قاتلة لا تعرف الرحمة
بعض الناس لا تسعهم الدنيا بما رحبت ، لا يقتنعون أبدا بما لديهم ، يريدون دوما تجربة أمور جديدة ، حتى لو أدت بهم إلى مهاوي الدمار والخراب ، كأنما جبلوا على التمرد والعصيان . كلامنا هذا يصدق تماما على بطلة قصتنا ، جوانا دينهي ، فهذه الشابة الانجليزية ولدت لعائلة ميسورة لم تقصر أبدا في تربيها ورعايتها وتعليمها في أحسن المدارس الخاصة . كان لديها كل شيء ، الحاضر الزاهر والمستقبل الواعد ، لكنها قايضت كل ذلك بزجاجة خمر وبضعة غرامات من مسحوق أبيض لعين طالما تسبب بخراب البيوت حول العالم .
في سن الخامسة عشر قبضت أمها على يدها وسحبتها نحو باب المنزل ثم دفعتها خارجا ، قالت لها بالحرف الواحد : "إياكِ أن تعودي إلى هنا أبدا" . الأم الغاضبة لم تصل إلى هذه المرحلة إلا بعد أن طفح كيلها ، عانت كثيرا ، استدعوها للمدرسة عدة مرات بسبب شغب ابنتها وعدوانيتها ، الجيران أخبروها بأنهم شاهدوها تحتسي الخمر في الشارع ، زميلاتها قلن بأنها تتعاطى المخدرات ، والأدهى من كل ذلك هو أن الشرطة قبضت عليها مرتين متلبسة بالسرقة من بعض المتاجر .
جوانا المراهقة لم تحاول أبدا أن تعدل من سلوكها بعدما تم طردها من المنزل ، لا بالعكس ، بل تمادت في غيّها ، أصبحت الآن حرة وبإمكانها أن تفعل ما تريد ، وسرعان ما عثرت على شريك يكاد يماثلها في السوء . أسمه جون ترينور ، يكبرها بست أعوام ، تقابلا في حديقة عامة ، وسرعان ما أصبحا عاشقين .
غني عن القول بأن المراهقين غالبا ما يكونون اندفاعيين ومتهورين ومغامرين ، بسبب قلة الخبرة بالحياة مما يجعلهم غير مدركين لعواقب أعمالهم ، وكذلك بسبب الطاقة المتفجرة في أجسادهم الشابة ، لكن كلما تقدم العمر بالإنسان وعركته الحياة بتجاربها كلما تبدل سلوكه وأصبح أكثر ميلا للهدوء والتروي بتصرفاته . وهذا هو ما حدث بالضبط مع جون ، خصوصا بعد أن أصبح أبا ، لكن المشكلة كانت في جوانا ، فهي لم تصحح أفعالها وتصرفاتها بعد أن أصبحت أما وسيدة راشدة ، لا بل زادت تهورا وخبالا .
[
جون وجوانا ..
الاثنان كانا مدمنان على المخدرات ، كانا يبيعانها أيضا لإمرار المعاش . لكن مع ولادة أبنتهما الأولى وجد جون عملا لنفسه وبدأ يبتعد تدريجيا عن هذا المسلك ، في حين انغمست جوانا فيه بصورة تامة ، خصوصا بعد ولادة أبنتهما الثانية ، فهي لم تكن تريد أطفال ، وكان تعاملها مع أبنتيها يتسم بالبرود وعدم الاهتمام ، أصبحت حياتها عبارة عن سكر وعربدة دائمة ، حتى عندما حصلت على وظيفة في مزرعة لم تترك الشراب ، طلبت من صاحب العمل أن يعطيها أجرها على شكل قناني من الخمر ! .. ولم يطل الوقت حتى قام بطردها .
جوانا أصبحت تترك المنزل لفترات طويلة ، كان جون يرعى الطفلتين بغيابها ، بل حتى في وجودها لم تهتم لهما كثيرا ، وبدأ جون يسمع شائعات عن زوجته ، أخبروه بأنهم شاهدوها مع رجال آخرين ، كانت تقايض الجنس مقابل المال اللازم لشراء الخمر والمخدرات ، ويبدو بأنها لم تكتفي بالرجال ، إذ عادت يوما إلى المنزل وبصحبتها فتاة شابة قالت بأنها عشيقتها ، فجن جنون جون ، لكنها لم تهتم لردة فعله .
]
[]
مع طفليها .. لم تكن تريد ان تصبح اما ..
