Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php73/sess_e4228516fa1e78941ee5a8e08bd2391cb3486a50dae44621, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 Warning: session_start(): Failed to read session data: files (path: /var/cpanel/php/sessions/ea-php73) in /home/qudamaa/public_html/vb/includes/vb5/frontend/controller/page.php on line 71 الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية - شبكة ومنتديات قدماء

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16

    اكتشاف “الحل الإمبريالي” للمسألة اليهودية على يد هرتزل
    تتلخص أهمية مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل في أنه اكتشف ما أسماه الدكتور عبد الوهاب المسيري “الحل الإمبريالي” للمسألة اليهودية[68]، أو كما قال رحمه الله في أنه أدرك ضرورة وضع المشروع الصهيوني-الذي كانت ملامحه قد تبلورت قبل هرتزل-موضع التنفيذ بالاستعانة بدولة استعمارية كبرى تدعم وترعى هذا المشروع، ودون هذه الرعاية ما كان للمشروع أن يتحقق، وقد استفادت صهيونية هرتزل السياسية من التجربة الفاشلة لتأسيس مستعمرات زراعية في فلسطين بين عامي 1882-1897 “رغم الإعانات المادية السخية التي قدمها أغنياء اليهود في أوروبا”، ولهذا رفض هرتزل الانتقال إلى الاستيطان العملي قبل تأمين الاعتراف الرسمي والحصول على براءة الاستيطان[69]، وفي ذلك يقول أحد مؤرخي الصهاينة:”لم يُقدر هرتسل العمل الاستيطاني في فلسطين، فقد كان ذلك بالنسبة له “عملاً صغيراً” غير مفيد، خاصة أنه لا يحل مشكلات غفور اليهود الذين يعانون في شرق أوروبا، ولقد دعا (هذا الاستيطان) إلى الهجرة التدريجية إلى فلسطين، من خلال خداع الحكم العثماني عن طريق التسلل، فقد كان في مخيلته(أي هرتسل) هجرة من نوع آخر، هجرة الملايين، القادمين ليس فقط لتوطين فلسطين، بل أيضاً لإعادة بنائها من خلال إقامة دولة اليهود، كما أنه لم يُقدر العمل الاستيطاني للبارون روتشيلد في فلسطين”[70]، وقد أكدت الأحداث صواب رأيه فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً من الهجرة اليهودية المكثفة إلى الدولة العثمانية ووصول ما يقارب مائة ألف مهاجر إليها لم يتبق في البداية منهم في فلسطين إلا نصفهم ليغادر بعد اندلاع الحرب الكبرى ثلاثون ألفاً آخرون نتيجة عوامل الطرد وعدم الترحيب العثماني فبقى ما مجموعه أقل من ستين ألفاً من اليهود في فلسطين بمن فيهم اليهود الفلسطينيون القدماء، وهو عدد يقل عن عدد اليهود في مدينة عثمانية واحدة يكثرون فيها هي سالونيك آنذاك[71]، أما في ظل الرعاية البريطانية فقد تضاعف هذا الرقم أكثر من عشرة أضعاف في غضون مدة أقصر ليصل إلى 650 ألف يهودي يؤلفون ثلث السكان بعدما كانوا أقل من العُشر، وليقفز عدد المستعمرات من 47 في سنة 1914 إلى 324 عشية النكبة سنة 1948[72]، والمقارنة بين نتائج الحل الإمبريالي البريطاني والحل التسللي في الزمن العثماني تؤكد ما ذهب إليه المسيري رحمه الله من أن هذا الحل هو السبب في نجاح هرتزل فيما أخفق فيه آخرون وهو السبب في استمرار مشروعه وتحوله إلى واقع ملموس حيث أخفقت مشاريع أخرى[73].

    هرتزل وألمانيا:الصهيونية في صالح الدولة العثمانية، مرة أخرى !
    وبعدما اكتشف هرتزل هذا الحل بدأ بالطواف على القوى الكبرى لعرض مشروعه عليها، وكانت ألمانيا هي البلد الأول الذي اتجه إليها وحصل من مسئوليها على وعد بأن يناقش الإمبراطور القضية الصهيونية مع السلطان عبد الحميد، وكان الامبراطور الألماني هو الزعيم الأول الذي قابله هرتزل وحاول الحصول على وساطته لحمل العثمانيين على القبول بالمشروع الصهيوني، وقد حدثت المقابلة الأولى في استانبول أثناء زيارة الامبراطور الثانية للدولة العثمانية (1898) وقدم هرتزل مشروعه لولهلم الذي رأى فيه “نعمة وازدهاراً لا مثيل لهما للأرض المقدسة وإحياء وتطوراً لآسيا الصغرى مما سيجلب الملايين لجيب الأتراك وسيساعد تدريجياً على إنقاذ الرجل المريض من الإفلاس”[74]، “ورغم وعود القيصر ورغم حرصه على تبني المشروع الصهيوني، فإنه لم يكن مدركاً مدى عمق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول، ولذا فحينما تم اللقاء (مع هرتزل) في نهاية الأمر في القدس، حيث كان من المتوقع أن يصدر القيصر وعده البلفوري العلني الكامل، تراجع واكتفى ببعض المجاملات الخالية من المعنى” كما يقول الدكتور المسيري، إذ أن السلطان يرفض زيادة مشاكل الأقليات التي تحميها الامتيازات الأجنبية مشكلة جديدة والدولة تبدي سعادتها بعرض تسوية الديون وتستعد لاستقبال اليهود ولكن ليس في فلسطين، وفي الحقيقة أن المصالح العثمانية الألمانية كانت كبيرة ومهمة للجانبين، كما أن ألمانيا كانت ترى في الحركة الصهيونية مصلحة لها وكان لها تاريخ في دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بواسطة قناصلها هناك رغم عدم الإعلان رسميا عن هذا الدعم[75]ولكن مما لا شك فيه أن القناصل الرسميين لا يتفقون على سياسة مخالفة لسياسة دولتهم، ورغم رؤية الامبراطور الخاصة لمصالح ألمانيا الصهيونية فإنه لما لمس الرفض العثماني نأى بنفسه عن تأييد الحركة الصهيونية ووجد أن صداقة الدولة العثمانية وخلفها جميع مسلمي العالم أفضل لبلاده من صداقة الصهاينة، ولهذا فإنه قام بالرد على طلب هرتزل بتصريح دبلوماسي “ليس فيه أي كسب للقضية الصهيونية” كما يقول الدكتور حسن صبري الخولي[76]، فتعساً لحكام سايكس بيكو الذين ترجح الدول الكبرى اليوم عليهم صداقة الحركة الصهيونية وكيانها الحقير رغم ما للغرب من مصالح كبرى في بلاد العرب والمسلمين.


    عروض هرتزل على السلطان عبد الحميد
    ثم اتجه هرتزل بشكل مباشر إلى إقناع السلطان العثماني صاحب السيادة على فلسطين في ذلك الوقت، وزار استانبول لهذه الغاية خمس مرات في الفترة الممتدة بين عامي 1896-1902 تمكن أثناءها من الاجتماع مرة واحدة-وفق معظم الروايات-بالسلطان عبد الحميد الثاني في مايو/أيار/ماي 1901، ولا يمكن في دراسة كهذه استيعاب ما جرى في كل المفاوضات ولكن يمكن تلخيص عروض هرتزل مقابل السماح بالاستيطان اليهودي في فلسطين مع عدم التصريح بما أضمره في ذلك الوقت من رغبات توسعية تتعداها، بل إن استعمال عبارة الوطن القومي اليهودي في المؤتمرات الصهيونية الأولى بدلاً من عبارة الدولة اليهودية كان هدفه عدم إثارة العثمانيين، وقد عرض هرتزل على السلطان تسوية المالية العثمانية المثقلة بالديون، وكان هذا هو العرض الأهم لدولة كانت قد أعلنت إفلاسها، وكان هرتزل يدرك الأبعاد الحقيقية لهذه المشكلة في الدولة العثمانية، فقال للسلطان إن الشوكة التي توجعه هي الديون وإنه لو تمت تسويتها فإن الدولة العثمانية ستستعيد عافيتها وستتطور نحو الأقوى وإنه يستطيع نزع هذه الشوكة بشرط ضمان سرية الإجراءات لأن “القوى الكبرى التي تريد إبقاء الدولة العثمانية ضعيفة ستبذل كل ما تستطيع لمنع تعافيها وستقوم بكل ما يمكن لإحباط هذه العملية”[77]، كما عرض التدخل لوقف الحملات الإعلامية الغربية على العثمانيين فيما يتعلق بالأزمة الأرمنية التي كانت محتدمة في سنة 1896 وهي السنة التي زار فيها استانبول للمرة الأولى، بل إنه عرض التدخل لإنهاء التمرد الأرمني نفسه، والعمل على كبح جماح المعارضة التي تمثلها جماعة تركيا الفتاة، ولإبعاد الشباب العثمانيين عن الأفكار الثورية عرض تأسيس جامعة عبرية تغني الطلاب العثمانيين عن السفر للغرب والتأثر بأفكاره، كما عرض إعادة جزيرة قبرص التي احتلتها بريطانيا سنة 1878 مقابل الحصول على فلسطين، كما تنازل عن مدينة القدس وعرض أن يكون المستوطنون اليهود تابعين للدولة العثمانية ويرتبطون بالولاء للسلطان على غرار الولايات ذات الاستقلال الذاتي في الدولة، وتقلصت مطالبه إلى حيفا ومحيطها فقط (1902) أو عكا وجوارها(1904)[78]، وسيجلب هؤلاء المستوطنون الازدهار لمنطقتنا وفق الوعود المقدمة، وحذر صهاينة آخرون كذلك من نشوب ثورة عربية ضد العثمانيين وعرضوا أن يتصدى الكيان اليهودي لها إن قامت، وهذا هو مجموع ما عرضته الحركة الصهيونية في مناسبات مختلفة وفقاً للمصادر المختصة[79].


    لماذا فشلت المفاوضات؟
    وهذه العروض بالطبع تتضمن ما هو أكبر من إمكانات الحركة الصهيونية في ذلك الوقت، ولكن المهم أن هرتزل كان بحاجة لوعد من السلطان على غرار وعد بلفور ليتمكن من جمع المال الذي سيسوي المشاكل المالية العثمانية، وكان جوابه لترجمان السلطان عندما طالبه بالمال :”أعطني الاستيطان غير المقيد وسوف تحصل على المليون في وقت قصير، أستطيع أن أعدك بذلك رأساً لأن من أجله جئت”، ويؤكد هرتزل هذه الحقيقة في مذكراته بالقول إنه كان بحاجة لموافقة السلطان على العرض وبهذا يمنحه السلة التي سيتمكن من ملئها بالمال، إذ سيكون بيده وطن حقيقي للشراء، ولهذا فإن القول بأن المفاوضات فشلت بسبب عدم توفر المال هو قول غير دقيق لأن السلطان رفض منذ البداية منطلق هرتزل وهو الحصول على فلسطين، ويقول الدكتور عبد العزيز عوض في ذلك:”وإذا كان السلطان قد اضطر تحت وطأة الدين ومشاكل الدولة المالية للدخول في مفاوضات طويلة مع هرتزل استمرت من 1897-1903 لكنها انتهت بالفشل بسبب تشبث السلطان في موقفه المعارض لفكرة الهجرة اليهودية إلى فلسطين”[80]، أما الدور الذي قامت به تحويلات المهاجرين الصهاينة في تعديل الموازنة المالية العثمانية وبخاصة بعد سنة 1890[81]، فلم يكن له أثر في تغيير الموقف العثماني الذي ظلت مقاومته تتصاعد إلى نهاية عهد السلطان عبد الحميد على الأقل.


    ولم يكترث السلطان ببقية العروض، فلم يهتم بتحسين صورته في الإعلام الغربي على عكس ساسة العرب في زمننا المعاصر الذين يسفحون حقوق بلادهم وشعوبهم لمجرد أن يراهم الغرب بصورة تحسن في عينيه ويحظون بنظرة استحسان أو كلمة ثناء أو ابتسامة رضا من هنا أو هناك، كما لم يبهره عرض الجامعة العبرية وما فيه من إغراءات ظن هرتزل أنها لا تقاوم ولكن السلطان رغم اهتمامه بإبعاد شبابه عن التأثيرات الغربية فقد “رأى أن الغاية من إنشاء هذه الجامعة سياسية واستيطانية أكثر منها ثقافية” كما يقول الدكتور حلاق[82]، ولهذا رفض بناءها في الوقت الذي احتفى فيه أستاذ الجيل الليبرالي أحمد لطفي السيد بافتتاحها إلى جانب عتاة الاستعمار والصهيونية في زمن الانتداب كما مر، وبدلا من الوقوع في الفخ الخارجي الذي يعمل على تفريق الأمة الواحدة، لم يوافق السلطان على أن الخطر ماثل من الجانب العربي، وذكر لهرتزل تضحيات العرب في حروب الدولة مباهياً بها وببسالة العرب في تقديمها وعمل على تقريبهم وجمعهم حول راية الجامعة الإسلامية بدلاً من الإصغاء إلى وسوسة التفريق الأجنبية.
    عروض السلطان المضادة
    وقد قدم السلطان بدوره عروضه لهذه المفاوضات فبعد رفض الهجرة إلى فلسطين قبل بهجرة يهودية مراقبة ومتفرقة إلى الأناضول أو العراق، حيث إمكانات ذوبان المهاجرين بين كثرة السكان كبيرة وحيث لا يؤلفون كتلة سكانية واحدة قد تخلق للدولة مشكلة أقلية جديدة تكون مدخلا للتدخل الأجنبي، يتضح ذلك من تصريحه بالحرص على بقاء العنصر العربي غالباً في فلسطين حتى لا يجني على إخوانه في الدين(ملحق رقم 5)، ولهذا على المهاجرين إلى الأماكن المقترحة التخلي عن جنسياتهم وحمل الجنسية العثمانية والالتزام بقوانين الدولة، وظل على هذا الموقف إلى آخر عهده، وتؤلف الإجراءات العملية التي اتخذها والسياسات التي اتبعها المستند الأساس لتقويم رأيه، بل يمكننا القول أنه لم يندم على هذا الموقف إلى آخر عمره كما تفصح بذلك الوثائق التي كتبها بيده بعد عزله من الحكم كرسالته إلى شيخه محمود أبي الشامات التي يقول فيها أنه عُزل بسبب رفضه ضغوط جمعية الاتحاد والترقي التي طلبت منه المصادقة على تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين، هذا بالإضافة إلى مذكراته الشخصية التي أملاها في فترة العزل وتطرق فيها إلى المسألة اليهودية بسرعة أرسل فيها موقفه منها إرسال المسلمات ولا يظهر فيها أي تغير من جهته(ملحق رقم 8)، وكان إملاؤها في سنة 1917 قبل وفاته بقليل رحمه الله.


    كان هذا هو رد السلطان وهو ما فهمه هرتزل جيداً وما رفضه في نفس الوقت بسبب تشبث الحركة الصهيونية بفلسطين، وهو ما فهمه غير هرتزل أيضا، فقد اقترح القنصل العثماني العام في فيينا على هرتزل في سنة 1904 قبل وفاته بقليل مشروعاً لا يمكن للصهيونية أن تنال هدفها دونه:الإبحار إلى البوسفور بسفينتين ونسف قصر السلطان عبد الحميد والقبض عليه وإقامة سلطان آخر مكانه بعد تعيين حكومة مؤقتة تعطي اليهود امتياز الاستيطان في فلسطين(!) وهو ما رفضه هرتزل خوفا من تبعاته الخطيرة[83].
    فشل مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء نتيجة المقاومة العثمانية
    ونتيجة لهذا الموقف السلطاني الصارم قرر هرتزل أن يتجه إلى بقية الدول الكبرى وكان من ضمن طلباته إلى وزير الداخلية الروسي ثم إلى الملك الإيطالي التدخل لدى السلطان ليقبل المشروع الصهيوني، وقد ذكر له الملك الإيطالي أن السلطان قد يقبل الهجرة ولكنه لا يطيق سماع كلمة الاستقلال، والحقيقة أن الهجرة إلى فلسطين كانت مرفوضة لاقترانها بالاستقلال اليهودي كما صرح السلطان في مذكراته السياسية، أي أن معارضة الهجرة اليهودية إلى فلسطين لم تكن قضية جانبية للدولة العثمانية بل تتعلق بأمنها القومي، ولهذا عرض السلطان على هرتزل قبول هجرة بشروط وفي أماكن أخرى يستحيل تحقيق استقلال يهودي فيها، كما طلب هرتزل (1903) من الإنجليز موطئ قدم في العريش بسيناء ولكن الحكومة البريطانية وجدت الأمر لا يتفق مع مصالحها وكان مما احتجت به موقف الرفض العثماني لأن هذا المشروع “على الأقل لا يتفق مع مصالح السلطان صاحب السيادة في مصر”[84]، ويقول الدكتور حلاق إن اللورد كرومر والحكومة المصرية تخوفا من غضب الباب العالي وعملا على عدم إثارته في هذا الموضوع، وأن موقف السلطان من الحركة الصهيونية كان له أكبر الأثر في المعارضة البريطانية لمشروع سيناء[85]، ولهذا قال الدكتور عبد العزيز الشناوي إن من خدمات الدولة العثمانية للعروبة والإسلام منع اليهود من الاستيطان في سيناء، وهي سياسة اتبعتها مع محاولاتهم منذ أيام السلطان سليم الأول (1517) وإن الحكومة المصرية في زمن الاحتلال البريطاني هي التي تساهلت وسمحت لبعثة صهيونية باستكشاف أوضاع سيناء سنة 1902 استجابة “للنصائح” البريطانية التي لم تتمكن من التمرد عليها وإلا عُد المتمرد عليها من الوزراء متنحياً من منصبه[86]، ولما رفضت مشروع هرتزل سنة 1903 أوضح بطرس غالي ناظر الخارجية المصري إن الحكومة المصرية ليست مخولة وفقاً للفرمانات السلطانية بالتنازل عن حقوق السيادة لأي سبب أو مبرر[87]، أي أن الموقف العثماني كان هو حجة الحكومة المصرية في إفشال المشروع الصهيوني في سيناء.


    ومع كل هذا نسمع من يقول إن السلطان عرض سيناء على الصهاينة ليقيموا فيها الوطن القومي بدلا من فلسطين[88]، مع أنه لم يعارض المشروع الصهيوني فيها وحسب بل حاول إنقاذها من الاحتلال البريطاني أيضا عندما حاول مرتين (1892 و 1906) استبعادها من سلطة الخديو-بسبب وقوعها تحت الاحتلال لا رغبة في انتقاص مصر التي كانت بريطانيا هي مصدر أذاها-وحاول ضم أي جزء ممكن من شبه الجزيرة لأملاك الدولة مما أثار حفيظة الليبرالية المصرية التي تفضل أن يكون الوطن محتلاً بكامله على أن يحرر الإخوة ولو جزءاً منه، وهذا هو دائماً منطق الوطنية الوظيفية لا الوطنية النظيفة التي مثلها الزعيم الكبير مصطفى كامل باشا والتي فهمت الأبعاد الحقيقة للمشكلة وفضلت أن يحرر العثمانيون سيناء من براثن الاحتلال على أن تظل تحت سلطة كرومر الذي يدافع عن اتساع مساحة الاحتلال وحماية المواصلات الامبراطورية البريطانية عبر قناة السويس وليس عن سلامة الأراضي المصرية التي انتهكها احتلاله من حيث المبدأ، ولهذا قالت صحيفة اللواء إن الخلاف ليس بين تركيا ومصر بل بين تركيا صاحبة السيادة على مصر والدولة المحتلة لمصر، وهذا أيضاً ما فهمه الرأي العام المصري آنذاك والذي ساندت صحفه الدولة العثمانية امتداداً لتأييد حركة الجامعة الإسلامية[89].
    فتصوير المشكلة بأنها بين مصالح عثمانية ومصرية واستبعاد البعد الاحتلالي البريطاني منها، كما حلا للتغريب رؤية المشهد[90]، قصور واضح في فهم الواقع يؤدي إلى الاصطفاف البائس مع المحتل وتصويره بصورة المدافع عمن يحتل هو أرضهم ويسبب المشكلة الرئيسة لهم[91]، كما يؤدي إلى القبول بتسليم البلاد إلى المحتلين وتصور الخطر آتياً من الأشقاء، وهذا ما حدث عندما قام الألماني بول فريدمان بمحاولة استيطان يهودي في شمال غرب الجزيرة العربية وهي منطقة كانت تحت السيادة المصرية (1891-1892) فلجأ عربان المنطقة إلى الحكومة المصرية لتساعدهم على التخلص من هؤلاء الغرباء المزعجين ولكنهم رجعوا دون أن يستمع إليهم أحد من رجال الحكومة فلجئوا إلى الدولة العثمانية حيث أصدر والي الحجاز أمره لأحد الضباط بمعالجة الوضع واحتلال قلعة المويلح في تلك المنطقة، ويعلق الدكتور صبري أحمد العدل على المشهد بقوله:”ولكن الغريب في الأمر أن ممثلي الإدارة المصرية في سيناء، لم يثرهم تواجد فريدمان، وإنما اختراق والي الحجاز الأراضي المصرية حيث أرسل سعد أفندي رفعت، قومندان القلاع الحجازية برسالة إلى سردارية الجيش المصري يوضح بها “الكيفية التي حضر بها محافظ الوجه بقصد الاستيلاء على قلعتي المويلح وضبا التابعتين للحكومة المصرية”، ومحاولته منع هذا الاستيلاء، ومنع انتهاك السيادة المصرية”، ثم تخلت بريطانيا عن دعم مشروع فريدمان “لتجنب الاصطدام مع الدولة العثمانية”[92]، وبهذا يتضح عوار المنطق المتستر بالمصالح الوطنية الضيقة ولو كانت بالاتفاق مع المحتلين ضد مصالح الأمة الكلية التي هي الوحيدة الكفيلة بحراسة الجميع.
    كما تؤدي رؤية التاريخ من هذه الزاوية إلى نظرة غير تاريخية تسقط الحاضر الوطني التغريبي على الماضي حين كان الشعور إسلامياً ومن ثم كان المسلم يفضل أن يكون وطنه تحت سلطة خليفة المسلمين على أن يكون تحت احتلال الأجنبي، وإن موقف الدولة العثمانية من مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء يؤكد أن همها لم يكن اقتطاع الأراضي المصرية بل استبعاد أخطار التدخلات الأجنبية، ولهذا احتمت الحكومة المصرية بالموقف العثماني عندما رفضت مشروع هرتزل للاستيطان اليهودي.

    هل راجع السلطان نفسه فيما بعد؟
    تبين فيما سبق أن السلطان ظل وفياً لموقفه حتى آخر حياته، ولكن هناك من ادعى أنه قابل هرتزل مرة ثانية في يونيو 1902 بصورة غير رسمية رغم أن هرتزل نفسه لا يأتي على ذكر شيء من هذا في يومياته المفصلة قط، ورغم أن المدعين يقولون أنه حصل على إذن بنشر جواب السلطان الذي لم يكن يزيد عما وصفوه بأنه ما يسمى في اللغة:نعم السلبية، أي نعم دبلوماسية يراد منها الرفض، ويقول أصحاب هذه الرواية أنه فكر بمراجعة هرتزل فيما بعد ولكنه لم يفعل، ومن الصهاينة من اقتطع بعض الأحاديث الجانبية المنقولة عن السلطان بطرق غير مؤكدة وحاول بث الشك في الموقف السلطاني بعد نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دون الرجوع إلى مجمل المواقف والوثائق، وكل ما وصل إليه هو ضرورة زيادة البحث في الوثائق العثمانية، ومن مراجعة هذه الأحاديث التي تعزى إلى ما بعد الثورة الدستورية عليه ويرى أصحابها أنها تظهر تفكيراً جديداً للسلطان، فإن كل ما يتبين فيها بوضوح أنه فضل معالجة الدين الكبير لدولته وكان قد دخل في مفاوضات لم تنته مع رجل ذي ثقافة (هو هرتزل) حاول شراء أراض قرب يافا والقدس، والمهم في المحادثة أن السلطان يعيد التأكيد على أنه “وضع لهم بعض الشروط” دون أن يذكر أي تراجع عنها وقد سبق توضيحها وسبق ذكر ما أملاه السلطان بعد ذلك، كما قال أنه يعتقد أن اليهود بإمكانهم الآن (الحديث يجري بعد اندلاع الثورة وتسلم جمعية الاتحاد والترقي الحكم) أن يشتروا ما أرادوه، وأنه يعتقد أن مالهم سيقنع الدول الكبرى بمشروعهم رغم قدسية القدس لأصحاب الديانات السماوية، وأن أملهم وهدفهم سيتحقق في المستقبل[93]، وهو تصريح ليس بالجديد فقد قال من قبل لهرتزل أنه بإمكان اليهود الحصول على فلسطين مجاناً وتوفير أموالهم بعد زوال الدولة العثمانية ولكنه لن يسمح بتشريح الجسد العثماني وهو مازال حياً (ملحق رقم 6).


