اكتشاف “الحل الإمبريالي” للمسألة اليهودية على يد هرتزل
تتلخص أهمية مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل في أنه اكتشف ما أسماه الدكتور عبد الوهاب المسيري “الحل الإمبريالي” للمسألة اليهودية[68]، أو كما قال رحمه الله في أنه أدرك ضرورة وضع المشروع الصهيوني-الذي كانت ملامحه قد تبلورت قبل هرتزل-موضع التنفيذ بالاستعانة بدولة استعمارية كبرى تدعم وترعى هذا المشروع، ودون هذه الرعاية ما كان للمشروع أن يتحقق، وقد استفادت صهيونية هرتزل السياسية من التجربة الفاشلة لتأسيس مستعمرات زراعية في فلسطين بين عامي 1882-1897 “رغم الإعانات المادية السخية التي قدمها أغنياء اليهود في أوروبا”، ولهذا رفض هرتزل الانتقال إلى الاستيطان العملي قبل تأمين الاعتراف الرسمي والحصول على براءة الاستيطان[69]، وفي ذلك يقول أحد مؤرخي الصهاينة:”لم يُقدر هرتسل العمل الاستيطاني في فلسطين، فقد كان ذلك بالنسبة له “عملاً صغيراً” غير مفيد، خاصة أنه لا يحل مشكلات غفور اليهود الذين يعانون في شرق أوروبا، ولقد دعا (هذا الاستيطان) إلى الهجرة التدريجية إلى فلسطين، من خلال خداع الحكم العثماني عن طريق التسلل، فقد كان في مخيلته(أي هرتسل) هجرة من نوع آخر، هجرة الملايين، القادمين ليس فقط لتوطين فلسطين، بل أيضاً لإعادة بنائها من خلال إقامة دولة اليهود، كما أنه لم يُقدر العمل الاستيطاني للبارون روتشيلد في فلسطين”[70]، وقد أكدت الأحداث صواب رأيه فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً من الهجرة اليهودية المكثفة إلى الدولة العثمانية ووصول ما يقارب مائة ألف مهاجر إليها لم يتبق في البداية منهم في فلسطين إلا نصفهم ليغادر بعد اندلاع الحرب الكبرى ثلاثون ألفاً آخرون نتيجة عوامل الطرد وعدم الترحيب العثماني فبقى ما مجموعه أقل من ستين ألفاً من اليهود في فلسطين بمن فيهم اليهود الفلسطينيون القدماء، وهو عدد يقل عن عدد اليهود في مدينة عثمانية واحدة يكثرون فيها هي سالونيك آنذاك[71]، أما في ظل الرعاية البريطانية فقد تضاعف هذا الرقم أكثر من عشرة أضعاف في غضون مدة أقصر ليصل إلى 650 ألف يهودي يؤلفون ثلث السكان بعدما كانوا أقل من العُشر، وليقفز عدد المستعمرات من 47 في سنة 1914 إلى 324 عشية النكبة سنة 1948[72]، والمقارنة بين نتائج الحل الإمبريالي البريطاني والحل التسللي في الزمن العثماني تؤكد ما ذهب إليه المسيري رحمه الله من أن هذا الحل هو السبب في نجاح هرتزل فيما أخفق فيه آخرون وهو السبب في استمرار مشروعه وتحوله إلى واقع ملموس حيث أخفقت مشاريع أخرى[73].
هرتزل وألمانيا:الصهيونية في صالح الدولة العثمانية، مرة أخرى !
وبعدما اكتشف هرتزل هذا الحل بدأ بالطواف على القوى الكبرى لعرض مشروعه عليها، وكانت ألمانيا هي البلد الأول الذي اتجه إليها وحصل من مسئوليها على وعد بأن يناقش الإمبراطور القضية الصهيونية مع السلطان عبد الحميد، وكان الامبراطور الألماني هو الزعيم الأول الذي قابله هرتزل وحاول الحصول على وساطته لحمل العثمانيين على القبول بالمشروع الصهيوني، وقد حدثت المقابلة الأولى في استانبول أثناء زيارة الامبراطور الثانية للدولة العثمانية (1898) وقدم هرتزل مشروعه لولهلم الذي رأى فيه “نعمة وازدهاراً لا مثيل لهما للأرض المقدسة وإحياء وتطوراً لآسيا الصغرى مما سيجلب الملايين لجيب الأتراك وسيساعد تدريجياً على إنقاذ الرجل المريض من الإفلاس”[74]، “ورغم وعود القيصر ورغم حرصه على تبني المشروع الصهيوني، فإنه لم يكن مدركاً مدى عمق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول، ولذا فحينما تم اللقاء (مع هرتزل) في نهاية الأمر في القدس، حيث كان من المتوقع أن يصدر القيصر وعده البلفوري العلني الكامل، تراجع واكتفى ببعض المجاملات الخالية من المعنى” كما يقول الدكتور المسيري، إذ أن السلطان يرفض زيادة مشاكل الأقليات التي تحميها الامتيازات الأجنبية مشكلة جديدة والدولة تبدي سعادتها بعرض تسوية الديون وتستعد لاستقبال اليهود ولكن ليس في فلسطين، وفي الحقيقة أن المصالح العثمانية الألمانية كانت كبيرة ومهمة للجانبين، كما أن ألمانيا كانت ترى في الحركة الصهيونية مصلحة لها وكان لها تاريخ في دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بواسطة قناصلها هناك رغم عدم الإعلان رسميا عن هذا الدعم[75]ولكن مما لا شك فيه أن القناصل الرسميين لا يتفقون على سياسة مخالفة لسياسة دولتهم، ورغم رؤية الامبراطور الخاصة لمصالح ألمانيا الصهيونية فإنه لما لمس الرفض العثماني نأى بنفسه عن تأييد الحركة الصهيونية ووجد أن صداقة الدولة العثمانية وخلفها جميع مسلمي العالم أفضل لبلاده من صداقة الصهاينة، ولهذا فإنه قام بالرد على طلب هرتزل بتصريح دبلوماسي “ليس فيه أي كسب للقضية الصهيونية” كما يقول الدكتور حسن صبري الخولي[76]، فتعساً لحكام سايكس بيكو الذين ترجح الدول الكبرى اليوم عليهم صداقة الحركة الصهيونية وكيانها الحقير رغم ما للغرب من مصالح كبرى في بلاد العرب والمسلمين.
