أفول الدولة العثمانية
(1828–1908)
السلطان محمود خان الثاني
تتميز هذه المرحلة بانحدار الدولة العثمانية سريعًا وفقدانها لمعظم ممتلكاتها الباقية في أوروبا، حيث أعلنت روسيا الحرب على العثمانيين بعد أن رفضت الدولة العثمانية الاعتراف بقرارات مؤتمر لندن الذي نص على استقلال اليونان، وتمكنت من احتلال البغدان والأفلاق، بل وصلت إلى مدينة أدنة وهددتالآستانة بالسقوط، فتدخلت بريطانيا وفرنسا لوقف تقدم روسيا خوفًا على مصالحها في الشرق، فعُقدت بين الروس والعثمانيين معاهدة أدرنه التي نصت على عودة المناطق التي احتلها الروس إلى الدولة العثمانية مقابل تمتع روسيا ببعض الامتيازات وتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها في الحرب، واستقلال بلاد الصرب وتسليم ما تحتفظ به الدولة من قلاعها.وفي أواسط سنة 1830م، ساءت العلاقات بين الدولة العثمانية وفرنسا مجددًا، بعد أن نفذت الأخيرة ما كانت تنويه من مدّة، ألا وهو الاستيلاء على ولاية الجزائر بدعوى منع تعدي القراصنة المسلمين على مراكبها التجارية، وبذلك فقدت الدولة العثمانية الجزائر إلى الأبد، على الرغم من استبسال المقاومة بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري، الذي اضطر للاستسلام بعد أن دافع عن بلاده مدة سبع عشرة سنة.
محمد علي باشا، أشهر من أعلن العصيان على الدولة العثمانية في ذلك الوقت.
استمرت المشاكل تنهال على الدولة العثمانية بعد سقوط الجزائر، وذلك أن والي مصر محمد علي باشا طمع في توسيع رقعة نفوذه بعد أن غدا أقوى ولاة السلطان العثماني في الشرق العربي، وكان السلطانمحمود الثاني قد وعد محمد علي بأن يوليه على بلاد الشام لقاء خدماته الجليلة التي قدمها للدولة، لكنه عاد وأخلف وعده، إذ شعر أن وجود محمد علي في الشام خطرٌ على كيان السلطنة نفسها. فقرر محمد علي أن يجتاح بلاد الشام بالقوة، فوجه جيشه إلى فلسطينوأخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري إلى الأناضول حيث هزم الجيش العثماني حديث النشأةفي قونية، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الآستانة، حتى خُيل للعالم في ذلك الوقت أن نهاية الدولة العثمانية أصبحت قريبة.عقب هزيمة قونية، استنجد السلطان محمود الثاني بالدول الأوروبية للوقوف في وجه الخطر المداهم، فلم ينجده إلا روسيا، التي أرسلت 15 ألف جندي إلى الآستانة للدفاع عنها، فخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي، حيث أقر له السلطان بولاية مصر وجزيرة كريت وفلسطين ولبنان وأضنة، لقاء نفس الأموال التي كان يؤديها عن الشام الولاة العثمانيون من قبل. وفي غضون ذلك توسّع النفوذ الروسي في الدولة خصوصًا بعد أن أبرم السلطان معاهدة مع روسيا تعهدت فيها الأخيرة بالدفاع عن الدولة العثمانية لو هاجمها المصريون أو غيرهم. عمل السلطان محمود الثاني في أواخر أيامه على استعادة الشام ومصر، فجمع جيشًا جديدًا، ونشط عملاؤه في الشام يحرضون الشعب للثورة على المصريين، ثم سار الجيش وقام بهجوم عبر الفرات أسفر عن كارثة نزلت به، إذ بدده الجيش المصري في معركة نصيبين عام 1839م. ولم تصل أنباء هذه الهزيمة إلى السلطان محمود الثاني، إذ توفي قبل ذلك بأيام.
السلطان عبد المجيد خان الأول.