    وسيلة سلطانية منسية لمقاومة الاستيطان الصهيوني
    يقول الباحث أمين أبو بكر في دراسته عن أملاك السلطان عبد الحميد في فلسطين، إن وضع اليد على الأرض وتحويلها إلى ملكية سلطانية(جفتلك)، من الأساليب التي اتبعها السلطان عبد الحميد ووكلاؤه في مقاومة الحركة الصهيونية والقوى الأجنبية المتنافسة على تملك الأراضي في فلسطين، وإن سياسة إلجاء المزارعين (وضع أراضيهم في حمى السلطان الذي يشتريها بأثمان رمزية ويحصل على نسبة من المحصول مقابل امتيازات مهمة للمزارعين)، بالإضافة إلى سياسة الإعمار في المقاطعات الفلسطينية كانت ترمي إلى غايات بعيدة هدفها إنقاذ الأراضي التي تواجه مواقف حرجة، وذلك لمنعها من الوقوع فريسة بأيدي القوى الاستعمارية والصهيونية، وضرب مثلاً لذلك بوضع السلطان يده على أراضي رفح[94]، والمعلوم أنه قد تعرض لهجوم بسبب سعة أملاكه ولم يُنظر للجوانب الإيجابية والخدمات الوطنية التي نتجت عنها، وبغض النظر عما يقوله المعارضون، فقد كان هذا الأسلوب مفيداً جداً، ونتمنى أن يضع حكامنا وأثرياؤنا مصالحهم الشخصية في خدمة قضايا الأمة على هذا الغرار، وألا يكون تشخيصهم لما يفيدهم متناغماً مع المصالح الخارجية المعادية ضد شعوبهم وبلادهم وأمتهم كما يحدث اليوم.


    كيف تعامل السلطان عبد الحميد مع الضغوط الأجنبية التي سهلت الاستيطان اليهودي
    يقول المؤرخ الفرنسي هنري لورنس إن الدولة العثمانية كانت خاضعة للوصاية الأجنبية الغربية الجماعية بداية من النصف الأول من القرن التاسع عشر، وإن حالة التوازن التي أنتجتها هذه الهيمنة هي التي سمحت بتسرب الهجرة والاستيطان اليهوديين، ولكن المجتمع والدولة العثمانيين تأقلما مع هذا الوضع واستخدماه لغاياتهما الخاصة وسعيا إلى مقاومة هذه الوصاية، فقامت الدولة بإدخال إصلاحات لإعادة بناء جهاز الدولة، ولم يبق المجتمع عاجزاً أو سلبياً، وإن تعدد أطراف هذه الهيمنة الأجنبية جعل الفاعلين فيها يميلون إلى تحييد بعضهم البعض، وأن السلطان عندما كان يستخدم نفوذاً ضد آخر لم يكن يسلم له بأطماعه، فعندما يستخدم نفوذ فرنسا ضد أطماع الولايات المتحدة في الشام، لا يسلم لها باحتلال تونس مثلاً[95].


    موقف جمعية الاتحاد والترقي:هل فقد السلطان عرشه من أجل فلسطين؟
    هذا ما يقوله بنفسه في رسالته الشهيرة لشيخه محمود أبي الشامات(ملحق رقم 7)، وهناك أدلة تؤكد ما ذهب إليه السلطان في رسالته، منها الرسالة التي أرسلها رجل الأعمال الإنجليزي ج. بولنغ في نوفمبر 1908 إلى الحكومة العثمانية قبل خلع السلطان بأشهر قليلة يعرض فيها على الحكومة السنية الإفادة من النفوذ المالي اليهودي “الذي يعترف به العالم أجمع” والموافقة على الاستيطان اليهودي في فلسطين ويقدم نفسه وسيطا لهذه المباحثات[96]، وتشير الدلائل إلى الارتياح اليهودي والصهيوني لخلع السلطان عبد الحميد[97]، بل الارتياح الغربي عموما[98]، وإلى مشاركة دولية ويهودية فاعلة في الثورة عليه[99]، ومن أبرز أدلة الحضور اليهودي وجود يهودي ماسوني من سالونيك هو عمانويل قراصو ضمن الوفد الرباعي الذي أبلغ السلطان قرار العزل ثم نفي السلطان نفسه إلى سالونيك حيث سجن في قصر يملكه أحد اليهود الاتحاديين[100]، وقد ابتهجت الصحف اليهودية هناك للتخلص من “مضطهد إسرائيل”[101]، وتجمع المراجع على أن موقف الدولة العثمانية من الهجرة اليهودية تغير بعد عزله، وأن اليهود وصلوا إلى مواقع فعالة في الحكومة وصلت إلى أربع وزارات فيها[102]، وأن جمعية الاتحاد والترقي اتبعت سياسة أكثر وداً تجاه هذه الهجرة، حتى من تحفظ على اتهام الجمعية لم ينف أنها “قلبت الموازين ودفعت بقوة باتجاه الوقوف إلى جانب اليهود في تحقيق أطماعهم الاستيطانية وإقامة دولتهم”[103]، وكان ذلك في البداية طمعاً في المال اليهودي لإنقاذ خزينة الدولة الخاوية، ولم تختلف في ذلك الحكومات التي تعاقبت على الوزارة سواء اتحادية أم ائتلافية[104]، وفي هذه الفترة دخل بعض العرب والأتراك في سباق لنيل الاتفاق مع الصهاينة كل طرف منهما لكسب تأييدهم لقضيته، فالعرب يطمعون بنيل تأييدهم في مواجهة الاتحاديين[105]، وكانت التهمة التي وجهها المعارضون العرب للحكومة المركزية هي التراجع عن القوانين والقيود التي فرضها السلطان عبد الحميد على الهجرة، والمطالبة بتفعيلها ثانية[106]، ثم طمع الاتحاديون في التأييد اليهودي في الحرب الكبرى الأولى(1914)، وكانت ألمانيا حليفة العثمانيين مركزاً للنشاط الصهيوني في بداية الحرب[107]، ولكن الموقف تغير بعد وقوف الصهيونية إلى جانب الحلفاء مما استدعى موقفاً عثمانياً متشدداً في سنة 1916[108]أدى لرحيل آلاف اليهود من فلسطين، ثم انقلب الموقف مرة أخرى عندما حاول طلعت باشا الصدر الأعظم وأحد أركان الاتحاديين ومضطهد الأرمن أن يتفق مع الصهاينة بواسطة قراصو آنف الذكر وبحضور الحكومة الألمانية قبل نهاية الحرب والانسحاب العثماني من فلسطين على أساس أن بريطانيا تعد بما لا تملك في الوقت الذي يمكن للدولة العثمانية تنفيذ ما تقوله لأنها مازالت صاحبة السيادة على سوريا وفلسطين[109].


    وكما يسرد السلطان أنهم عرضوا المال عليه، وكانوا قد عرضوا ذلك عليه في السابق بشهادة هرتزل نفسه[110]، هناك أدلة مستقلة على أنهم عرضوا المال على جمال باشا أحد أركان الاتحاديين الثلاثة ولكن الصفقة لم تتم لأنه رفض إعطاءهم عهداً مكتوباً بالموافقة على مطالبهم[111]، أما المبلغ الذي يذكره السلطان وهو مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية ذهب، فهو حجم الديون العثمانية[112]التي سبق للصهاينة تكرار عروضهم بتسويتها إذا تحققت مطالبهم.
    أي أن كل ما يقوله السلطان في رسالته للشيخ أبي الشامات يمكن العثور عليه من مصادر مستقلة وليس هناك ما يتعارض مع الوثائق الأخرى والأحداث التاريخية في شهادته الشخصية، أي ليس ثمة ما يدعو لردها.


    الفرق بين عهد السلطان عبد الحميد ومن بعده
    في تقويمه لسياسة السلطان عبد الحميد وما اعتراها من ثغرات مقارنة بما حدث بعده يقول الأستاذ عوني فرسخ في كتابه إن التمايز بين موقف السلطان وموقف غلاة الطورانيين كيفي بسبب تناقض برنامجه القائم على الرابطة الإسلامية التي أعطت العرب مكاناً واسعاً بين أركان حكومته وبطانته، مع برنامج الاتحاديين العنصري الذي جعل موقفهم العدائي تجاه العرب يمتد إلى الإسلام فتنتفي علاقة التناقض العدائي مع الحركة الصهيونية، “ولا خلاف أن الاتحاديين تراجعوا أكثر من مرة عن تساهلهم تجاه النشاط الصهيوني…ولكن هذا التراجع مختلف كيفياً عن مواقف عبد الحميد الثاني” فتراجع جمعية الاتحاد والترقي عن التأييد الاستراتيجي للصهيونية كان تراجعاً تكتيكياً أمام الاحتجاجات والضغوط العربية والإسلامية، أما الموقف الحميدي الاستراتيجي فهو معارض للصهيونية من حيث المبدأ وتراجعه عن ذلك كان موقفاً تكتيكياً أمام مداخلات السفراء والقناصل الأجانب[113]، أي أن التكتيك الحميدي كان استراتيجية الاتحاد والترقي وتكتيكهم كان استراتيجية السلطان عبد الحميد.



    تقويمات تاريخية محايدة أخرى
    يرى الدكتور عبد الوهاب المسيري من مجمل الموقف العثماني أن المستوطنين الصهاينة كان معروضاً عليهم دائماً الحصول على المواطنة العثمانية والاستقرار بفلسطين بصفتهم عثمانيين وليسوا عنصراً تابعا لدولة غربية، وأن قضيتهم لم تكن قضية آلاف من المضطهدين لا وطن لهم ويبحثون عن مأوى، وإنما هي “قضية غرس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات توجه غربي استعماري استيطاني رفض هذا الحل”[114].


    ويقول الأستاذ عادل مناع إن السلطان عبد الحميد اشتهر برفضه الحازم لمساعي هرتزل السياسية، وأنه علينا ألا ننسى في المقابل استمرار الهجرة اليهودية طوال حكمه لأسباب تتعلق بالضغوط الأوروبية وفساد الإدارة العثمانية، وقد اقتنع هرتزل بعد مقابلاته مع السلطان ومقربيه بأنه لن يحصل على ما يبتغي لذا انتقل إلى المحطة التالية وهي بريطانيا[115].
    ويقول الدكتور عبد العزيز محمد عوض إن السلطان عبد الحميد ظل طيلة سنوات حكمه عقبة كأداء في وجه المشاريع الصهيونية وذلك بتأثير من سياسته الإسلامية ورجاله المقربين من العرب إضافة إلى شكوكه الذاتية في النوايا الصهيونية، ولا يرى غرابة في رفض السلطان كل ما عرض عليه من مال وتقدم اقتصادي وثقافي وغير ذلك من عروض رغم حاجة الدولة إليها، لأن الثمن المطلوب كان مستحيلاً، لأنه لا توجد حكومة متحضرة تقبل أن تمنح أشخاصاً تابعين لدول أخرى ويقطنون أقطاراً أجنبية امتيازات خاصة في أرض تتبعها ويسكنها رعاياها، كما خشي السلطان من انفصال فلسطين عن الحكم العثماني لو قام فيها ملك يهودي[116].
    ويقول جورج أنطونيوس إن الجهود الصهيونية في الميدان السياسي تركزت على إقناع حكام الدولة العثمانية بمختلف الوسائل ليمنحوا اليهود مزيداً من حق الاستيطان في فلسطين، ولم تلاق تلك الجهود نجاحاً “إذ خذلها عبد الحميد دون مواربة”، أما رجال تركيا الفتاة فإنهم كانوا ميالين للإصغاء للمقترحات الصهيونية نتيجة قوة اليهود في جمعية الاتحاد والترقي، ثم وجدوا من الحكمة في النهاية أن يرفضوها بعد احتجاج النواب العرب في مجلس المبعوثان واتجاه الصهاينة للحلفاء في الحرب الكبرى[117].
    ويقول الدكتور وليد الخالدي إن الحدث الفصل في الفترة الممتدة بين بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين واندلاع القتال بعد صدور قرار التقسيم(1947) هو انتقال السيادة على فلسطين من الدولة العثمانية، التي كان انهيارها زلزالاً يضاهي نكبة 1948 ونكسة 1967، إلى بريطانيا حاضنة المشروع الصهيوني[118].
    ويقول الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي الذي يُتهم كتابه بالتحيز للدولة العثمانية إن مجمل القول في مسألة الهجرة الصهيونية هو أن “الدولة العثمانية بمحاولاتها المكرورة منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين قد اقتحمت هذه المشكلة، ولكنها لم تستطع عبورها، ونجحت فقط في الحد منها، ونجحت في الحفاظ على عروبة فلسطين وعلى وحدة الصف العربي بين مسلميها ومسيحييها، ولكنها أخفقت في منع التسلل اليهودي إلى فلسطين”[119]، وهو كما نرى حكم غير متحيز، ويمكننا تفسير الإخفاق كما سيأتي بإخفاق الدول المعاصرة كبيرها وصغيرها في منع التسلل إليها إلى اليوم رغم التطور في وسائل التحكم، ويا ليت لنا بزعامات تحقق ما حققته الدولة العثمانية وفق ما سبق دون زيادة !

    الهجرة الصهيونية إلى الدولة العثمانية في سياقها التاريخي
    يجب الإشارة في هذا المقام إلى مجموعة من الحقائق تضع الأحداث في سياقها التاريخي الذي يجب تصوره قبل أن نبالغ في وصف الإجراءات العثمانية بالعجز رغم أن نتيجتها النهائية كانت دون طموحاتنا اليوم:
    1- فلسطين قضية عثمانية:كانت قضية الهجرة إلى فلسطين قضية تمس أمن الدولة العثمانية نفسها حين كانت بلادنا كلاً واحداً يتأثر قاصيه بدانيه، وقد أشار كثير من الباحثين ورددوا القول إن السلطان عبد الحميد كان يرفض أن يختلق مشكلة جديدة في فلسطين كمشكلة لبنان أو مقدونيا[120]، حيث أدت مشاكل الأقليات إلى فتح أبواب التدخل الأجنبي، وهو أمر يمس وحدة الدولة وسلامة سيادتها وليس مجرد قضية مقاطعة نائية يمكن أن تباع، وفي ذلك يقول المؤرخ مايكل أورين:”كانت الدولة العثمانية تخشى الصهيونية وأي مجهودات ومحاولات تبذل لتفكيك الإمبراطورية، ولها كل الحق في ذلك، لذلك وضعت قيوداً تعسفية متشددة على هجرة اليهود إلى فلسطين”[121]، ويقول المؤرخ ستانفورد شو إن السلطان عبد الحميد كان يعرف بالضبط ما الذي يريده الصهاينة وأنهم يسعون لإقامة حكومة مستقلة في فلسطين تكون مدخلاً لمزيد من النفوذ السياسي الغربي في الدولة العثمانية، ولهذا استنتج من تقارير سفرائه أن الصهيونية تهديد لموقف الدولة العثمانية في فلسطين ونتيجة لذلك قيدت السلطات العثمانية بشدة النشاط الاستيطاني اليهودي هناك بعدة إجراءات[122]، وفي هذا الموضوع يقول مؤرخ صهيوني بارز:”لقد بذل هرتسل على مر عدة سنوات جهوداً كبيرة من أجل إقناع السلطان العثماني وحكومته بأن يمنحوا اليهود حق الامتياز على أرض فلسطين، فقد سافر أكثر من مرة إلى اسطنبول والتقى بالساسة وكبار الموظفين وصغارهم والوسطاء في معظم الأحوال، وتكلم ووعد الأتراك بتغطية الديْن القومي الكبير عندهم، وحاول قدر استطاعته الإقناع والرشوة لكن بدون فائدة، فالسلطان العثماني لم يرغب في أن يضم للمشاكل القومية التي هددت بتفتيت مملكته، المشكلة اليهودية في فلسطين”[123].


