
ثم الأمر الأعظم من ذلك مع هذه السقيا ..
وفروا دعوة إلى الله ..
إنهم بدأوا يعالجون الشح الذي يقوم به بعض سائقي السيارات ..
يقول الأخوة : نحمل الأحبة من منى ونذهب بهم إلى مكة وننقلهم من المشاعر ..
ما هو الشرط ! ..
عندما يركب الحاج فيقول : كم الأجرة ؟.
يقول : اركب .... اركب ..اركب على ما تشاء ..
فإذا ركب الحجاج وسقوهم ؛ ولعلكم تتخيلون بينهم غير العربي ، وغير الخليجي ، بينهم من هو من شرق آسيا ، وبينهم من هو من غربها ، وبينهم، وبينهم ، وبينهم ..
لغات لا يعرفون كلامهم ..
فيسقونهم الماء ، ويطعمونهم بعض الطعام ..
خلال المشوار نصف ساعة أو زيادة ..
خلال المشوار ..
كلام عن العقيدة ..
كلام عن التوحيد ..
كلام عن الخير ..
عن هذه المشاعر ..
يبكي الحجاج ..
يتأثر الحجاج بهذا الأسلوب الدعوي الذي قام به بعض هذه الفئات ..
فما هو السرّ في التميز ؟!..
وما هو سرّ التميز في هذه القصة !..
عندما ينزل الحجاج يدفعون ضعف القيمة فيقولون لهم : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً } ..
فينزل الحجاج يبكون ويذرفون الدمعات ، ويبدأ هذا وذاك وذاك يقولون : زورونا في مخيمنا ..
زورونا في مكاننا ..
زورونا ..
يقول الأحبة : فيذهب بعض طلاب العلم معنا لزيارة هذه المخيمات فيستقبلونهم استقبلالاً بحفاوة وإكرام ..
والعجيب أنهم يدعوننا لزيارتهم في بلادهم ؛ ولقد زرناهم في بلادهم ..
ولقد زرناهم في بلادهم ..
ولقد جاء رجل وحدثني بها قبل شهرين تقريباً ..
جاء من أدغال إفريقيا ..
يقول : ذهبنا إلى هناك ..
قصدنا أحد التجَّار ..
مسكنه تقريبا 10 كيلو في 10 كيلو ..
دخلنا ذلكم القصر ..
أغلب الذين عنده من الهندوس ، وهو رجل مسلم تاجر ..
زرناه ..
بدأنا نذكر له الدين ..
أوَ تدرون ما الذي قال !!..
لقد قال لهم : إنني أتبرع بقصري هذا كله على دار تحفيظ القرآن ، وأجعله في سبيل الله ؛ وأبني لي قصراً آخر ..
ثم قال للعمال : إما أن تسلموا وإما أن تخرجوا ..
فقالوا : أسلمنا ودخلنا في دينك ..
إنها الدعوة إلى الله ..
إنها الدعوة إلى الله ..
وفي العام الماضي مع الوزارة وبعد إلقاء كلمة على الحجاج من نيجيريا وبعد الكلمة وقف أمامي رجل نيجيري احمَّرت عيناه ..
احمَّرت عيناه ؛ فقال كلمات لا أفهمها وأنا أنتظر على عجل ماذا يقول لي ..
قال المترجم بعد الانتهاء : إنه يقول جزاك الله خيراً على ما قلت وقدَّمت ، ولكن نحن في قريتنا لم يزورنا ولا داعية إلى الله ، والنصارى معنا من عشرات السنوات يسكنون معنا ..
إنَّ هذا الرجل صاحب المطوية ماذا قدَّم لدين الله ..
إننا لا بدَّ أن نتساءل أيضاً ..
فلا ننسى صاحب المطوية الذي قدَّم دريهمات لدين الله فنصر الله بها رجل نصر الدين وأقام بالدين ..
ولكن أعود لصاحبنا فأقول لكم جميعاً : عظَّم الله أجركم فيه ..
لقد مات بعد أن انتشر مرض السرطان في جسمه كله ..