عروض هرتزل على السلطان عبد الحميد
ثم اتجه هرتزل بشكل مباشر إلى إقناع السلطان العثماني صاحب السيادة على فلسطين في ذلك الوقت، وزار استانبول لهذه الغاية خمس مرات في الفترة الممتدة بين عامي 1896-1902 تمكن أثناءها من الاجتماع مرة واحدة-وفق معظم الروايات-بالسلطان عبد الحميد الثاني في مايو/أيار/ماي 1901، ولا يمكن في دراسة كهذه استيعاب ما جرى في كل المفاوضات ولكن يمكن تلخيص عروض هرتزل مقابل السماح بالاستيطان اليهودي في فلسطين مع عدم التصريح بما أضمره في ذلك الوقت من رغبات توسعية تتعداها، بل إن استعمال عبارة الوطن القومي اليهودي في المؤتمرات الصهيونية الأولى بدلاً من عبارة الدولة اليهودية كان هدفه عدم إثارة العثمانيين، وقد عرض هرتزل على السلطان تسوية المالية العثمانية المثقلة بالديون، وكان هذا هو العرض الأهم لدولة كانت قد أعلنت إفلاسها، وكان هرتزل يدرك الأبعاد الحقيقية لهذه المشكلة في الدولة العثمانية، فقال للسلطان إن الشوكة التي توجعه هي الديون وإنه لو تمت تسويتها فإن الدولة العثمانية ستستعيد عافيتها وستتطور نحو الأقوى وإنه يستطيع نزع هذه الشوكة بشرط ضمان سرية الإجراءات لأن “القوى الكبرى التي تريد إبقاء الدولة العثمانية ضعيفة ستبذل كل ما تستطيع لمنع تعافيها وستقوم بكل ما يمكن لإحباط هذه العملية”[77]، كما عرض التدخل لوقف الحملات الإعلامية الغربية على العثمانيين فيما يتعلق بالأزمة الأرمنية التي كانت محتدمة في سنة 1896 وهي السنة التي زار فيها استانبول للمرة الأولى، بل إنه عرض التدخل لإنهاء التمرد الأرمني نفسه، والعمل على كبح جماح المعارضة التي تمثلها جماعة تركيا الفتاة، ولإبعاد الشباب العثمانيين عن الأفكار الثورية عرض تأسيس جامعة عبرية تغني الطلاب العثمانيين عن السفر للغرب والتأثر بأفكاره، كما عرض إعادة جزيرة قبرص التي احتلتها بريطانيا سنة 1878 مقابل الحصول على فلسطين، كما تنازل عن مدينة القدس وعرض أن يكون المستوطنون اليهود تابعين للدولة العثمانية ويرتبطون بالولاء للسلطان على غرار الولايات ذات الاستقلال الذاتي في الدولة، وتقلصت مطالبه إلى حيفا ومحيطها فقط (1902) أو عكا وجوارها(1904)[78]، وسيجلب هؤلاء المستوطنون الازدهار لمنطقتنا وفق الوعود المقدمة، وحذر صهاينة آخرون كذلك من نشوب ثورة عربية ضد العثمانيين وعرضوا أن يتصدى الكيان اليهودي لها إن قامت، وهذا هو مجموع ما عرضته الحركة الصهيونية في مناسبات مختلفة وفقاً للمصادر المختصة[79].
لماذا فشلت المفاوضات؟
وهذه العروض بالطبع تتضمن ما هو أكبر من إمكانات الحركة الصهيونية في ذلك الوقت، ولكن المهم أن هرتزل كان بحاجة لوعد من السلطان على غرار وعد بلفور ليتمكن من جمع المال الذي سيسوي المشاكل المالية العثمانية، وكان جوابه لترجمان السلطان عندما طالبه بالمال :”أعطني الاستيطان غير المقيد وسوف تحصل على المليون في وقت قصير، أستطيع أن أعدك بذلك رأساً لأن من أجله جئت”، ويؤكد هرتزل هذه الحقيقة في مذكراته بالقول إنه كان بحاجة لموافقة السلطان على العرض وبهذا يمنحه السلة التي سيتمكن من ملئها بالمال، إذ سيكون بيده وطن حقيقي للشراء، ولهذا فإن القول بأن المفاوضات فشلت بسبب عدم توفر المال هو قول غير دقيق لأن السلطان رفض منذ البداية منطلق هرتزل وهو الحصول على فلسطين، ويقول الدكتور عبد العزيز عوض في ذلك:”وإذا كان السلطان قد اضطر تحت وطأة الدين ومشاكل الدولة المالية للدخول في مفاوضات طويلة مع هرتزل استمرت من 1897-1903 لكنها انتهت بالفشل بسبب تشبث السلطان في موقفه المعارض لفكرة الهجرة اليهودية إلى فلسطين”[80]، أما الدور الذي قامت به تحويلات المهاجرين الصهاينة في تعديل الموازنة المالية العثمانية وبخاصة بعد سنة 1890[81]، فلم يكن له أثر في تغيير الموقف العثماني الذي ظلت مقاومته تتصاعد إلى نهاية عهد السلطان عبد الحميد على الأقل.
ولم يكترث السلطان ببقية العروض، فلم يهتم بتحسين صورته في الإعلام الغربي على عكس ساسة العرب في زمننا المعاصر الذين يسفحون حقوق بلادهم وشعوبهم لمجرد أن يراهم الغرب بصورة تحسن في عينيه ويحظون بنظرة استحسان أو كلمة ثناء أو ابتسامة رضا من هنا أو هناك، كما لم يبهره عرض الجامعة العبرية وما فيه من إغراءات ظن هرتزل أنها لا تقاوم ولكن السلطان رغم اهتمامه بإبعاد شبابه عن التأثيرات الغربية فقد “رأى أن الغاية من إنشاء هذه الجامعة سياسية واستيطانية أكثر منها ثقافية” كما يقول الدكتور حلاق[82]، ولهذا رفض بناءها في الوقت الذي احتفى فيه أستاذ الجيل الليبرالي أحمد لطفي السيد بافتتاحها إلى جانب عتاة الاستعمار والصهيونية في زمن الانتداب كما مر، وبدلا من الوقوع في الفخ الخارجي الذي يعمل على تفريق الأمة الواحدة، لم يوافق السلطان على أن الخطر ماثل من الجانب العربي، وذكر لهرتزل تضحيات العرب في حروب الدولة مباهياً بها وببسالة العرب في تقديمها وعمل على تقريبهم وجمعهم حول راية الجامعة الإسلامية بدلاً من الإصغاء إلى وسوسة التفريق الأجنبية.
عروض السلطان المضادة
وقد قدم السلطان بدوره عروضه لهذه المفاوضات فبعد رفض الهجرة إلى فلسطين قبل بهجرة يهودية مراقبة ومتفرقة إلى الأناضول أو العراق، حيث إمكانات ذوبان المهاجرين بين كثرة السكان كبيرة وحيث لا يؤلفون كتلة سكانية واحدة قد تخلق للدولة مشكلة أقلية جديدة تكون مدخلا للتدخل الأجنبي، يتضح ذلك من تصريحه بالحرص على بقاء العنصر العربي غالباً في فلسطين حتى لا يجني على إخوانه في الدين(ملحق رقم 5)، ولهذا على المهاجرين إلى الأماكن المقترحة التخلي عن جنسياتهم وحمل الجنسية العثمانية والالتزام بقوانين الدولة، وظل على هذا الموقف إلى آخر عهده، وتؤلف الإجراءات العملية التي اتخذها والسياسات التي اتبعها المستند الأساس لتقويم رأيه، بل يمكننا القول أنه لم يندم على هذا الموقف إلى آخر عمره كما تفصح بذلك الوثائق التي كتبها بيده بعد عزله من الحكم كرسالته إلى شيخه محمود أبي الشامات التي يقول فيها أنه عُزل بسبب رفضه ضغوط جمعية الاتحاد والترقي التي طلبت منه المصادقة على تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين، هذا بالإضافة إلى مذكراته الشخصية التي أملاها في فترة العزل وتطرق فيها إلى المسألة اليهودية بسرعة أرسل فيها موقفه منها إرسال المسلمات ولا يظهر فيها أي تغير من جهته(ملحق رقم 8)، وكان إملاؤها في سنة 1917 قبل وفاته بقليل رحمه الله.