    فتقصير الدولة العثمانية في هذه القضية كان في نظرها تقصيراً في حق نفسها، وهو أمر لا يتصور حدوثه، وليس مجرد تقصير في واجباتها تجاه العنصر العربي “المسكين” كما يدعي بعض من يسقطون واقع التجزئة المعاصرة على واقع ماض كانت فيه أمتنا جسداً واحداً لا تفرقه القوميات والوطنيات وبقية التقسيمات، وإذا أصيب فيه عضو تألم أعضاؤه الآخرون أيضاً، ومن هنا كان الهجوم على الموقف العثماني في هذه القضية يستلزم الادعاء أن العثمانيين طعنوا أنفسهم بأيديهم وهم يعلمون، وهو ما لا يستقيم.
    2- ضآلة عدد المهاجرين ونسبتهم:يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في موسوعته النفيسة إن عدد اليهود الذين هجروا روسيا وبولندا ورومانيا والنمسا منذ بداية الهجرة الكثيفة (1882)إلى بداية الحرب الكبرى (1914) بلغ أربعة ملايين نسمة[124]، وعموما يقول المؤرخ هنري لورنس إنه “لم يحدث قط أن كان الإنسان حراً في الانتقال في العالم بالدرجة التي كان بها حراً في عمل ذلك بين عامي 1880 و 1914″[125]، أي أن نسبة الهجرة إلى فلسطين إلى الهجرة اليهودية عموماً لا تتجاوز واحداً ونصف في المائة حتى لو زدنا عدد المهاجرين إلى ستين ألفاً وليس خمسين ألفاً فقط، ولو أخذنا بأرقام الدكتور حلاق التي تقل عن الأربعة ملايين فإن النسبة تقترب من الاثنين ونصف في المائة فقط[126]، أي أن نسبة الهجرة إلى فلسطين كانت منخفضة جداً مقارنة ببقية بلدان الهجرة كالولايات المتحدة وكندا والأرجنتين، ولهذا يقول المؤرخ لورنس إن الهجرة والاستيطان اليهوديين إلى المشرق العثماني في فترة الهجرة الأولى 1882-1904 تظل “واقعاً هامشياً نسبياً” في تطور فلسطين[127]، ووفقاً للموسوعة اليهودية فإنه رغم كون الهجرة اليهودية في الثلاثين سنة من الحكم العثماني التي أعقبت الاضطهاد القيصري أكبر حجماً من الهجرة اليهودية في الثلاثين سنة من الانتداب البريطاني والتي تضمنت الاضطهاد النازي، فقد كانت الهجرة إلى فلسطين في الثلاثين سنة العثمانية أقل حجماً (70 ألفاً) ونسبة (3%) بكثير من حجم(485 ألفاً) ونسبة (30%) الهجرة إليها في الثلاثين سنة البريطانية من مجموع الهجرات اليهودية الكلية في تلك الفترة[128]، وهو ما يوضح الفرق بين البيئة المعادية والبيئة المرحبة بهذه الهجرة في وقت لم يكن فيه من الممكن ضبط الهجرة غير الشرعية حتى اليوم، ومن أسباب تلك الأرقام والنسب الضئيلة من مجموع الهجرات القيود التي فرضتها الدولة العثمانية على الهجرة الصهيونية إليها كما تبين الحقيقة التالية.
    3- البيئة العثمانية الطاردة:لم يستقر كل اليهود المهاجرين إلى فلسطين فيها، ويقدر الدكتور عوض عدد المهاجرين الإجمالي في الفترة بين بداية الهجرة واندلاع الحرب الكبرى بأكثر من مائة ألف مهاجر “خرج نصفهم ثانية بعد إقامة قصيرة بسبب صعوبة الظروف المحلية والإجراءات التي اتخذتها السلطات العثمانية لمنع الهجرة إلى فلسطين”[129].
    4- معضلة الهجرة غير الشرعية في العالم:لم تكن الدولة العثمانية وحدها التي تعاني من عدم إحكام قبضتها على مجالها في مسألة الهجرة، ويقدر الدكتور المسيري عدد يهود دولة كبرى ذات إمكانات تقنية أوسع هي إنجلترا في سنة 1853 بنحو 25 ألفا، وفي سنة 1880 بنحو ستين ألفا، ثم وصل العدد إلى 242 ألفا عام 1910 :أي بزيادة نحو عشرة أضعاف خلال ستين عاما في مجتمع متجانس مثل المجتمع الإنجليزي” ثم وصل العدد سنة 1914 إلى ما بين 250-300 ألف “رغم صدور تشريعات تحد من هجرتهم”[130]، وبعملية حساب بسيطة نرى أن عدد اليهود الذين دخلوا بريطانيا في الفترة بين 1880-1914 رغم عوائق البحر والطرد الاجتماعي والقانوني وصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف من تسربوا إلى فلسطين رغم ضعف الإمكانات العثمانية مقارنة بإمكانات بريطانيا، كما أن نسبة المهاجرين إلى فلسطين في حدود الهجرة الثانية (1901-1914) وهي 1.9% انخفضت عن نسبتهم في حدود الهجرة الأولى(1881-1900) وهي 3.3% رغم أن الرقم المطلق كان أكبر، ولكنه كان خاضعاً لسيل الهجرة المتدفق المتزايد مع الزمن، ومع ذلك فإنه اتجه نحو التضاؤل في فلسطين[131]، ومازالت الهجرة غير الشرعية تؤلف كابوساً للدول الكبرى حتى في أيامنا هذه التي تطورت فيها وسائل التحكم والاتصال.
    5- مشاركة شعب فلسطين في توجيه السياسة العثمانية لصالحه:كان للاحتجاجات الشعبية الفلسطينية دور مهم في توجيه السياسة العثمانية الرافضة للاستيطان اليهودي في فلسطين، وفي هذه يقول المؤرخ شو:”إن قدراً كبيراً من موقف السلطان السلبي من خطة هرتزل أتى من الاحتجاجات العنيفة على الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين والتي كانت تصل قصره من السكان غير اليهود”[132]، ويقول أيضاً إن العثمانيين كانوا “تحت ضغط كبير من سكان فلسطين المسيحيين والمسلمين في سبيل عدم إدخال مهاجرين جدد وترحيل من أتوا في السابق”[133]، ويجب أن نتذكر أن هذه الضغوط والاستجابة التي نتجت عنها حدثت في دولة طالما نعتت بالاستبداد وفي عهد وصف بأنه قمة هذا الاستبداد المطلق ولكننا في الحقيقة نرى هنا دوراً شعبياً في الأنحاء القاصية يؤثر على مركز الدولة بما لا يتفق مع تلك الصفات الاستبدادية ومبالغاتها، ويؤكد الدكتور حلاق هذه الحقيقة بالقول إنه “كان لردود الفعل العربية الأثر الواضح في إصدار مجموعة من القرارات والقوانين العثمانية الخاصة بمنع المهاجرين اليهود من الاستيطان في فلسطين”، ويقدم أمثلة من العهدين الحميدي والدستوري ما يؤدي إلى “دحض الاتهامات الصهيونية القائلة إن الفلسطينيين لم يكونوا يؤثرون في مجريات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل الدولة العثمانية، فالواقع يثبت غير ذلك تماماً فالأمر لم يقتصر على استمتاع المواطنين العرب-ومنهم الفلسطينيون-بحقوق معينة لاسيما فيما يتعلق بالتمثيل النيابي، بل قد اشتركوا فعليا في إدارة البلاد…”[134].
    6- المفارقة التاريخية في اتهام الدولة العثمانية:علينا أن ننظر إلى الخطر الصهيوني وفق حجمه في ذلك الزمن وإلا فإننا سنخرج بأحكام تعسفية وغير تاريخية حينما نرى على سبيل المثال زعيماً وطنياً مصرياً كبيراً ومعادياً للاستعمار بشدة مثل مصطفى كامل باشا يجتمع مع هرتزل مرتين[135]ويثني على إخلاص اليهود للدولة العثمانية وهدوئهم مقابل الاضطرابات التي كان يثيرها عناصر أخرى في الدولة، ويصور حالهم كما كان آنذاك قائلا:”وهاهم اليهود لا يثورون ولا يهيجون ولا يشتكون ولا يتألمون بل يحمدون الدولة ليلاً ونهاراً في السراء والضراء ويسبحون في كل آونة بنعمها عليهم وحسن رعايتها لهم، وما ذلك إلا لأنه لا يوجد في الدول الأوروبية دولة تدعي الدفاع عنهم والعمل لمصالحهم فهم ليسوا بآلات في الدولة ضد الدولة بل هم يعرفون من أنفسهم أنهم عثمانيون ممتعون بكل الحقوق العثمانية، وأما العناصر التي كالأرمن تستعملها بعض الدول كإنكلترا فهي تثور بعوامل الدين ودسائس دينية”[136]، وبالطبع لو عاش ذلك الزعيم في زمننا لما أقدم على هذا التصرف ولكن في زمنه كانت الصهيونية شيئاً مختلفاً ومحصوراً في منظمة سياسية وكان زعيمها مجرد صحفي بارز يمكن كسبه إلى جانب قضايانا ليتبناها إعلامياً، وليس رئيس دولة عدوانية تحتل بلادنا وتشرد أهلنا وتؤلب العالم علينا، والباشا لم يدع إلى زيادة الهجرة واستقبالها كما فعل غيره من زعماء العروبة، وكل ما قاله يندرج في ظروف طبيعية في زمنها كما هو حال كل من تعامل مع هذه الظاهرة بحجمها يومذاك، فنلاحظ مثلا أنها لم تأخذ حيزاً كبيراً في مذكرات السلطان عبد الحميد رغم رفضه إياها، خلافاً لظواهر ألحت كثيراً في زمنه كالقضية الأرمنية أو التآمر البريطاني أو معارضة تركيا الفتاة أو العلاقات مع ألمانيا وغير ذلك، وهذا الوضع يختلف عمن رحبوا بالهجرة اليهودية وأرادوا لها أن تتضخم ورحبوا بها أو باعوا لها أملاكهم أو عملوا وسطاء لتجارها لتأخذ حيزاً أكثر مما كانت فيه.
    ومن العجيب أن يسترسل أصحاب الأحكام غير التاريخية في اتهاماتهم فيجعلون العثمانيين “أول من فتح أبواب الشرق على مصراعيها للمهاجرين من اليهود من أوروبا”[137]وذلك لأنهم استقبلوا اللاجئين من الاضطهاد الأوروبي بعد سقوط الأندلس في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في زمن يختلف جذريا عن زمننا، والعجيب أن أصحاب هذه الاتهامات يبشرون بالتعايش مع الكيان الصهيوني ويقبلون بالسلام الأمريكي(!)، بل إن هناك من سحب الاتهام ليوجهه إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه لأنه فتح القدس”للاستيطان اليهودي”[138]، ونسي المتهِم أن ذلك الزمن الذي تسلط فيه الخطر الأوروبي الإفرنجي المعادي لليهود على فلسطين يختلف عن زمننا الذي أصبح فيه الصهاينة اليهود أداة للخطر الغربي، وما أظن أنه كان مطلوباً من السلطان أن يتنبأ بما سيحدث بعد ثمانمائة سنة,وفي وقت يرحب بعض أصحاب هذه التهم بالاستيطان الصهيوني الحديث أو يؤيدون أنظمة معاصرة تسلم بوجود الدولة الصهيونية يلومون العثمانيين والأيوبيين على سياسة لا علاقة لها بما حدث بعد مئات أو عشرات السنين على الأقل، وهو ربط غير تاريخي يسمى مفارقة تاريخية تشبه مفارقة أخرى أسقطت تطورات حديثة جداً على الماضي وانتقدت السلطان سليم الأول العثماني الذي عاش في بداية القرن السادس عشر-أي قبل خمسمائة سنة- لأن حكمه لم يكن برلمانياً(!)، وذلك كما ينقل الدكتور عبد العزيز الشناوي[139]، ويصف الدكتور عبد الوهاب المسيري هذه النزعة عند بعض العلمانيين والمستنيرين العرب الذين يطبقون منهج النقد على التراث الإسلامي وحده دون الحضارة الغربية بأنهم لم يستفيدوا من هذه الحضارة بما فيه الكفاية وأصبح تعاملهم مع تراث الإسلام “مسألة ثأر وحسابات يجب أن تصفى”[140].
    7- التدخل الأجنبي هو العمل الحاسم في استدعاء المقاومة:رغم تدخل القناصل لحماية اليهود أحياناً كما سبق ذكره، فقد كان هناك من الأقليات من استحوذ على التأييد الأجنبي أكثر من اليهود آنذاك، وفي ذلك يقول المؤرخ الأمريكي مايكل أورين إن القوى الأوروبية لم تظهر الميل والاستعداد للتدخل لصالح اليهود كتدخل الولايات المتحدة لصالحهم في ذلك الوقت[141]، وقد أشار الزعيم مصطفى كامل في كلامه السابق إلى نقطة مهمة وهي أن اليهود في الدولة العثمانية في ذلك الزمن لم يكونوا تحت رعاية دولة أوروبية كالرعاية التي كانت تسبغ على الأقليات الأخرى التي سببت الأذى للدولة ، ومن ثم اتجه اهتمام العثمانيين إلى درء أخطارها أكثر من الخطر اليهودي الذي كان خافتاً في تلك الفترة، وهو ما يمكن أن نلاحظه في مذكرات السلطان عبد الحميد الذي عاصر الأحداث واحتل التدخل الأجنبي معظم كتابته، ولم يكن لليهود إلا جانب محدود بصفتهم خطراً جزئياً، ونجد اليوم كثيراً من المؤرخين يكتبون في التاريخ العثماني وتاريخ العهد الحميدي ولا يتطرقون قط للمسألة اليهودية ومساعي هرتزل[142]، وهو ما يؤكد هامشيتها في ذلك الزمن.
    ومما يؤكد تلك الأهمية لعامل التدخل الخارجي أنه عندما ارتبطت هجرة يهودية بذلك العامل الأجنبي فإن الدولة سرعان ما عملت على إجلائها فوراً كما حدث عندما “ازداد اهتمام الدولة العثمانية بشبه جزيرة سيناء في عام 1890 عندما زار مصر رجل إسرائيلي (أي يهودي) يدعى بول فريدمان، الذي اتصل بسلطات الاحتلال البريطاني في البلاد وأبلغها بنيته على الهجرة إلى سواحل الخليج، ولم تمانع تلك السلطات، وفي أواخر العام الثاني 1891 عاد فريدمان مع عشرين من اليهود الألمان والروس ونزلوا جميعاً على ساحل الخليج، ونتج عن ذلك أن نبهت الصحف المصرية إلى الخطر القادم من أوروبا، كما أن فريدمان وجماعته لم يحسنوا معاملة الأهالي هناك واشتروا أرضاً في ناحية المويلح مع أن قوانين الدولة العثمانية كانت لا تبيح بيع الأرض للأجانب في شبه جزيرة العرب، وأثار هذا الأمر الحكومة العثمانية التي لم تكتف بطرد فريدمان وجماعته من المنطقة، وإنما انتهز السلطان عبد الحميد الثاني فرصة وفاة الخديو توفيق في أوائل عام 1892 لاقتطاع شبه جزيرة سيناء وضمها إلى الأراضي العثمانية..(و)استجاب الخديو عباس لمطالب الدولة العثمانية فصدر قرار في 16 فبراير عام 1892 من مجلس الوزراء المصري يقضي بالتخلي عن العقبة وما حولها جنوباً من شبه جزيرة سيناء إلى الدولة العثمانية”[143].
    8- هامشية الصهاينة في المجتمع الفلسطيني العثماني:يقول المؤرخ اليهودي المعارض إيلان بابه في معرض تقويم تطور الاستيطان الصهيوني إن المجتمع الفلسطيني الريفي لم يشعر بآثار الصهيونية إلا بعد الحرب الكبرى الأولى(1914-1918)رغم إحساس بعض القيادات المحلية بهذا الخطر منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وإن الصهيونية كانت زوبعة في فنجان لمعظم السكان الفلسطينيين، فقد كانت المستعمرات قليلة، وقلة من القرى احتكت بها، ولم يكن قبل الحرب والحملات الكبرى لشراء الأراضي أن شهد الفلاح الفلسطيني أحداثا ستغير حياته جذريا[144]، بل وجدنا من يرى (1912) أن الصهيونية جلبت التقدم لفلسطين وأنها في صالح أبناء البلد[145]، ومن لم يدرك عداوة الانتداب البريطاني من الزعماء إلا متأخراً، وعُدت ثورة الشيخ عز الدين القسام (1935) إدراكاً مبكراً لحقيقة بريطانيا مع أن الوقت كان متأخراً في حسابات إنجاز المشروع الصهيوني، وهناك من تورط في بيع الأراضي والسمسرة لصالح الصهاينة مع كونهم من الوجهاء، ولم يكن أصحاب تلك الرؤية وهذه الممارسات يدركون أبعاد ما أدركه غيرهم منذ البداية ومن المؤكد أنهم لم يكونوا يساعدون ويثنون على من سيطردهم من بلادهم بعد قليل، أو من يخطط في أفضل الأحوال لجعلهم أقلية غريبة فيها.
    9- تنازع التيارات اليهودية في فلسطين وعدم اتحادها في ظل الصهيونية:ومن ضمن ظروف ذلك الزمن أن يهود فلسطين لم يكونوا كتلة واحدة ظاهرة الخطر، بل ساد الاختلاف والصراع بل الحروب الصغيرة فيما بينهم كما يقول المؤرخ اليهودي إيلان بابه، فقد كان اليهود الموجودون قبل الهجرة يختلفون عن الصهاينة القادمين، إذ لم يكونوا يعتنقون أفكارا ثورية، ويشعرون بالأمان في ظل التنظيمات الخيرية التي طبقتها الدولة العثمانية وساوت بها بين مواطنيها، وقد ازدهرت معيشتهم في ظل السلطان عبد الحميد ثم تحت حكم جمعية الاتحاد والترقي، وكانوا ينظرون إلى الصهيونية بصفتها هرطقة تهدد الأخلاق اليهودية بتبنيها العلمانية التي تسبب الانحطاط الأخلاقي للمهاجرين كما رآهم هؤلاء المواطنون القدامى[146]، وعن توزيع نسب الحضور بين اليهود القدامى والوافدين يقول مؤرخ صهيوني إنه في سنة 1899مثلاً كان عدد اليهود في فلسطين خمسين ألفاً يسكن ثلثاهم في القدس “ويعتبرون جميعهم من الاستيطان القديم”[147]، وهو ما ينبئ بضآلة حجم الاستيطان الصهيوني، وهو ما يؤكده المؤرخ ستانفورد شو بقوله إنه مع الازدهار الكبير الذي شهده اليهود العثمانيون في زمن السلطان عبد الحميد، لم يشهد الصهاينة سوى قليل من الدعم إلا بين المهاجرين الأشكناز من شرق ووسط أوروبا[148]، وينقل عن تقرير لمترجم القنصلية البريطانية العامة في بغداد سنة 1910 أن الدولة العثمانية تعد اليهود مخلصين جداً للسلطان وقد وضعت ثقتها فيهم ، كما أن اليهود في بغداد يحملون مشاعر العرفان بالجميل للحكومة العثمانية منذ هجرة أشقائهم من إسبانيا إلى آسيا الصغرى قبل مئات السنين، وأن المجتمع اليهودي مهتم بالتعاون مع الدولة من أجل تطويرها[149]، وهو ما يؤكد كلام الزعيم المصري مصطفى كامل باشا الذي مر ذكره، كما يقول شو إنه عندما تدفقت الهجرة اليهودية على الدولة العثمانية نتيجة حروب البلقان (1912-1913)عدلت الحاخامية العثمانية معارضتها للهجرة إلى فلسطين، وذلك كي لا يزاحم المهاجرون المقيمين في معيشتهم في استانبول ولكنها عملت على انتزاع قضية الاستيطان من أيدي الانفصاليين الصهاينة لصالح الولاء للدولة العثمانية والبقاء تحت سلطتها تجنباً لإغضاب المسلمين[150]، ولهذا لا يمكننا عند سرد الأرقام أن نجعل كل اليهود في فلسطين في خانة الصهيونية كجبهة خطرة وموحدة ونحن مازلنا في ظل دولة حاكمة غير يهودية.
    ومع ذلك فإن المؤرخ مايكل أورين يقول إن السلطات التركية لم تكن تفرق بين الجالية اليهودية القديمة والجالية الجديدة من الصهاينة، وكانت تظن أن كل اليهود يتآمرون للانفصال عن الدولة العثمانية ويخططون لتكوين دولة مستقلة، لذلك عمل الباب العالي على تقليص هجرة اليهود وشرائهم الأراضي في فلسطين مما عدته الولايات المتحدة سياسات عنصرية، وأن هذه السياسات المعادية لليهود استمرت إلى قيام الحرب الكبرى الأولى (1914)[151]، وإن لوم الدولة العثمانية لأنها لم تزود فلسطين بالكوادر الإدارية والعسكرية أيضاً اللازمة لتطبيق القيود على الهجرة[152]لم يكن من الأحكام التاريخية لأنه يطالب العثمانيين في ظرف الضعف والتراجع العام بصرف انتباههم عن الجبهات الساخنة التي كانت مفتوحة ضدهم آنذاك في قبرص ومصر والسودان وتونس والجزائر والجزيرة العربية والبلقان والقوقاز وكانت الطعنات تأتيهم من قبلها من كل من حولهم، وأن يركزوا جهدهم في جبهة فلسطين الهادئة نسبياً والتي لم تشتعل إلا في حقبة لاحقة، وهذا تجاوز لطبيعة التاريخ والبشر.
    10- السيادة السياسية هي العامل الحاسم في السيطرة على فلسطين:هذا الحكم غير اليهودي الذي كانت فلسطين في ظله جعل من السيطرة على عدد اليهود تابعة لقرار سياسي في أية لحظة خطر، كما حدث بعد اندلاع الحرب الكبرى وتصنيف الصهاينة في خانة الدول المعادية للعثمانيين مما أدى إلى خروج أعداد كبرى منهم من فلسطين وصلت في بعض المراجع إلى نصف اليهود فيها[153]وتقول بعض المراجع أنه لم يتبق من 85 ألفا عند بداية الحرب إلا 56 ألفا[154]أو 60 ألفا في نهايتها في مراجع أخرى[155]، وهو ما يقل عن يهود مدينة سالونيك وحدها، وعموما لا خلاف بين عدد كبير من المؤرخين على حدوث خروج يهودي جماعي بلغ عدد أفراده آلافاً عديدة في تلك الفترة، وفي هذه اللحظة كانت الأحداث مفتوحة على احتمالات عديدة ولم يكن تأسيس الوطن القومي مساراً حتمياً آنذاك، ولكن تسهيلات الحكم البريطاني جعلت العدد يتضاعف ثلاث مرات في عشر سنوات صنعت ضعفي ما صنعته أكثر من ثلاث عقود من الهجرة غير المجدية زمن العثمانيين فوصل عدد اليهود إلى 160 ألفاً في سنة 1928[156]، وهذه هي البيئة المؤاتية للهجرة، ومن هنا يمكن القول إن مشاركة غير العثمانيين في صناعة الأحداث بعد انتهاء العهد العثماني هو الذي جعل الموقف العثماني ليس بمستوى الطموح في نظرنا اليوم[157]فلو اقتصر تطور هذه الأحداث على استمرار العهد العثماني لطويت صفحة الهجرة الصهيونية دون نتائج كارثية حتى في ظل تنازلات طلعت باشا سنة 1918 التي يقومها الدكتور المسيري تقويماً ليس في صالح الصهيونية لأن العثمانيين “لم يتحمسوا قط للمشروع الصهيوني، بل كانوا يرونه جزءاً من المحاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم” وكانت خطوتهم الأخيرة اضطرارية[158]، وقد أفشل العثمانيون محاولات استيطانية أوروبية وأمريكية أثقل وزناً سياسياً من الاستيطان الصهيوني إذ كانت تقف خلفها دول عظمى كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وحتى حليفة العثمانيين ألمانيا وذلك كما جاء تفصيله في دراسة سابقة (الأثر الاقتصادي للتغريب الرأسمالي على المجتمع العثماني: التحدي والاستجابة)، وكما رأينا أن نتائج الهجرة اليهودية في زمن الحرب كانت سلبية والتجمع اليهودي متجهاً نحو الاضمحلال.
    11- تقويم صهيوني معاصر للإجراءات العثمانية:وفي تقويم يهودي معاصر للأحداث يرى رائد الصهيونية الروحية آحاد هاعام (1856-1927) بعد زيارة للاستيطان اليهودي في فلسطين سنة 1890 أن الأتراك عقبة أمام تحقيق المشروع الصهيوني السياسي، وأنه رغم قوة نفوذ البقشيش التي لا يقاومها أعظم رجال الدولة، فإنهم سينفذون واجبهم بأمانة وإخلاص بسبب اهتمامهم بالأراضي المقدسة، وأنه لا يجب الاستهانة بمشاعرهم ولن يستطيع شيء التأثير عليهم، وهم يعارضون الاستيطان اليهودي في فلسطين وتزداد معارضتهم كلما زاد عدد المهاجرين، وأن الإفراط في الاعتماد على القناصل الأجانب سيكون له تأثير عكسي[159].
    12- المفاوضات العثمانية “الرجعية” والمفاوضات “التقدمية” المعاصرة:أخذ البعض على السلطان عبد الحميد دخوله في مفاوضات مع هرتزل ومنحه وساماً رفيعاً واستنتجوا أنه كان مستعداً للبيع، وهو ما تبين النتائج العملية عدم دقته، ويا ليت جميع مفاوضاتنا تسير في نفس المسار الذي سار فيه السلطان وتخرج بنفس النتيجة الصلبة في مواجهة جشع الأعداء وصلفهم، فليس في فكرة التفاوض ما يشين وبخاصة لو كان صاحب الحق يعرف ما يريد ولا يخضع حقوقه لأهواء أعدائه، والعجيب أن يأتي النقد ضد السلطان من أقلام تقدمية تدافع باستماتة عن أنظمة عربية ثورية لم تخرج غالبيتها الساحقة عن القبول بفكرة “الشرعية الدولية” التي تقر وجود الكيان الصهيوني، كما أن الكثير من هذه الأنظمة دخلت في فترات من المفاوضات مع هذا الكيان على أساس القبول بوجوده في حدود 1967، فأي الفريقين:العثماني أم التقدمي، أحق بالنقد والتوبيخ؟
    أما الوسام فهو مسألة دبلوماسية كان القصد منها الحصول على مكاسب من هرتزل الصحفي، ويجب أن نتذكر دائماً أنه كان مجرد صحفي وليس قائداً عسكرياً صهيونياً ارتكب مجازر كبرى، والسلطان كان يأمل أن يستفيد من إمكاناته الصحفية والمالية كما مر، وذلك كما فعل مع غيره من السياسيين الذين كان يرجو استمالتهم ووقف بعضهم ضده في نهاية المطاف بشكل صريح كما فعل شيخ الكويت مبارك الصباح الذي انحاز إلى الجانب البريطاني بعد حصوله على وسام مشابه من السلطان وكذلك القول في الشريف حسين أمير مكة الذي وقف ضد الدولة العثمانية أيضاً، بل إننا نجد المؤرخ جون هاسلب الذي أطلق على السلطان عبد الحميد لقب السلطان الأحمر يضع الهدايا التي حصل عليها هرتزل من السلطان بصفتها دليلاً على فشله في تحقيق مشروعه الصهيوني:”ترك الدكتور هرزل القسطنطينية مصحوباً بعلبة للتبغ غنية بالأحجار الكريمة، وهي التذكار الوحيد الذي حصل عليه من تلك الزيارة التي كادت أن تغير مجرى التاريخ”[160]، أي أن من جاء يطلب وطناً حصل على علبة تبغ فقط، فيا ليت مفاوضاتنا المعاصرة تحتفظ بحقوقنا في بلادنا وتصرف الطامعين عنها بعلب تبغ ثمينة كهذه.
    ولهذا فإن الاستناد إلى عبارة قالها السلطان هنا أو هناك أثناء مفاوضته لا يبين موقفه الحقيقي والنهائي، والتردد من طبيعة الإنسان أمام أي خيار متعدد لاسيما حين وجود الإغراءات الكبرى التي لا يتردد أمامها سوى أهل المبادئ ولا يرفضها سوى العظماء، أما البشر العاديون فيتبعون أهواءهم بلا تردد، والعبرة بالنهايات وليس بالميول العابرة التي لا يخلو منها بشر، ومن يرفض السقوط رغم كونه “ميالاً” إلى الإغراءات أفضل ممن لا يسقط لأنه لا يميل إليها، ومجاهدة النفس من عناوين السمو في الأخلاق، فمن الغريب أن يسند موقف الرفض إلى البطانة المحيطة بالسلطان مع التلميح إلى موافقته على المشروع الصهيوني لولا رجاله المقربين (والمقصود هنا هو الشيخ أبو الهدى الصيادي الذي أشبعه التاريخ ذماً وشبه دوره بدور راسبوتين في روسيا القيصرية ثم نكتشف هنا أنه من أشار على السلطان برفض مشروع هرتزل)[161]، وهذا ما يتناقض مع الصورة التي رسمها التاريخ للسلطان بصفته مستبداً برأيه ومتفرداً في السلطة وضد المشاركة فلماذا عندما قام بعمل محمود حاول البعض نزع الشرف منه وإلصاقه بغيره كأبي الهدى والذي مع ذلك لا تصلح حسنات الثقلين لإقناع مؤرخي الغرب والتغريب بأن له فضيلة فكيف يكون حاله حين يعيق المشروع الصهيوني، وإلقاء الأعباء هذا لم يحدث في أحداث أخرى استقر اللوم فيها على السلطان ونُسي دور الرجال المحيطين به مثل قضية عزل الخديو إسماعيل والتي تولاها الصدر الأعظم والمصلح المعروف خير الدين التونسي، فإما أن السلطان كان مستبداً وعليه يجب أن تنسب الأفعال إليه بحلوها و مرها أو أنه لم يكن مستبداً وكان يصغي لمشورة غيره، وفي قضية فلسطين يكون السلطان رابحاً أياً كان الاختيار ويكون منتقدوه هم الخاسرين في الحالتين، لأن من تتغلب”مطامحه الروحية” على “تكالبه الدائم على جمع الأموال”[162]لا يكون شخصاً شريراً كما أراد الاستشراق أن يوحي لنا.

    13- ماذا حققت الصهيونية في ظل الدولة العثمانية:يقوّم الدكتور عوض إنجازات الحركة الصهيونية حتى سنة 1907 بالقول إنها لم تحقق نجاحاً عملياً كبيراً بعد عشر سنوات من تأسيسها، ولم تخط خطوات كبيرة لدفع عملية الاستيطان إلى الأمام، وفي المجال السياسي كانت جهودها أقل نجاحاً فقد فشلت الحركة في الحصول على تسهيلات حكومية أو ضمانات دولية، ومع بداية الحرب الكبرى “لم تحقق الصهيونية غير نجاح محدود”، ولهذا تخلى الصهاينة عن مشروع البراءة لفترة وتبنوا الحل التسللي البطيء إلى أرض فلسطين لعل ذلك يكوّن ضغطاً على السلطات الحاكمة لو زاد عددهم، ولكنهم عادوا إلى البحث عن التأييد الدولي الذي نتج عنه وعد بلفور والتبني البريطاني لهم في صك الانتداب.
    14- السلطان عبد الحميد لا يأبه بأسطورة الهيمنة اليهودية العالمية التي أخضعت ساسة العالم:جاء رفض السلطان عبد الحميد للعروض اليهودية في زمن تهافتت فيه قوى عظمى على كسب التأييد اليهودي، لا لاستخدام اليهود مجرد أدوات لحراسة المصالح الغربية في الشرق وحسب، ولا لمجرد التخلص من الفائض السكاني اليهودي أيضاً، بل للحصول على مكاسب من النفوذ اليهودي المالي والسياسي الذي راجت أسطورته آنذاك ودفعت دولاً كبرى لإصدار ما سماه الدكتور المسيري وعوداً بلفورية، أي وعوداً على غرار وعد بلفور بتأييد الأطماع الصهيونية، وكان ذلك قبل صدور الوعد الأخير، ومن الدول التي أقدمت على هذا ألمانيا التي رأى قيصرها سنة 1898 أن بلاده “ستستفيد غاية الاستفادة لأن رأس المال اليهودي العالمي، بكل خطورته، سينظر بعين العرفان إلى ألمانيا”، رغم ما في التعامل مع “قتلة المسيح” من صدمة للشعب الألماني[163]، ثم تنافست كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أثناء الحرب الكبرى لاكتساب ود اليهود بأقصى جهدها لتحقيق الانتصار، وقامت فرنسا بإصدار تصريح كامبو في 4 يونيو 1917 بالعطف على الأماني الصهيونية قبل أشهر معدودة من صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917[164]الذي استهدف استجداء العطف اليهودي الأمريكي لجر الدعم الأمريكي لمجهود الحلفاء الحربي، واستجداء الدعم اليهودي الروسي للضغط على حكومة الثورة البلشفية للاستمرار في الحرب، وهو التصريح الذي أيدته فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة[165]، وسبقه وتبعه أيضاً تصريح من ألمانيا بتأييد أماني الصهاينة والهجرة غير المقيدة إلى فلسطين وذلك بعدما أعطى طلعت باشا الصدر الأعظم العثماني الضوء الأخضر لألمانيا وأصدر تصريحاً يتعهد فيه بتحقيق أماني اليهود في فلسطين ويكفل رضاهم التام ونسق مع النائب اليهودي قراصو لإنشاء شركة تتولى تطبيق الحكم الذاتي حيث يقيم اليهود، وأصدر أيضاً تصريحاً مماثلاً لوعد بلفور في يوليو 1918 كما مر، وكان ذلك بسبب تدهور الوضع العسكري على جبهات القتال وفقدان معظم فلسطين واعتقاد الدولة العثمانية التي يحكمها الاتحاديون أن الاستجابة لمطالب الصهاينة قد يحسن موقفهم في مؤتمر الصلح[166]، وهو نفس الهدف الذي سعى إليه العرب أيضاً عندما سعى الأمير فيصل بن الحسين، بإيعاز من الجنرال اللنبي، للاتفاق مع الصهيونية ضد “الخطر الذي تتعرض له المصالح اليهودية والعربية من جراء السياسة الفرنسية” التي يعادي العرب انتدابها على سوريا ويرفض الصهاينة سيطرتها على فلسطين[167].
    15- الخديو السابق يبيع فلسطين من أجل راتبه من بريطانيا:وممن تبنى مطالب الصهاينة في فلسطين طمعا في استغلال نفوذهم لصالحه، الخديو السابق عباس حلمي الثاني الذي كان البريطانيون قد عزلوه عن العرش سنة 1914 بسبب مواقفه المناوئة للاحتلال في مصر، فكان ممنوعاً من دخول بريطانيا، وقامت الحكومة المصرية ببيع أملاكه بأسعار زهيدة، ولكن يبدو أن أمراً بدا له في سنة 1930، فبعد تدخل اليهود لإصلاح علاقته بالإنجليز مقابل تأييد الصهيونية، سافر إلى لندن وتدخلت بريطانيا لدى الحكومة المصرية لتعويضه عن خسائره، فأصبحت تدفع له راتباً سنوياً قدره ثلاثون ألف جنيه، واتخذ الخديو السابق موقفاً جديداً دعا فيه أهل فلسطين إلى التصالح مع اليهود والنزوح إلى شرق الأردن وترك فلسطين للصهيونية التي لا قبل لهم بمقاومتها، وحاول الخديو في هذا الإطار الضغط على الأمير شكيب أرسلان بما له من حضور فاعل في الساحة العربية والإسلامية ليتخذ موقفاً مشابهاً ويسعى لإقناع زعماء فلسطين بموقف الخديو الذي استغل الضائقة المالية التي كان يمر الأمير بها وهدده بقطع الراتب الذي يقدمه له شهرياً وهو ثلاثون جنيهاً، ولكن أمير البيان استهجن موقف الخديو وعنفه متسائلاً كيف يقوم أمير مسلم بالسعي لإخراج المسلمين من فلسطين، “أبهذه المبادئ يرجو أفندينا أن يكون له شأن في بلاد الإسلام؟”وقطع علاقته به ولم يبال بانقطاع الراتب ولم يستجب للوساطات التي بعثها الخديو في سبيل إعادة العلاقة معه[168].
    16- تقويم الإجراءات العثمانية بين حسرة شعب فلسطين وعداء الانتداب البريطاني:يمكننا قياس أهمية الإجراءات العثمانية ومعرفة موقعها من مؤشرين دالين:أولهما موقف الفلسطينيين الذي تحسروا على زوال أيام العثمانيين[169]وعقدوا مقارنات عديدة بين أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل الحكم العثماني ثم في ظل الانتداب البريطاني بعد ذلك مما ذكرت بعض أمثلته في دراسة سابقة(في ذكرى وعد بلفور:موقع الديمقراطية في السياسات الخارجية الغربية) تحت بند (ج-إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين)، أما المؤشر الثاني فهو موقف الانتداب البريطاني الذي عمد إلى إلغاء الإجراءات العثمانية بخصوص الهجرة اليهودية كقوانين الحد منها وقوانين منع انتقال الملكية، وفرض الجواز الأحمر، بالإضافة إلى إلغاء الإنجازات العثمانية كالمصرف الزراعي العثماني، وهو فرع من الأصل الذي تأسس في استانبول سنة1888 وأصبح له أكثر من أربعمائة فرع في أنحاء الدولة العثمانية[170]، وكان الفرع الفلسطيني يقدم التسهيلات للمزارعين الفلسطينيين ووصفه الدكتور صالحية بأنه بنك الفلاحين العرب الذي يقدم القروض الميسرة، وكان إلغاؤه من أوائل الإجراءات التي اتخذها المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صامويل وذلك في مارس 1921، لصالح مصرف الرهونات والقروض العامة اليهودي كما قال القائم بأعمال القنصل الأمريكي في رسالة لوزير خارجيته، ويستنتج صالحية من ذلك أن الهدف من الإلغاء كان حرمان الفلاح العربي من خدمات المصرف العثماني وتسهيلاته، والتضييق عليه، وإجبار المضطرين إلى اللجوء إلى المصارف والمرابين اليهود[171]، وفي شهادة معاصرة لنتائج الحدث قال موسى العلمي الذي عمل في الهيئة القضائية الانتدابية إن أثر الإلغاء كان تشجيع اليهود وإلحاق الأذى بالعرب[172].
    فارس الخوري يلخص حكايتنا مع التغريب السياسي الحائر بين الديمقراطية والصهيونية
    قال السلطان عبد الحميد في مذكراته التي كتبها في الأسر:”والذين أعلنوا أني أعظم مناصر للحكم الاستبدادي، وأني أكبر مستبد في العالم، لا شك أنهم سيعترفون بالحقيقة بعد موتي، وسيتراجعون عن موقفهم تجاهي”[173]، وفعلاً تحققت نبوءته في أكثر من مثل تاريخي يهمنا منها في هذا السياق ما يتصل بالوطن القومي اليهودي وأوضح أمثلته الأستاذ فارس الخوري.