خلف السلطان عبد المجيد الأول أباه السلطان محمود الثاني، وهو صبيّ لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكانت الدولة العثمانية على شفير الانهيار، إذ أصبحت بلا جيش، بفعل خسارة الجيوش العثمانية أمام المصريين، وتشتيت القوى المسلحة، وبلا أسطول، بفعل انضمام الأسطول العثماني طواعية إلى الأسطول المصري في الإسكندرية،فسارع السلطان الفتى إلى إجراء مفاوضات مع محمد علي، فاشترط الأخير، لعقد الصلح، أن يكون الحكم في الشام ومصر حقًا وراثيًا في أسرته. وكاد السلطان عبد المجيد يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكرة مشتركة من الدول الأوروبية الكبرى، عدا فرنسا،تطلب إليه بألا يتخذ قرارًا يتعلق بمحمد علي إلا بمشورتهم، ووعدوه بالتوسط بينه وبين محمد علي، فوافق على ذلك. ثم اجتمعت كل منبريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقية صدق عليها العثمانيون، وعرضوها على محمد علي، وهي تنص على بقاء ولاية مصر وراثية في عائلته، وولاية عكا مدى حياته، فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الأوروبيين والمندوب العثماني من مصر، وبناءً على ذلك هاجمت البوارج الحربية البريطانية والنمساوية والعثمانية مدن الساحل الشامي واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على جيوش محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وأجبرته على العودة إلى مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام إلى ربوع الدولة العثمانية، وأصبحت سيادة الدولة على مصر سيادةً اسميّة. توصلت الدول الأوروبية الكبرى، بعد انتهاء الأزمة العثمانية - المصرية، إلى عقد اتفاقية جماعية مع الدولة العثمانية، أُطلق عليها تسمية "معاهدة المضائق" أو "اتفاقية لندن الخاصة بالمضائق"، وقد أرست هذه الاتفاقية نظامًا للمضائق العثمانية ظل مطبقًا بدون إدخال تعديلات جوهرية عليه حتى قيام الحرب العالمية الأولى.حدث في عهد السلطان عبد المجيد عدد من الفتن الداخلية في الولايات العثمانية، وازدادت الدولة ضعفًا على ضعف، مما زاد من أطماع الدول الأوروبية فيها، فدُعيت باسم "الرجل المريض"، وأخذ الأوروبيون يخططون لاقتسام تركتها مستقبلاً.
(1828–1908)
السلطان محمود خان الثاني
تتميز هذه المرحلة بانحدار الدولة العثمانية سريعًا وفقدانها لمعظم ممتلكاتها الباقية في أوروبا، حيث أعلنت روسيا الحرب على العثمانيين بعد أن رفضت الدولة العثمانية الاعتراف بقرارات مؤتمر لندن الذي نص على استقلال اليونان، وتمكنت من احتلال البغدان والأفلاق، بل وصلت إلى مدينة أدنة وهددتالآستانة بالسقوط، فتدخلت بريطانيا وفرنسا لوقف تقدم روسيا خوفًا على مصالحها في الشرق، فعُقدت بين الروس والعثمانيين معاهدة أدرنه التي نصت على عودة المناطق التي احتلها الروس إلى الدولة العثمانية مقابل تمتع روسيا ببعض الامتيازات وتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها في الحرب، واستقلال بلاد الصرب وتسليم ما تحتفظ به الدولة من قلاعها.وفي أواسط سنة 1830م، ساءت العلاقات بين الدولة العثمانية وفرنسا مجددًا، بعد أن نفذت الأخيرة ما كانت تنويه من مدّة، ألا وهو الاستيلاء على ولاية الجزائر بدعوى منع تعدي القراصنة المسلمين على مراكبها التجارية، وبذلك فقدت الدولة العثمانية الجزائر إلى الأبد، على الرغم من استبسال المقاومة بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري، الذي اضطر للاستسلام بعد أن دافع عن بلاده مدة سبع عشرة سنة.
محمد علي باشا، أشهر من أعلن العصيان على الدولة العثمانية في ذلك الوقت.