كان هذا هو رد السلطان وهو ما فهمه هرتزل جيداً وما رفضه في نفس الوقت بسبب تشبث الحركة الصهيونية بفلسطين، وهو ما فهمه غير هرتزل أيضا، فقد اقترح القنصل العثماني العام في فيينا على هرتزل في سنة 1904 قبل وفاته بقليل مشروعاً لا يمكن للصهيونية أن تنال هدفها دونه:الإبحار إلى البوسفور بسفينتين ونسف قصر السلطان عبد الحميد والقبض عليه وإقامة سلطان آخر مكانه بعد تعيين حكومة مؤقتة تعطي اليهود امتياز الاستيطان في فلسطين(!) وهو ما رفضه هرتزل خوفا من تبعاته الخطيرة[83].
فشل مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء نتيجة المقاومة العثمانية
ونتيجة لهذا الموقف السلطاني الصارم قرر هرتزل أن يتجه إلى بقية الدول الكبرى وكان من ضمن طلباته إلى وزير الداخلية الروسي ثم إلى الملك الإيطالي التدخل لدى السلطان ليقبل المشروع الصهيوني، وقد ذكر له الملك الإيطالي أن السلطان قد يقبل الهجرة ولكنه لا يطيق سماع كلمة الاستقلال، والحقيقة أن الهجرة إلى فلسطين كانت مرفوضة لاقترانها بالاستقلال اليهودي كما صرح السلطان في مذكراته السياسية، أي أن معارضة الهجرة اليهودية إلى فلسطين لم تكن قضية جانبية للدولة العثمانية بل تتعلق بأمنها القومي، ولهذا عرض السلطان على هرتزل قبول هجرة بشروط وفي أماكن أخرى يستحيل تحقيق استقلال يهودي فيها، كما طلب هرتزل (1903) من الإنجليز موطئ قدم في العريش بسيناء ولكن الحكومة البريطانية وجدت الأمر لا يتفق مع مصالحها وكان مما احتجت به موقف الرفض العثماني لأن هذا المشروع “على الأقل لا يتفق مع مصالح السلطان صاحب السيادة في مصر”[84]، ويقول الدكتور حلاق إن اللورد كرومر والحكومة المصرية تخوفا من غضب الباب العالي وعملا على عدم إثارته في هذا الموضوع، وأن موقف السلطان من الحركة الصهيونية كان له أكبر الأثر في المعارضة البريطانية لمشروع سيناء[85]، ولهذا قال الدكتور عبد العزيز الشناوي إن من خدمات الدولة العثمانية للعروبة والإسلام منع اليهود من الاستيطان في سيناء، وهي سياسة اتبعتها مع محاولاتهم منذ أيام السلطان سليم الأول (1517) وإن الحكومة المصرية في زمن الاحتلال البريطاني هي التي تساهلت وسمحت لبعثة صهيونية باستكشاف أوضاع سيناء سنة 1902 استجابة “للنصائح” البريطانية التي لم تتمكن من التمرد عليها وإلا عُد المتمرد عليها من الوزراء متنحياً من منصبه[86]، ولما رفضت مشروع هرتزل سنة 1903 أوضح بطرس غالي ناظر الخارجية المصري إن الحكومة المصرية ليست مخولة وفقاً للفرمانات السلطانية بالتنازل عن حقوق السيادة لأي سبب أو مبرر[87]، أي أن الموقف العثماني كان هو حجة الحكومة المصرية في إفشال المشروع الصهيوني في سيناء.
ومع كل هذا نسمع من يقول إن السلطان عرض سيناء على الصهاينة ليقيموا فيها الوطن القومي بدلا من فلسطين[88]، مع أنه لم يعارض المشروع الصهيوني فيها وحسب بل حاول إنقاذها من الاحتلال البريطاني أيضا عندما حاول مرتين (1892 و 1906) استبعادها من سلطة الخديو-بسبب وقوعها تحت الاحتلال لا رغبة في انتقاص مصر التي كانت بريطانيا هي مصدر أذاها-وحاول ضم أي جزء ممكن من شبه الجزيرة لأملاك الدولة مما أثار حفيظة الليبرالية المصرية التي تفضل أن يكون الوطن محتلاً بكامله على أن يحرر الإخوة ولو جزءاً منه، وهذا هو دائماً منطق الوطنية الوظيفية لا الوطنية النظيفة التي مثلها الزعيم الكبير مصطفى كامل باشا والتي فهمت الأبعاد الحقيقة للمشكلة وفضلت أن يحرر العثمانيون سيناء من براثن الاحتلال على أن تظل تحت سلطة كرومر الذي يدافع عن اتساع مساحة الاحتلال وحماية المواصلات الامبراطورية البريطانية عبر قناة السويس وليس عن سلامة الأراضي المصرية التي انتهكها احتلاله من حيث المبدأ، ولهذا قالت صحيفة اللواء إن الخلاف ليس بين تركيا ومصر بل بين تركيا صاحبة السيادة على مصر والدولة المحتلة لمصر، وهذا أيضاً ما فهمه الرأي العام المصري آنذاك والذي ساندت صحفه الدولة العثمانية امتداداً لتأييد حركة الجامعة الإسلامية[89].
فتصوير المشكلة بأنها بين مصالح عثمانية ومصرية واستبعاد البعد الاحتلالي البريطاني منها، كما حلا للتغريب رؤية المشهد[90]، قصور واضح في فهم الواقع يؤدي إلى الاصطفاف البائس مع المحتل وتصويره بصورة المدافع عمن يحتل هو أرضهم ويسبب المشكلة الرئيسة لهم[91]، كما يؤدي إلى القبول بتسليم البلاد إلى المحتلين وتصور الخطر آتياً من الأشقاء، وهذا ما حدث عندما قام الألماني بول فريدمان بمحاولة استيطان يهودي في شمال غرب الجزيرة العربية وهي منطقة كانت تحت السيادة المصرية (1891-1892) فلجأ عربان المنطقة إلى الحكومة المصرية لتساعدهم على التخلص من هؤلاء الغرباء المزعجين ولكنهم رجعوا دون أن يستمع إليهم أحد من رجال الحكومة فلجئوا إلى الدولة العثمانية حيث أصدر والي الحجاز أمره لأحد الضباط بمعالجة الوضع واحتلال قلعة المويلح في تلك المنطقة، ويعلق الدكتور صبري أحمد العدل على المشهد بقوله:”ولكن الغريب في الأمر أن ممثلي الإدارة المصرية في سيناء، لم يثرهم تواجد فريدمان، وإنما اختراق والي الحجاز الأراضي المصرية حيث أرسل سعد أفندي رفعت، قومندان القلاع الحجازية برسالة إلى سردارية الجيش المصري يوضح بها “الكيفية التي حضر بها محافظ الوجه بقصد الاستيلاء على قلعتي المويلح وضبا التابعتين للحكومة المصرية”، ومحاولته منع هذا الاستيلاء، ومنع انتهاك السيادة المصرية”، ثم تخلت بريطانيا عن دعم مشروع فريدمان “لتجنب الاصطدام مع الدولة العثمانية”[92]، وبهذا يتضح عوار المنطق المتستر بالمصالح الوطنية الضيقة ولو كانت بالاتفاق مع المحتلين ضد مصالح الأمة الكلية التي هي الوحيدة الكفيلة بحراسة الجميع.