    والأستاذ فارس الخوري (1877-1962)مواطن وأديب وسياسي عربي ولد في لبنان وعاصر العهد العثماني منذ زمن السلطان عبد الحميد، وعهد الانتداب، وعهد الاستقلال والتجزئة، وانتخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني في العهد الدستوري ثم شغل مناصب أدبية وأكاديمية وحقوقية وتولى منصب الوزارة في سوريا في عهد الانتداب الذي اضطهده ثم انتخب رئيساً لمجلس النواب السوري أكثر من مرة ثم تولى رئاسة الوزراء في عهد الرئيس شكري القوتلي كما مثّل سوريا في الأمم المتحدة[174]، وقد احتفى هذا الرجل بزوال عهد السلطان عبد الحميد وتحمس للثورة عليه وقال قصيدة طويلة في هجاء استبداده بعد عزله جاء فيها:
    لقد هوى اليوم صرح الظلم وانتقضت****أركانه وتولت أهله النقم
    ملكتنا فشهدنا منك طاغية****لم يلق نداً له المشهود والقدم
    ففي هبوطك عاد الملك مرتفعاً****وفي هلاكك كل الخلق قد سلموا

    وبعد تتابع الأحداث وتوالي الكوارث على بلادنا قال يوما لمحمد الفرحاني وفقا لما جاء في كتاب “فارس الخوري وأيام لا تنسى”:”لم أندم في حياتي على شيء ندمي على القصيدة التي نظمتها إثر إعلان الدستور العثماني وهجوت بها السلطان عبد الحميد الثاني، حيث تأكد لي فيما بعد بما لا يقبل الجدل أن هذا الخليفة الإسلامي قد راح ضحية ثأر اليهودية العالمية التي ساءها رفضه لاقتراح تيودور هرتسل واتخاذه مختلف الوسائل لمنع اليهود من الهجرة إلى فلسطين ووضعه قانون الجواز الأحمر الخاص بكل يهودي يدخلها للسياحة والزيارة، ومنعه إياهم من تملك الأراضي، مما أدى لحنقهم عليه وشروع منظماتهم بالعمل مع الدول الاستعمارية على مناوأته شخصيا وعلى كيان الدولة العثمانية”[175].


    الخلاصة والاستنتاج: النموذج الصهيوني خلاصة التغريب السياسي ودفعه معلق بوجود الكيان الجامع
    استعمل الغرب الهجرة اليهودية لتحقيق مصالحه في الشرق العربي الإسلامي، وقد سهلت عملية التغريب الرسمية هذه الهجرة بطريقة غير مباشرة في الوقت الذي وقفت الدولة العثمانية ضد هذه الفكرة حتى بسلاطينها المتغربين، وذلك لأن منطق الدولة العظمى الذي فرض نفسه على هذه الدولة وضع حداً لعملية الاستتباع للغرب ولم يقبل لها أن تكون تابعة وفقاً لمنطق الحضارة الغربية الحصري المستمد من منطق المنفعة الذي لا يقبل بمعاملة الآخر كما تعامل الذات، وقد استعمل السلطان عبد الحميد مركزية الدولة ضد قبول الهجرة الصهيونية ولمنع انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود، واتخذ إجراءات تطورت مع زيادة الشعور تدريجيا بالخطر حتى وصل الأمر ذروته بتعيين علي أكرم بك سنة 1906 متصرفاً للقدس والذي شهد عهده تطبيق تعليمات الباب العالي “على أكمل وجه”[176]كما يقول الدكتور حلاق نقلاً عن المؤرخ نيفيل ماندل وهو ما استفاض فيه الدكتور صالحية أيضاً، ولكن الانقلاب على السلطان عبد الحميد منع استكمال الإجراءات الحازمة وأجهض جهود المتصرف بعزله.


    وقد أسفرت سيول الهجرة اليهودية والتي بدأت سنة 1882 وتضمنت ملايين المهاجرين إلى دول العالم الغربي أثناء ما تبقى من الحكم العثماني حتى سنة 1914 عن استقرار 48 ألف مهاجر يهودي فقط في فلسطين (6.6%من مجموع سكان فلسطين سنة 1914) بمختلف الوسائل الشرعية وغير الشرعية ورغم الفساد المستشري في الأجهزة الإدارية، منهم أكثر من عشرين ألفاً مقيمون بصورة غير شرعية وغير معترف بهم، أي أن نسبة المهاجرين الشرعيين إلى مجموع السكان بعد عشرات السنين من الهجرة الكثيفة وصلت إلى 3.7% في الوقت الذي تضاعفت فيه هذه النسبة عشر مرات في سنوات الانتداب البريطاني، ومازالت كل دول العالم إلى هذا اليوم عاجزة عن التحكم في الهجرة غير الشرعية رغم تطور وسائل الاتصال والتحكم، وحتى الأرقام الصهيونية المضخمة لم تغير هذه الصورة كثيراً وثبت أن الإحصائيات العثمانية كانت دقيقة وجديرة بالاعتماد.
    وليس من المنطقي ولا التاريخي مطالبة الدولة العثمانية بالشعور منذ قدوم أول مهاجر يهودي لاجئ من روسيا سنة 1882، بخطر الكيان الصهيوني الذي قام سنة 1948ثم تغول تغولاً عالمياً فيما بعد، ورغم أن النتيجة النهائية لم تكن بمستوى طموحاتنا اليوم بعدما ابتلينا بهذا الكيان الغاصب الذي احتل بلادنا وشرد أهلنا وقتل أبناءنا ونهب ثرواتنا، فإن هذه النتيجة لم تكن حتمية في ظل بقاء الدولة العثمانية التي أفشلت مشاريع استيطان أقوى من ذلك وكان يقف خلفها دول كبرى تدعمها وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بل وألمانيا صديقة العثمانيين، ولم يكن للهجرة الصهيونية مستقبل واعد في ظل العثمانيين وكان نجاح الوطن القومي معلقاً بالحل الإمبريالي الذي طبقته بريطانيا، تماماً كما أن أعداد المقيمين الآسيويين مهما زادت في بلاد الخليج في أيامنا هذه غير مرشحة للتحول إلى كيانات سياسية هندية أو فلبينية في ظل السيادة العربية إلا لو حدث تحول سياسي من الخارج وقامت الهند مثلاً باحتلال عسكري لدعم الوجود الهندي في بلد خليجي، وحينئذ لا يمكننا أن نلوم أول من استقدم عاملاً أو تعامل مع تاجر من الهند لأن الظرف التاريخي كان مختلفاً تماماً، وكما أن هذا التحول يبدو بعيداً لنا اليوم فكذلك التحولات التي حدثت بعد الحرب الكبرى الأولى كانت مستبعدة بل خيالية في نظر الأحياء في بدايات الهجرة الصهيونية.
    وقد رفضت الدولة العثمانية المشروع الصهيوني في وقت اُعجِب فيه بعض مشاهير التيار التغريبي والقومي ورحبوا بالصهاينة وتسابقت قوى التغريب العربية، الفكرية والرسمية والقومية، بالإضافة إلى قوى التغريب الطورانية، والغرب الاستعماري نفسه على تأييد الحركة الصهيونية لكسب دعمها في الزمن الذي لم يأبه به السلطان عبد الحميد وفرض منطق الخلافة الإسلامية نفسه على قراراته بهذا الشأن رغم أنه حاول الاستفادة من الدعم المالي اليهودي أو نفوذ اليهود الإعلامي ولكن بشروط حاسمة لم يقبلها الصهاينة ولا هو تنازل عنها رغم الثمن الكبير الذي دفعه وظل ثابتاً على هذا الموقف حتى آخر حياته، لأن القضية كانت تتعلق بالأمن العثماني نفسه وليس بقطعة أرض فقط، ويلخص المؤرخ الفرنسي هنري لورنس مشهد التفاوض بين هرتزل والدولة العثمانية بقوله:” لا ينجح هرتسل إذاً في كسب اهتمام الحكومة العثمانية بمشاريعه، على العكس، فهذه الحكومة إنما تسعى إلى استخدامه…وفي فبراير/شباط (فيفري) 1902، تستدعي السلطات العثمانية هرتسل إلى القسطنطينية، فهو مدعو الآن إلى تنفيذ وعوده فيما يتعلق بتنمية الدولة العثمانية، وهو يرد مطالباً بحرية الهجرة ويتحدث عن إنشاء الجامعة العبرية، فيجاب بالاستعداد لقبول دخول اليهود إلى أي مكان في الدولة ما عدا فلسطين، وبشكل متفرق ودون تنظيم عام…والواقع أن الباب العالي إنما يستخدمه (أي هرتزل) كأداة ضغط في مفاوضات أكثر جدية بكثير مع مجموعة مالية فرنسية لأجل تجميد الديْن العثماني…وعندما تتم تسوية الأمر مع الفرنسيين، يجري صرف الفييناوي (أصل هرتزل من فيينا عاصمة النمسا) بأدب، (فينتظر فرصة جديدة)…بيد أن هرتسل يدرك، تدريجياً، أن موقف السلطان، بالرغم من الاحترازات البلاغية والتلاعبات المالية، كان دائماً عديم المرونة:قبول هجرة يهودية متفرقة في الدولة العثمانية مع رفض الحماية القنصلية واشتراط قبول المواطنة العثمانية”[177]، فأين لنا بمفاوضات كهذه في زمننا الذي أصبح التفاوض فيه مناسبة للاستسلام؟
    ولكن هذا لم يمنع أحكام بعض المؤرخين من التجني على مواقفه تجنياً غير تاريخي ما لبث أن طال محرر القدس السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه الذي أصبح وفق تلك المقاييس من المساهمين البارزين في مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ800 سنة خلت (!)، والغريب أن يأتي هذا النقد والهجوم من قبل أقلام تؤيد الأنظمة التقدمية المعاصرة التي تفاوض وتقبل وجود الكيان الصهيوني، أو أقلام ليبرالية تبشر بالتعايش مع هذا الكيان الغاصب وتبخر لسيادته ضمن مشاريع الشرق أوسطية الأمريكية.
    وإن نجاح الغرب في زرع الكيان الصهيوني فيما بعد صوّر خلاصة النوايا الغربية السياسية الإقصائية تجاه المجتمع الإسلامي والمدى الذي يمكنها الوصول إليه في عملية الإضرار بأبناء هذا المجتمع في سبيل تحقيق مصالحها التي لا يمكننا مقاومتها بفعالية إلا تحت راية جامعة تلم شعث كيانات التجزئة، ولهذا لم يكن من العجيب أن تتمحور معارك البناء والوحدة والتحرر في أمتنا حول مواجهة هذا الكيان الغاصب الذي يمثل إرادة الغرب القوي في إبقائنا متخلفين متفرقين وخاضعين.



    ملاحق:أبرز تصريحات السلطان عبد الحميد بشأن فلسطين والصهيونية منذ البداية إلى النهاية
    فرمانات متوالية كتبها بخط يده:
    1- 28/6/1891:”إن قبول المطرودين من كل حدب وصوب في البلاد السلطانية غير جائز، لأن ذلك قد يؤدي إلى تشكيل حكومة يهودية في القدس في المستقبل.والبلاد السلطانية ليست أراض غير مأهولة، لذا ينبغي سوقهم إلى أمريكا، …وينبغي إعادتهم فوراً إلى سفنهم وإرسالهم إلى أمريكا، وعلى مجلس الوزراء اتخاذ قرار قطعي بهذا الخصوص وعرضه عليّ، وإذا كانت أوروبا المتمدنة تمتنع عن قبولهم وتجلوهم عن بلدانها، فلم نقبلهم نحن؟..”[178].


    2- 5/7/1891:”إن قبول هؤلاء اليهود والسماح باستيطانهم هما في غاية الخطورة.لذا ينبغي عدم قبولهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى بروز مسألة تأسيس دولة يهودية في المستقبل، لذا ينبغي عرض الموضوع على مجلس الوزراء اليوم بأسرع ما يمكن..”[179].
    3- 6/7/1891:”إن الدول المتمدنة (أي روسيا) التي طردت هؤلاء اليهود من أراضيها والدول الأخرى التي لم تقبل بهم، لم تلق أي اعتراض ولم تتعرض إلى الانتقاد، فبأي حق تبدي هذه الدول اعتراضاتها وتتخذ من عدم قبولنا اليهود حجة علينا، وإذا كان هناك ثمة حق للاعتراض فليوجه نحو الدول المعنية، وعليه فأينما سكن اليهود أو اتخذت التدابير اللازمة بشأنهم، فإنهم وكما يبدو سيغزون فلسطين عازمين في نهاية المطاف وبتشجيع الأوروبيين ورعايتهم على تشكيل دولة يهودية فيها، وإن هؤلاء اليهود لا يمارسون العمل في الزراعة والفلاحة بل ينوون العمل على إلحاق الأضرار بالأهالي كما فعلوا في البلدان التي طُردوا منها، ونظرا إلى أنهم كانوا يزمعون الهجرة إلى أمريكا فمن المناسب أن يواصلوا هجرتهم إليها..”[180].
    تصريح موجه لرئيس الحاخامين الذي التقاه مناشداً منح اليهود أراض وامتيازات في فلسطين:
    4- 1893:”إن اليهود يعيشون في ظل النظام والعدالة والرفاهية كباقي المواطنين ولا أوافق على منحهم أي امتياز خاص”[181].

    من مذكراته السياسية:
    5- 1895:”لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين لتتخلص من العرق السامي الذي زاد كثيراً.ولكن لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقاً، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضاً تملكوا كافة قدراتها في وقت قصير، وبذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم.لن يستطيع رئيس الصهاينة”هرتزل” أن يقنعني بأفكاره، وقد يكون قوله:ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوى فيه اليهودي على قيادة محراثه بيده، صحيحاً، إنه يسعى لتأمين أرض لإخوانه اليهود، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافياً لحل جميع المشاكل.لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين، بل يريدون أموراً أخرى مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين، إنني أدرك أطماعهم جيداً، لكن اليهود سطحيون في ظنهم أنني سأقبل بمحاولاتهم، وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فإني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين”[182].


    رد على عروض هرتزل بواسطة الصحفي البولندي نيولنسكي
    6- 18/6/1896:”إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي، فانصحه ألا يسير خطوة أخرى في هذه القضية، إنني لا أستطيع أن أبيع شبراً واحداً من هذه الأراضي، لأن هذا الوطن ليس ملكي وإنما هو ملك شعبي الذي أقام هذه الإمبراطورية بإراقة دمائه، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا، لقد حاربت الكتيبتان السورية والفلسطينية في بلافنا(ملحمة وقعت في البلقان أثناء الحرب مع روسيا سنة 1877) واستشهدوا هناك واحداً بعد الآخر لأن أحدا منهم لم يرض بالاستسلام وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال، إن الإمبراطورية العثمانية ملك للعثمانيين، ولا أستطيع أن أمنح أي جزء منها، فليحتفظ اليهود ببلايينهم (أو ملايينهم)، فقد يستطيعون الحصول على فلسطين دون مقابل إذا ما قسمت الإمبراطورية ولكن جثثنا فقط هي التي يمكن تقسيمها، ولن أسمح بتشريح جسدنا ونحن على قيد الحياة”[183].


    وقد علق هرتزل على هذا الرد بقوله إنه تأثر بكلمات السلطان الشامخة رغم أنها وضعت حداً لجميع آماله، وأن هناك جمالاً مأساوياً في هذه القدرية التي تتنبأ بالموت والتمزق ومع ذلك تقاتل إلى النفس الأخير رغم النتيجة السلبية لهذه المقاومة[184].
    ملاحظة:استخدم هرتزل في نقل الرواية عن السلطان تعبير الإمبراطورية التركية بدلاً من العثمانية والشعب التركي بدل العثماني وذلك لأن اللفظين مترادفان في الغرب أما في الشرق فكان استعمال كلمة عثماني يختلف عن استعمال كلمة تركي إلى أن تغير الحال بدخول الأفكار القومية التي قمعها السلطان عبد الحميد[185]وكان هو يعبر عن أهل بلاده بتعبير الأمة العثمانية[186]وليس التركية والأرجح أنه استخدم هذا اللفظ لا ما نقله هرتزل عن نيولنسكي.

    رسالة إلى الشيخ محمود أبي الشامات في السنة التالية لعزل السلطان عن الحكم:
    7- 1910:”إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم جون تورك وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية.إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف.وأخيرا وعدوا بتقديم مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً، وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي:إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فضلاً عن مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي.لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين.لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً.وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلانيك فقبلت بهذا التكليف الأخير، هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين، وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال…”[187].


    من مذكراته بعد عزله وهي تختلف عن المذكرات السياسية أثناء حكمه:
    8- 1917:”انتظم اليهود وسعوا عن طريق المحافل الماسونية للعمل في سبيل الحصول على “الأرض الموعودة” وجاءوا إليّ بعد فترة وطلبوا مني أرضاً لتوطين اليهود في فلسطين مقابل أموال طائلة، وبالطبع رفضت”[188].


    ويلاحظ على مواقف السلطان المتتالية ما يلي:
    1- ثبات الموقف من البداية إلى النهاية.
    2- اطلاع جيد على جذور المسألة اليهودية التي تلخصت في زيادة أعداد اليهود ومحاولة الغرب التخلص منهم.
    3- كشف الازدواجية الغربية التي تنادي بالحرص على اليهود في الوقت الذي تمنع فيه دخولهم بلادها.
    4- الندية في التعامل مع الدول الغربية وعدم القبول بأن تكون الدولة العثمانية مكباً لنفايات الغرب كما أصبحت دول التجزئة التي قامت على أنقاضها.
    5- الحرص على غلبة “العنصر العربي” في أرضه بشكل تجاوز العصبيات والانقسامات وتقدير تضحيات هذا العنصر في معارك الدولة وعدم التفريط فيها مقابل الأموال الطائلة، “وبالرغم من استبدادية السلطان عبد الحميد فإنه لا يمكن اتهامه بالتعصب القومي التركي” كما ينقل الدكتور وميض نظمي عن الوثائق البريطانية[189].
    6- عدم وجود كراهية دينية تجاه اليهود، وهو ما أكده المؤرخ شو والموسوعة اليهودية أيضا[190]، وتقدير خدماتهم مع الفصل بين هذا الأمر وإنشاء حكومة خاصة بهم.




    الهوامش
    ________________________________________

    [1] -رءوف عباس، صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، تحرير:عبادة كحيلة، ص118-122.
    [2] -لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، دار الفارابي، بيروت، 2007، ص128.
    [3] -عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، 1999، المجلد السادس ج2ص166.
    [4] -أ. د. محمد عيسى صالحية، مدينة القدس: السكان والأرض(العرب واليهود) 1858-1948، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2009، ص63.
    [5] -د. جوزف حجار، أوروبا ومصير الشرق العربي: حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976، ترجمة: بطرس الحلاق وماجد نعمه، ص 233.
    [6] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق، عمّان، 2007، ص 184.
    [7] -باربارا توخمان، الكتاب المقدس والسيف: إنجلترا وفلسطين من العصر البرونزي إلى بلفور، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2004، ترجمة: د. منى عثمان ومحمد طه، ج2ص68.
    -الدكتورة هدى درويش، العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية:منذ قيام دعوة يهود الدونمة 1648 إلى نهاية القرن العشرين، دار القلم، دمشق، 2002، ج1ص222-223، استناداً إلى رأي الدكتور أحمد سوسة في كتابه الشهير:العرب واليهود في التاريخ، العربي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ص720-721.
    [8] – دكتور حسان حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897-1909، دار النهضة العربية، بيروت، 1999، ص 48-50.
    [9] -نفس المرجع، ص 104. وأيضاً:
    -عادل مناع، تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918(قراءة جديدة)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1999، ص186.
    [10] – دكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف، القاهرة، 1973، ج1ص8-10(من مقدمة الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي).
    [11] -لورانس أوليفانت، أرض جلعاد:رحلات في لبنان وسورية والأردن وفلسطين 1880، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمّان، 2004، ص430 و462 و484.
    [12] -د.محمد الناصر النفزاوي، التيارات الفكرية السياسية في السلطنة العثمانية 1839-1918، دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع، صفاقس، وكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، 2001، ص413 و469.
    [13] -نفس المرجع، ص412-413.
    [14]- د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، 1831-1914، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1983، ص153.
    [15] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث في تاريخ العرب الحديث 1514-1914، مكتبة المحتسب، عمّان، 1983، ص54.
    [16]-نفس المرجع، ص54-58.
    [17] -أحمد الشقيري، الأعمال الكاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ج2 المذكرات/2-على طريق الهزيمة مع الملوك والرؤساء، ص1395.
    [18] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص298.
    [19] -زين نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار للنشر، بيروت، 1977، ص99.
    -Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw,History of the Ottoman Empire and Modern Turkey,Cambridge University Press,2002,Vol. 2,p. 330.
    [20] -حلمي النمنم، التاريخ المجهول:المفكرون العرب والصهيونية وفلسطين، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، ص146-170.
    [21] -د. محمد عيسى صالحية، سياسات وإجراءات علي أكرم بك(متصرف القدس)حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في مدينة القدس، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4 المجلد 38، إبريل-يونيو 2010، ص 135.
    [22] -د. جيرمي سولت، تفتيت الشرق الأوسط:تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي، دار النفائس، دمشق، 2011، ترجمة:د. نبيل صبحي الطويل، ص153-154.
    [23] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص69.
    [24] -عيسى القدومي، الأرشيف العثماني وكنوز تاريخ القدس، مجلة بيت المقدس للدراسات، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، نيقوسيا-قبرص، العدد الخامس، شتاء 2008، ص41-42
    [25] -دكتور حسان حلاق، ص80.
    [26]-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص22.
    [27] -لورانس أوليفانت، ص 472.
    [28] -دكتور حسان حلاق، ص90.
    [29] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص12(من مقدمة الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي).
    [30] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق، عمّان، 2007، ص194.
    [31] -د. مصطفى الستيتي، موقف الحكومة العثمانية من هجرة 46 يهوديا تونسيا إلى القدس، صحيفة الضمير التونسية، وموقع أرشيف الدولة العثمانية، 23/1/2014،


