الفتاة التى ابتلعها الجسر
لكل منا خط حياة ، أفتح كفك وستراه ، أنه ذلك الخط الذي يبدأ من تحت إبهامك ويمتد على شكل قوس وصولا إلى معصمك ، أنظر إليه جيدا ، دقق وتمعن فيه .. هل هو مكتمل ومحفور جيدا في باطن كفك أم هو غير واضح المعالم وفيه تقطع وتهتك .. لا تجزع! .. هو لا يدل على طول عمرك ، بمعنى أن طوله أو قصره أو شكله لا علاقة له بعدد السنين التي ستعيشها على هذه الأرض قبل أن يطويك الثرى وتصبح من الغابرين ، لكن له علاقة بطبيعة حياتك ، صحتك ونشاطك ورفاهيتك والتغيرات والمحن التي ستعرفها على مر السنين .
الخطوط الرئيسية لكف الانسان .. هناك خطوط اخرى كثيرة ..
خطوط الكف أوضح وأجمل وأكمل في أيدي الأغنياء منها في يد الفقراء .. لماذا ؟ .. ببساطة لأن الأغنياء لا يعملون بأيدهم كثيرا ، لهذا تكون كفوفهم واضحة المعالم ، طرية وناعمة كالحرير . أما أيدي الفقراء فخشنة ، يابسة ، محيت ملامحها من كثرة الاستعمال ! .. كأنها انعكاس لواقع باهت وبائس .
طبعا قد يقول قائل بأن هذا الكلام لا أساس له من الصحة ، مجرد خزعبلات ، لكن ثق عزيزي القارئ بأنه لا يخلو من حقيقة ، أنه كالقول بأن "الفقراء لا يدخلون الجنة" ، فليس المقصود أن الله يمنع الفقراء من دخول الجنة كونهم فقراء ، لكن العوز يجعل الفقير كثير الشكوى والتذمر ، والله لا يحب سوى الشاكرين الحامدين لنعمه . والحاجة قد تدفع الفقير لاقتراف الذنوب والموبقات ، وهذا يفسر لنا لماذا أغلب المدن والأحياء الفقيرة حول العالم تكون موبوءة بالسرقة والدعارة والمخدرات ، وهي أمور لا تقود إلى الجنة طبعا ، كما أن الفقير لا يملك مالا مثل الغني ليذهب في آخر عمره إلى الحج ويتصدق على الفقراء أو يبني مسجدا ثم يموت بعهدها ليجد أمامه قصرا حاضرا في الجنة ، الفقراء في الواقع ليس لديهم مال لشراء قصور لا على الأرض ولا في السماء .. بالكاد لديهم مال لشراء قبر ! .
لكن لحظة .. ما داعي كل هذه المقدمة الطويلة العريضة عن خط الحياة والغنى والفقر
في الحقيقية هي بسبب أيملي ..
اميلى عاشت في هذه المدينة الجميلة ..
إنها فتاة جميلة وثرية عاشت في القرن التاسع عشر وأثارت غيظي بسبب غبائها ، كل ما كان عليها أن تفعله هو أن تنظر وتتمعن جيدا في خطوط كفها ، كانت سترى الخطة المرسومة لحياتها واضحة لا لبس فيها ، وهي أن تتزوج شابا ثريا مثلها ، وأن تنجب أطفالا أصحاء ، وتعيش في سعادة ورفاهية لما تبقى من عمرها في منزل فخم كبير وهي محاطة بالخدم والحشم .
لكنها لم تفعل ذلك . كانت للأسف من ذلك النوع من البشر الذين يعشقون الشقاء ، اختارت أن تعشق شابا فقيرا بالكاد يملك قوت بطنه ، أسمه دونالد ، يعيش في واحدة من تلك الأحياء التي لا يذهب سكانها إلى الجنة ! .
كان حبهما من النوع الناري ، لا أدري إن كنت جربت هذا النوع من الحب عزيزي القارئ ، لكن دعني أخبرك كيف يكون ، أنه كشعلة متأججة من اللهب ، أنت تعلم جيدا بأنها ستحرقك ، ومع هذا تضع يدك فيها طائعا صاغرا متلذذا بآلامك ومستأنسا بآهاتك .. باختصار هو أجمل عذاب يمكن أن تجربه في حياتك ، وهو أيضا أكبر حماقة يمكن أن تقترفها في حياتك ! .. هو كمخدر الأسنان ، يزول أثره سريعا ، خصوصا إذا ما انتهى بالزواج ، عندها تختفي اللذة ولا تبقى سوى الحروق .