كما تؤدي رؤية التاريخ من هذه الزاوية إلى نظرة غير تاريخية تسقط الحاضر الوطني التغريبي على الماضي حين كان الشعور إسلامياً ومن ثم كان المسلم يفضل أن يكون وطنه تحت سلطة خليفة المسلمين على أن يكون تحت احتلال الأجنبي، وإن موقف الدولة العثمانية من مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء يؤكد أن همها لم يكن اقتطاع الأراضي المصرية بل استبعاد أخطار التدخلات الأجنبية، ولهذا احتمت الحكومة المصرية بالموقف العثماني عندما رفضت مشروع هرتزل للاستيطان اليهودي.
هل راجع السلطان نفسه فيما بعد؟
تبين فيما سبق أن السلطان ظل وفياً لموقفه حتى آخر حياته، ولكن هناك من ادعى أنه قابل هرتزل مرة ثانية في يونيو 1902 بصورة غير رسمية رغم أن هرتزل نفسه لا يأتي على ذكر شيء من هذا في يومياته المفصلة قط، ورغم أن المدعين يقولون أنه حصل على إذن بنشر جواب السلطان الذي لم يكن يزيد عما وصفوه بأنه ما يسمى في اللغة:نعم السلبية، أي نعم دبلوماسية يراد منها الرفض، ويقول أصحاب هذه الرواية أنه فكر بمراجعة هرتزل فيما بعد ولكنه لم يفعل، ومن الصهاينة من اقتطع بعض الأحاديث الجانبية المنقولة عن السلطان بطرق غير مؤكدة وحاول بث الشك في الموقف السلطاني بعد نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دون الرجوع إلى مجمل المواقف والوثائق، وكل ما وصل إليه هو ضرورة زيادة البحث في الوثائق العثمانية، ومن مراجعة هذه الأحاديث التي تعزى إلى ما بعد الثورة الدستورية عليه ويرى أصحابها أنها تظهر تفكيراً جديداً للسلطان، فإن كل ما يتبين فيها بوضوح أنه فضل معالجة الدين الكبير لدولته وكان قد دخل في مفاوضات لم تنته مع رجل ذي ثقافة (هو هرتزل) حاول شراء أراض قرب يافا والقدس، والمهم في المحادثة أن السلطان يعيد التأكيد على أنه “وضع لهم بعض الشروط” دون أن يذكر أي تراجع عنها وقد سبق توضيحها وسبق ذكر ما أملاه السلطان بعد ذلك، كما قال أنه يعتقد أن اليهود بإمكانهم الآن (الحديث يجري بعد اندلاع الثورة وتسلم جمعية الاتحاد والترقي الحكم) أن يشتروا ما أرادوه، وأنه يعتقد أن مالهم سيقنع الدول الكبرى بمشروعهم رغم قدسية القدس لأصحاب الديانات السماوية، وأن أملهم وهدفهم سيتحقق في المستقبل[93]، وهو تصريح ليس بالجديد فقد قال من قبل لهرتزل أنه بإمكان اليهود الحصول على فلسطين مجاناً وتوفير أموالهم بعد زوال الدولة العثمانية ولكنه لن يسمح بتشريح الجسد العثماني وهو مازال حياً (ملحق رقم 6).
وسيلة سلطانية منسية لمقاومة الاستيطان الصهيوني
يقول الباحث أمين أبو بكر في دراسته عن أملاك السلطان عبد الحميد في فلسطين، إن وضع اليد على الأرض وتحويلها إلى ملكية سلطانية(جفتلك)، من الأساليب التي اتبعها السلطان عبد الحميد ووكلاؤه في مقاومة الحركة الصهيونية والقوى الأجنبية المتنافسة على تملك الأراضي في فلسطين، وإن سياسة إلجاء المزارعين (وضع أراضيهم في حمى السلطان الذي يشتريها بأثمان رمزية ويحصل على نسبة من المحصول مقابل امتيازات مهمة للمزارعين)، بالإضافة إلى سياسة الإعمار في المقاطعات الفلسطينية كانت ترمي إلى غايات بعيدة هدفها إنقاذ الأراضي التي تواجه مواقف حرجة، وذلك لمنعها من الوقوع فريسة بأيدي القوى الاستعمارية والصهيونية، وضرب مثلاً لذلك بوضع السلطان يده على أراضي رفح[94]، والمعلوم أنه قد تعرض لهجوم بسبب سعة أملاكه ولم يُنظر للجوانب الإيجابية والخدمات الوطنية التي نتجت عنها، وبغض النظر عما يقوله المعارضون، فقد كان هذا الأسلوب مفيداً جداً، ونتمنى أن يضع حكامنا وأثرياؤنا مصالحهم الشخصية في خدمة قضايا الأمة على هذا الغرار، وألا يكون تشخيصهم لما يفيدهم متناغماً مع المصالح الخارجية المعادية ضد شعوبهم وبلادهم وأمتهم كما يحدث اليوم.
كيف تعامل السلطان عبد الحميد مع الضغوط الأجنبية التي سهلت الاستيطان اليهودي
يقول المؤرخ الفرنسي هنري لورنس إن الدولة العثمانية كانت خاضعة للوصاية الأجنبية الغربية الجماعية بداية من النصف الأول من القرن التاسع عشر، وإن حالة التوازن التي أنتجتها هذه الهيمنة هي التي سمحت بتسرب الهجرة والاستيطان اليهوديين، ولكن المجتمع والدولة العثمانيين تأقلما مع هذا الوضع واستخدماه لغاياتهما الخاصة وسعيا إلى مقاومة هذه الوصاية، فقامت الدولة بإدخال إصلاحات لإعادة بناء جهاز الدولة، ولم يبق المجتمع عاجزاً أو سلبياً، وإن تعدد أطراف هذه الهيمنة الأجنبية جعل الفاعلين فيها يميلون إلى تحييد بعضهم البعض، وأن السلطان عندما كان يستخدم نفوذاً ضد آخر لم يكن يسلم له بأطماعه، فعندما يستخدم نفوذ فرنسا ضد أطماع الولايات المتحدة في الشام، لا يسلم لها باحتلال تونس مثلاً[95].