    http://www.ottomanarchives.info/2014/01/23/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d 8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%87%d8%ac%d8%b1%d8%a9-46-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a7/
    [32] -Stanford J. Shaw, The Jews of the Ottoman Empire and the Turkish Republic, New York University Press, New York, 1991, pp. 214-215.
    [33] -نائلة الوعري، ص125.
    [34] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
    [35] -نائلة الوعري، ص107-108 و139 و146-147 و158-159. وأيضا:
    -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
    [36] -نائلة الوعري، ص136-148.
    [37] -دكتور حسان حلاق، ص87.
    [38] -نائلة الوعري، ص149-154.
    [39] -د. أمين عبد الله محمود، مشاريع الاستيطان اليهودي في مرحلة التكوين، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2011، ص132-134.
    [40] -نائلة الوعري، ص 107 و108 و139 و146 و147 و158 و159.وأيضاً:
    -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
    [41] -دكتور حسان حلاق، ص90.
    [42] -مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال:أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم، كلمة، أبوظبي، وكلمات عربية، القاهرة، 2008، ص277.
    [43] -نفس المرجع، ص308-310.
    [44] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص31.
    [45] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص43-44. وأيضا:
    -دكتور حسان حلاق، ص104-105.
    [46] -وليد الخالدي، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، والنادي الثقافي العربي، 2009، ص290.
    [47] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ج2ص991-998.
    [48] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص46.
    [49] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص44.بالإضافة إلى المراجع في الهامش التالي.
    [50] -د. سلمان أبو ستة، فلسطين:الحقوق لا تزول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2013، ص21.
    -هنري لورنس، مسألة فلسطين:المجلد الأول1799-1922 اختراع الأرض المقدسة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ترجمة:بشير السباعي، الكتاب الأول1798-1914 أوروبا تصوغ العالم وشرق آخذ بالتحول ص173-174.
    -مقال للدكتور رشيد الخالدي في مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية 1 يناير 1994 على الموقع التالي:

    http://www.thefreelibrary.com/_/print/PrintArticle.aspx?id=15721729
    والمراجع السابقة تستند إلى المرجع المهم التالي للخبير الديمغرافي الأمريكي جستن مكارثي:
    -Justin McCarthy, The Population of Palestine: Population History and Statistics of the Late Ottoman Period and the Mandate, Columbia University Press, New York, 1990.
    [51] -د.عبد العزيز محمد عوض، مقدمة….، ص50.
    [52] -دكتور حسان حلاق، ص96.
    [53] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة….، ص51.
    [54] -رفيق شاكر النتشة، السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين: السلطان الذي خسر عرشه من أجل فلسطين، دار الكرمل، عمّان، 1984، ص152.
    [55] -نائلة الوعري، ص199.
    [56] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص 88-89.
    [57] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص24.
    [58] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص53.
    [59] -دكتور حسان حلاق، ص151-152.
    [60] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص76.
    [61] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص991-993.
    [62] -نفس المرجع، ج2ص993. وأيضا:
    -نائلة الوعري، ص205.
    [63] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص89. وأيضا:
    -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص33.
    [64] -دكتور حسان حلاق، ص250.
    [65]-د. محمد عيسى صالحية، سياسات وإجراءات علي أكرم بك(متصرف القدس)حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في مدينة القدس، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4 المجلد 38، إبريل-يونيو 2010، ص131-164.
    [66] -نائلة الوعري، ص206.
    [67]-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص89.
    [68] -الدكتور عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر، دمشق، 2002، ص82.
    [69] -نفس المرجع، ص75-77.
    [70] -مردخاي نائور، الصهيونية في مائة عام1897-1996:تواريخ، وثائق، مفاهيم، صور، مكتبة النافذة، القاهرة، 2013، ترجمة:عمرو زكريا خليل، ص26.
    [71] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 208.
    وأيضا:
    -دكتور حسان حلاق، ص285.
    [72] -وليد الخالدي، ص317.
    [73] -د. عبد الوهاب المسيري، الصهيونية وخيوط العنكبوت، دار الفكر، دمشق، 2006، ص102.
    [74] -Stanford J. Shaw, 1991, pp. 212-213.
    [75] -نائلة الوعري، 172-173.
    [76] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص79.
    [77] – Marvin Lowenthal (ed), The Diaries of Theodor Herzl, The Universal Library, New York, 1962, p. 340.
    [78] -مردخاي نائور، ص35 و41.
    -دكتور حسان حلاق، ص185.
    [79] -دكتور حسان حلاق.
    [80] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص61.
    [81] – Sevket Pamuk, The Ottoman Empire and European capitalism, 1820-1913, Cambridge University Press, 1987, p. 213.
    [82] -دكتور حسان حلاق، ص184.
    [83] -نفس المرجع، ص199.
    [84] -د.خيرية قاسمية، قضية الحدود بين فلسطين ومصر وأثرها في جذور الصراع العربي-الصهيوني، مجلة تاريخ العرب والعالم، دار السياسة للصحافة والنشر، بيروت، العدد الخامس، مارس 1979، ص20.
    [85] -دكتور حسان حلاق، ص188-189.
    [86] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص966-972.
    [87] -د. صبري أحمد العدل، سيناء في التاريخ الحديث (1869-1917)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرةـ2004، ص192.
    [88] -حلمي النمنم، جذور الإرهاب: أيام سليم الأول في مصر، دار النهر للنشر والتوزيع، القاهرة، 1995، ص9.
    [89] -د. أمل فهمي، العلاقات المصرية العثمانية على عهد الاحتلال البريطاني 1882-1914، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002، ص93-128.
    [90] -ألفت احمد الخشاب، تاريخ تطور حدود مصر الشرقية وتأثيره على الأمن القومي المصري 1892-1988، دار الشروق، القاهرة، 2008، ص169-170.
    [91] -د. صبري أحمد العدل، ص164.
    [92] -نفس المرجع، ص180-182.
    [93]-Moshe Ma’oz (ed), Studies on Palestine During the Ottoman Period, The Hebrew University, Jerusalem, 1975, pp. 190-197.
    [94] -أمين أبو بكر، ملكية السلطان عبد الحميد الثاني في فلسطين(1876-1937)، مجلة جامعة النجاح للأبحاث(العلوم الإنسانية، نابلس، المجلد17(1)، 2003، ص232-233.
    [95] -هنري لورنس، ص166-171.
    [96] -جوني منصور، الخط الحديدي الحجازي: تاريخ وتطور قطار درعا-حيفا، مؤسسة الدراسات المقدسية، القدس، 2008، ص174-175.
    [97] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص135.
    [98] -باميلا آن سميث، فلسطين والفلسطينيون 1876-1983، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق، 1991، ترجمة:إلهام بشارة الخوري، ص25.
    [99] -د. حسان حلاق، دور اليهود والقوى الدولة في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش 1908-1909، دار بيروت المحروسة للطباعة والنشر، بيروت، 1993.
    [100] -حنا بطاطو، العراق(الكتاب الأول): الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1990، ترجمة: عفيف الرزاز، ص323-326.
    [101] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص319.
    [102] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص57.
    [103] -نائلة الوعري، ص252.
    [104] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص59. وأيضا:
    -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص47.
    [105] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص153.
    [106] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص44.
    [107] -جورج أنطونيوس، يقظة العرب: تاريخ حركة العرب القومية، دار العلم للملايين، بيروت، 1978، ترجمة: الدكتور ناصر الدين الأسد والدكتور إحسان عباس، ص365.
    [108] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص61.
    [109] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص43.وأيضا:
    -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص72.وأيضا:
    -رفيق شاكر النتشة، ص112.
    [110] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص115.
    [111] -مذكرات محمد عزة دروزة1887-1984، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993، ج1ص244.
    [112] -قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1994، ص74.
    [113] -عوني فرسخ، التحدي والاستجابة في الصراع العربي-الصهيوني: جذور الصراع وقوانينه الضابطة (1799-1949)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008، ص223-224.
    [114] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص43.
    [115] -عادل مناع، ص235-236.
    [116] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص56-57.
    [117] -جورج أنطونيوس، ص365.
    [118] -وليد الخالدي، ص256 و288و296.
    [119] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2 ص 1002.
    [120] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص 79.
    -دكتور حسان حلاق، 1999، ص 155.
    -هنري لورنس، ص169.
    [121] -مايكل أورين، ص 277-278.
    [122] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 217.
    [123] -مردخاي نائور، ص25-26.
    [124] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السابع، ج2ص90-91.
    [125] -هنري لورنس، ص170.
    [126] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص103.
    [127] -هنري لورنس، ص166.
    [128] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد الثاني، ج1ص110.
    [129] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص47. وأيضا:
    -دكتور حسان حلاق، 1999، ص78.
    [130] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد الرابع، ج3ص320.
    [131] -دكتور حسان حلاق، ص103.
    [132] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 214.
    [133] -نفس المرجع ، ص 216.
    [134] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص234 و293و256.
    [135] -نفس المرجع، ص237-239.
    [136] -مصطفى كامل باشا، المسئلة الشرقية، مطبعة اللواء، القاهرة، 1909، ص8.
    [137] -شاكر النابلسي، عصر التكايا والرعايا: وصف المشهد الثقافي لبلاد الشام في العهد العثماني(1516-1918)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص178.
    [138] -نبيل فياض، يوم انحدر الجمل من السقيفة، منشورات الدار الفاطمية، دمشق، 1993، ص 79-80.
    [139] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج3ص1478.
    [140] -الدكتور عبد الوهاب المسيري، حوارات (1): الثقافة والمنهج، دار الفكر، دمشق، 2010، تحرير: سوزان حرفي، ص307.
    [141] -مايكل أورين، ص 277.
    [142] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2.
    -أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، دار الشروق، القاهرة، 1982.
    -سعيد أحمد برجاوي، الإمبراطورية العثمانية:تاريخها السياسي والعسكري، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1993.
    -جون باتريك كينروس (لورد كينروس)، القرون العثمانية:قيام وسقوط الإمبراطورية، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2003، ترجمة:الدكتورة ناهد إبراهيم دسوقي.
    [143] -د. أمل فهمي، ص80-81.
    [144] -Ilan Pappe, A History of Modern Palestine, Cambridge University Press, 2006, p. 56.
    [145] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص325.
    [146] -Ilan Pappe, p. 53.
    [147] -مردخاي نائور، ص31.
    [148] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 223.
    [149] -نفس المرجع ، ص 295.
    [150] -نفس المرجع ، ص 225.
    [151] -مايكل أورين، ص347.
    [152] – Stanford J. Shaw, 1991, p. 216.
    [153] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السابع، ج2ص90-91.
    [154] -الدكتور ماهر الشريف، تاريخ فلسطين الاقتصادي-الاجتماعي، دار ابن خلدون، بيروت، 1985، ص93.
    [155] -Ilan Pappe, p. 69.
    [156] -مردخاي نائور، ص84.
    [157] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص999.
    [158]-عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص44.
    [159] -د. أمين عبد الله محمود، ص112.
    [160] -جون هاسلب، السلطان الأحمر عبد الحميد، دار الروائع الجديدة، بيروت، 1974، ترجمة:فيليب عطا الله، ص286.
    [161] -بيتر مانسفيلد، تاريخ الشرق الأوسط، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ترجمة: أدهم مطر، ص 196.
    -جون هاسلب، ص286.
    [162] -جون هاسلب، ص286.
    [163] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص39-41.
    [164] -دافيد فرومكين، سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914-1922، رياض الريس للكتب والنشر، لندن-قبرص، 1992، ترجمة: أسعد كامل الياس، ص328. وأيضا:
    -Tom Segev, One Palestine Complete: Jews and Arabs under the British Mandate, Henry Holt and Company, New York, 2000, p. 41-43.
    [165] -الدكتور عبد الكريم رافق، العرب والعثمانيون 1516-1916، مكتبة أطلس، دمشق، 1974، ص550.
    [166] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص44.
    [167] -زين نور الدين زين، ص99.
    [168] -ظاهر محمد صكر الحسناوي، شكيب أرسلان: الدور السياسي الخفي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص121و132-133 هامش رقم 126.
    [169] -سحر الهنيدي، التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي: فترة هربرت صامويل(1920-1925)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003، ص160.
    [170] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2, p. 231.
    [171]-أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص68 و98 هامش رقم26.
    [172] -سحر الهنيدي، ص274.
    [173] -محمد حرب، ص86.
    [174] -عبد الوهاب الكيالي(محرر)، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1990، ج4ص445-446.
    [175] -كوليت الخوري(تحقيق)، أوراق فارس الخوري، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، 1989، ج1ص404.
    [176] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص334.
    [177] -هنري لورنس، ص205 و 225 و227.
    [178] -فاضل بيات، دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2003، ص452.
    [179] -نفس المرجع، ص453.
    [180] -نفس المرجع، ص453.
    [181] -نفس المرجع، ص457.
    [182] -السلطان عبد الحميد الثاني، مذكراتي السياسية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1979، ص34-35.
    [183]-العلاقات العربية التركية: حوار مستقبلي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1995، ص548-549(دراسة الدكتور إبراهيم الداقوقي، نحو خطة جديدة للتحرك على المستوى الإعلامي والتربوي لتغيير صورة العرب في الكتب المدرسية ووسائل افعلام التركية). وأيضأ:
    -Marvin Lowenthal, p. 152.
    [184] -نفس المرجع، ص152.
    [185] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2, p. 262.
    [186] -السلطان عبد الحميد الثاني، ص113.
    [187] -سعيد الأفغاني، سبب خلع السلطان عبد الحميد: وثيقة بتوقيعه، فريدة مجهولة تصرح بالسبب، مجلة العربي، وزارة الإعلام بحكومة الكويت، العدد 169، ديسمبر 1972، ص155-156.
    [188] -محمد حرب، ص141.
    [189] -الدكتور وميض جمال عمر نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1986، ص86.
    [190] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص304. وأيضا:
    -Stanford J. Shaw, 1991, p. 212.




    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #17

      ثلاثة أجيال أمام المحكمة



      ألقى رئيس المحكمة الإيطالي كارو تورللي نظرة ثاقبة على المتهمين الثلاثة الماثلين أمامه، شيخ وكهل وشاب في مقتبل العمر، كانوا يمثلون أجيالا ثلاثة متعاقبة. والغريب أنهم كانوا من عائلة عثمانية واحدة… كان الشيخ هو الجد والكهل ابنه والشاب حفيده.
      كانوا آتين من مكان بعيد بعيد… من وراء آلاف الكيلومترات… من الأناضول إلى بنغازي في ليبيا. ما الذي دفعهم ليقطعوا كل هذه المسافة ليصلوا خفية إلى ليبيا؟! لم يكن رئيس المحكمة يجهل سبب مجيئهم… إنه داعي الجهاد الذي لا يزال المسلمون متمسكين به… داعي الجهاد هذا هو الذي دفع هذا الشيخ وابنه وحفيده وهو في ميعة الصبا إلى ترك مدينتهم وبيتهم ويقطعوا كل هذه المسافة ليصلوا إلى ليبيا من أجل معاونة إخواهم الليبيين والجهاد معهم ضد إيطاليا التي احتلت ليبيا.
      كان الشيخ هو الميرلواء (الجنرال) المتقاعد محمد باشا… وابنه الميرالاي أحمد علاء الدين محمد… والحفيد هو الشاب محمد… فما قصة هؤلاء المجاهدين من الجد والأب والحفيد؟
      كانت طرابلس الغرب وبنغازي قد احتلتا من قبل إيطاليا، وكانت الدولة العثمانية في ضائقة مالية وعسكرية كبيرة، وهي تعاني من سيطرة حزب الاتحاد والترقي عليها بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1909. لم تكن الدولة العثمانية قادرة على مواجهة إيطاليا عندما قامت في 1911م بغزو ليبيا فجأة ودون سابق إنذار. كل ما كانت تستطيعه هو إرسال بعض المجاهدين لمساعدة إخوانهم الليبيين. لم يتردد هؤلاء المجاهدون الثلاثة… الجد والابن والحفيد… تقدموا وسجلوا أنفسهم في المجموعة الفدائية التي أطلق عليها اسم »الضباط الفدائيون«. وعلى الرغم من جميع الشروط والظروف القاسية، ومن قلة العدد، وقلة الأسلحة والمعدات، وقلة التمويل، وطول الطريق، فقد وصلوا سرا إلى ليبيا حيث التقوا رؤساء العشائر وأشراف البلد وبدأوا بتدريب البدو وأبناء العشائر على فن القتال. لم يكونوا يملكون أسلحة ثقيلة، لا مدافع ولا دبابات ولا رشاشات، بل مجرد بضع مئات من البنادق القديمة. كان عدد الضباط العثمانيين وكذلك المتطوعين من أفراد العشائر الليبية قليلين، وكان مطلوبا منهم القتال ضد جيش إيطالي مجهز بالأسلحة الثقيلة وبالطائرات، ويفوقهم بعشرات بل بمئات المرات في العدد والعدة. كانوا يعتمدون في الحصول على الأسلحة على الهجوم المباغت الذي يشنونه على العدو ويحصلون على أسلحة الفارين والمقتولين منهم.
      في إحدى الهجمات التي كبدوا فيها العدو خسائر كثيرة طُوقوا وحوصروا من قبل مدد جديد للجيش الإيطالي وأسروا. وها هم اليوم يمثلون أمام محكمة عسكرية إيطالية.
      كانت أيديهم موثقة بالحبال بقوة بحيث أدمتها، كانوا يلبسون اللباس الليبي المحلي، وعلى رأس كل منهم طربوش عثماني.كانت التهمة ثابتة عليهم في نظر المحكمة، فقد أسروا وهم يقتلون ورائحة وأثر البارود لا يزال على أيديهم.
      ولكن الشيء الوحيد الذي كان يزعج رئيس المحكمة هو وجود صحفيين أحدهما بريطاني والآخر فرنسي حضرا لمتابعة المحكمة. سألهم رئيس المحكمة:
      - من أنتم؟
      وقبل أن يقوم مترجم المحكمة بترجمة إلى المتهمين تقدم الكهل خطوة إلى الأمام وقال بلغة إيطالية سليمة:
      - اسمي الميرالاي (العقيد) أحمد علاء الدين الضابط العثماني في خدمة مولاي السلطان… وهذا (مشيرا إلى والده) والدي الميرلواء (جنرال برتبة لواء) المتقاعد محمد باشا… وهذا (مشيرا إلى ابنه) ابني محمد الجندي المتطوع في الجيش العثماني.
      استولى الذهول على أعضاء المحكمة وعلى الحاضرين في المحكمة وتبادل الصحفيان نظرة حائرة. جنرال متقاعد يتطوع في الجيش وتحت إمرة ابنه ويقاتل العدو كأي جندي آخر!! ثم أيّ عائلة هذه التي يجتمع فيها الجد مع الابن مع الحفيد في معركة يائسة بعيدة عن وطنهم؟!
      أحس رئيس المحكمة أن الوضع أصبح أكثر حساسية فقد ظهر أن الماثلين أمامه عسكريون… ضابطان وجندي عثماني.
      قرر رئيس المحكمة إلقاء الشبهة على هذا الأمر فقال مستجوبا العقيد:
      - هل لديك أوراق رسمية تثبت ما تقول؟
      بعد معاناة وألم شديد استطاع العقيد أحمد إخراج ورقة من طيات ثوبه بيديه الموثقتين:
      - هذا هو الأمر الرسمي لتعييني.
      أخذ الحاجب الورقة الرسمية من يد العقيد وسلمها إلى رئيس المحكمة الذي بدأ يفحصها بدقة بينما تابع العقيد كلامه:
      - إن قام مترجمكم بترجمة هذه الورقة الرسمية لكم فسترون أنها أمر رسمي بتعييني قائدا للواء الثاني من الفدائيين العرب في ولاية طرابلس وهو صادر من السَّرْعَسْكَر العثماني (وزير الحربية العثماني).
      كان من المفروض أن يؤدي هذا التطور الجديد في سير المحكمة إلى تغيير مجراها من محكمة تحاكم لصوصا هاجموا الجيش الإيطالي إلى محكمة عسكرية تتقيد بالقوانين الدولية حول محاكمة الأسرى العسكريين. ولكن مثل التقيد بالقوانين الدولية لمحاكمات العسكريين ومراعاتها كان أمرا بعيدا عن هذه المحكمة التي كانت قد أصدرت قرارها مسبقا وقبل بدء المحاكمة. وتظاهر رئيس المحكمة بأنه لا يصدق ادعاءات المتهمين، لذا فلم يكن يعدهم أسرى حرب، وكان دليله أنهم لم يكونوا يلبسون البزة العسكرية عند إلقاء القبض عليهم، بل كانوا بزيّ محلي.
      ذكر رئيس المحكمة هذا الأمر للمتهمين نافيا كونهم عسكريين عثمانيين. أجاب العقيد العثماني:
      - نظرا لكوني قائدا لمقاتلين لا يلبسون البزة العسكرية فإنني فضلت أن ألبس مثلهم ولا ألبس البزة العسكرية لعقيد عثماني.
      قرأ المدعي العسكري التهمة الموجهة إليهم وهي قيامهم في 26 من شهر تشرين الأول من تلك السنة بمهاجمة الجيش الإيطالي وضربه من الخلف ضربة خائنة.
      أنكر العقيد أحمد علاء الدين هذه التهمة:
      - لم أضربكم من الخلف، بل هجمنا عليكم، هذا كل ما في الأمر، علماً بأننا كنا قلة قليلة.
      - لم تكونوا قلة، بل هجمتم بأعداد كبيرة.
      - بل كنا قلة،كل ما كنا نملكه كان عبارة عن 400 بندقية.
      - أين هذه البنادق الآن؟
      - لا تزعجوا أنفسكم من هذه الناحية… ستجدون أن 350 بندقية ستصوب إليكم في القريب. أما البنادق الباقية وهي 50 بندقية فقد استشهد 15 مجاهدا من حامليها، وتم القبض على 35 مجاهدا مع بندقيته وأعدموا من قبل محكمتكم هذه.

      كان رئيس المحكمة يصر على أن هؤلاء المتهمين تابعون للحكومة الإيطالية ولكنهم أعلنوا العصيان عليها، لذا فهم مجرد شقاة عصوا دولتهم. وما دام الأمر هكذا فالحكم واضح. أما العقيد العثماني فقد أصر على موقفه قائلا:
      - لم نكن نحن تابعين لكم في يوم من الأيام… ولم يكن المجاهدون العرب تحت قيادتي تابعين لكم… نحن جميعا مواطنون عثمانيون، لذا لا نعترف بكم.
      ظهر الانزعاج واضحا في وجه رئيس المحكمة العسكرية، لذا حول مجرى الأسئلة إلى أسئلة قصيرة تتطلب أجوبة سريعة وقصيرة:
      - هل شاركتم في الهجوم يوم 26 من شهر تشرين الأول لهذه السنة (1911م)؟
      - لقد قدت أنا ذلك الهجوم.
      - وهل اشترك هذان (مشيرا إلى والده وابنه) أيضا في ذلك الهجوم؟
      - أجل! إن ابني جندي، ووالدي جنرال عثماني متقاعد تطوع في وحدتي جنديا!!

      أطرق رئيس المحكمة بنظره وتظاهر بأنه يدقق بعض الأوراق. ثم استأنف أسئلته:
      - وهل قاتلتم جميعا دون بزة عسكرية؟
      - أجل! وقد شرحت السبب.
      - هل اشركت تحت قيادتك أي أفراد من سكان طرابلس المحليين؟ وهل دربتهم؟
      - إن ولاية طرابلس ولاية عثمانية، وسكانها مواطنون عثمانيون، وقد ألحقتهم بوحدتي ودربتهم وقدتهم.
      - يكفي هذا.

      انتهت المحكمة وصدر القرار فورا… الإعدام رميا بالرصاص.
      قام رئيس الكتاب في المحكمة وهو من مدينة نابولي الإيطالية واسمه أنطونيو أوانكلي بقراءة قرار المحكمة الذي كان قد كتب قبل انعقاد المحكمة قائلا في

      الختام: “وصدر القرار الآنف وسجل في السجل ولا يوجد حق تمييز للمتهمين”.
      يقول أحد الصحفيين اللذين كانا في المحكمة: لم تبهت الابتسامة التي كانت مرسومة على شفاه المتهمين لدى سماع القرار بل هتف العقيد العثماني بصوت واثق:
      - يحيا السلطان!

      أما والده الجنرال العثماني المتقاعد فقد هتف: الله أكبر!
      أما الحفيد الشاب فقد بقي صامتا احتراما لوالده ولجده.
      قاد الجنود المتهمين من قاعة المحكمة… وبعد فترة قصيرة سُمع أصوات طلقات أطلقها ثلة من الجنود، فقد نفذ الحكم فيهم بسرعة وبعد خروجهم من المحكمة مباشرة.
      أما رئيس المحكمة فقد دمدم قائلا:
      - أحضروا المتهمين الآخرين!
      قال هذا وقد حول وجهه المحمر جانبا لكي لا يلتقي نظرات الصحفيين اللذين قاما تحية للمتهمين عندما مروا أمامهما إلى ساحة الإعدام وهما يحملان قبعتيهما في يديهما.


      _________
      المصدر: مجلة حراء



      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #18

        سكة حديد الحجاز

        قبل قرن كامل مضى، وبالتحديد عام 1908م، كانت القطارات البخارية تنطلق من محطة قطار “حيدر باشا” بإسطنبول إلى المدينة المنورة، معلنة أن حلماً صعب المنال قد أضحى حقيقة تدركها الأبصار والأسماع.
        فقد كان الأول من سبتمبر عام 1908م، هو يوم اكتمال خط حديد الحجاز وانطلاق رحلته الأولى بعد ثمانية أعوام من عمل شاق متواصل أسفر عن خط سكة حديدية تجاوز طوله 1400 كم. فاستحال به خريف عام 1908م -مع ما فيه من الأزمات والمشكلات- مسرحا تزاحمت فيه آمال المسلمين وطموحاتهم في شتى ربوع الأرض مستبشرين ببعث جديد. وأضحى حلم مشاهدة سحب الدخان الكثيفة وهي تنبعث من القطار البخاري المنطلق من إسطنبول إلى الأراضي الحجازية، حقيقة قد تجسدت على أرض الواقع بعد أن كان ضربا من الخيال.


        فكرة المشروع
        عُرف خط حديد الحجاز في السجلات العثمانية باسم “خط شمندفر الحجاز”، أو “خط حديد الحجاز الحميدي”، وامتد بين الشام (دمشق) والمدينة المنورة. حيث ينطلق الخط من الشام ماراً بعمَّان ومعان ثم بتبوك ومدائن صالح وصولا إلى المدينة المنورة. وكان في خطة المشروع الحجازي أن يمتد بعد ذلك إلى مكة المكرمة ومن هناك إلى جدة، بيد أن أيًّا من ذلك لم يتحقق.