يوما بعد آخر أصبحت جوانا تميل للعنف بصورة متزايدة ، لم تعد تسيطر على انفعالاتها ، تنفجر غضبا لأبسط الأمور فتضرب وتشتم ببذاءة ، ولأكثر من مرة استدعى الجيران الشرطة بسبب الضوضاء وسيل الشتائم الذي تطلقه جوانا بلا توقف . مشاحناتها مع جون خرجت بالتدريج من نطاق الصراخ إلى مرحلة الضرب ، الجيران بدءوا يشاهدون كدمات على وجه جون ، وفي إحدى المرات شاهدوا جوانا وهي تبرحه ضربا بعصا الكراكيت في حديقة منزلهم . عنف جوانا لم يقتصر على جون ، بل أمتد إلى جسدها ، إذ راحت تجرح نفسها بالسكين ، تشعر بنشوة بالغة لمنظر الدم وإحساسها الألم ، وكان ذلك مؤشرا على وجود اضطراب نفسي خطير .
في أحد الأيام عادت جوانا إلى المنزل بعد غيبة طويلة ، سألها جون أين كانت ، فلم تجبه ، نظرت إليه باحتقار ، استلت سكينا كبيرة مرعبة من جزمتها السوداء الطويلة ووضعتها على الطاولة ثم جلست تحتسي الخمر غير مبالية له أو لبناتها ، كان هذا المنظر كفيلا بإسكات جون وبث الرعب في نفسه ، علم بأن جنون زوجته قد فاق كل حد ، وبأن الوقت قد حان لكي ينفذ بجلده ، ومع عتمة الفجر وضع طفلتيه في سيارته وفر إلى منزل والدته حيث لم يعد أبدا .
[
ابتدأ الجنون .. السكين التي استعملتها في القتل ..
جون تزوج من امرأة أخرى ، ولم يسمع عن زوجته مجددا إلا عن طريق نشرات الأخبار عام 2013 عندما أصبحت فجأة حديث الإعلام والناس بعدما قبضت الشرطة عليها بتهمة قتل ثلاثة رجال والاعتداء على أثنين آخرين .
ضحيتها الأولى كان شابا بولنديا يدعى لوكاس سلابوسشكي ، 31 عاما ، استدرجته إلى شقتها وطعنته بالسكين في قلبه ثم حملت جثته بمساعدة صديقها العملاق غراي سترتج وألقتها في صندوق قمامة .
الضحية الثاني يدعى جون جابمان ، 56 عاما
، كان جارها ، نحرته أولا ثم أجهزت عليه ثلاث ضربات في قلبه وصدره .
ثالث الضحايا كان رئيسها السابق في العمل ، كيفن لي ، 48 عاما ، استدرجته بوعد منها بممارسة الجنس معه ثم نحرته بسكينها . الشرطة عثرت على جثة كيفن في جدول لتصريف المياه ، كان يرتدي فستانا نسائيا ومؤخرته مكشوفة ، جوانا فعلت ذلك به من باب النكاية والاحتقار .
جرائم القتل الثلاثة وقعت جميعها في ظرف عشرة أيام ، ويبدو بأن جوانا استمرأت القتل كثيرا ، فبعد أيام ، في مدينة هيريفورد ، هاجمت رجلا كان يمشي مع كلبه في الشارع ، هاجمته عشوائيا ومن دون أي سبب ، طعنته بسكينها الكبير ثم بصقت عليه وغادرت ، ولم تمضي سوى دقائق حتى هاجمت رجلا آخر كان هو الآخر يمشي مع كلبه ، طعنته هو الآخر ثم تركته ينزف ورحلت ، لحسن الحظ كلا الرجلين نجيا من الموت بأعجوبة .
بدت سعيدة وهي تروي جرائمها للمحققين .. وصورة عشيقها العملاق .. طوله 2,23 متر ..
عندما ألقي القبض على جوانا أخيرا لم تبدي أي ندم على جرائمها ، كانت تضحك وتمزح مع المحققين ، وبدت مستمتعة جدا ببريق الكاميرات وضجيج الإعلام من حولها .
الأطباء النفسيين الذين فحصوا جوانا قالوا بأن لديها اضطراب عميق بالشخصية ، لديها شذوذ سادي مازوخي ، بحيث لا تصل إلى النشوة الجنسية إلا عن طريق الألم والتعذيب .
الدافع وراء جرائمها ظل غامضا ، لكنها أخبرت طبيبها النفسي بأن فعلت ما فعلت لسبب بسيط : "في البداية قتلت لأتأكد من أني باردة المشاعر كما أعتقد ، ثم سرعان ما راقني الأمر ، وجدته ممتعا ، فقتلت المزيد" .
في عام 2014 تم الحكم على جوانا دينهي ، 31 عاما ، بالسجن مدى الحياة من دون أي فرصة للعفو .
تعليق