إحتلال الهكسوس لمصر
أول معاهدة سلام في التاريخ وقعها فراعنة مصر مع جيرانهم ، فقد كان المصريون محبون للسلام والعمران والزراعة والتجارة وتعلم الفلسفة والنحت والرسم.
لم يعرفوا الحروب ولم يذوقوا ويلاتها ، وجيشهم لم يخض حربا حقيقية ، فمجرد تحركه كان يرعب المعتدين ، ومن ينوي المساس بحلفائهم .لكن كل هذا سيتغير عام
(1620) قبل الميلاد.
فستجتاح مصر جيوش قادمة من الصحراء ، جيوش قاسية ، جائعة بسبب قحط عم بلادهم ، عنيفين ، بدو اعتادوا شظف العيش ، ولديهم تفوق عسكري على المصريين ، بسبب الحديد والبرونز الذي صنعوا منه سيوفهم المنحنية ، وفؤوسهم وسهامهم ، وخيولهم التي تجر مركبات حربية .
إنهم الهكسوس ، أو كما يسميهم المصريون : حيقا خاسوت ، (حيقا) الملوك (خاسوت) رعاة الغنم.
يقول المؤرخ المصري (مانيتون) الذي عاصر غزو الهكسوس ، : حلَّت بنا ضربة من الإله، حيث فجأة تقدم غزاةٌ من الشرق -من جنسٍ غير معروف- إلى أرضنا، واستطاعوا بالقوة أن يتملكوها فى سهولة دون أن يضربوا ضربة واحدة. ولما تغلبوا على حكام البلاد، أحرقوا مدننا بغير رحمة، وهدموا معابد الآلهة، وعاملوا المواطنين بقسوة، فذبحوا بعضهم، وأخذوا نساء وأطفال البعض الآخر ليكونوا بمثابة إماء وعبيد لهم. وأخيراً عينوا واحداً من بينهم يدعى "ساليتيس" (سليط) ملكاً عليهم، وكان مقره فى "منف"، وفرض الضرائب على مصر العليا والسفلى. ووضع حاميات فى الأماكن الهامة، كما أنه وجد مدينة ذات موقع ممتاز على الضفة الشرقية من الفرع البوباستى للنيل ("تل بسطة" - الزقازيق) ، وكانت تسمى "أواريس"، فأعاد بناء هذا المكان ليكون عاصمة له، وحصنه بأسوار ضخمة، وترك بها حامية بلغ عدد رجالها ( 240.000 ) مزودين بالأسلحة ، ومات بعد أن حكم (19) عاماً.
إحتلال الهكسوس لمصر كان تجربة غريبة على المصريين ، لأنه كان اول شعب اجنبى يحتل بلادهم ، فقد تفاجأوا بأن هناك من يفوقهم قوة .
من اسباب تفوق الهكسوس استخدامهم لعربات حربية تجرها الاحصنة ، فكانت العربة تحمل ثلاثة جنود ، منهم من يرمي النبال وآخر يقاتل بالسيف وثالثهم يقود العربة ، بينما المصريين كانوا يقاتلون راجلين ، فكانت العربات تدهسهم والنبال يرميهم ومن يخطئه يجهز عليه صاحب السيف أو الفأس .
أيضا كانت تكتيكات الهكسوس العسكرية جديدة على المصريين ، مثل الكر والفر ، واهتمامهم بالمحاور اثناء المعارك الحربية ، وتحصيناتهم القوية لقلب الجيش .
يرى بعض المؤرخين أن المصريين عرفوا الحصان من الهكسوس ، وكذلك المركبة ، فقد أطلق المصريون على العربة إسم سامى عربي آرامي، وهو كلمة: "مركبوتى"، أى: "مركبة".
استمر احتلال الهكسوس لمصر حوالي مائة عام، ولم تكن إقامتهم فيها هادئة؛ بل قوبلت بكثير من الثورات والمقاومة من الشعب المصري. فالمصريين لم يتقبلوا الهكسوس كحكام ، وذلك يظهر من تسميتهم ، حيقا خاسوت ، الملوك رعاة الغنم ، كانوا بنظرون إليهم بإستحقار ، فالهكسوس لا يكتبون وليس لديهم لغة مثل الهيلوغريفية ، ولا يعرفون النحت ولا الرسم ، وليس لديهم آلات موسيقية ، وكانت شعورهم طويلة ، ولحاهم معفية ، وكانوا يسيرون حافي الأقدام ، بإختصار ؛ كرههم المصريون ولم يتعاونوا معهم على إدارة شؤون البلاد.