        وإن تكن فكرة إنشاء الخط الحجازي قد طُرحت أول ما طُرحت في عهد السلطان عبد العزيز، إلا أنها تحققت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. ولما كانت جهود السلطان عبد الحميد الثاني منصبة على العمل من أجل إيقاف تمزق الدولة العثمانية وانهيارها أو تعطيله على الأقل، فقد أخذ على عاتقه إنجاز مشروع الخط الحجازي.
        أوكل السلطان عبد الحميد الثاني مهمة تنفيذ هذا المشروع العملاق لـ”أحمد عزت باشا العابد” والمعروف في التاريخ باسم “عزت باشا العربي”. ويتضمن المشروع، إنشاء خط سكة حديد الحجاز ليربط بين خط سكة حديد الأناضول وخط سكة حديد بغداد، وكذلك تأسيس شبكة اتصال تلغرافية بمحاذاة ذلك الخط الحديدي؛ حيث كان السلطان عبد الحميد الثاني يؤمن بأن هذا سيحقق له سهولة وسرعة في عمليات الاتصال والمتابعة بين مركز الدولة العثمانية وولاياتها في الشام والحجاز.


        البواعث والأهداف
        ثمة مجموعة من البواعث والأهداف دفعت السلطان عبد الحميد الثاني لإنشاء الخط الحجازي والشبكة التلغرافية. وتنوعت هذه الأهداف بين دينية وعسكرية واقتصادية وحضارية وسياسية.ويأتي الهدف الديني في مقدمة هذه الأهداف، حيث استهدف مشروع الخط الحجازي خدمة حجاج بيت الله الحرام من خلال توفير وسيلة سفر يتوفر فيها الأمن والسرعة والراحة، وحماية الحجاج من غارات البدو ومخاطر الصحراء التي كانوا يتعرضون لها في الطريق البري ومن هجمات القراصنة في الطريق البحري، إضافة إلى توفير إمكانات وفرص أكبر للراغبين في أداء فريضة الحج نتيجة انخفاض تكلفة الحج الذي سيحققها ذلك المشروع، مما سيزيد من عدد حجاج بيت الله الحرام.

        ويحتل الهدف العسكري مكانة متميزة بين أهداف الخط الحجازي، إذ كان يستهدف تسهيل التحركات العسكرية وحشد الجيوش بُغية التصدي لأية هجمات خارجية قد تتعرض لها مناطق الحجاز والبحر الأحمر واليمن، وإحكام السيطرة على البقاع الجغرافية ذات التوتر السياسي الدائم. وبهذه الكيفية تشعر المنطقة بقوة الإدارة المركزية للدولة العثمانية.
        أما الهدف التجاري فتمثل في إنعاش الاقتصاد الراكد بالمنطقة من خلال تحقيق نهضة تجارية واقتصادية لمدن الحجاز وكافة المدن الواقعة على امتداد الخط، وإحداث عملية رواج للمنتجات التجارية والزراعية من خلال نقلها نقلاً سريعا بالقطار إلى المناطق الأخرى، بل وكان من المخطط له مد الخط الحديدي تجاه أحد موانئ البحر الأحمر؛ ما يؤدي إلى زيادة الأهمية الاقتصادية والتجارية للخط زيادة واضحة. وبهذه الكيفية كانت طرق التجارة ستنتقل من قناة السويس إلى خط حديد الحجاز.
        ومع إنجاز هذا المشروع العملاق بتمويل وكوادر عثمانية، كان سيثبت للدول التي تطمع إلى تفريق الدولة العثمانية وتريد التهامها وعلى رأسها الدول الأوربية، أن ثمة منجزات حضارية عظيمة يمكن للعثمانيين تحقيقها دون الحاجة إلى اللجوء إليها.
        وكان للسلطان عبد الحميد الثاني أهدافٌ سياسية مهمة وراء إنشاء الخط الحجازي. إذ اعتقد بأن إنجاز هذا المشروع يعني تحقيق قدر من الاستقلالية للدولة العثمانية عن أوربا، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتقنيا. فالسلطان عبد الحميد الثاني والذي عُرف بتميزه عن سابقيه بحرصه على بقاء الخلافة العثمانية وحمايته لها، كان يبذل ما بوسعه بُغية توحيد صفوف المسلمين وتشكيل “اتحاد إسلامي” لمواجهة الأطماع الأوربية الاستعمارية وهجماتها الغاشمة على الدولة العثمانية، إضافة إلى دعمه لحركة “الجامعة الإسلامية” التي دعت إلى تكتيل جميع المسلمين داخل الدولة العثمانية والمناطق المختلفة من العالم خلف راية الخلافة العثمانية. ولعل خط حديد الحجاز يعتبر من أروع إنجازات السلطان عبد الحميد الثاني الرامية إلى الحفاظ على وحدة أراضي الدولة العثمانية.
        الإنشاء والتنفيذ
        يتحدث السلطان عبد الحميد الثاني عن الخط الحجازي في مذكراته بقوله: “أخيراً تحقق الخط الحجازي؛ ذلك الحلم الذي طالما راود مخيلتي. فذلك الخط الحديدي لم يكن فقط مصدرا اقتصاديا للدولة العثمانية، بل كان في الآن ذاته يمثل مصدراً بالغ الأهمية من الناحية العسكرية من شأنه تعزيز قدرتنا العسكرية على امتداده”.

        وقد أصدرت الإدارة السلطانية الخاصة قراراً بالبدء في إنشاء خط حديد الحجاز في الثاني من مايو عام 1900م، وفي الأول من سبتمبر عام 1900م، والذي يوافق العام الخامس والعشرين لجلوس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، تم تدشين العمل في خط الحديد بين الشام ودرعا في احتفال رسمي مهيب.
        ووصل خط الحجاز إلى عمّان عام 1903م، وإلى معان عام 1904م. وفي الأول من سبتمبر عام 1905م اكتملت المرحلة الأولى من خط الحجاز، وانطلقت أولى رحلات القطار بين الشام ومعان لنقل الركاب والبضائع.
        وفي الأول من سبتمبر 1906م وصل الخط إلى مدائن صالح، ثم في 31 أغسطس 1908م وصل إلى المدينة المنورة. وخلال الثمانية أعوام التي جرى فيها تنفيذ خط الحجاز وصل طول الخط إلى 1464 كم. ومع إضافة الخطوط الفرعية الأخرى في المراحل اللاحقة بلغ طول الخط 1900 كم عام 1918م.
        وكان الجيش العثماني هو المصدر الرئيسي للقوة العاملة في إنشاء خط حديد الحجاز. وساهم أيضاً في إنشاء هذا الخط عمال توافدوا من مناطق جغرافية مختلفة من العالم الإسلامي في مقدمتها سوريا والعراق. ولما كانت أعداد أولئك العمال الوافدين محدودة، فقد تحمل الجنود العثمانيين معظم أعباء ذلك المشروع. وكان الجنود يتقاضون أجوراً ضئيلة خلال فترة عملهم في المشروع، في مقابل السماح لهم بالانتهاء من الخدمة العسكرية قبل عام من موعدها المحدد.
        تولى منصب كبير مهندسي الأعمال الفنية، مهندس ألماني يُدعى “مايسنر باشا”، وعمل تحت قيادته أربعة وثلاثون مهندسا، سبعة عشر منهم عثمانيون والآخرون كان معظمهم من الألمان، بالإضافة إلى مهندسين من إيطاليا وفرنسا والنمسا وبلجيكا واليونان.
        وبعد وصول الخط الحديدي إلى محطة مدائن صالح أصبح الجزء المتبقي من الخط داخل حيز المنطقة الحرام. ولما كان من المحظور شرعاً دخول غير المسلمين إلى هذه المنطقة، فقد جرى إنشاء الخط الواقع بين مدائن صالح والمدينة المنورة كله بأيدي مهندسين وعمال مسلمين.
        ومع تقدم العمل في المشروع ازدادت خبرة العثمانيين، وعليه قلت أعداد المهندسين الأجانب في المراحل المتقدمة منه أمام أعداد المهندسين المسلمين التي كانت تزداد يوما بعد يوم. ومن ثم تميز خط حديد الحجاز بوصفه مشروعا عمل فيه الكثير من المهندسين المسلمين، قياسا بخط حديد الأناضول وخط حديد بغداد.
        تضحيات بطولية
        استغرق إنشاء الخط الرئيسي لطريق الحجاز ثمانية أعوام، وعمل فيه نحو خمسة آلاف عامل معظمهم من الأتراك وبعضهم من العرب وبعضهم من أجناس مسلمة أخرى. ولا شك أن قيام الجنود العثمانيين بالعمل في هذا المشروع قد خفض كثيراً من النفقات. وهو ما يأتي في مقدمة العوامل المهمة في إنجاز هذا الخط الحديدي. كما كان لتدين الجنود العثمانيين وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم دوره البالغ في إنجاز هذا العمل في فترة تُعد قصيرة، حيث قاموا بشق الطرق عبر الفيافي والقفار والجداول والوديان. ولعل الفضل في إنشاء هذا الخط الحديدي يرجع إلى أولئك الشجعان البواسل الذين قدموا من الأناضول لإنشاء وتركيب تلك الخطوط الحديدية في صحارى شبه الجزيرة العربية.

        وإذ يقوم أولئك البواسل بنصب قضبان السكك الحديدية وأعمدتها وتشييد محطاته، كانوا ينصبون أيضاً الشواهد لقبور شهدائهم؛ حيث استشهد خلال إنشاء خط السكة الحديدية الكثير من الجنود العثمانيين، إما عطشاً تحت نيران الشمس الحارقة بسبب نقص المياه، وإما من سوء التغذية، فضلاً عمن استشهدوا بسبب حوادث العمل أو غارات البدو. ولقد انتشرت شواهد قبور هؤلاء الشهداء العثمانيين البواسل على امتداد خط السكة الحديدية حتى المدينة المنورة جنباً إلى جنب مع محطات القطار. وإن تكن آثار وبقايا هذا الخط الحديدي لا تزال موجودة إلى اليوم، فإن قبور معظم أولئك البواسل وأسماءهم قد طوتها صفحة النسيان ولم يعد لها وجود. فيكفي أن نعلم أن عام 1908م وحده قد شهد أكثر من 126 غارة من غارات البدو على خط حديد الحجاز، فضلاً عن مشكلات نقص المياه وظهور بعض الأمراض وتدخلات الدول الأجنبية.. وهو ما يعطي لنا مؤشراً مهماً لفهم أسباب البطء في تنفيذ المشروع.
        الموقف الأوربي
        تلقت أوربا الإعلان عن الخط الحجازي بدهشة بالغة، واعتبرت إقدام الدولة العثمانية على مشروع مثل هذا ضرباً من الخيال، حيث كانت الدولة العثمانية آنذاك في وضع اقتصادي متدهور أوشكت فيه على الإفلاس بسبب ديونها الخارجية والداخلية؛ حتى أن بعض الصحف الأوربية آنذاك قد تطاولت عبر صفحاتها على المشروع والسلطان عبد الحميد الثاني بالاستهزاء والسخرية، وخصصت لذلك أخباراً مطولة ورسوما كاريكاتيرية بذيئة.

        ومع التقدم في إنشاء الخط وإظهار القائمين عليه لتضحيات كبيرة، أخذت الدول الأوربية تضع العراقيل للحيلولة دون إكمال العثمانيين لهذا المشروع. وكانت بريطانيا وفرنسا في مقدمة هذه الدول. فأسرعت تلك الدول ولا سيما بريطانيا للحيلولة دون مساندة الشعوب التي تخضع للاستعمار البريطاني لهذا المشروع، حيث قامت بنشر الشائعات بين المسلمين الهنود الذين يقومون بالتبرع لإقامة الخط الحجازي، وأطلقت شائعات مثل أن “التبرعات لا تُستخدم في إنشاء الخط الحجازي”. بيد أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل التام، واستمر المسلمون الهنود في جمع التبرعات وإرسالها إلى الدولة العثمانية. كما حظر الاستعمار البريطاني على مسلمي الهند تعليق “وسام خط حديد الحجاز” الذي يُمنح لكبار المتبرعين.
        وقد سعت بريطانيا إلى استعمال شتى الطرق من أجل انسحاب العثمانيين من الأراضي المقدسة بعد الحرب العالمية الأولى. ومما يلفت النظر هنا أن تعطيل خط حديد الحجاز كان أول ما قامت به بريطانيا بعد انسحاب العثمانيين من مكة والمدينة المنورة؛ إذ كانت تنظر إلى الخلافة العثمانية باعتبارها التهديد الأكبر ضد طموحاتها الإمبريالية في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، ومن ثم فقد شعرت بارتياح شديد بعد أن قامت بقطع الروابط بين الأناضول وشبه الجزيرة العربية من خلال تعطيل الخط الحجازي. أما فرنسا فقد سعت لفرض القيود والعقبات أمام إنشاء خط حديد الحجاز من خلال الموانئ التابعة لإدارتها؛ حيث فرضت ضرائب جمركية باهظة على مستلزمات خط الحديد، وعطلتها داخل الموانئ فترات طويلة.
        وإن تكن كل هذه العقبات قد أبطأت من معدل إنجاز الخط، إلا أنها لم تستطع أبداً إيقاف عجلة التقدم نحو الانتهاء من تنفيذ المشروع. واكتمل خط حديد الحجاز رافعاً راية العصيان والتحدي في وجه الاستعمار الأوربي، ومعلناً أن قلب “الرجل المريض” لا يزال ينبض بالحياة.
        المصادر المالية
        كان فترة سلطنة السلطان عبد الحميد الثاني من أصعب فترات الدولة العثمانية من الناحية الاقتصادية. ولم يأل السلطان عبد الحميد جهداً من أجل سداد الديون الخارجية الضخمة التي ورثها عن أسلافه. ورغم أنه قد اضطر للحصول على قروض خارجية ضئيلة في بعض الأوقات، إلا أن ما قام بسداده كان يفوق بكثير ما اقترضه. وكان يدرك أن الديون الخارجية تزعزع هيمنة الدولة، والديون الداخلية تزعزع سلطتها. ومن ثم لم يفكر في الحصول على أي قروض خارجية لتمويل إنشاء خط حديد الحجاز.

        وكانت التبرعات -وللمرة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية- هي المصدر الأول لتمويل هذا المشروع الضخم. فكان تمويل خط حديد الحجاز من تبرعات المسلمين في شتى أنحاء العالم دون أن تشوبه أي مساهمة من الدول الأجنبية على النقيض من خطي سكة حديد الأناضول وبغداد اللذين أقيما بتمويل أجنبي.
        وكانت الدولة العثمانية قد خصصت 18% من ميزانيتها لإنشاء هذا الخط، بيد أن تلك النسبة اعتُبرت ضئيلة للغاية عندما تم الإعلان عن أن إنشاء الخط سيتكلف نحو ثمانية مليون ليرة عثمانية. ومن ثم برز الاحتياج الشديد للأموال اللازمة لتنفيذ المشروع. ذلك المشروع الذي اعتبره المسلمون بمثابة “مسألة عزة وكرامة” أمام أوروبا. وأراد السلطان عبد الحميد أن يجنب دولته المزيد من الاستدانة، وأن يكون تمويل المشروع الحجازي بأموال إسلامية تماماً. فوجه نداءً إلى العالم الإسلامي من أجل التبرع للمشروع، ليدشن بذلك حملة تبرعات قلّ أن نجد لها نظيراً في تاريخ العالم.
        وبدأت حملة التبرعات الأولى في مايو عام 1900م، بأن تبرع السلطان عبد الحميد الثاني من جيبه الخاص بخمسين ألف ليرة عثمانية، ودعا المسلمين كافة للمشاركة في هذه الحملة، سواءً كانوا ممن يعيشون في الأراضي العثمانية أو في غيرها. ومن بعد السلطان تبرع الباشاوات العثمانيون، ثم أقبل موظفو الدولة والتجار والبائعون والجنود والشعب على المشاركة في هذا التنافس الخيري. ولقي نداء السلطان عبد الحميد استجابة تلقائية وفورية بين كافة المسلمين في شتى بقاع العالم، حيث اقتطع المسلمون من أقواتهم ومدخراتهم للمساهمة في تمويل الخط الحجازي.
        بل إن دولة ذات صراع تاريخي مع الدولة العثمانية مثل إيران قد جمعت أيضاً مقداراً من التبرعات -وإن كان ضئيلاً- وأرسلته إلى إسطنبول. وانهالت التبرعات التي جاءت من مناطق مترامية الأطراف مثل الهند وأفغانستان، ومن دول أخرى مثل الجزائر والسودان وتونس وليبيا وإندونيسيا وماليزيا. وتدفقت التبرعات من كافة أرجاء العالم؛ فجاءت التبرعات من الشعوب التركية في آسيا الوسطى، ومن مسلمي أوربا وأفريقيا وأمريكا. وذلك رغم كل المحاولات التي قامت بها الدول الأوربية لصرف هذه الشعوب المسلمة عن هذا المشروع وإقناعهم بعدم جديته. وأصبحت التبرعات التي تم جمعها من الضخامة ما تكفي لإنشاء ثلث الخط الحجازي.
        وحرصت الدولة العثمانية على تكريم المتبرعين من خلال منحهم نياشين وأوسمة مصنوعة من الذهب والفضة تخليداً لذكرى الخط الحجازي. وإضافة إلى ما تم جمعه من تبرعات، فقد اضطرت الدولة العثمانية إلى الاقتطاع الإجباري من مرتبات موظفي الدولة من أجل الإسهام في إنشاء الخط. وجدير بالذكر هنا أننا لا نكاد نجد شكوى واحدة من أولئك الموظفين بسبب هذا الاقتطاع الإجباري من رواتبهم. وهو ما يُعد إشارة واضحة على أن الأمة التي تلتف حول هدف واحد، قادرة على التضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل تحقيق ذلك الهدف.
        وتاريخ الأتراك في الفترات اللاحقة يشهد على أحداث مشابهة لتلك التضحيات، تجلت فيها هذه الروح والفكرة والعقدية دون أن يعتريها خلل أو عطب.
        كما حرصت الدولة أيضاً على اقتطاع جزء من دخلها العام لتمويل المشروع الحجازي، فأصدرت طوابع تمغات متعددة الفئات المالية في كافة دوائرها الحكومية والبيروقراطية، وجمعت جلود الأضاحي وباعتها وحملت عائداتها إلى ميزانية المشروع. إضافة إلى أن نظام البدء الفوري في تشغيل رحلات الركاب والبضائع في الأجزاء التي اكتملت من الخط الحديدي، كانت مصدراً آخر من مصادر التمويل.
        ورغم الانتهاء من إنشاء المشروع الحجازي، وانسحاب العثمانيين من المنطقة مع حلول عام 1918م، وتخريب الخط ونسف جسوره وانتزاع قضبانه مع نشوب الثورة، إلا أن التبرعات لم تتوقف وظلت تتدفق من مختلف أنحاء العالم. ولا ريب أن هذه الهمة العالية والتنافس في فعل الخيرات قد أظهر للعالم كله مدى عمق الأخوة الإسلامية وقوتها ورحابتها.
        حركة القطار
        في الأول من سبتمبر عام 1908م والموافق للعام الثاني والثلاثين من جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، قام بافتتاح خط حديد الحجاز وسط مراسم رسمية مهيبة. وكانت قبل ذلك “لجنة خط حديد الحجاز” قد قامت نيابة عن السلطان بافتتاح المحطات الممتدة على خط سكة الحديد في احتفالات رسمية أيضاً.

        وكان لغير المسلمين أيضاً الحق في استخدام المحطات البينية الموجودة على خط حديد الحجاز، غير أنه لم يكن من المسموح لهم الوصول بالقطار إلى المدينة المنورة، وكان للخط دور في نقل الأموال. وأسدى قطار الحجاز خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، واستُخدم أيضاً في بعض الأغراض العسكرية مثل نقل الجنود من منطقة إلى أخرى. كما قام القطار بنقل البضائع بين المناطق المختلفة، وهو ما أحدث انتعاشة في الحياة الاقتصادية والتجارية.
        وتحددت أوقات تحرك القطارات وفقاً لمواقيت الصلاة. فكانت القطارات تتحرك على نحو لا يخل بأوقات الصلاة. فإذا ما دخل وقت الصلاة توقف القطار وتوجه الركاب لأداء الصلاة في العربة المخصصة لذلك.
        الدلالة الدينية
        قد تكون نظرتنا قاصرة إذا نظرنا إلى البعد الديني للخط الحجازي في نقله للحجاج فحسب. فالقطار الحجازي كان يؤدي في الوقت ذاته مهمة عريقة، ويحافظ على تقليد يضرب بجذوره في التاريخ وهو إرسال “الصرة السلطانية” إلى الحجاز. وكان السلاطين العثمانيون كلهم تقريباً يقومون بتجهيز قدر كبير من الأموال عُرف بـ”الصرة السلطانية” وإرسالها إلى الحجاز. وهو تقليد يرجع بجذوره إلى العباسيين ثم إلى العثمانيين اعتباراً من السلطان العثماني “يلديرم بايزيد”.

        وكانت “الصرة السلطانية” قديما تبدأ رحلتها في بداية كل ثلاثة أشهر عبر الطريق البري. وعرفت الطريق البحري مع استخدام السفن البخارية منذ عام 1864م، ثم أصبح لها مكانها الخاص في القطار الحجازي بعد عام 1908م. وكانت أموال “الصرة السلطانية” مخصصة للإنفاق على كافة الخدمات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مثل شؤون الإعمار والإصلاح وغيرهما، ودفع رواتب العاملين هناك. كما كانت أيضاً مصدراً من مصادر توفير الراحة وتيسير مناسك الحج لزوار بيت الله الحرام. إضافة إلى أن القطار الحجازي قد وفر لوفد “الصرة السلطانية” رحلة سريعة ومريحة وآمنة.
        وأخيرًا وبهذه المناسبة نتوجه بخالص العرفان بالفضل والدعاء بالرحمة لأولئك الذين عملوا على إنشاء خط سكة حديدية الحجاز، وأولئك الذين سقطوا شهداء خلال أداء واجبهم فيه، وأولئك الذين اقتطعوا من أقواتهم ومدخراتهم للمساهمة فيه، وأولئك الذين بذلوا النفس والنفيس بكل تجرد وإخلاص لذلك المشروع.
        ــــــــــــــــ
        المصدر: مجلة حراء
        (*) الترجمة عن التركية: د. طارق عبد الجليل.


        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #19

          السلطان محمد الفاتح، فاتح الإنسان والعمران

          آمن السلطان محمد الفاتح أن القيم السامية والمبادئ النبيلة التي تحلى بها دينه الحنيف، لابد أن تغرس بُذورها في تربة هذه المدينة وتصبغ صبغتها على كل جنبات إسطنبول حتى يكون الفتح قد اكتمل وبلغ الغاية والمبتغى.


          دأبت كتب التاريخ ودوائر المعارف (الموسوعات التاريخية) على ذكر السلاطين العثمانيين بأسمائهم الصريحة، مع إلحاق هذه الأسماء بترقيم لاتيني على شكل (I-II)، تبعًا للتسلسل التاريخي، مثل “مراد”IV (مراد الرابع)، و”عبد الحميد “II(عبد الحميد الثاني)، و”سليم “III (سليم الثالث). وعند مطالعة اسم ” السلطان محمد II” قد لا يتذكر القارئ لأول وهلة أيّ سلطان مقصود هنا؟! وربما يخمنه مع بعض التردد. ولكن عندما يُذكر نفس السلطان باسم “السلطان محمد الفاتح”، فإنه يعرفه على الفور، بل وتتداعى إلى الأذهان كثير من المعلومات حوله؛ حيث إن هذا السلطان قد استفاضت شهرته وعُرف بصفة “الفاتح” باعتبارها لقبًا له أكثر من شهرة “محمد الثاني” وهو اسمه، وقد سبق لقبُه اسمَه “في التركية”.
          وعلى الرغم من قيام السلاطين السابقين له بفتوحات عديدة، وامتداد رقعة الخلافة العثمانية في أزمانهم وخلال سنوات حكمهم، إلا أن امتياز السلطان “محمد الثاني” عليهم بلقب الفاتح جاء عن جدارة واستحقاق، ويمكن الوقوف على حقيقة ذلك بدقة من خلال جهوده المشكورة في فتح إسطنبول، تلك الجهود التي استمرت حتى عام 1453م.

          إسطنبول في التاريخ الإسلامي
          ورد ذكر إسطنبول بكثير من الإجلال في مصادر التاريخ الإسلامي، وتعددت محاولات فتح هذه المدينة، تلك المحاولات الضاربة في عمق التاريخ. فخلال عهد الأمويين تم محاصرة إسطنبول برًّا وبحرًّا أربع مرات، بيد أنه لم يتم فتحها.

          وقد شارك كثير من الصحابة في بعضٍ من هذه الحملات، وفي مقدمتهم الصحابي الجليل “أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه”. وقد جاء هؤلاء الأصحاب الأطهار لينالوا شرف الوصف وعظيم الأجر الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش يفتح القسطنطينية.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم”: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم” (رواه البخاري). غير أن هؤلاء الفضلاء نالوا الشهادة ولم يستطيعوا فتحها.

          محاولات فتح إسطنبول
          في عهد الخلافة العباسية، انتهت الحملة الوحيدة التي خرجت لفتح إسطنبول أمام السواحل.

