بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله، المحيي والمميت، لا إله إلا هو .
في مثلِ هذا اليوم الموافق لـ 6/ 8 م، أتممت -بحمدِ الله- سن العشرين، والمرء لا يزال بخيرٍ ما فتىء في عنفوان الشباب وطلّ الصِّبا وهو بين النّعم يتقلب، وبالطاعات يتقرب، عاملنا الله بستره وعفوه !
ذاك يومٌ ولدتُ فيه مرتين، يومَ وضعتني والدتي حفظها الله مع توأمي وبليّتي،
وحينما عافاني الله من وفاةٍ كانت تصديقُها رؤيا ..
مفادها = أني أولدُ من جديد ! وإنما يردّ الله عني مصيبتي وموتتي بدعاء والدي حفظه الله ، وكان ذاك قبل ثلاث سنين !
وأما أحداث هذه الليلة التي اعترتني، فقد كانت بمرضٍ ألمّ بي حتى اشتدّ عليّ، وكنت في شارع البتراء مع صحبةٍ، فمن شدة الأرَق أصبت بالبردِ فتشبّثت بكانونٍ ملئ نارا، فكنت من شدة بردِ جسمي أستنشق الدخان استنشاقًا لعلي أستدفء، فلما رددت البيت كان نفَسي بين ضيقٍ وهيجان، وسمّتها لي والدتي (ليلة الانتفاضة)، أضحكَ الله سنّها ..
حتى جلست والدتي عند رأسي ترقيني بآيات ، وتصبّرني ، وتدعو لي ، ما أجملها من لحظات ..
فإذا بأحد إخوتي من شقّ الباب يبصرني بعينيه متهزّءًا مما يلمّ بي، يظنّني ألعب ويضنّ بي التعب!
فجاء -بكل برودةٍ- بهاتفٍ يصورني على حالتي هذه التي يُرثى لها، ولا زال إلى الآن موجودًا ..
فلما فقم الأمر اجتمع عندي الأهل من كبير وصغير، لعلّ أحدهم كان يحدّث نفسه (إنها منيّته!) .. وقد صدّقت أنا ذاك حينها، حينما سمعتُ بكاء خالتي -كلأها المولى بحفظه - كالثكلى التى ستفقد أحد أبناءها .. فالخالة بمنزلة الأم ، وقلبها أرق من الرئم.
فحملوني .. وصار الأمرُ جِدًا ، حتى أركبوني السيارة بصحبةِ والدي وإخوتي الكبار ، وهم لا يفترون عن رقيتي والقراءة عليّ، وحالتي آنذاك (أسمعُ ما ينطقون، وقد عييتُ عن النطق ليسمعون) !
٭ وأخبرني شاهدُ عيانٍ أني كنت أتلو حديث ابن مسعودٍ في (خطبةِ الحاجة) من سنن أبي داودَ كنتُ قد حفظتُه حديثًا .. وأذكر أني سمعتُ أخي طارق وهو حامل بي يقول لي (أحسنت يا معاذ، اقرأ، اذكر الله)!
وأذكر من كان في الوسطِ حاملاً كتفي = توأمي الذي كان قبلُ بدقائقَ يظنّ الأمر هزلاً .. سمعتُه وهو يقرأ عليّ آية الكرسي، ويبكي بكاء الفقيد، لا يطيق هذا البريء أن يعيش في هذه الدنيا من دون أخيه الذي رافقه ( التخلّق في الرحِم وفي الدنيا ) !
وصلتُ المشفى ، حتى وضعوني على السرير الأبيض ، ولا أرى نفْسي إلا أنازع هذه الدنيا وكدَرها ، مستشرفًا حياة أخرى ، لا أخفيكم ، كنت أرجو أن تقبض روحي .. فقد كنت حينها مشتاقًا سؤال الملائكة ولقاء ربّي .. ليس ثناءً بل هو الحال، الذي أسأل الله أن يجعلها في كرّة إذا جاءتِ المنيّة.
أتدرون ؟ بكيتُ ثلاث مرات، أشدّها عليّ حين أمر والدي -بارك الله في عمرُه- إخوتي بالذهاب إلى صلاةِ الفجر في المسجد، وبقيَ والدي عندي يواسيني، وسمعتُه حين أمرني بصلاةِ الفجر، فصليتها بقلبي، ثم أمرني بأذكار الصباح، فتلوتها، إذ وفّقه الله لتذكيري فهو يظنني لا أسمعه ..