على العموم ، دعونا نعود لأيملي ، فهذه الفتاة الناكرة للجميل كانت كثيرة التذمر من أهلها ، أبوها وأمها كانا يريدان لها الأفضل وهي تشتمهم وتلعنهم لأنهما يرفضان أن ترتبط بحبيبها الفقير . منعاها من رؤيته فإذا بها تجلبه إلى منزلهما بكل وقاحة ليطلب يدها منهما رسميا .
أعتقد المشهد التالي من قصتنا معروف لأغلبكم ..
ايملي احبت شابا فقيرا ..
شاب فقير معدم جاء لطلب يد شابة جميلة من عائلة ثرية ومرموقة ، النتيجة هي أن الخدم حملوه على الأكتاف ثم رموه خارج المنزل كالكلب الأجرب ، ذلك بعد أن هدده والد الفتاة بأنه في المرة التالية التي سيوسخ فيها أرضية منزلهم الرخامية البراقة بحذائه القذر المتهرئ فأنه سينتهي بطلقة في رأسه .
لا أفهم لماذا بعض الناس يضعون أنفسهم في مواقف محرجة كهذه ! .. ولماذا لا يتعلمون من تجاربهم السيئة ، فبدل أن يتعض دونالد من "العلقة" التي أكلها في منزل والد حبيبته ، بدل أن يترك الفتاة ويمضي لسبيله ، راح يحرضها على الهرب معه . ولم تبدي هي أي اعتراض أو امتعاض ، لا بالعكس .. كانت سعيدة مغتبطة بهروبها من الغنى والثراء إلى الفقر والشقاء ! .
وفي ليلة مدلهمة غاب عنها القمر ، بعد أن نام أهلها ، تسللت أميلي من منزلها خلسة وراحت تعدو نحو المكان الذي واعدت فيه حبيبها لكي يهربا معا . وكانا قد تواعدا على الالتقاء عند جسر غولد بروك (جدول الذهب) الخشبي العتيق الذي يبدو من بعيد كأنه دب بني عملاق فاغر فاه ليبتلع كل من يعدو إلى داخله .
ركضت أميلي نحو حبيبها ، ومع كل خطوة كان قلبها يقفز فرحا ، أظنك جربت ذلك الشعور عزيزي القارئ ، أعني الترقب والاشتياق الشديد لشيء أو حدث ما ... أنه شعور يجعل أعضاء بدنك كلها تنتظم في أهزوجة راقصة ! ..
وصلت أميلي للجسر أخيرا ، تلفتت ذات اليمين وذات الشمال ، لم يكن من أثر لدونالد ! ..
انتظرت طويلا .. ليس معها سوى دمعتها وصرير جنادب الليل ..
انتظرت .. وانتظرت ..
اميلي انتظرت عند هذا الجسر طويلا ..
لكن دونالد لم يأتي أبدا ، لا أحد يعلم ماذا جرى له وما الذي منعه من الحضور ، يقال بأن والد الفتاة علم بخطة هروب أبنته فأرسل من قام بقتل حبيبها ، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية فأن أحدا لم يرى الشاب العاشق بعد تلك الليلة المشئومة .أما أيملي .. فهناك روايات عدة لما جرى لها ..
يقال بأنها وبعد أن طال أنتظرها على الجسر وتسلل اليأس إلى قلبها قررت العودة إلى منزلها ، عادت وهي تجر أذيال الخيبة وتنتحب بحرقة من غدر الحبيب ، لكنها لم تبعد كثيرا عن الجسر ، لم تمشي سوى لبضعة خطوات حتى ظهرت عربة مسرعة تجرها خيول جامحة ، الحوذي العجوز لم يرى أيملي في الظلام الدامس ، وأيملي الغارقة في أحزانها وخيبتها لم تنتبه أصلا لقدوم العربة ، وسرعان ما انتهى ذلك المشهد بأيملي تحت حوافر الخيل ، ماتت في الحال .
هناك رواية أخرى تقول بأن أيملي من شدة إحباطها انتحرت بشنق نفسها على إحدى دعامات الجسر .
وهناك أيضا من يزعم بأن أيملي كانت حاملا من حبيبها ، وبأنها عادت إلى منزلها حين لم يأتِ إليها في تلك الليلة . بعد فترة ظهرت عليها بوادر وعلامات الحمل فأراد والدها أن يزوجها برجل لا تحبه من أجل أن يغطي على الفضيحة ، لكنها طلبت منه أن يمهلها حتى تفرغ من حملها ، وقد أنجبت توأما جميلا ، وفي اليوم التالي تسللت إلى الجسر الخشبي وانتحرت هناك .