          ثم تلا ذلك ظهور الأتراك على ساحة التاريخ، ووصول “قوتالميش أوغلو سليمان بك”Kutalmışoğlu Süleyman) bey) من سلاجقة الأناضول، حتى حدود “أوسْكودار”، ثم مرور “جاقا بك” (Çaka Bey) الذي أسَّس إمارة صغيرة في “إزمير” بعد أيام عسيرة في مواجهة البيزنطيين، لكي ينال شرف فتح المدينة، لكنه لم يحالفه التوفيق.
          وتمثل إسطنبول في الذاكرة العثمانية، المدينةَ الأصعب فتحًا، والأكثر حصارًا، والأشد منعة، والتي مثلت صعوبة جمة أمام العثمانيين.
          وقد حاول السلطان “يلديرم بيازيد” فتح إسطنبول أربع مرات بعد محاولات كلٍّ من “أورخان بك”، و”مراد الأول”، غير أن جيش “تيمورلنك” القادم من الشرق لغزو الأناضول كان حائلاً دون إتمام ذلك الفتح.
          أما الحصار الأخير قبل الفتح، فقد حدث في عهد السلطان “مراد الثاني” والد “الفاتح”.
          وبعد ما لا يقلّ عن ثلاث عشرة محاولة نجح السلطان “محمد” في فتح إسطنبول، مستفيدًا من كل التجارب السابقة عليه. ولهذا فقد نُعِتَ في كتب التاريخ بلقب “الفاتح” الذي اكتسبه بهذا الفتح الرائع.

          أهمية فتح إسطنبول
          وعلى الجانب الآخر، كانت هناك أهمية خاصة لهذا الفتح بالنسبة للعالم الإسلامي آنذاك. فقد توقفت الفتوحات في العالم الإسلامي في تلك العصور، وتحول العالم الإسلامي من حالة تمدد وانتشار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، إلى حالة انكماش وتراجع وانكفاء على النفس وترك الساحة للآخرين، وظهر الضعف في حركة الفتوحات لفترة طويلة.

          كما أنه لم يتبق من هيبة الدولة العباسية شيء، ولم تكن آثار غارات المغول التي أضعفت كثيرًا من قوى المسلمين قد مُحيت بعدُ من الأذهان، بالإضافة إلى انشغال المسلمين لفترات طويلة بالتصدي للحملات الصليبية القادمة من الغرب.
          إن إحياء السلطان محمد الفاتح لحركة الفتوحات التي توقفت لسنوات عدة، وفتحه لأبواب العالم الغربي أمام المسلمين، قد أحدث سعادة وفرحة عارمة على امتداد العالم الإسلامي لم تحدث منذ موقعة “ملاذ كرد”.
          ولذا لم يكن للسلطان محمد مكانة مرموقة في التاريخ التركي فحسب، بل تميز واشتُهر بين القادة العظام الفاتحين في تاريخ الإسلام أيضًا، بالتالي نال مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من خيار الأمراء حيث قال صلى الله عليه وسلم: “لتُفْتَحنّ القسطنطينية، فلنِعْم الأمير أميرُها، ولَنِعْم الجيشُ ذلك الجيش” (رواه أحمد).
          غير أن الأمر لم ينته بالسلطان محمد الفاتح بفتح إسطنبول فقط، بل إنه كان على وشك التحرك من جديد صوب أوروبا استكمالاً لمسيرة الفتوحات. فكان يحب أن تستمر “الفتوحات” و”التوسعات” التي تعبّر عنها كلمة “الفتح” بصدق ووضوح، بهدف نشر قيم الإسلام ومبادئه الإنسانية الراقية.

          أخلاق الفاتحين المسلمين
          ووفقًا لما يأمر به الدين الحنيف؛ فقد تصرف السلطان محمد الفاتح بعد دخول المدينة يوم التاسع والعشرين من مايو تصرف النبلاء، فقد أوضح لأهالي إسطنبول وللعالم أجمع أنه لم يأت إلى هنا لأسباب عسكرية فقط، بل إنه جاء لغاية أعظم، وأخذ يهدئ من رَوْع أهل المدينة الذين كانوا في حالة اضطراب وخوف بسبب سير الفاتحين في ذلك الزمان، إلا أنه خاطبهم قائلاً:” أقول للجميع؛ إنه ومن اليوم لم يعد هناك خوف على حياتكم وحريتكم”.

          وأعلن أن الشعب بكل أطيافه والكهنة “القساوسة”، يمكنهم العيش وفقًا لأديانهم ومعتقداتهم، ولم يكتفِ بالسماح لبطريكية الروم بممارسة أنشطتها فحسب، بل سمح للطائفة اليهودية بامتلاك المعابد، وترك للأرمن حرية اختيار بطريك على رأس الطائفة الأرمينية.
          وظهر بوضوح كالشمس المشرقة، صدق ما قاله الأهالي والقساوسة من أهل المدينة قبل الفتح، وأنهم كانوا محقين في رؤيتهم عندما قالوا: “نفضّل أن نرى العمامة العثمانية في إسطنبول على أن نرى قبعة الكاردينال”.
          لم ينجح السلطان محمد الفاتح في فتح إسطنبول فحسب، بل قد نجح في فتح قلوب أهالي هذه المدينة أيضًا، دون أن تكون هناك أي قوة تجبره أو تضغط عليه لفعل هذا، وإنما لامتثاله أخلاق الإسلام وقيمه ومبادئه السامية.

          إعمار مدينة إسطنبول وتنميتها
          ثم جاءت مرحلة تنمية المدينة وإعمارها؛ فأعاد السلطان محمد الفاتح إعمار المدينة عبر البدء بإصلاح الأماكن التي دُمرت إبان الحصار، وبدأ في دعوة السكان الروم المقيمين في إسطنبول إلى الإسلام عبر تعريفهم به، كما بدأت فعاليات الإسكان بهدف تحويل المدينة ديمغرافيًّا إلى مدينة عثمانية؛ فأحضر ما يقرب من خمسة آلاف شخص أغلبهم من أماكن متعددة بالأناضول، وجزء منهم أيضًا من منطقة “الروم إيلي” حتى سبتمبر 1453م، وتم تسكينهم في إسطنبول.. إذ آمن السلطان محمد الفاتح -كأجداده الأجلاء- أن القيم السامية والمبادئ النبيلة التي تحلى بها دينه الحنيف، لابد أن تغرس بُذورها في تربة هذه المدينة وتصبغ صبغتها على كل جنبات إسطنبول حتى يكون الفتح قد اكتمل وبلغ الغاية والمبتغى.

          وهكذا فقد هدف السلطان إلى أن تتعلم المجتمعات المختلفة في العرق والدين، كيف تتعايش معًا جنبًا إلى جنب، وأن يصبح السكان المسلمون نموذجًا يُحتذَى لغيرهم من الشعوب أيضًا.

          إسطنبول في العقلية العثمانية
          إن فتح إسطنبول كان بمثابة “التفاحة الحمراء” التي راودت خيال العثمانيين، وهو الأمر الذي يعتبر بداية لفتح الروم، وهو الفتح الذي تحول به العثمانيون لـ”دولة عالمية” تحكم العالم الإسلامي في الشرق، والعالم المسيحي في الغرب.

          ومن المعلوم أن “الفاتح” الذي نشأ بهذه المثالية، سعى لحماية هذه العادات والتقاليد عبر حثّ رعاياه من الإيطاليين على تعلّم تاريخ روما، ولعل رأي “Jacopo Langusebi” الذي عاش بإسطنبول بعد فترة وجيزة من فتحها، يطابق رأي السلطان “الفاتح” حيث يقول: “يجب أن تكون هناك إمبراطورية واحدة، وعقيدة واحدة، وحكم واحد على مستوى العالم، وليس ثمة مكان أكثر مناسبة لتأسيس هذا النموذج من إسطنبول”. فهذا -بلا شك- يجب أن يكون واحدًا من دواعي اتخاذ مدينة إسطنبول عاصمة للدولة العثمانية.
          وفي صيف 1456م أوكل الفاتح إلى”Amirutzes” مهمة إعداد خريطة العالم، ليتعرف على العالم الذي استعد لغزوه.
          ومن أجل فتح الغرب، فقد استمرت حملات الفاتح بالقارة الأوروبية، فأرسل في البداية حملةً إلى بلاد الصرب، تلاها فتح بلاد المورة، والأفلاق، والبوغدان، وسمندر، وميدلي، ورودس، وأثينا، والبوسنة.

          محمد الفاتح “إمبراطور الروم
          ثم تبع ذلك الخروج في حملة إلى إيطاليا والاستيلاء على مدينة “ترنتو”، وتحويلها إلى قاعدة عسكرية. وقد شكّلت الهجمات الصادرة من هذه القاعدة بدايةً تهدف لفتح روما، ثم ما لبث أن تحول العثمانيون -بامتداد حدودهم داخل أوروبا- إلى دولة عالمية. فقد حوّل السلطان “الفاتح” هذه الدولة التي أسّسها “عثمان غازي” قبل مائة وخمسين عامًا كـ”دولة قبَلية”، إلى دولة عالمية. مما دعا بعض المؤرخين البيزنطيين الذين وُجدوا إبان هذه الفترة، أن يلقّبوا الفاتح بـ”إمبراطور الروم” لاستحواذه على الإمبراطورية الكائنة بإسطنبول.

          أما في الأناضول فكانت بعض الدويلات والإمارات الصغيرة، تهدد وحدة هذه المنطقة، وفي مقدمتها “الكرمانيين” الذين توجه إليهم “الفاتح” في البداية، وأعقبهم في المرحلة الثانية إمارة “آق قويونْلو” والتي كانت تمثل تهديدًا كبيرًا على وحدة المنطقة، حيث إن العثمانيين كانوا قد تعلموا دروسًا كبيرة من حادثة “تيمور” المماثلة لهذه الأحداث. ومع تخلّص العثمانيين من هذه القلاقل بانتصار معركة “أُطْلُوقْبَلِي” (Otlukbeli) وبإلحاق ممالك “ذو القادر”، و”اسفنديار”، و”جاندار” و”عالية” للدولة العثمانية كانوا بذلك قد أحكموا سيطرتهم على جميع الأناضول.
          ومع استمرار تحركات وغزوات الفاتح، فقد تشكل الجانب السياسي والعسكري للدولة العالمية، بالإضافة إلى أن هذا النموذج المثالي العظيم أوجد العديد من الفعاليات المتعلقة بالثقافة والحضارة والعلم؛ حيث كان العثمانيون لا يزالون محكومين بعاداتهم وتقاليدهم ومعاملاتهم التي ورثوها عن “الدولة القبَلية”.

          تنظيم محمد الفاتح شؤون الدولة العالمية
          تلا ذلك، مرحلة تحديد المبادئ واللوائح الإدارية والقانونية والاقتصادية، ومع صدور القوانين المعروفة باسم “دستور الفاتح”، ظهر كيف ستُدار الدولة، وأي المناصب سيتم استحداثها، كما تم ربط وظائف وصلاحيات مسؤولي وموظفي هذه المناصب بنظام محدد، بالإضافة إلى تحويل القانون إلى قانون مكتوب، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع القائمة آنذاك. وعليه فقد حلت الدساتير المدونة محل العادات والتقاليد والأعراف على نحو يليق بعظمة الدولة ومكانتها.

          المسجد والمدرسة كلاهما من عوامل النهضة
          وبجانب المسجد الذي يحمل اسمه، فإن تشييد الفاتح للمدرسة الدينية “الصحن الثماني” (Sahn-ı Seman) التي تماثل الجامعة في وقتنا الحالي، يعد إكمالاً للقاعدة التعليمية النموذجية. فمنذ أن تأسست هذه المدرسة التي تُعد بمثابة أكبر جامعة في العالم الإسلامي آنذاك، كان يتم اختيار الأطفال النابهين ثم يرسلون إليها، حيث يتلقون العلوم الطبيعية والدينية جنبًا إلى جنب. ومن ثَم فقد تحولت أيضًا “مدرسة الأندرون” التي شُيدت بهدف إعداد رجال الدولة، إلى مدرسة تستطيع أن تلبّي الاحتياجات من الموظفين المؤهلين لإدارة الدولة المترامية الأطراف، وذلك بعد أن تم إجراء بعض الإصلاحات عليها.
          وقد توفي “الفاتح” في سنّ مبكرة عن عمر يناهز تسعة وأربعين عامًا بعد أن حقّق حلم “التفاحة الحمراء” تاركًا إياها لمن خلفه من الأجيال القادمة. فقد فتح وضم على امتداد عهد سلطنته سبع عشرة دولة ومائتي مدينة، غير أن كل هذه الانتصارات والفتوحات والعروش لم تُلْهِه عن أن يكون سلطانًا حقيقيًّا يدرك مسؤوليته التي حملها على عاتقه أمام ربه والإنسانية جمعاء، ويعي مكانته كخادم وحارس للقيم الإسلامية الإنسانية الراقية.

          ـــــــــــــــــــــــ
          (*) الترجمة عن التركية: سارة رفعت حمدان محمد.
          المصدر: مجلة حراء


          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #20

            ذكريات رحالة فرنسي عن إسطنبول العثمانية




            إن الأجانب القادمين إلى العاصمة وهم يحملون الأفكار الخاطئة عن الدولة العثمانية ومنها ما يتعلق بنظرتها “السلبية” للفن والآثار الفنية، سرعان ما كانوا يدركون خطأهم بمجرد رؤيتهم للنصب التذكارية في الساحات الكبيرة ويرون بصمات الفنانين وتوقيعاتهم بأقلام القصب في فروع الفن المختلفة.

            لقد كُتِب الكثير والكثير عن مدينة إسطنبول والعثمانيين، لأن هذه المدينة -إلى جانب كونها أبهى وأعظم مدينة عرفتها الإنسانية في قرونها الوسطى- كانت تحتل مركزًا قياديًّا في العالم. والعثمانيون الذين جرت على أيديهم تلك الروائع والآثار التي ازدانت بها المدينة ناشرة السكينة والطمأنينة والهدوء، كانوا -ولا يزالون- يشكلون مادة دسمة في مذكرات الرحالة وكتابات المؤرخين.
            ومن بين هؤلاء نتوقف عند الرحالةِ الأديب الفرنسي الشهير “جيرار دي نرفال” (Gérard de Nerval) الذي سجَّل بموضوعية في مذكراته، مشاهداته عن الإنسان العثماني ومدينة إسطنبول، فمكننا من أن نرى حقيقة التاريخ في شكلها الواضح البرّاق، عارية من الافتراءات التي تشوّهها.
            وعلى الرغم من أن مؤلفات هذا الأديب (الذي عاش في القرن التاسع عشر) في الشعر والرواية والمسرح، بقيت تُقرأ طيلة 135 عامًا، وأن البعض في عصره اعتبره أديبًا تجاوز حد العبقرية والجنون.. فإنه -على الرغم من ذلك- اشتهر بين الناس كواحد من أكثر الرحالة سياحةً في عصره. وهذا الكاتب الذي أَسَرَتْه مشاهدُ الشرق وحياتُه، تردَّد كثيرًا على إسطنبول، واستطاع في مذكراته أن يقف على تفاصيلها الدقيقة. وملاحظاته التي سجلها في رحلاته تقدم لنا اليوم معلومات موثوقة عن حياة العثمانيين وإسطنبول في القرن التاسع عشر. وأول ملمح استرعى انتباه الكاتب -بمجرد أن وطئت قدماه الدولة العثمانية- فأدهشه، تمثل في الأخوة والتعايش في مجتمع ينتمي أفراده إلى شعوب وأديان وثقافات مختلفة. وتحدث في مذكراته عن هذا الملمح بهذه العبارات:
            “مدينة عجيبة إسطنبول، يعيش فيها جنبًا إلى جنب شعوبٌ أربعةٌ في غير كرهٍ بينهم ولا أحقاد، فالتسامح الذي يبديه هؤلاء من الأتراك والأرمن واليهود والروم فيما بينهم، لا نستطيع أن نراه عندنا بين من ينتمون إلى ولايات وأحزاب مختلفة”.
            وكاتبنا الذي لا يهمل المقارنة بين الحياة العثمانية والحياة الأوروبية من حينٍ إلى آخر، يركز في مذكراته أيضًا على التسامح العميق الذي تبديه الدولة للشعوب التي كانت تعيش تحت كنفها وسلطتها. وهذا مشهدٌ كتبه عن مقاهي إسطنبول:
            “عند اجتيازنا باب سور “غَلَطة” تُقابلنا المقاهي التي تشبه المقاهي عندنا، وتنتشر على طاولاتها الصحف الأرمنية والرومية فضلاً عن صحف اليونانيين القادمين من مورة”.

            مدينة لا تعرف سوى التسامح

            وكانت زيارة السلطان العثماني تأتي على رأس رغبات كل زائر قادم إلى البلاد العثمانية من غير المسلمين. ولتحقيق هذه الرغبة كانوا يحضرون مراسمَ تحيةِ يوم الجمعة، أو ينضمون إلى فعاليات سباق الخيول في ميدان الخيول… وكاتبنا يجمع كل طاقته في التركيز والانتباه قبل (تحية الجمعة) ينتظر السلطان العثماني، وما من شك في أنه كان ينتظره في هيبة عظيمة رسَمها له في مخيلته، لكنه سيجده في الواقع في صورة لم يكن يتخيلها:
            “شاهدتُ مرور السلطان في عربة متواضعة تتقدم في الطريق الهابط إلى الميناء، كان عليه معطفٌ مُزَرَّر حتى العُنق، والأتراك يلبسون هذا النوع من المعاطف منذ عهد التنظيمات، والأمر الوحيد الذي يميز السلطان في لباسه عن بقية الناس هو النيشان الإمبراطوري المرصَّع بالألماس على طربوشه”.

            بعد أداء مراسم “التحية” يتقدم السلطان نحو منطقة “بيرا” (Pera) أو “بَيْأُوغْلُو” (Beyoğlu) لزيارة تكية هناك، وأمام التكية تقع هذه الحادثة التي تستولي على الكاتب دهشةً وعجبًا، لأنه لم يكن يتوقع هذا الحد من التسامح عند الحكام العثمانيين:
            “كان السلطان قد بلغ شارع “بيرا” فدخل تكية أحمد باشا، وفيها أيضًا قبر “الكونت بونـفال” (Kont Bonneval)، وبينما كنّا ننتظره أمام باب التكية، إذ ظهر موكب جنازةٍ يتقدمها رهبان الروم، كان الموكب يتقدم نحو خارج المدينة، فطلب حرَس السلطان من الرهبان تغيير طريقهم، لأن السلطان على وشك الخروج من التكية، ومن غير المناسب أن يلتقي بموكب الجنازة. وبعد تردّد قصير تكلم رئيس الرهبان -وهو في لباسه البيزنطي- مع رئيس الحرَس، ثم تابع الموكب دون تغيير طريقه. فقد اقتنع رئيس الحرَس بأنه لو صادف الموكب خروج السلطان فإن السلطان كان سينتظر مرور الموكب دون مشكلة. ففي إسطنبول تسامح كبير شامل لجميع الأديان، وهذه الحادثة أسجلها مثالا لذلك”.
            موضوع آخر يَدهش له كاتبنا، هو هذا التضخيم المبالَغ فيه عند الكتّاب الأوربيين للحياة الأُسَرية للسلطان ومسألةِ الحريم فيها، فنراه قد سمع من محيط السلطان وشاهَدَ بنفسه ما يدخض ويبطل تلك الادعاءات:
            “أخبرني صديقي أيضًا عن عدد النساء في القصر، وهو مختلف تمامًا عما هو شائع عندنا في أوروبا. فقد كان يعيش في حرم السلطان (بيت الحريم) ثلاث وثلاثون امرأة، ثلاث مِنهن فقط مَحْظيّاته والأخريات خادماتُ الغرف. فالأوربيون يفهمون هذه العبارة -خادمات الغرف- بشكلٍ خاطئ”.
            الرفق بالحيوان ريادةٌ عثمانية
            وتثور المشاعر لدى الأوروبي حين يتعرف على هذا المجتمع الذي تسود فيه أخلاق الأخوة والتعاون، لاسيما عندما يرى ما لم يعرفه في بلاده من أخلاق الحرص على تقديم المساعدة التي تتجاوز الإنسان إلى عالم الحيوان. فما الذي شعر به كاتبنا بعد مشاهداته في هذا الشأن:
            “بعد خروجي من الحُرْش الذي يحيط بقِشْلة (ثكنة) المدفعية التي تغطي ساحة واسعة، وجدت نفسي في طريق “بُيُكْ دَرَة” (النهر الكبير) وكان هناك مرج أخضر يمتد حتى أطراف القشلة، وعلى المرج مشهد لا يختلف كثيرًا عما شاهدته من قبل؛ إذ كان في المرج بضع مئات من الكلاب تنتظر وقد بدأ صبرها ينفد، وبينما هم كذلك إذ ظهر العساكر يحملون قدورًا كبيرة معلَّقة على أكتافهم بالعِصيّ. فبدأت الكلاب تتقافز في الهواء عندما رأتهم وكأنها تكاد تطلق صيحات الفرح، وما أنْ وُضعت القدور على الأرض حتى اندفعتْ مسرعة نحوها. وكان العساكر يحاولون تفريقها إلى مجموعات بالعِصيّ التي يحملونها. قال لي إيطالي كان هناك: يُطبخ هنا طعام خاص بالكلاب! إن هذه الحيوانات لم تكن سيئة الحظ أبدًا. وفي إسطنبول أقيمت الأحواض قرب المساجد وصنابير المياه لتنتفع منها الحيوانات، إضافة إلى الجمعيات التي تهتم بحمايتها. وصلنا إلى إحدى المقاهي، المثلجات وشراب الليمون و(الموكا)… كل شيء يوحي بالنمط الفرنسي وكأنه بقعة من أوربا. الشيء المحلي الوحيد المختلف هنا والذي لا يمكن أن يغيب أبدًا عن عين المُشاهِد، هو العديد من اللقالق التي تتجول بين الطاولات، فما أن تَجلس على الطاولة وتَطلب قهوتك حتى تقترب اللقالق وتقف قربك وكأنها إشارات استفهام، تستطيع برقابها الطويلة أن ترفع رؤوسها فوق الطاولة وتتناول قطع السكر، غير أنها قلما تفعل، لأنها تنتظر العطاء منكم. وهكذا، تتنقل من طاولة إلى أخرى تجمع البسكويت والسكاكر.

            عندما دخلنا باحة التكية شاهدنا قطيعًا من الكلاب، كان الخدم يقدمون لها الطعام. ومنذ القدم كان الناس يخصصون التبرعات الكبيرة لرعاية الكلاب. كانت جدران التكية التي تظللها أشجار الدُّلب والأكاسيا مليئة بالأقفاص المصنوعة من الأخشاب الملونة، صنعت خصيصًا لتأتي إليها العصافير وتبني فيها أعشاشها. وكانت العصافير تتبنّى هذه المساكن المجهَّزة وتمتلكها وتعيش فيها آمنة من غير خوف ولا قلق من جوع”.
            آثار إسطنبول تلغي الأحكام المسبقة
            وإذا كانت البيوت ذات النوافذ البارزة -والتي تحمل بتفاصيلها التزيينية قيمة فنية عالية وتعكس الحالة الروحية للعثمانيين ورؤيتهم الجمالية- تشد الأنظار إليها، فإن موجة التخلي عن هذه الثقافة والتطلع إلى التشبه بأوربا -التي ظهرت مؤخرًا على المسرح الدولي- لقيت رد فعلِ الغربيين قبل غيرهم، وأثارت انتباه كاتبنا الذي يقول:
            “ألزمت “التنظيمات” العثمانيين ارتداء الطربوش وحبستهم في المعطف الذي تبلغ أزرارُه العنق، وألغت الزينة من البيوت. فبطلت السقوف المذهبة التي تشبه خلايا النحل، وأعمال الحفر في “الأثاث الخشبي”، والصناديق المزخرفة المصنوعة من أخشاب أشجار الأرز، وحل محلها الجدران الملساء المطلية ذات الستائر، وبعض الصور المعلقة في لوحات، والقليل من المزهريات وهذا كل شيء”.

            وتعرضت رؤية الدولة العثمانية للفنون والآثار الفنية لافتراءات ظهرت في بعض الأوساط الثقافية الغربية، في سبيل إضعاف هذه الدولة التي حكمت لأعوام طويلة مجتمعات كثيرة في ظل التسامح والتعايش والسلام، غير أن الأجانب القادمين إلى العاصمة وهم يحملون الأفكار الخاطئة عن الدولة العثمانية ومنها ما يتعلق بنظرتها “السلبية” للفن والآثار الفنية، سرعان ما كانوا يدركون خطأهم بمجرد رؤيتهم للنصب التذكارية بكل هيبتها في الساحات الكبيرة، ويرون بصمات الفنانين وتوقيعاتهم بأقلام القصب في فروع الفن المختلفة.
            وتأتي عناية العثمانيين بالآثار التي تعود إلى الدول والثقافات السابقة وحمايتها، لتشكل جانبًا آخر من الجوانب التي تأخذ بألباب هؤلاء الغربيين وتصحح ما لديهم من انطباعات مسبقة. وها هو كاتبنا يقدم رؤيته في ذلك في صباح العيد في ميدان الخيول:
            الدين والبناء الأخلاقي
            “هزت المدينةَ أصواتُ المدافع التي انطلقت من السفن والحصون عند شروق الشمس صباح العيد، وانطلقت أصوات الأذان من المآذن الألْفِ تملأ الآفاق، وكانت مراسم العيد هذه المرة في ميدان الخيول، حيث كان هذا الميدان أيضًا يشتهر بذكريات الإمبراطورية البيزنطية، وكان فيه الأوبرا الأثرية التي تعود لها، والمجسَّمات القائمة على القواعد الحجرية البيضاء التي أحضرت من مصر، وهذه الهياكل -التي لازالت قائمة من عهد البيزنطيين- خير إثبات على عدم صحة ما نظنه نحن الأوربيين عن العثمانيين بأنهم أعداء التماثيل”.

