النظرية النسبية
النظرية النسبية عاشت سنوات منذ بداية وضعها في سنة 1905 إلى الآن في برج عاجي لا يقربها إلا المختصون ، ولكن النظرية النسبية ترتب عليها القنبلة الذرية ، إنها لم تعد نظرية وإنما تحولت إلى تطبيقات خطيرة تمس كيان كل فرد وتؤثر في مصيره ، لقد خرجت من حيز الفروض والمعادلات الرياضية لتتحول إلى واقع رهيب وأصبح من حق كل فرد أن يعرف عنها شيئا .
وكان أينشتاين يحاول أن يبسط ما في نظريته من غموض وكان يقول : إن قصر المعلومات على عدد قليل من العلماء بحجة التعمق والتخصص يؤدي إلى عُزلة العلم ويؤدي إلى موت روح الشعب الفلسفية وفقره الروحي وكان يقول إن الحقيقة بسيطة ، وفي آخر محاولاته التي أتمها في عام 1949 كان يبحث عن قانون واحد يفسر به كل علاقات الكون .
والنظرية النسبية ليست كلها معادلات وإنما لها جوانب فلسفية ، وحتى المعادلات الرياضية يقول أينشتاين أنها انبعثت في ذهنه نتيجة شطحاته التي حاول فيها أن يتصور الكون على صورة جديدة .
وسوف نترك المعادلات الرياضية لأربابها من القادرين عليها محاولين أن نشرح بعض ما أراد ذلك العالم العظيم أن يقوله على قدر الإمكان … وسوف نبدأ من البداية … من قبل أينشتاين … من هذة الأسئلة ….
هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلا ؟
وهل الحقول خضراء ؟
وهل العسل حلو … والعلقم مر ؟
وهل الماء سائل … والجليد صلب ؟
وهل الزجاج شفاف كما يبدو لنا … والجدران ضماء ؟
لا …. ليست هذه هي الحقيقة
هذا ما نراه بالفعل وما نحسه ، ولكنه ليس كل الحقيقة .
وهل أحداث الكون كلها ممتدة في زمن واحد … بحيث يمكن أن تتواقت مع بعض في آن واحد في أماكن متفرقة ؟
فنقارن أحداثا تجري في الأرض مع أحداث تجري في المريخ والزهرة والسديم الجبار ونقول أنها حدثت في وقت واحد
أو أن أحدهما كان قبل الآخر ؟
وهل يمكننا أن نقطع في يقين أن جسما ما من الأجسام يتحرك وأن جسما آخر لا يتحرك ؟
كل هذه الأسئلة التي يخيل لك أنك تستطيع الإجابة عنها في بساطة والتي كان العلماء يظنون أنهم قد انتهوا منها من زمن قد تحولت الآن إلى ألغاز … لقد انهار اليقين العلمي القديم … والمطرقة التي حطمت هذا اليقين وكشفت لنا عن أنه كان يقينا ساذجا هي عقل أينشتاين ونظريته التي غيرت الصورة الموضوعية للعالم …
فالنور الأبيض الذي نراه إذا مررناه خلال منشور زجاجي يتحلل إلى سبعة ألوان هي ألون الطيف المعروفة ، فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان لم نجد أنها ألوان … وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها الموجي ، ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية … ولكن أعيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات … وإنما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ، ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانا وإنما هي محض موجات واهتزازات والمخ بلغته الاصطلاحية لكي يميزها عن بعضها يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن الألوان … وهذه هي حكاية الألوان .
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء … وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ماعدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل أعيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ ( اللون الأخضر ) .
أما العسل فهو في فمنا حلو ونحن نتلذذ به ، ولكن دودة المش لها رأي مختلف تماما بدليل أنها لا تقرب العسل بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهاما ، حلاوة العسل إذن لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية وإنما هي صفة نسبية نسبة إلى أعضاء التذوق في لساننا … إنها ترجمتنا الاصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تحدثها جزيئات العسل فينا … وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسية في كائن حي آخر طعما مختلفا هو أشبه بالمرارة .
أما الماء والبخار والجليد … فهم مادة كيميائية تركيبها الكيميائي واحد : ذرتين هيدروجين وذرة أوكسجين ، وما بينهم من اختلاف هو اختلاف في كيفيتها وليس اختلاف في حقيقتها … فعندما نعطي الماء طاقة (حرارة) تزداد حركة جزيئاته وبالتالي تتفرق نتيجة لاندفاعها الشديد في كل اتجاه وتكون النتيجة الغاز (بخار الماء) … وعندما يفقد الماء هذه الطاقة الكامنة تبدأ الجزيئات في إبطاء حركتها وتتقارب من بعضها إلى الدرجة التي نترجمها نحن بحواسنا بحالة السيولة … فإذا سحبنا منها حرارة وبردناها أكثر فأكثر فإنها تبطيء أكثر وأكثر وتتقارب حتى تصل إلى درجو من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها الصلابة (الثلج) … وشفافية الماء ترجع إلى أن جزيئات الماء متباعدة تسمح لنا بالرؤية من خلالها ، وهذا لا يعني أن جزيئات الثلج متلاصقة وإنما هي متباعدة أيضا ولكن بدرجة أقل … بل إن جميع جزيئات المواد الصلبة مخلخلة ومنفصلة عن بعضها … كل المواد الصلبة عبارة عن خلاء(فراغ) منثور فيه ذرات ولو أن حسنا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال … إذن فرؤيتنا العاجزة هي التي تجعل الجدران صماء وهي ليست بصماء .
إذن إنها جميعا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء (نسبة إلى حواسنا المحدودة) وليست أحكاما حقيقية … والعالم الذي نراه ليس هو العالم الحقيقي وإنما هو عالم اصطلاحي بحت نعيش فيه معتقلين في الرموز التي يختلقها عقلنا ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كنها .
معظم ما كتبه أينشتاين في معادلاته كان في الحقيقة تجريدا للواقع على شكل أرقام وحدود رياضية ومحاولة جادة من الرجل في أن يهزم العلاقات المألوفة للأشياء لتبدو من خلفها لمحات من الحقيقة المدهشة التي تختفي في ثياب الألفة .
فنحن أحيانا نرى أشياء لا وجود لها ، فبعض النجوم التي نراها بالتليسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية … أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى 500 مليون سنة ضوئية ليصل إلى عيوننا ، وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين … فنحن لا نراها في الحقيقة وإنما نرى ماضيها السحيق الموغل في القدم … أما ماهيتها الآن … فالله وحده أعلم بها … وربما تكون قد انفجرت واختفت أو انطفأت أو ارتحلت بعيدا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها …
إننا قد نكون محملقين في شيء يلمع دون أن يكون له وجود بالمرة …
إلى هذه الدرجة يبلغ عدم اليقين … وإلى هذه الدرجة يمكن أن تنخدع أبصارنا؟!
تعليق