على العموم ، أيا ما كانت الرواية الصحيحة فأن أيملي ماتت فوق ذلك الجسر الكئيب وتحولت قصتها بالتدريج إلى حكاية حزينة مرعبة يقصها الناس لأطفالهم في ليالي الشتاء الباردة ، وأقول مرعبة لأن الجسر بدأ يشهد أحداثا وأمورا غريبة منذ ذلك الحين .
زعموا رؤية فتاة ترتدي ثوبا ابيض تجري ..
بعض الذي مروا بالجسر ليلا زعموا بأنهم سمعوا صوت فتاة تنتحب ، لكن حين فتشوا الجسر لم يعثروا على أحد . هناك أيضا من زعموا بأنهم شاهدوا فتاة ترتدي ثوب العرس الأبيض تجري فوق الجسر ثم تختفي في الظلمة . آخرون قالوا بأنهم رأوا فتاة مشنوقة فوق دعامة الجسر .هناك أيضا مزاعم حول تعرض بعض زوار الجسر لهجوم خفي حيث وجودوا جروح ناجمة عن خربشة أظافر على أجسادهم ، وحتى على سياراتهم ، ويقال بأن أكثر من يتعرضون لهذه الحوادث هم الرجال .
ولا تقتصر قصص شبح الجسر على الروايات الشفهية ، فهناك أيضا صور منشورة على بعض المواقع يظهر فيها ما يشبه وجه أو جسم فتاة وسط الظلام الحالك الذي يلف الجسر .
طبعا معظم الناس يؤمنون بأن من يقف وراء تلك الأمور الغريبة والغامضة هو شبح أميلي البائس ، يقال بأنها مازالت تنتظر حبيبها هناك على الجسر ، تتلفت بيأس بحثا عنه ، وتشعر بالحنق والغضب لعدم حضوره فتنفس عن غضبها بمهاجمة المارة وزوار الجسر ، خصوصا الرجل ، فالغدر وقلة الوفاء شيمة يشتركون فيها جميعا – حسب وجهة نظر بعض النساء - .
أما لماذا سكنت روح أيملي الجسر .. ولماذا لا تغادر إلى العالم الآخر ؟ .. فبحسب معتقدات بعض الشعوب تتحول الأرواح المعذبة والمغدورة إلى أشباح أو عفاريت بعد موتها ، وكلما كانت ميتة الشخص مفجعة ومؤلمة أكثر كلما زاد احتمال تحوله لشبح بعد موته .
هل هناك حقا شبح يسكن هذا الجسر ؟ ..
وهناك من يرى بأن الشبح هو قرين الميت ، والقرين هو من الجن ، يرافق الإنسان في حياته وقد يبقى بعد مماته ، وغالبا ما يبقى هائما على وجهه في البقعة التي مات فيها قرينه .
رأي آخر يزعم بأن الجن والأرواح الشريرة تستغل خوف الناس من بعض الأماكن التي تدور حولها القصص المرعبة فتعمد إلى العبث بعقولهم عن طريق تصورها في هيئة أشباح .
أما العلماء فيقولون بأن الأشباح هي مجرد تجلي لمخاوف الإنسان ، أي أنها هلوسات وتهيؤات ناجمة عن خوف شديد ، أظن بأننا كلنا جربنا هذا الشعور بعدم الراحة بعد رؤية فيلم رعب ، حيث يصبح أقل صوت مثيرا للريبة وباعثا على القلق . ورأي العلماء هذا هو الأقرب لتفسير ما يحدث عند جسر أيملي ، فالمصادر التاريخية في مدينة ستو الأمريكية ، حيث عاش كل من أيملي ودونالد ، تغفل تماما عن أي ذكر لهما ، ولا توجد أي أشارة تدل على انتحار أو موت فتاة شابة عند غولد بروك . على الأرجح فأن قصة أيملي لم تظهر للوجود إلا في ستينات القرن المنصرم ، يقال بأنها قصة اختلقتها إحدى طالبات الثانوية ، وفي لقاء مع هذه الفتاة زعمت بأنها توصلت للقصة بعد أن أجرت هي وزميلاتها جلسة تحضير أرواح عن طريق لوح الويجا فوق الجسر ، وبعد تلك الجلسة مباشرة بدأت المشاكل والأحداث الغريبة .
على العموم أيا ما كانت الحقيقة .. فأن الجسر الذي أبتلع روح أيملي صار يعرف بأسمها ، أي جسر أيملي ، وأصبح من الأماكن الأكثر جذبا للسياح في مدينة ستو الأمريكية ، كل عام يزوره الآلاف من عشاق الأدرينالين . ويقال بأن الوقت الأنسب لمقابلة الشبح هو بين الساعة التاسعة مساءا والثالثة فجرا .