موقف جمعية الاتحاد والترقي:هل فقد السلطان عرشه من أجل فلسطين؟
هذا ما يقوله بنفسه في رسالته الشهيرة لشيخه محمود أبي الشامات(ملحق رقم 7)، وهناك أدلة تؤكد ما ذهب إليه السلطان في رسالته، منها الرسالة التي أرسلها رجل الأعمال الإنجليزي ج. بولنغ في نوفمبر 1908 إلى الحكومة العثمانية قبل خلع السلطان بأشهر قليلة يعرض فيها على الحكومة السنية الإفادة من النفوذ المالي اليهودي “الذي يعترف به العالم أجمع” والموافقة على الاستيطان اليهودي في فلسطين ويقدم نفسه وسيطا لهذه المباحثات[96]، وتشير الدلائل إلى الارتياح اليهودي والصهيوني لخلع السلطان عبد الحميد[97]، بل الارتياح الغربي عموما[98]، وإلى مشاركة دولية ويهودية فاعلة في الثورة عليه[99]، ومن أبرز أدلة الحضور اليهودي وجود يهودي ماسوني من سالونيك هو عمانويل قراصو ضمن الوفد الرباعي الذي أبلغ السلطان قرار العزل ثم نفي السلطان نفسه إلى سالونيك حيث سجن في قصر يملكه أحد اليهود الاتحاديين[100]، وقد ابتهجت الصحف اليهودية هناك للتخلص من “مضطهد إسرائيل”[101]، وتجمع المراجع على أن موقف الدولة العثمانية من الهجرة اليهودية تغير بعد عزله، وأن اليهود وصلوا إلى مواقع فعالة في الحكومة وصلت إلى أربع وزارات فيها[102]، وأن جمعية الاتحاد والترقي اتبعت سياسة أكثر وداً تجاه هذه الهجرة، حتى من تحفظ على اتهام الجمعية لم ينف أنها “قلبت الموازين ودفعت بقوة باتجاه الوقوف إلى جانب اليهود في تحقيق أطماعهم الاستيطانية وإقامة دولتهم”[103]، وكان ذلك في البداية طمعاً في المال اليهودي لإنقاذ خزينة الدولة الخاوية، ولم تختلف في ذلك الحكومات التي تعاقبت على الوزارة سواء اتحادية أم ائتلافية[104]، وفي هذه الفترة دخل بعض العرب والأتراك في سباق لنيل الاتفاق مع الصهاينة كل طرف منهما لكسب تأييدهم لقضيته، فالعرب يطمعون بنيل تأييدهم في مواجهة الاتحاديين[105]، وكانت التهمة التي وجهها المعارضون العرب للحكومة المركزية هي التراجع عن القوانين والقيود التي فرضها السلطان عبد الحميد على الهجرة، والمطالبة بتفعيلها ثانية[106]، ثم طمع الاتحاديون في التأييد اليهودي في الحرب الكبرى الأولى(1914)، وكانت ألمانيا حليفة العثمانيين مركزاً للنشاط الصهيوني في بداية الحرب[107]، ولكن الموقف تغير بعد وقوف الصهيونية إلى جانب الحلفاء مما استدعى موقفاً عثمانياً متشدداً في سنة 1916[108]أدى لرحيل آلاف اليهود من فلسطين، ثم انقلب الموقف مرة أخرى عندما حاول طلعت باشا الصدر الأعظم وأحد أركان الاتحاديين ومضطهد الأرمن أن يتفق مع الصهاينة بواسطة قراصو آنف الذكر وبحضور الحكومة الألمانية قبل نهاية الحرب والانسحاب العثماني من فلسطين على أساس أن بريطانيا تعد بما لا تملك في الوقت الذي يمكن للدولة العثمانية تنفيذ ما تقوله لأنها مازالت صاحبة السيادة على سوريا وفلسطين[109].
وكما يسرد السلطان أنهم عرضوا المال عليه، وكانوا قد عرضوا ذلك عليه في السابق بشهادة هرتزل نفسه[110]، هناك أدلة مستقلة على أنهم عرضوا المال على جمال باشا أحد أركان الاتحاديين الثلاثة ولكن الصفقة لم تتم لأنه رفض إعطاءهم عهداً مكتوباً بالموافقة على مطالبهم[111]، أما المبلغ الذي يذكره السلطان وهو مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية ذهب، فهو حجم الديون العثمانية[112]التي سبق للصهاينة تكرار عروضهم بتسويتها إذا تحققت مطالبهم.
أي أن كل ما يقوله السلطان في رسالته للشيخ أبي الشامات يمكن العثور عليه من مصادر مستقلة وليس هناك ما يتعارض مع الوثائق الأخرى والأحداث التاريخية في شهادته الشخصية، أي ليس ثمة ما يدعو لردها.
الفرق بين عهد السلطان عبد الحميد ومن بعده
في تقويمه لسياسة السلطان عبد الحميد وما اعتراها من ثغرات مقارنة بما حدث بعده يقول الأستاذ عوني فرسخ في كتابه إن التمايز بين موقف السلطان وموقف غلاة الطورانيين كيفي بسبب تناقض برنامجه القائم على الرابطة الإسلامية التي أعطت العرب مكاناً واسعاً بين أركان حكومته وبطانته، مع برنامج الاتحاديين العنصري الذي جعل موقفهم العدائي تجاه العرب يمتد إلى الإسلام فتنتفي علاقة التناقض العدائي مع الحركة الصهيونية، “ولا خلاف أن الاتحاديين تراجعوا أكثر من مرة عن تساهلهم تجاه النشاط الصهيوني…ولكن هذا التراجع مختلف كيفياً عن مواقف عبد الحميد الثاني” فتراجع جمعية الاتحاد والترقي عن التأييد الاستراتيجي للصهيونية كان تراجعاً تكتيكياً أمام الاحتجاجات والضغوط العربية والإسلامية، أما الموقف الحميدي الاستراتيجي فهو معارض للصهيونية من حيث المبدأ وتراجعه عن ذلك كان موقفاً تكتيكياً أمام مداخلات السفراء والقناصل الأجانب[113]، أي أن التكتيك الحميدي كان استراتيجية الاتحاد والترقي وتكتيكهم كان استراتيجية السلطان عبد الحميد.
تقويمات تاريخية محايدة أخرى
يرى الدكتور عبد الوهاب المسيري من مجمل الموقف العثماني أن المستوطنين الصهاينة كان معروضاً عليهم دائماً الحصول على المواطنة العثمانية والاستقرار بفلسطين بصفتهم عثمانيين وليسوا عنصراً تابعا لدولة غربية، وأن قضيتهم لم تكن قضية آلاف من المضطهدين لا وطن لهم ويبحثون عن مأوى، وإنما هي “قضية غرس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات توجه غربي استعماري استيطاني رفض هذا الحل”[114].
ويقول الأستاذ عادل مناع إن السلطان عبد الحميد اشتهر برفضه الحازم لمساعي هرتزل السياسية، وأنه علينا ألا ننسى في المقابل استمرار الهجرة اليهودية طوال حكمه لأسباب تتعلق بالضغوط الأوروبية وفساد الإدارة العثمانية، وقد اقتنع هرتزل بعد مقابلاته مع السلطان ومقربيه بأنه لن يحصل على ما يبتغي لذا انتقل إلى المحطة التالية وهي بريطانيا[115].
ويقول الدكتور عبد العزيز محمد عوض إن السلطان عبد الحميد ظل طيلة سنوات حكمه عقبة كأداء في وجه المشاريع الصهيونية وذلك بتأثير من سياسته الإسلامية ورجاله المقربين من العرب إضافة إلى شكوكه الذاتية في النوايا الصهيونية، ولا يرى غرابة في رفض السلطان كل ما عرض عليه من مال وتقدم اقتصادي وثقافي وغير ذلك من عروض رغم حاجة الدولة إليها، لأن الثمن المطلوب كان مستحيلاً، لأنه لا توجد حكومة متحضرة تقبل أن تمنح أشخاصاً تابعين لدول أخرى ويقطنون أقطاراً أجنبية امتيازات خاصة في أرض تتبعها ويسكنها رعاياها، كما خشي السلطان من انفصال فلسطين عن الحكم العثماني لو قام فيها ملك يهودي[116].