استمرت المشاكل تنهال على الدولة العثمانية بعد سقوط الجزائر، وذلك أن والي مصر محمد علي باشا طمع في توسيع رقعة نفوذه بعد أن غدا أقوى ولاة السلطان العثماني في الشرق العربي، وكان السلطانمحمود الثاني قد وعد محمد علي بأن يوليه على بلاد الشام لقاء خدماته الجليلة التي قدمها للدولة، لكنه عاد وأخلف وعده، إذ شعر أن وجود محمد علي في الشام خطرٌ على كيان السلطنة نفسها. فقرر محمد علي أن يجتاح بلاد الشام بالقوة، فوجه جيشه إلى فلسطينوأخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري إلى الأناضول حيث هزم الجيش العثماني حديث النشأةفي قونية، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الآستانة، حتى خُيل للعالم في ذلك الوقت أن نهاية الدولة العثمانية أصبحت قريبة.عقب هزيمة قونية، استنجد السلطان محمود الثاني بالدول الأوروبية للوقوف في وجه الخطر المداهم، فلم ينجده إلا روسيا، التي أرسلت 15 ألف جندي إلى الآستانة للدفاع عنها، فخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي، حيث أقر له السلطان بولاية مصر وجزيرة كريت وفلسطين ولبنان وأضنة، لقاء نفس الأموال التي كان يؤديها عن الشام الولاة العثمانيون من قبل. وفي غضون ذلك توسّع النفوذ الروسي في الدولة خصوصًا بعد أن أبرم السلطان معاهدة مع روسيا تعهدت فيها الأخيرة بالدفاع عن الدولة العثمانية لو هاجمها المصريون أو غيرهم. عمل السلطان محمود الثاني في أواخر أيامه على استعادة الشام ومصر، فجمع جيشًا جديدًا، ونشط عملاؤه في الشام يحرضون الشعب للثورة على المصريين، ثم سار الجيش وقام بهجوم عبر الفرات أسفر عن كارثة نزلت به، إذ بدده الجيش المصري في معركة نصيبين عام 1839م. ولم تصل أنباء هذه الهزيمة إلى السلطان محمود الثاني، إذ توفي قبل ذلك بأيام.
السلطان عبد المجيد خان الأول.
خلف السلطان عبد المجيد الأول أباه السلطان محمود الثاني، وهو صبيّ لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكانت الدولة العثمانية على شفير الانهيار، إذ أصبحت بلا جيش، بفعل خسارة الجيوش العثمانية أمام المصريين، وتشتيت القوى المسلحة، وبلا أسطول، بفعل انضمام الأسطول العثماني طواعية إلى الأسطول المصري في الإسكندرية،فسارع السلطان الفتى إلى إجراء مفاوضات مع محمد علي، فاشترط الأخير، لعقد الصلح، أن يكون الحكم في الشام ومصر حقًا وراثيًا في أسرته. وكاد السلطان عبد المجيد يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكرة مشتركة من الدول الأوروبية الكبرى، عدا فرنسا،تطلب إليه بألا يتخذ قرارًا يتعلق بمحمد علي إلا بمشورتهم، ووعدوه بالتوسط بينه وبين محمد علي، فوافق على ذلك. ثم اجتمعت كل منبريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقية صدق عليها العثمانيون، وعرضوها على محمد علي، وهي تنص على بقاء ولاية مصر وراثية في عائلته، وولاية عكا مدى حياته، فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الأوروبيين والمندوب العثماني من مصر، وبناءً على ذلك هاجمت البوارج الحربية البريطانية والنمساوية والعثمانية مدن الساحل الشامي واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على جيوش محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وأجبرته على العودة إلى مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام إلى ربوع الدولة العثمانية، وأصبحت سيادة الدولة على مصر سيادةً اسميّة. توصلت الدول الأوروبية الكبرى، بعد انتهاء الأزمة العثمانية - المصرية، إلى عقد اتفاقية جماعية مع الدولة العثمانية، أُطلق عليها تسمية "معاهدة المضائق" أو "اتفاقية لندن الخاصة بالمضائق"، وقد أرست هذه الاتفاقية نظامًا للمضائق العثمانية ظل مطبقًا بدون إدخال تعديلات جوهرية عليه حتى قيام الحرب العالمية الأولى.حدث في عهد السلطان عبد المجيد عدد من الفتن الداخلية في الولايات العثمانية، وازدادت الدولة ضعفًا على ضعف، مما زاد من أطماع الدول الأوروبية فيها، فدُعيت باسم "الرجل المريض"، وأخذ الأوروبيون يخططون لاقتسام تركتها مستقبلاً.
تعليق