اعتذر عن أسلوبي ، أنا لم أقصد التندر على الفقراء ولا السخرية من الأغنياء . الفقراء بالنهاية لم يختاروا فقرهم ، وليس ذنب الأغنياء وجود الفقراء . الأمر بالنهاية ليس طبقيا بقدر ما هو مالي ، أعني أن الفقير سيحاول التصرف كغني لو صادفه الثراء ، والغني سيتصرف حتما كفقير لو ضاع ماله . ما أقوله أنا هنا هو أن الإنسان يجب أن يكون عمليا في نظرته لواقعه ، هب أن دونالد تمكن فعلا من الزواج بأيملي ، كيف كان سيوفر متطلباتها كفتاة غنية لم تعرف الفقر والعوز أبدا ، وقد قال أحدهم قديما : " عندما يطرق الفقر الباب يهرب الحب من الشباك " ... نعم قد يعشق الفقير فتاة ثرية ، وتبادله هي الحب والغرام ، لا بأس في ذلك .. ما دام مقتصرا على أحاديث الفيسبوك وهمسات الجوال ، أما الهرب معا ، والتواعد ليلا عند جسر مظلم ، فتلك حماقة كبرى تنتهي عادة بقصة مرعبة كهذه التي سردتها على حضراتكم قبل قليل .
وهناك من يرى بأن الشبح هو قرين الميت ، والقرين هو من الجن ، يرافق الإنسان في حياته وقد يبقى بعد مماته ، وغالبا ما يبقى هائما على وجهه في البقعة التي مات فيها قرينه .
رأي آخر يزعم بأن الجن والأرواح الشريرة تستغل خوف الناس من بعض الأماكن التي تدور حولها القصص المرعبة فتعمد إلى العبث بعقولهم عن طريق تصورها في هيئة أشباح .
أما العلماء فيقولون بأن الأشباح هي مجرد تجلي لمخاوف الإنسان ، أي أنها هلوسات وتهيؤات ناجمة عن خوف شديد ، أظن بأننا كلنا جربنا هذا الشعور بعدم الراحة بعد رؤية فيلم رعب ، حيث يصبح أقل صوت مثيرا للريبة وباعثا على القلق . ورأي العلماء هذا هو الأقرب لتفسير ما يحدث عند جسر أيملي ، فالمصادر التاريخية في مدينة ستو الأمريكية ، حيث عاش كل من أيملي ودونالد ، تغفل تماما عن أي ذكر لهما ، ولا توجد أي أشارة تدل على انتحار أو موت فتاة شابة عند غولد بروك . على الأرجح فأن قصة أيملي لم تظهر للوجود إلا في ستينات القرن المنصرم ، يقال بأنها قصة اختلقتها إحدى طالبات الثانوية ، وفي لقاء مع هذه الفتاة زعمت بأنها توصلت للقصة بعد أن أجرت هي وزميلاتها جلسة تحضير أرواح عن طريق لوح الويجا فوق الجسر ، وبعد تلك الجلسة مباشرة بدأت المشاكل والأحداث الغريبة .
على العموم أيا ما كانت الحقيقة .. فأن الجسر الذي أبتلع روح أيملي صار يعرف بأسمها ، أي جسر أيملي ، وأصبح من الأماكن الأكثر جذبا للسياح في مدينة ستو الأمريكية ، كل عام يزوره الآلاف من عشاق الأدرينالين . ويقال بأن الوقت الأنسب لمقابلة الشبح هو بين الساعة التاسعة مساءا والثالثة فجرا .
اعتذر عن أسلوبي ، أنا لم أقصد التندر على الفقراء ولا السخرية من الأغنياء . الفقراء بالنهاية لم يختاروا فقرهم ، وليس ذنب الأغنياء وجود الفقراء . الأمر بالنهاية ليس طبقيا بقدر ما هو مالي ، أعني أن الفقير سيحاول التصرف كغني لو صادفه الثراء ، والغني سيتصرف حتما كفقير لو ضاع ماله . ما أقوله أنا هنا هو أن الإنسان يجب أن يكون عمليا في نظرته لواقعه ، هب أن دونالد تمكن فعلا من الزواج بأيملي ، كيف كان سيوفر متطلباتها كفتاة غنية لم تعرف الفقر والعوز أبدا ، وقد قال أحدهم قديما : " عندما يطرق الفقر الباب يهرب الحب من الشباك " ... نعم قد يعشق الفقير فتاة ثرية ، وتبادله هي الحب والغرام ، لا بأس في ذلك .. ما دام مقتصرا على أحاديث الفيسبوك وهمسات الجوال ، أما الهرب معا ، والتواعد ليلا عند جسر مظلم ، فتلك حماقة كبرى تنتهي عادة بقصة مرعبة كهذه التي سردتها على حضراتكم قبل قليل .
تعليق