            ومعتقدات المسلمين الدينية تشكل ملمحًا آخر في الانطباعات والمعلومات المغلوطة عند الغربيين، والكاتب -مثل جميع الغربيين الذين تلقوا سماعًا افتراءات ومعلومات خاطئة عن المسلمين وعن أنماط حياتهم- يضطر إلى عقد مقارنة بين الحياة في مجتمعه والحياة في المجتمع العثماني فيدلي بهذه الملاحظات:
            “أرى أنه من الخطأ بمكان، اتهام المسلمين بغواية النساء، واتهامهم بالسخافة في بعض عاداتهم دون أن ندرك الاختلاف الكبير في المعتقدات والعادات بيننا وبينهم، فليس من الصحيح أن نصدر أحكامنا في حقهم انطلاقًا من أخلاقنا. فإذا أخذنا في الحسبان علاقة المسلم بزوجته وغيرته في موضوع “العِرْض”، فإننا عندئذ ندرك الافتراءات السفيهة التي اختلقها كتَّابنا في القرن الثامن عشر”.
            ضمت الدولة العثمانية عددًا كبيرًا من الرعايا المنتسبين إلى ديانات مختلفة لم تشهد مثله دولة أخرى. وقد وقف كاتبنا على مشهدٍ لم يكن يتخيله أبدًا، فما أن خطت قدماه نحو الشارع من مكان إقامته في “بيرا” صباح ذلك العيد حتى وقعت عيناه على هذا المشهد:
            “يشارك الأوربيون المقيمون في “بيرا” في طقوس العيد كما جرت العادة فيحتفلون مع المسلمين”.
            وما شهده عقب صلاة العيد في ميدان الخيول توقف أمامه دهشة وعجبًا:
            “توجه الجميع إلى الطعام والشراب بعد ذبح الأضاحي. أرغفة الخبز (خبز التنور)، والزبدة المحلاة بالسكر، والمقالي، والكباب المفضل عند الجميع في كميات وافرة، تُقدَّم للناس بلا مقابل، وقد سُدّدت أثمانها من قبل الأغنياء. يدخل المرء إلى أي بيت يريد، ويجلس على المائدة فيُستقبَل بحفاوة. فالبيوت كلها مفتوحة الأبواب على مصاريعها، يحاول الجميع تقديم ما يستطيعون من الضيافة، ويحاولون إضفاء السرور على الضيوف مهما كانت أديانهم أو أعراقهم أو مقاماتهم الاجتماعية، لا فرق في ذلك بين غني أو فقير”.
            فهل كان يمكن للقادمين إلى الدولة العثمانية الذين يقفون في حيرة وإعجاب أمام هذه السلوكيات الراقية، أن يظلوا بمنأى عن التأثر بهذا الدين الذي كان سببًا لمثل هذا البناء الأخلاقي العظيم؟!
            لم يغب أيضًا عن عيون الكاتب وانتباهه، أولئك الدراويش المستمسكين بالدين الإسلامي بكل نقائه وصفائه، فكيف تناولت مذكراته هذا الموضوع:
            “تأثرتُ كثيرًا بعبادة الدراويش في إسطنبول، فذكر الله عندهم يمكن أن يعبَّر عنه بكل لغة ولسان، وهم بيراعهم -التي يعزفون بها- لا يجبرون أحدًا أن يدور مثلهم، لكنه في نظرهم هو الأسلوب الأرقّ والأرقى في شكر الله وفي التعبير عن عظمته”.
            لقد جاءت المذكرات التي حوت مشاهدات نقلها ببراعة قلم الأديب الفرنسي “جيرار دي نرفال”، أمينة مجرَّدة من الخضوع لأي تأثير، سوى ما تراه عيناه وتقع تحت حواسه، فكانت من أفضل المذكرات التي تحمل الكثير من الحقائق عن مدينة إسطنبول.
            فهذا الكاتب الذي عرفه عصره ككاتب يعبّد الطريق لمن بعده في هذا المجال، ويقدم بأسلوبه النقي السيّال نموذجًا لهم ويمتلك القدرة على تمييز الحقائق ورؤيتها، نأمل أن تشكل مذكراته أفقًا جديدًا لمن لا يعرف شيئًا عن ماضيه ومع ذلك لا يتردد في انتقاده، وأن تدفعه إلى البحث المفصل عن هذا الماضي. ولنختم مقالتنا هذه بعبارات من هذه المذكرات التي تتحدث عن نفسها:
            “لم أقُم في هذه المذكرات، بالتعريف بإسطنبول، فقد كُتب الكثير عن قصورها ومساجدها وحماماتها وسواحلها، بل أردتُ فقط أن أعبر عما رأيته في شوارعها وساحاتها، فهذه المدينة تشكل منذ القدم الدمغة المُطَلْسَمة المقدسة التي توحد بين آسية وأوروبا”.


            ___________________________
            المصدر: مجلة حراء
            (*) الترجمة عن التركية: مصطفى حمزة.


            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #21
              ,,عند رؤية خرائطه لا تكاد تصدق انها رسمت في ذلك الوقت
              وفي هذه الفترة رسم بيري رئيس خريطته الثانية للعالم، وقد قدمت للسلطان سليمان القانوني في العام 1528 م.
              بارك الله فيك اخ صباحو على هذا المجهود الرائع..
              موضوع رائع ويحوي الكثير من الامور التي اعتقد ان الكثيرين لم يسمعوا ها من قبل .. كاحتلال الصفويين لبغداد اول مرة ومحاكمة الاجيال الثلاثة ونظام التجنيد العثماني القديم وووو ..
              [CENTER][SIZE=6][COLOR=#ff0000][FONT=microsoft sans serif]قدماء[/FONT][/COLOR][/SIZE]
              [/CENTER]

              [COLOR=#40e0d0][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][RIGHT]"[COLOR=#ff0000]ركني الحاني ومغناي الشفيق
              [/COLOR][/RIGHT]
              [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/COLOR][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][LEFT][COLOR=#ff0000]وظلال الخلد للعاني الطليح[/COLOR][/LEFT]
              [RIGHT][COLOR=#ff0000]علم الله لقد طال الطريـــــــــق [/COLOR][/RIGHT]
              [LEFT][COLOR=#ff0000]وأنا جئتك كيما استريــــــح[/COLOR][COLOR=#40e0d0]"[/COLOR][/LEFT]
              [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE]

              تعليق


              • #22
                المشاركة الأصلية بواسطة jassar مشاهدة المشاركة
                " في زمن كان الإسلام هو الوطن "
                كلمة استوقفتني كثيرا .
                ان شاء الله تعود دولة الاسلام قريبا و تملا الدنيا عدلا
                ان شاء الله ...
                [CENTER][SIZE=6][COLOR=#ff0000][FONT=microsoft sans serif]قدماء[/FONT][/COLOR][/SIZE]
                [/CENTER]

                [COLOR=#40e0d0][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][RIGHT]"[COLOR=#ff0000]ركني الحاني ومغناي الشفيق
                [/COLOR][/RIGHT]
                [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/COLOR][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][LEFT][COLOR=#ff0000]وظلال الخلد للعاني الطليح[/COLOR][/LEFT]
                [RIGHT][COLOR=#ff0000]علم الله لقد طال الطريـــــــــق [/COLOR][/RIGHT]
                [LEFT][COLOR=#ff0000]وأنا جئتك كيما استريــــــح[/COLOR][COLOR=#40e0d0]"[/COLOR][/LEFT]
                [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE]

                تعليق


                • #23

                  أدرنة… مدينة السليمية



                  في هذه السطور سوف نتجه نحو شمالي غربي تركيا.. ننطلق إلى جامع السليمية الذي يمثل القمة في العمارة العثمانية، والذي أقامه المعماري سنان، أعظم معماري عرفه التاريخ العثماني، على أعلى ربوة بمدينة أدرنه كتاج على رأسها. وقد شهدت هذه المدينة مولد السلطان محمد الفاتح الذي غير مجرى التاريخ بفتح اسطنبول عام 1453. وقال عنها الشاعر العثماني نفعي إنها إحدى جنان السماء الوردية.

                  جامع السليمية لا يبهر الإنسان بمنظره الخارجي فحسب، بل بزخارفه الداخلية أيضًا. ومن يدخل الجامع بفضول ورغبة يدور تحت القبة بتعجب، ولا يعرف من أي نقطة يبدأ النظر.
                  أدرنة اليوم وإن كان خالية من معظم حدائقها الخضراء التي كانت تزين كل مكان في الماضي، إلا أنها ما زالت منذ تحافظ على هويتها كمتحف مكشوف يعرض للزائرين آثارا خالدة من الحضارات الحية. ومما لا الشك فيه أن أهم أثر فيها هو الذي يحمل ختم المعماري سنان.. ألا وهو “جامع السليمية”، إذ يحتل أبرز نقطة في هذه المدينة. تذكر الروايات أن السطان سليم الثاني رأى في حلمه الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له “ابنِ جامعا في أدرنه”.. فأمر ببناء السليمية على الفور. وفي عام 1575 وصلت بشارة انتهاء الجامع إلى السطان، لكنه لم يحظ بافتتاحه ولا بالصلاة فيه حيث توفي بعد فترة وجيزة.
                  يا له من منظر باهر… جامع السليمية يشرف على المنطة كلها… يروى أن سنان العظيم ظل يفحص المدينة مدة عامين على ظهر حصانه حتى اختار هذا المكان المرتفع والمهيمن على كافة المدينة. ترى الجامع مباشرة عندما تتجه نحو أدرنه وكأنه المكلف الوحيد باستقبال الضيوف والمرحب بهم. يقف الإنسان مدهوشا أمام روعة المشهد ولا يكاد يصدق أنه من صنع بشر.
                  للجامع أربع مآذن، ولكل مئذنة ثلاث شرفات. تبدو المآذن الأربع من بعض الجهات كأنهن اثنان فقط. وثمة أسرار أخرى.. أربعة مآذن وتدل على التكبيرات الأربعة في الآذان.. اثنى عشرة شرفة وترمز إلى ترتيب السلطان سليم الثاني بين سلاطين آل عثمان.. داخل كل مئذنة ثلاثة سلالم وكل منها ينتهي إلى شرفة مختلفة عن الأخرى. وما عليك إذا أرقك التعب إلا أن تستند باطمئنان إلى إحدى العواميد في باحة الجامع المحاطة بالأروقة وتجيل النظر في معالمه، لاسيما النافورة الرخامية المرصعة باهتمام بالغ.
                  جامع السليمية لا يبهر الإنسان بمنظره الخارجي فحسب بل بزخارفه الداخلية أيضا. ومن يدخل الجامع بفضول ورغبة يدور تحت القبة بتعجب ولا يعرف من أي نقطة يبدأ النظر. القبة مركبة على ثمانية أقدام فيلة، إلا أن الأقدام لا تخل بأناقة الجامع ويمكن أن ترى كل زاوياه بمجرد نظرة واحدة. ورغم الاحتلال الروسي لأدرنة عام 1878 وقيامه بسلب بعض قطع الخزف العائدة للجامع ظل الأنموذج المثالي بعمالة الرخام وفن الخط وصناعة الخزف. وتجد نفسك فجأة في عالم لا تريد الخروج منه أبدا.
                  حينما تنتهي من زيارة جامع السليمية عليك أن تتجه نحو السوق المجاورة له، سوق أدرنة، لتتجول وتشتري بعضا من الهدايا الخاصة بالمدينة. مدينة أدرنه تشتمل على أهم نماذج العمارة العثمانية التي تمثل عهد الازدهار. فسكان أدرنه يتباهون بهذه الآثار الخالدة، باب الشرفات الثلاث، وكتابة الجامع العتيق، والسليمية. لقد تم تشييد الجامع العتيق من قبل السلطان محمد الأول، وهو أقدم أثر عثماني في أدرنه. فالآيات القرآنية المنقوشة على الجدران الداخلية تزيد المسجد بهاء وروعة. جامع الشرفات الثلاث مشهور ببابه الفريد وقبته الواسعة،ومآذنه المتعرجة. فهو آية من آيات الجمال والفن الإسلامي. واسم الجامع مأخوذ من مئذنته ذات الشرفات الثلاث حيث يصعد لكل منها من سلم مختلف. الأمر الذي نراه في جامع السليمية أيضا.
                  تقع أدرنة على ممر طرق تجارية مهمة. لذا تم إنشاء خانات وأسواق مسقوفة، بالإضافة إلى الجوامع والأوقاف والمدارس العلمية والدينية. يقع السوق المسقوف الشهير والذي يعتبر الشريان الاقتصادي للمدينة إلى جانب الجامع العتيق. ومن آثار المعماري سنان أيضا سوق علي باشا المؤلف من 133 حانوتا حيث تعجز الكلمات في التعبير عن الدهاء المعماري الفذ.
                  تشتهر أدرنه أيضا بمهرجان مصارعة قرقبينار الذي يقام كل عام بمشاركة مئات المصارعين من جميع أنحاء تركيا. وما يميز هذه المصارعة أن المصارع يلبس بنطالا مصنوعا من جلد الجاموس يمسى “كيسبت” ويترك أعلاه عاريا ثم يقوم بغسل جميع جسده بزيت الزيتون حتى تصبح كل نقطة منه منزلقة. وهكذا يتصارع الرجال لمدة ثلاثة أيام حيث يحصل الفائز بالمسابقات على حزام ذهبي. وإذا تمكن نفس البطل من الفوز ثلاث سنوات على التوالي صار الحزام ملكا له. ويتدفق الآلاف من شتى أنحاء تركيا لمشاهدة تلك المسابقات. أما الحديث عن منشأ هذا النوع من المصارعة فندعه إلى فرصة أخرى. فله قصة شيقة ترجع إلى بدايات الدولة العثمانية.
                  قبل مغادرة أدرنة لا بد أن نزور كلية بيازيد ولا سيما دار الشفاء التي كانت الأمراض العقلية تعالج فيها بالموسيقى وخرير الماء وروائح الأزهار حتى أواخر العهد العثماني. وأن نزور كذلك جامع مرادية، الأنموزج المثالي لفن الزخرفة العثمانية للقرن الخامس عشر، ونهري المريج وطونجه وما عليهما من جسور عثمانية. إذا صدف أن وقع طريقك إلى تركيا فتعال إلى أدرنه.. مدينة التراث العثماني.. مدينة السليمية. فأنا متأكد أنك لن تستطيع مغادرتها بسهولة. وعندما تلتفت إلى الوراء من نافذة السيارة سترى جامع السليمية يودعك بالابتسامة التي قابلك بها… وتبتعد عن هذه المدينة بذكريات لطيفة ولحظات ممتعة لن تنساها طوال حياتك.


                  _______________
                  المصدر: مجلة حراء




                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #24
                    الجندي الباسل



                    الملازم الأول “كيسي” (Casey) -الذي أصبح فيما بعدُ واليًا عامًّا على أستراليا- ينقل لنا هذه الحادثة التي عاشها في معركة “جَنَقْ قلعة” (Çanakkale) التي وقعت في مارس/آذار 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى، إذ يقول:


                    في يوم 25 من شهر أبريل/نيسان، دار قتال رهيب بين القوات العثمانية وقوات التحالف في موقع “جُونْكْ بايِري” (Conkbayırı). كانت المسافة بين خنادق القتال حوالي 8-10 أمتار. وبعد الهجوم بالحِراب وقف القتال لفترة من الزمن.. انسحب الجنود إلى خنادقهم.. وإذا بصيحات استرحام تشق عنان السماء وسط خنادق الطرفين، يطلقها نقيب إنكليزي بُترتْ ساقه أثناء المعركة.. ولكن لا أحد يجرؤ على الخروج لمساعدته، إذ مع أدنى حركة ينطلق مطر من الرصاص يدوّي فوق الرؤوس..
                    في تلك الأثناء حدَث شيء مذهل؛ إذ بدتْ يدٌ من بين الخنادق العثمانية تلوّح بملابسَ داخلية بيضاء.. ثم خرج جندي عثماني شجاع من خندقه خروج الأسد دون سلاح.. وجّهنا أسلحتنا صوبه نراقبه بحذر.. لم نعد نسمع إلا أنفاسنا، ولم نشعر إلا بصدورنا تعلو وتهبط.. بدأ الجندي يمشي ببطء نحو خنادقنا.. وعندما وصل إلى النقيب الجريح، حدب عليه بهدوء ثم احتضنه برفق، ثم تأبطه وبدأ يمشي به نحونا.. وما إن وصل إلينا حتى وضعه على الأرض بلطف، ثم عاد من حيث أتى.. لم نجد فرصةً لشكر ذلك الجندي الباسل الذي واجه الموت من أجل مساعدة عدوه الذي يحاربه! وظل الجنود في ميادين القتال، يتحدثون أيامًا عن ذلك الجندي الشجاع الذي أبدى احترامًا من نوع آخر تجاه الإنسان وكرامته، وقدّم للإنسانية درسًا إنسانيًا عن الحب والرحمة من الإنسان لأخيه الإنسان حتى في ميادين القتال.

                    نقدّم تحياتنا وحبّنا واحترامنا إلى أولئك الجنود الذين أبدوا بسالةً تستحق الثناء والتقدير.
                    “الملازم الأول كيسي”
                    _______________
                    المصدر: مجلة حراء



                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #25
                      جامع ومدرسة الخسروية في حلب




                      أول المنشآت العثمانية في حلب، وأول مدرسة عثمانية في سورية بشكل عام. يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من قلعة حلب، أمر ببنائها (خسرو باشا) والي حلب عام 938 هـ قبل أن يصبح والياً في مصر، وقبل أن يصبح وزيراً في الحكومة السليمانية، الذي أمر مولاه (فروخ بن عبد المناف) بهذا البناء، وقد خطط لهذا البناء وهندسه المهندس التركي العبقري (سنان باشا).
                      وقد ذكر ابن الحنبلي في كتابه ( در الحبب) أنه دخل في عمارتها عدة أوقاف ومدارس ومساجد كالمدرسة الأسدية ومسجد ابن عنتر والدار التي عمرها ووقفها المحب أبو الفضل بن الشحنة وهي إحدى دور حلب العظام وغيرها. وكان انتهاء بناء الخسروية سنة (951هـ 1544م).
                      وهي أول جامع ومدرسة وتكية بنيت في مدينة حلب على الطراز العثماني ويبدو أنها ظلت على أحسن ما يرام إلى أن حصل الزلزال العظميم في حلب سنة (1237هـ 1821م) وتخرب في حلب الشهباء الكثير من الأماكن منها أغلب الأبنية التي كانت موقوفة على هذه المدرسة من أسواق ودور وخانات.


                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #26
                        التكية السليمانية في دمشق‎



                        هي بناء متكامل في دمشق، يعد من أهم الآثار العثمانية في مدينة سورية ، يضم مسجداً ومتحفاً للمهن اليدوية والتراث ومدرسة .
                        أمر ببنائها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1554م مكان قصر الأبلق المعروف بقصر الظاهر بيبرس البندقداري على ضفاف نهر بردى.
                        التكية من تصميم المعماري التركي معمار سنان، أشهر معماري عثماني. وأشرف على بنائها المهندس ملا آغا. بدأ بناؤها سنة 1553 وانتهى سنة 1559م في عهد الوالي خضر باشا، أما المدرسة الملحقة بها فتم بناؤها سنة 1556م في عهد الوالي لالا مصطفى باشا.



                        أبرز ما يميز طراز التكية السليمانية المئذنتان النحيلتان اللتان تشبّهان بالمسلّتين أو قلمي الرصاص لشدة نحولهما، وهو طراز لم يكن مألوفاً في دمشق حتى تلك الحقبة. تضم التكية قسمين:
                        - التكية الكبرى التي تتألف من مسجد ومدرسة.



                        - التكية الصغرى التي تتألف من حرم للصلاة وباحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تغطيها قباب متعددة. كانت التكية الصغرى مأوى للغرباء وطلبة العلم.



                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #27
                          خان أسعد باشا العظم في دمشق‎





                          يقع الخان في مدينة دمشق القديمة، جنوب شرق الجامع الأموي، وسط سوق البزورية التجاري، بني خان أسعد باشا في عهد والي دمشق العثماني أسعد باشا العظم الذي حكم مابين عامي (1156-1170هـ) (1743-1757م)، والذي أراد إنشاء خان يعد من أعظم الخانات في عصره وكان له ذلك، استمر بناؤه 14 شهر بدءاً من عام (1166هـ/1751م) وانتهاءً بعام (1167هـ/1753م).
                          تقدر مساحة الخان بـ 2500 م2، وهو ذو مسقط مربع الشكل تتراوح أبعاده مابين (50×51م) ويتألف من طابقين تتوزع غرفهما حول باحة مركزية. يتم الدخول إليه من قبل بوابة ضخمة تطل على سوق البزورية، وقد صممت هذه الواجهة بعناية فائقة وجعل فيها (15 دكان) وتعتبر من أهم وأجمل وأضخم واجهات المباني الأثرية في سورية، تبلغ أبعادها (10×12م) وتحتوي على نافذتين لغرفة (الخانجي) مدير الخان.
                          أما المدخل فيتألف من ردهة خارجية عرضها 6م بعنق 2م ينتهي على جانبيه بمقعدين حجريين يسميان (مسكلتين) استعملا لاستراحة العابرين أو لمساعدة الحمالين في تنزيل البضائع.
                          يتم الدخول إلى الخان عبر هذه البوابة الرئيسية وذلك من خلال بوابة خشبية مصفحة بالحديد تتألف من درفتين في إحداهما باب صغير يدعى باب خوخة الذي كان يستعمل ليلاً ليتيح الدخول للأشخاص ويسهل حماية المقيمين في الخان، يعلو هذه البوابة ساكف حجري، وهو عبارة عن جزء من قوس دائرية تعلوه دائرة صغيرة يقال انه توضعت فيها ياقوتة فخمة مفقودة حالياً ثمنها يكفي لإعادة بناء الخان ثانية فيما لو تهدم. فوق هذه الدائرة تلتف خطوط زخرفية منحنية لتشكل نصف دائرة كتب فيها:
                          لله خان الخير يقصد
                          بالسعد واليمن قد تشيد
                          وسامت النجم في سهو
                          فالزهر عقد له منضد
                          أنشأه صدر شهم كريم
                          خدن المعالي الوزير أسعد
                          تاريخه قد أتى ببيت
                          باللؤلؤ الرطب قد تنضد
                          بني خان بني بيمن
                          الأوحد الأسعد الممجد
                          سنة 1166

                          وعلى جانبي هذه الكتابة زخارف هندسية كتبت فيها بعض العبارات:
                          يا مفتح الأبواب
                          افتح لنا خير باب

                          لتصميم الداخلي للغرف بسيط وتتراوح أبعادها مابين 3-6 م. الأرضية مؤلفة من منسوبين مختلفين لتأمين تنظيم حركة الهواء وسقفت بعقود متصالبة أو قبوات نصف اسطوانية جدرانها حجرية سميكة خالية من التزيينات.
                          أما السطح فيتم الصعود إليه من خلال درج يتوضع في الجهة الغربية للطابق الأول وقد استخدم لنشر الفواكه وتجفيفها و مازالت دمشق تشتهر بهذا حتى الآن.

                          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                          تعليق


                          • #28
                            رسالة شكر من السلطان عبد الحميد الى حماد باشا الصوفي






                            ان السلطان عبد الحميد يشكر جهود حماد باشا الصوفي لدعمه للجيش العثماني في مقاتلة الانكليز ويثمن جهوده على ذلك.
                            وكذلك يشكره على حسن تمثيله للقبائل العربية والبدوية في فلسطين ويهديه الاراضى والاملاك التالية في وادي سدر والخلصة ووادي السبع ومجموع الهدية 30 الف دونم ويتمنى السلطان ان يبقى حماد الصوفي خزينة للمسلمين.



                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #29
                              وثيقة بخط يد السلطان عبد الحميد إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية محمود افندي



                              وثيقة بخط يد السلطان عبد الحميد إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية محمود افندي حول الاتحاديين وضغوطهم لتأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة ـ فلسطين‎


                              بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
                              الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.
                              أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات وأقبل يديه المباركتين راجياً دعواته الصالحة.
                              بعد تقديم احترامي، أعرض أنني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.
                              سيدي: إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلاً ونهاراً. وأعرض أنني ما زلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.
                              بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم، وإلى أمثالكم أصحاب السماحة، والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ: إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني ـ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم «جون تورك» وتهديدهم ـ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية.

                              إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة ـ فلسطين ـ ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف. وأخيراً وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً، وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي: إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً عن (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً ـ فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلن أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجــدادي مــن الســلاطين والــخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطـــعي أيــضاً.
                              وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلــعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلانيك، فقبلت بهذا التكليف الأخير هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين. وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال. وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع المهم وبه أختم رسالتي هذه.
                              ألثم يديكم المباركتين وأرجو وأسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي. سلامي إلى جميع الإخوان والأصدقاء.
                              يا أستاذي المعظم

                              لقد أطلت عليكم البحث، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علماً، ونحيط جماعتكم بذلك علماً أيضاً
                              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                              في 22 أيلول 1329
                              خادم المسلمين
                              عبد الحميد بن عبد المجيد



                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #30
                                وثيقة عثمانية عن اليمن موجودة في صوفيا – بلغاريا




                                وثيقة شراء ملابس عسكرية للجيش العثماني في اليمن

                                في 30 كانون الأول 1289/11.01.1874، صُــــــرف مبلغ 15,854 قرش لشـــــــراء 2,000 معطـــــــــــــــــــف واق مــــــــــن المطـــــــــــــــــــر (yağmurluq-s)، و1000 بدلة شتوية وجزمات خاصة لأربع فرق من الخيالة في جيش ولاية اليمن (F. 320 A, u.a. 9)
                                .


                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X