ولا أنسى يده الحنيّة حينما ذرف دمعي ليحبسه ويمسحه ينادي (يا معاذ .. أتسمعني؟ لم تبكي؟) .. نعم، بكيت لأني تذكرتُ أشياء، لم تطق نفسي دون إبداءها ..
فالأولى، تذكرتُ والديّ وفضلهما والحنين لهما، وأني سأودعهما ..
والثانية، تذكرت رفقةً من صحبي، هم معي في يسري وعسري، وفرحي وحزني، كيف أفارقهم، ولم أودّعهم !
والثالثة، تذكرتُ أني لملمتُ بعض كتبي الفقهية الحديثية لمدارسة (كتاب الصيام) من (بلوغ المرام) في مسجدنا، وأنه سيفوتني بهذه السرعة، فقد كان رمضانُ على الأبواب والقلب لقربه في إطراق.
نعم، في هذه المواطن الثلاثة لم أملكُ دون البكاء شيئا، فقد عَيِي* اللسان ونطقَ الدمع !
وفي تمام الساعة السادسة صباحًا، دخل عليّ أهل المسجد حين خَبَروا حالي، وطفقوا يمسحون وجهي بماء قد قُرأ عليه سورة الفاتحة، فكأنما نشطت من عقال، واستفقت من غيبتي، ورأيت الناس قد أقبلت نحوي .. واجتمعوا حولي ..
فما لبثنا حتى بشّر الطبيب أنّ حالتي استقرت، وكأن الله كتب عليّ المرض والعافية في ليلةٍ واحدة !
ثم رددت البيتَ وقد استقبلني الأهل حامدين، ومضيت على وعكةٍ متعرضة وسخونةٍ في الجسمِ نحوا من أسبوعين ثم تماثلث الشفاء بحمد الله!
لم يكتمل العجب حتى زارني معبّر الرؤي شيخي محمد الجمل، وأخبرني برؤيا كانت قبل الحادثة بثلاثة أشهر، تأويلها كان أنّي أبتلى بمرضٍ يفرّجه الله بصدقِ دعاءِ الوالد ! وحينَ عرَف الشيخ أن هذه الحادثةَ وافق يوم ولادتي قال
(هذا تصديقها يا معاذ .. فقد ولدتَ من جديد)!
بسم الله، المحيي والمميت، لا إله إلا هو .
في مثلِ هذا اليوم الموافق لـ 6/ 8 م، أتممت -بحمدِ الله- سن العشرين، والمرء لا يزال بخيرٍ ما فتىء في عنفوان الشباب وطلّ الصِّبا وهو بين النّعم يتقلب، وبالطاعات يتقرب، عاملنا الله بستره وعفوه !
ذاك يومٌ ولدتُ فيه مرتين، يومَ وضعتني والدتي حفظها الله مع توأمي وبليّتي،
وحينما عافاني الله من وفاةٍ كانت تصديقُها رؤيا ..
مفادها = أني أولدُ من جديد ! وإنما يردّ الله عني مصيبتي وموتتي بدعاء والدي حفظه الله ، وكان ذاك قبل ثلاث سنين !
وأما أحداث هذه الليلة التي اعترتني، فقد كانت بمرضٍ ألمّ بي حتى اشتدّ عليّ، وكنت في شارع البتراء مع صحبةٍ، فمن شدة الأرَق أصبت بالبردِ فتشبّثت بكانونٍ ملئ نارا، فكنت من شدة بردِ جسمي أستنشق الدخان استنشاقًا لعلي أستدفء، فلما رددت البيت كان نفَسي بين ضيقٍ وهيجان، وسمّتها لي والدتي (ليلة الانتفاضة)، أضحكَ الله سنّها ..
حتى جلست والدتي عند رأسي ترقيني بآيات ، وتصبّرني ، وتدعو لي ، ما أجملها من لحظات ..
فإذا بأحد إخوتي من شقّ الباب يبصرني بعينيه متهزّءًا مما يلمّ بي، يظنّني ألعب ويضنّ بي التعب!
فجاء -بكل برودةٍ- بهاتفٍ يصورني على حالتي هذه التي يُرثى لها، ولا زال إلى الآن موجودًا ..
فلما فقم الأمر اجتمع عندي الأهل من كبير وصغير، لعلّ أحدهم كان يحدّث نفسه (إنها منيّته!) .. وقد صدّقت أنا ذاك حينها، حينما سمعتُ بكاء خالتي -كلأها المولى بحفظه - كالثكلى التى ستفقد أحد أبناءها .. فالخالة بمنزلة الأم ، وقلبها أرق من الرئم.