اللهم اقبله يا ربَّ العالمين ..
اللهم اقبله يا ربَّ العالمين ..
اللهم اقبله يا ربَّ العالمين ..
إنها منائر الدعوة إلى الله التي يتحرَّق أصحابها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الظلام إلى الظلال الوافرة ؛ من الانحراف إلى الاستقامة ..
طريق الهداة المهتدين ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ } ..
يقول : فواجب على الأمة أن يبلّغوا ما أُنزل إليهم ولينذروا كما أنذر ..
قال الله تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ ..} اسمعوا { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ } ..
يا أصحاب الشهادات ..
يا أصحاب الشهادات ..
ما حالنا جميعاً عندما نقف أمام الله ..
ما حالنا جميعاً عندما نقف أمام الله ..
ما حالنا جميعاً عندما نقف أمام الله ..
{ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ..
إنَّ الجن لما سمعت القرآن تحرَّكت بحركة عجز عنها كثير منا ..
نعم ..
لقد عجز عنها كثير منا ..
قال الله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء}..
إنها الجن ..
قامت بالدعوة إلى الله ..
إنَّ النفس فيها صفات لا بدَّ أن تُعالج ..
لا بدَّ أن تؤدّب ..
يقول ابن القيم رحمه الله :
في النفس صفات ..
إنَّ فيها ..
كبر إبليس ..
وحسد قابيل ..
وعتوّ عاد ..
وطغيان ثمود ..
وجرأة نمرود ..
واستطالة فرعون ..
وبغي قارون ..
ووقاحة هامان ..
وحيل أصحاب السبت ..
وتمرد الوليد ..
وجهل أبي جهل ..
ومن أخلاق البهائم :
حرص الغراب ..
وشره الكلب ..
ورعونة الطاووس ..
ودناءة الجعل ..
وعقوق الضب ..
وحقد الجمل ..
وصولة الأسد ..
وفسق الفأرة ..
وخبث الحية ..
وعبث القرد ..
وجمع النملة ..
ومكر الثعلب ..
وخفة الفراش ..
ونوم الضبع ..
ووثوب الفهد ..
غير أنَّ الحازم بالمجاهدة يُذهب ذلك كله بإذن الله تبارك وتعالى ..
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ..
ليس من الحزم بيع الوعد بالنقد ..
وليس من الحزم جزعٌ من صبر ساعة مع احتمال ذلّ الأبد ..
عجباً والله منا لا نصبر على الدعوة إلى الله ..
بل ولا نصبر على طاعة الله ..
أبن منا من يجلس في المسجد بعد صلاة الفجر ونستثني الذين عليهم أعمال ..
أين هم ؟!..
أين الذين يجلسون على الطاعات والقربات والاعتكاف على كتاب الله ؟!..كما سوف نرى بعد قليل ..
إننا نحتاج إلى همة ..
نحتاج إلى همة كبيرة ..
بعضنا أكبر همه ومبلغ علمه لقمة ولباس ومركب ..
مطعم شهي ، وملبس دفي ، ومركب وطي ..
قد رفع راية : إنما العيش سماع ، ومدام ، وردام ؛ فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام ..
الحزم بقدر الاهتمامات والهموم ..
والهموم بقدر الهمم والجَلد ..
والحزم خير من التفلت والتبلد ..
والصلاة خير من النوم ..
والمنية خير من الدنية ..
ومن عزَّ بز ..
ومن أراد المنزلة القصوى في الجنة فعليه بالمنزلة القصوى في الدنيا ..
على قدر مكانتك في الدنيا تكون بإذن الحي القيوم مكانتك في الآخرة ..
نعم رعاك الله ..
واحدة بواحدة ..
ولكل سلعة ثمن ..
كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى حازماً مع نفسه أشدَّ الحزم ، قد علَّق سوطاً في بيته ..
ثم تأمل كيف الأدب يا أصحاب الهمم ..
يخوّف بذلك نفسه ويقول لنفسه :
قومي .. قومي .. فوالله لأزحفنَّ بك زحفاً إلى الجنة ..