ويقول جورج أنطونيوس إن الجهود الصهيونية في الميدان السياسي تركزت على إقناع حكام الدولة العثمانية بمختلف الوسائل ليمنحوا اليهود مزيداً من حق الاستيطان في فلسطين، ولم تلاق تلك الجهود نجاحاً “إذ خذلها عبد الحميد دون مواربة”، أما رجال تركيا الفتاة فإنهم كانوا ميالين للإصغاء للمقترحات الصهيونية نتيجة قوة اليهود في جمعية الاتحاد والترقي، ثم وجدوا من الحكمة في النهاية أن يرفضوها بعد احتجاج النواب العرب في مجلس المبعوثان واتجاه الصهاينة للحلفاء في الحرب الكبرى[117].
ويقول الدكتور وليد الخالدي إن الحدث الفصل في الفترة الممتدة بين بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين واندلاع القتال بعد صدور قرار التقسيم(1947) هو انتقال السيادة على فلسطين من الدولة العثمانية، التي كان انهيارها زلزالاً يضاهي نكبة 1948 ونكسة 1967، إلى بريطانيا حاضنة المشروع الصهيوني[118].
ويقول الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي الذي يُتهم كتابه بالتحيز للدولة العثمانية إن مجمل القول في مسألة الهجرة الصهيونية هو أن “الدولة العثمانية بمحاولاتها المكرورة منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين قد اقتحمت هذه المشكلة، ولكنها لم تستطع عبورها، ونجحت فقط في الحد منها، ونجحت في الحفاظ على عروبة فلسطين وعلى وحدة الصف العربي بين مسلميها ومسيحييها، ولكنها أخفقت في منع التسلل اليهودي إلى فلسطين”[119]، وهو كما نرى حكم غير متحيز، ويمكننا تفسير الإخفاق كما سيأتي بإخفاق الدول المعاصرة كبيرها وصغيرها في منع التسلل إليها إلى اليوم رغم التطور في وسائل التحكم، ويا ليت لنا بزعامات تحقق ما حققته الدولة العثمانية وفق ما سبق دون زيادة !
الهجرة الصهيونية إلى الدولة العثمانية في سياقها التاريخي
يجب الإشارة في هذا المقام إلى مجموعة من الحقائق تضع الأحداث في سياقها التاريخي الذي يجب تصوره قبل أن نبالغ في وصف الإجراءات العثمانية بالعجز رغم أن نتيجتها النهائية كانت دون طموحاتنا اليوم:
1- فلسطين قضية عثمانية:كانت قضية الهجرة إلى فلسطين قضية تمس أمن الدولة العثمانية نفسها حين كانت بلادنا كلاً واحداً يتأثر قاصيه بدانيه، وقد أشار كثير من الباحثين ورددوا القول إن السلطان عبد الحميد كان يرفض أن يختلق مشكلة جديدة في فلسطين كمشكلة لبنان أو مقدونيا[120]، حيث أدت مشاكل الأقليات إلى فتح أبواب التدخل الأجنبي، وهو أمر يمس وحدة الدولة وسلامة سيادتها وليس مجرد قضية مقاطعة نائية يمكن أن تباع، وفي ذلك يقول المؤرخ مايكل أورين:”كانت الدولة العثمانية تخشى الصهيونية وأي مجهودات ومحاولات تبذل لتفكيك الإمبراطورية، ولها كل الحق في ذلك، لذلك وضعت قيوداً تعسفية متشددة على هجرة اليهود إلى فلسطين”[121]، ويقول المؤرخ ستانفورد شو إن السلطان عبد الحميد كان يعرف بالضبط ما الذي يريده الصهاينة وأنهم يسعون لإقامة حكومة مستقلة في فلسطين تكون مدخلاً لمزيد من النفوذ السياسي الغربي في الدولة العثمانية، ولهذا استنتج من تقارير سفرائه أن الصهيونية تهديد لموقف الدولة العثمانية في فلسطين ونتيجة لذلك قيدت السلطات العثمانية بشدة النشاط الاستيطاني اليهودي هناك بعدة إجراءات[122]، وفي هذا الموضوع يقول مؤرخ صهيوني بارز:”لقد بذل هرتسل على مر عدة سنوات جهوداً كبيرة من أجل إقناع السلطان العثماني وحكومته بأن يمنحوا اليهود حق الامتياز على أرض فلسطين، فقد سافر أكثر من مرة إلى اسطنبول والتقى بالساسة وكبار الموظفين وصغارهم والوسطاء في معظم الأحوال، وتكلم ووعد الأتراك بتغطية الديْن القومي الكبير عندهم، وحاول قدر استطاعته الإقناع والرشوة لكن بدون فائدة، فالسلطان العثماني لم يرغب في أن يضم للمشاكل القومية التي هددت بتفتيت مملكته، المشكلة اليهودية في فلسطين”[123].
فتقصير الدولة العثمانية في هذه القضية كان في نظرها تقصيراً في حق نفسها، وهو أمر لا يتصور حدوثه، وليس مجرد تقصير في واجباتها تجاه العنصر العربي “المسكين” كما يدعي بعض من يسقطون واقع التجزئة المعاصرة على واقع ماض كانت فيه أمتنا جسداً واحداً لا تفرقه القوميات والوطنيات وبقية التقسيمات، وإذا أصيب فيه عضو تألم أعضاؤه الآخرون أيضاً، ومن هنا كان الهجوم على الموقف العثماني في هذه القضية يستلزم الادعاء أن العثمانيين طعنوا أنفسهم بأيديهم وهم يعلمون، وهو ما لا يستقيم.
2- ضآلة عدد المهاجرين ونسبتهم:يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في موسوعته النفيسة إن عدد اليهود الذين هجروا روسيا وبولندا ورومانيا والنمسا منذ بداية الهجرة الكثيفة (1882)إلى بداية الحرب الكبرى (1914) بلغ أربعة ملايين نسمة[124]، وعموما يقول المؤرخ هنري لورنس إنه “لم يحدث قط أن كان الإنسان حراً في الانتقال في العالم بالدرجة التي كان بها حراً في عمل ذلك بين عامي 1880 و 1914″[125]، أي أن نسبة الهجرة إلى فلسطين إلى الهجرة اليهودية عموماً لا تتجاوز واحداً ونصف في المائة حتى لو زدنا عدد المهاجرين إلى ستين ألفاً وليس خمسين ألفاً فقط، ولو أخذنا بأرقام الدكتور حلاق التي تقل عن الأربعة ملايين فإن النسبة تقترب من الاثنين ونصف في المائة فقط[126]، أي أن نسبة الهجرة إلى فلسطين كانت منخفضة جداً مقارنة ببقية بلدان الهجرة كالولايات المتحدة وكندا والأرجنتين، ولهذا يقول المؤرخ لورنس إن الهجرة والاستيطان اليهوديين إلى المشرق العثماني في فترة الهجرة الأولى 1882-1904 تظل “واقعاً هامشياً نسبياً” في تطور فلسطين[127]، ووفقاً للموسوعة اليهودية فإنه رغم كون الهجرة اليهودية في الثلاثين سنة من الحكم العثماني التي أعقبت الاضطهاد القيصري أكبر حجماً من الهجرة اليهودية في الثلاثين سنة من الانتداب البريطاني والتي تضمنت الاضطهاد النازي، فقد كانت الهجرة إلى فلسطين في الثلاثين سنة العثمانية أقل حجماً (70 ألفاً) ونسبة (3%) بكثير من حجم(485 ألفاً) ونسبة (30%) الهجرة إليها في الثلاثين سنة البريطانية من مجموع الهجرات اليهودية الكلية في تلك الفترة[128]، وهو ما يوضح الفرق بين البيئة المعادية والبيئة المرحبة بهذه الهجرة في وقت لم يكن فيه من الممكن ضبط الهجرة غير الشرعية حتى اليوم، ومن أسباب تلك الأرقام والنسب الضئيلة من مجموع الهجرات القيود التي فرضتها الدولة العثمانية على الهجرة الصهيونية إليها كما تبين الحقيقة التالية.