فحملوني .. وصار الأمرُ جِدًا ، حتى أركبوني السيارة بصحبةِ والدي وإخوتي الكبار ، وهم لا يفترون عن رقيتي والقراءة عليّ، وحالتي آنذاك (أسمعُ ما ينطقون، وقد عييتُ عن النطق ليسمعون) !
٭ وأخبرني شاهدُ عيانٍ أني كنت أتلو حديث ابن مسعودٍ في (خطبةِ الحاجة) من سنن أبي داودَ كنتُ قد حفظتُه حديثًا .. وأذكر أني سمعتُ أخي طارق وهو حامل بي يقول لي (أحسنت يا معاذ، اقرأ، اذكر الله)!
وأذكر من كان في الوسطِ حاملاً كتفي = توأمي الذي كان قبلُ بدقائقَ يظنّ الأمر هزلاً .. سمعتُه وهو يقرأ عليّ آية الكرسي، ويبكي بكاء الفقيد، لا يطيق هذا البريء أن يعيش في هذه الدنيا من دون أخيه الذي رافقه ( التخلّق في الرحِم وفي الدنيا ) !
وصلتُ المشفى ، حتى وضعوني على السرير الأبيض ، ولا أرى نفْسي إلا أنازع هذه الدنيا وكدَرها ، مستشرفًا حياة أخرى ، لا أخفيكم ، كنت أرجو أن تقبض روحي .. فقد كنت حينها مشتاقًا سؤال الملائكة ولقاء ربّي .. ليس ثناءً بل هو الحال، الذي أسأل الله أن يجعلها في كرّة إذا جاءتِ المنيّة.
أتدرون ؟ بكيتُ ثلاث مرات، أشدّها عليّ حين أمر والدي -بارك الله في عمرُه- إخوتي بالذهاب إلى صلاةِ الفجر في المسجد، وبقيَ والدي عندي يواسيني، وسمعتُه حين أمرني بصلاةِ الفجر، فصليتها بقلبي، ثم أمرني بأذكار الصباح، فتلوتها، إذ وفّقه الله لتذكيري فهو يظنني لا أسمعه ..
ولا أنسى يده الحنيّة حينما ذرف دمعي ليحبسه ويمسحه ينادي (يا معاذ .. أتسمعني؟ لم تبكي؟) .. نعم، بكيت لأني تذكرتُ أشياء، لم تطق نفسي دون إبداءها ..
فالأولى، تذكرتُ والديّ وفضلهما والحنين لهما، وأني سأودعهما ..
والثانية، تذكرت رفقةً من صحبي، هم معي في يسري وعسري، وفرحي وحزني، كيف أفارقهم، ولم أودّعهم !
والثالثة، تذكرتُ أني لملمتُ بعض كتبي الفقهية الحديثية لمدارسة (كتاب الصيام) من (بلوغ المرام) في مسجدنا، وأنه سيفوتني بهذه السرعة، فقد كان رمضانُ على الأبواب والقلب لقربه في إطراق.
نعم، في هذه المواطن الثلاثة لم أملكُ دون البكاء شيئا، فقد عَيِي* اللسان ونطقَ الدمع !
وفي تمام الساعة السادسة صباحًا، دخل عليّ أهل المسجد حين خَبَروا حالي، وطفقوا يمسحون وجهي بماء قد قُرأ عليه سورة الفاتحة، فكأنما نشطت من عقال، واستفقت من غيبتي، ورأيت الناس قد أقبلت نحوي .. واجتمعوا حولي ..
فما لبثنا حتى بشّر الطبيب أنّ حالتي استقرت، وكأن الله كتب عليّ المرض والعافية في ليلةٍ واحدة !
ثم رددت البيتَ وقد استقبلني الأهل حامدين، ومضيت على وعكةٍ متعرضة وسخونةٍ في الجسمِ نحوا من أسبوعين ثم تماثلث الشفاء بحمد الله!
لم يكتمل العجب حتى زارني معبّر الرؤي شيخي محمد الجمل، وأخبرني برؤيا كانت قبل الحادثة بثلاثة أشهر، تأويلها كان أنّي أبتلى بمرضٍ يفرّجه الله بصدقِ دعاءِ الوالد ! وحينَ عرَف الشيخ أن هذه الحادثةَ وافق يوم ولادتي قال
(هذا تصديقها يا معاذ .. فقد ولدتَ من جديد)!