فوالله لأزحفنَّ بك زحفاً إلى الله حتى يكون الكلل منك لا مني ..
فإذا فتر وكلَّ وتعب تناول سوطه ؛ وضرب رجله ، ثم قال كلمات رائعات طيبات ..
كلمات حري بكل صاحب همة أن يرددها ..
يقول : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يستأثروا به دوننا ..
كلا ..
كلا والله لنزاحمنهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم خلَّفوا وراءهم رجالاً ..
حتى يعلموا أنهم خلَّفوا وراءهم رجالاً ..
هم الرجال وعيب أن يُقال لمن لم يكن في زيهم رجل ..
حالهم يقول : عباس ..عباسٌ إذا احتدم الوغى ..
وفضل ..فضلٌ .. والربيع ربيع ..
هذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله بلغ الثمانين من العمر ولم يفتر ولك يضعف ولم يكل ولم يمل ؛ حتى قال : ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خُلقي ، ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي وإنما اعتاض شعري غير صبغته والشيب بالشعر غير الشيب في الهمم ..
التقيت ببعض الأخوة من أسبانيا..
فقال لي أحدهم جزاه الله تعالى خيراً ..
هذا رجل سائق أجرة ، ولكنه قدَّم لدين الله..
سائق أجرة قدَّم لدين الله ( فلا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ) ..
ماذا قدَّم يا ترى ؟!.
إنه يُركب الركاب ويحرص على المسافات الطويلة ..
يقول : وأثناء الطريق يشغل الوقت بالكلام عن الإسلام بشريط أو غيره ؛ ويحرص على غير المسلمين أكثر ..
إذا جاء وقت الصلاة وقف وأخبر الذي عنده من الركاب أنَّ هذا وقت صلاة ثم يقول كلمة رائعة :
هذا موعد مع الله ..
هذا موعد مع الله ..
ثم إذا حضر غداء أو عشاء أو إفطار حرص على شراء الوجبة هو للذي أركبه معه ، والنظام هناك كلٌ يأكل لوحده وهو يقول : لا .. أأكل معك ..ثم يقول : أنت مسلم وأنا هندوسي أو نصراني أو بوذي ثم يقول : لقد علمنا الإسلام ورسولنا صلى الله عليه وسلم أننا نأكل حتى مع الفقير واليتيم والمسكين ..
يقول ناقل القصة .. يقول صاحب الأجرة ما أصل إلى المنطقة التي نقصدها إلا يقول الذي عندي من الركاب :
لا تذهب بنا إلى ذلك المكان ..
إذهب بنا إلى أقرب مركز للإسلام نريد أن ندخل في الإسلام ..
بمثل هذه الأخلاق ..
بمثل هذه الأخلاق أردنا الإسلام ..
الله أكبر ..
فأين أهل الأخلاق ؟!.
أين دعاة الأخلاق .؟!..
أين الكرماء ؟!..
أين الفضلاء ؟!..
أين من قاموا بالدعوة والدين بصدق وأمانة إلى غير ذلك من الأشياء والأمور ..
ولعلي أسألك ، وأسأل نفسي ، وأسألكِ أمةَ الله ، ولنسأل جميعاً أنفسنا ..
بماذا نقدم لدين الله من أشياء ..
إنني لا أقول أننا قد ارتكبنا الكبائر والموبقات ..
ولكنني أقول إننا قد عصينا الله..
مرت علينا ساعات غفلة ..
ربما كانت على الطرقات..
ربما كانت على الملاهي ..
ربما كانت على الشاشات ..
ربما كانت على الفضائيات ..
ربما كانت في الغيبة ..
ربما كانت في النميمة ..
ربما كانت على ما لا يرضي الله تعالى ..
إنني أجزم فأقول ..
لا شك أنه قد مرت علينا ساعات غفلة ..
ماذا عوضناها بعد الهداية ؟!
وماذا قدمنا لدين الله ؟!..
فصاحب المطوية ماذا قدم ..
وماذا عمل ..
وماذا فعلوا جميعاً ..