3- البيئة العثمانية الطاردة:لم يستقر كل اليهود المهاجرين إلى فلسطين فيها، ويقدر الدكتور عوض عدد المهاجرين الإجمالي في الفترة بين بداية الهجرة واندلاع الحرب الكبرى بأكثر من مائة ألف مهاجر “خرج نصفهم ثانية بعد إقامة قصيرة بسبب صعوبة الظروف المحلية والإجراءات التي اتخذتها السلطات العثمانية لمنع الهجرة إلى فلسطين”[129].
4- معضلة الهجرة غير الشرعية في العالم:لم تكن الدولة العثمانية وحدها التي تعاني من عدم إحكام قبضتها على مجالها في مسألة الهجرة، ويقدر الدكتور المسيري عدد يهود دولة كبرى ذات إمكانات تقنية أوسع هي إنجلترا في سنة 1853 بنحو 25 ألفا، وفي سنة 1880 بنحو ستين ألفا، ثم وصل العدد إلى 242 ألفا عام 1910 :أي بزيادة نحو عشرة أضعاف خلال ستين عاما في مجتمع متجانس مثل المجتمع الإنجليزي” ثم وصل العدد سنة 1914 إلى ما بين 250-300 ألف “رغم صدور تشريعات تحد من هجرتهم”[130]، وبعملية حساب بسيطة نرى أن عدد اليهود الذين دخلوا بريطانيا في الفترة بين 1880-1914 رغم عوائق البحر والطرد الاجتماعي والقانوني وصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف من تسربوا إلى فلسطين رغم ضعف الإمكانات العثمانية مقارنة بإمكانات بريطانيا، كما أن نسبة المهاجرين إلى فلسطين في حدود الهجرة الثانية (1901-1914) وهي 1.9% انخفضت عن نسبتهم في حدود الهجرة الأولى(1881-1900) وهي 3.3% رغم أن الرقم المطلق كان أكبر، ولكنه كان خاضعاً لسيل الهجرة المتدفق المتزايد مع الزمن، ومع ذلك فإنه اتجه نحو التضاؤل في فلسطين[131]، ومازالت الهجرة غير الشرعية تؤلف كابوساً للدول الكبرى حتى في أيامنا هذه التي تطورت فيها وسائل التحكم والاتصال.
5- مشاركة شعب فلسطين في توجيه السياسة العثمانية لصالحه:كان للاحتجاجات الشعبية الفلسطينية دور مهم في توجيه السياسة العثمانية الرافضة للاستيطان اليهودي في فلسطين، وفي هذه يقول المؤرخ شو:”إن قدراً كبيراً من موقف السلطان السلبي من خطة هرتزل أتى من الاحتجاجات العنيفة على الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين والتي كانت تصل قصره من السكان غير اليهود”[132]، ويقول أيضاً إن العثمانيين كانوا “تحت ضغط كبير من سكان فلسطين المسيحيين والمسلمين في سبيل عدم إدخال مهاجرين جدد وترحيل من أتوا في السابق”[133]، ويجب أن نتذكر أن هذه الضغوط والاستجابة التي نتجت عنها حدثت في دولة طالما نعتت بالاستبداد وفي عهد وصف بأنه قمة هذا الاستبداد المطلق ولكننا في الحقيقة نرى هنا دوراً شعبياً في الأنحاء القاصية يؤثر على مركز الدولة بما لا يتفق مع تلك الصفات الاستبدادية ومبالغاتها، ويؤكد الدكتور حلاق هذه الحقيقة بالقول إنه “كان لردود الفعل العربية الأثر الواضح في إصدار مجموعة من القرارات والقوانين العثمانية الخاصة بمنع المهاجرين اليهود من الاستيطان في فلسطين”، ويقدم أمثلة من العهدين الحميدي والدستوري ما يؤدي إلى “دحض الاتهامات الصهيونية القائلة إن الفلسطينيين لم يكونوا يؤثرون في مجريات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل الدولة العثمانية، فالواقع يثبت غير ذلك تماماً فالأمر لم يقتصر على استمتاع المواطنين العرب-ومنهم الفلسطينيون-بحقوق معينة لاسيما فيما يتعلق بالتمثيل النيابي، بل قد اشتركوا فعليا في إدارة البلاد…”[134].
6- المفارقة التاريخية في اتهام الدولة العثمانية:علينا أن ننظر إلى الخطر الصهيوني وفق حجمه في ذلك الزمن وإلا فإننا سنخرج بأحكام تعسفية وغير تاريخية حينما نرى على سبيل المثال زعيماً وطنياً مصرياً كبيراً ومعادياً للاستعمار بشدة مثل مصطفى كامل باشا يجتمع مع هرتزل مرتين[135]ويثني على إخلاص اليهود للدولة العثمانية وهدوئهم مقابل الاضطرابات التي كان يثيرها عناصر أخرى في الدولة، ويصور حالهم كما كان آنذاك قائلا:”وهاهم اليهود لا يثورون ولا يهيجون ولا يشتكون ولا يتألمون بل يحمدون الدولة ليلاً ونهاراً في السراء والضراء ويسبحون في كل آونة بنعمها عليهم وحسن رعايتها لهم، وما ذلك إلا لأنه لا يوجد في الدول الأوروبية دولة تدعي الدفاع عنهم والعمل لمصالحهم فهم ليسوا بآلات في الدولة ضد الدولة بل هم يعرفون من أنفسهم أنهم عثمانيون ممتعون بكل الحقوق العثمانية، وأما العناصر التي كالأرمن تستعملها بعض الدول كإنكلترا فهي تثور بعوامل الدين ودسائس دينية”[136]، وبالطبع لو عاش ذلك الزعيم في زمننا لما أقدم على هذا التصرف ولكن في زمنه كانت الصهيونية شيئاً مختلفاً ومحصوراً في منظمة سياسية وكان زعيمها مجرد صحفي بارز يمكن كسبه إلى جانب قضايانا ليتبناها إعلامياً، وليس رئيس دولة عدوانية تحتل بلادنا وتشرد أهلنا وتؤلب العالم علينا، والباشا لم يدع إلى زيادة الهجرة واستقبالها كما فعل غيره من زعماء العروبة، وكل ما قاله يندرج في ظروف طبيعية في زمنها كما هو حال كل من تعامل مع هذه الظاهرة بحجمها يومذاك، فنلاحظ مثلا أنها لم تأخذ حيزاً كبيراً في مذكرات السلطان عبد الحميد رغم رفضه إياها، خلافاً لظواهر ألحت كثيراً في زمنه كالقضية الأرمنية أو التآمر البريطاني أو معارضة تركيا الفتاة أو العلاقات مع ألمانيا وغير ذلك، وهذا الوضع يختلف عمن رحبوا بالهجرة اليهودية وأرادوا لها أن تتضخم ورحبوا بها أو باعوا لها أملاكهم أو عملوا وسطاء لتجارها لتأخذ حيزاً أكثر مما كانت فيه.