الصور من كشف أثري لأياد يمنى مقطوعة ، وجدت في غرفة العرش بقصر الحكم أبان حكم الهكسوس ، الأيدي لمصريين رفضوا التعاون معهم.
وهكذا أعلن المصريون العصيان المدني ، ثم ظهر اليهود فجأة على مسرح الأحداث العالمية ، بعد أن لم يكن أحد قد سمع بهم من قبل ، فقد وجد الهكسوس في اليهود بغيتهم ، ومن يعينهم على إدارة مصر ، سيدنا يوسف ، وقومه الذين أدخلهم عندما أصبح وزيرا لدى الهكسوس ، وهكذا تبوأ اليهود أعلى المناصب في مصر ، وسكنوا القصور ، وتملكوا العبيد.
كل هذا والمصريون يراقبون بصمت وحقد ، وهم عاقدين العزم على طرد الغزاة ، والإنتقام من أعوانهم (اليهود) ، لكن كان الغزاة أقوياء وعاقدين العزم كذلك على البقاء.
مرت المائة سنة من حكم الهكسوس في مصر عابرة ، لم تضف إلى التاريخ المصري شيئاً يذكر؛ بل كانت فترة سلب ونهب وتخريب. لكن قدم الهكسوس لمصر التكنولوجيا؛ عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية. وهو كل ما كان يحتاجه المصريون في هذا الوقت
أولى شخصيات (تحرير مصر) هي الملكة (تتي شري) ، أول ملكات الأسرة السابعة عشر ، وزوجة الفرعون (سقنن رع تاعا) الأول ، ووالدة الفرعون (سقنن رع تاعا) الثاني ، وجدة كل من (كامس) و(أحمس) الأول الذين حررا مصر من الهكسوس.
كانت وزوجها يحكمان جنوب مصر والنوبة ، وهي منطقة لم يكلف الهكسوس أنفسهم عناء إحتلالها .
لم يجد زوجها العزيمة والشجاعة لمهاجمة الهكسوس ، كان يرى أن الأوان لم يحن بعد ، وأن الهكسوس ما يزالون أقوى ، وأنه من الصعب هزيمتهم ، لكن إبنها (سقنن رع) كانت قد ربته على أنه حر ، وأن المصريين أحرار ، وأن بلادهم حرة لم تخضع لغازي من قبل ، ولن تفعل الآن.
الشرارة التي ستطلق حرب التحرير هي : أن ملك "الهكسوس" "أبوفيس" دأب كأسلافه التحرش بالمصريين. فقد أرسل رسولاً إليهم يطلب منهم أن يُسكِتوا أصواتَ أفراس النهر التى تصدر من ناحيتهم، والتى تقلق نومه وهو فى مقره فى "أواريس".
فجمع الفرعون (سقنن رع) رجاله للمشورة، واتخذوا قرارا بشن هجوم شامل على الهكسوس.
مومياء الفرعون (سقنن رع) في الصورة أعلاه تبين مدى ضراوة القتال الذي حدث ، والذي تسبب بموته على أرض المعركة
ثالث شخصية لعبت دورا محوريا في حرب تحرير مصر من الغزاة ، هي الملكة الجميلة (إياح حتب) ويعني إسمها (القمر الراضي) .
ما أن سقط زوجها الفرعون (سقنن رع) على أرض المعركة ، حتى ضعفت روح المصريين المعنوية ، وانسحب الجيش وتخاذل الأمراء عن مواصلة الحرب ، وعاد إبنها (كاموس) يجر أذيال الخيبة ، ويزف إليها خبر موت أبيه ، لكنها شجعته على القتال ، وخطبت في أمراء الحرب ، فتحمس الجميع ، وارتفعت المعنويات ، وعاد الجميع للقتال من جديد.
يتبع
تعليق