ومن العجيب أن يسترسل أصحاب الأحكام غير التاريخية في اتهاماتهم فيجعلون العثمانيين “أول من فتح أبواب الشرق على مصراعيها للمهاجرين من اليهود من أوروبا”[137]وذلك لأنهم استقبلوا اللاجئين من الاضطهاد الأوروبي بعد سقوط الأندلس في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في زمن يختلف جذريا عن زمننا، والعجيب أن أصحاب هذه الاتهامات يبشرون بالتعايش مع الكيان الصهيوني ويقبلون بالسلام الأمريكي(!)، بل إن هناك من سحب الاتهام ليوجهه إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه لأنه فتح القدس”للاستيطان اليهودي”[138]، ونسي المتهِم أن ذلك الزمن الذي تسلط فيه الخطر الأوروبي الإفرنجي المعادي لليهود على فلسطين يختلف عن زمننا الذي أصبح فيه الصهاينة اليهود أداة للخطر الغربي، وما أظن أنه كان مطلوباً من السلطان أن يتنبأ بما سيحدث بعد ثمانمائة سنة,وفي وقت يرحب بعض أصحاب هذه التهم بالاستيطان الصهيوني الحديث أو يؤيدون أنظمة معاصرة تسلم بوجود الدولة الصهيونية يلومون العثمانيين والأيوبيين على سياسة لا علاقة لها بما حدث بعد مئات أو عشرات السنين على الأقل، وهو ربط غير تاريخي يسمى مفارقة تاريخية تشبه مفارقة أخرى أسقطت تطورات حديثة جداً على الماضي وانتقدت السلطان سليم الأول العثماني الذي عاش في بداية القرن السادس عشر-أي قبل خمسمائة سنة- لأن حكمه لم يكن برلمانياً(!)، وذلك كما ينقل الدكتور عبد العزيز الشناوي[139]، ويصف الدكتور عبد الوهاب المسيري هذه النزعة عند بعض العلمانيين والمستنيرين العرب الذين يطبقون منهج النقد على التراث الإسلامي وحده دون الحضارة الغربية بأنهم لم يستفيدوا من هذه الحضارة بما فيه الكفاية وأصبح تعاملهم مع تراث الإسلام “مسألة ثأر وحسابات يجب أن تصفى”[140].
7- التدخل الأجنبي هو العمل الحاسم في استدعاء المقاومة:رغم تدخل القناصل لحماية اليهود أحياناً كما سبق ذكره، فقد كان هناك من الأقليات من استحوذ على التأييد الأجنبي أكثر من اليهود آنذاك، وفي ذلك يقول المؤرخ الأمريكي مايكل أورين إن القوى الأوروبية لم تظهر الميل والاستعداد للتدخل لصالح اليهود كتدخل الولايات المتحدة لصالحهم في ذلك الوقت[141]، وقد أشار الزعيم مصطفى كامل في كلامه السابق إلى نقطة مهمة وهي أن اليهود في الدولة العثمانية في ذلك الزمن لم يكونوا تحت رعاية دولة أوروبية كالرعاية التي كانت تسبغ على الأقليات الأخرى التي سببت الأذى للدولة ، ومن ثم اتجه اهتمام العثمانيين إلى درء أخطارها أكثر من الخطر اليهودي الذي كان خافتاً في تلك الفترة، وهو ما يمكن أن نلاحظه في مذكرات السلطان عبد الحميد الذي عاصر الأحداث واحتل التدخل الأجنبي معظم كتابته، ولم يكن لليهود إلا جانب محدود بصفتهم خطراً جزئياً، ونجد اليوم كثيراً من المؤرخين يكتبون في التاريخ العثماني وتاريخ العهد الحميدي ولا يتطرقون قط للمسألة اليهودية ومساعي هرتزل[142]، وهو ما يؤكد هامشيتها في ذلك الزمن.
ومما يؤكد تلك الأهمية لعامل التدخل الخارجي أنه عندما ارتبطت هجرة يهودية بذلك العامل الأجنبي فإن الدولة سرعان ما عملت على إجلائها فوراً كما حدث عندما “ازداد اهتمام الدولة العثمانية بشبه جزيرة سيناء في عام 1890 عندما زار مصر رجل إسرائيلي (أي يهودي) يدعى بول فريدمان، الذي اتصل بسلطات الاحتلال البريطاني في البلاد وأبلغها بنيته على الهجرة إلى سواحل الخليج، ولم تمانع تلك السلطات، وفي أواخر العام الثاني 1891 عاد فريدمان مع عشرين من اليهود الألمان والروس ونزلوا جميعاً على ساحل الخليج، ونتج عن ذلك أن نبهت الصحف المصرية إلى الخطر القادم من أوروبا، كما أن فريدمان وجماعته لم يحسنوا معاملة الأهالي هناك واشتروا أرضاً في ناحية المويلح مع أن قوانين الدولة العثمانية كانت لا تبيح بيع الأرض للأجانب في شبه جزيرة العرب، وأثار هذا الأمر الحكومة العثمانية التي لم تكتف بطرد فريدمان وجماعته من المنطقة، وإنما انتهز السلطان عبد الحميد الثاني فرصة وفاة الخديو توفيق في أوائل عام 1892 لاقتطاع شبه جزيرة سيناء وضمها إلى الأراضي العثمانية..(و)استجاب الخديو عباس لمطالب الدولة العثمانية فصدر قرار في 16 فبراير عام 1892 من مجلس الوزراء المصري يقضي بالتخلي عن العقبة وما حولها جنوباً من شبه جزيرة سيناء إلى الدولة العثمانية”[143].
8- هامشية الصهاينة في المجتمع الفلسطيني العثماني:يقول المؤرخ اليهودي المعارض إيلان بابه في معرض تقويم تطور الاستيطان الصهيوني إن المجتمع الفلسطيني الريفي لم يشعر بآثار الصهيونية إلا بعد الحرب الكبرى الأولى(1914-1918)رغم إحساس بعض القيادات المحلية بهذا الخطر منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وإن الصهيونية كانت زوبعة في فنجان لمعظم السكان الفلسطينيين، فقد كانت المستعمرات قليلة، وقلة من القرى احتكت بها، ولم يكن قبل الحرب والحملات الكبرى لشراء الأراضي أن شهد الفلاح الفلسطيني أحداثا ستغير حياته جذريا[144]، بل وجدنا من يرى (1912) أن الصهيونية جلبت التقدم لفلسطين وأنها في صالح أبناء البلد[145]، ومن لم يدرك عداوة الانتداب البريطاني من الزعماء إلا متأخراً، وعُدت ثورة الشيخ عز الدين القسام (1935) إدراكاً مبكراً لحقيقة بريطانيا مع أن الوقت كان متأخراً في حسابات إنجاز المشروع الصهيوني، وهناك من تورط في بيع الأراضي والسمسرة لصالح الصهاينة مع كونهم من الوجهاء، ولم يكن أصحاب تلك الرؤية وهذه الممارسات يدركون أبعاد ما أدركه غيرهم منذ البداية ومن المؤكد أنهم لم يكونوا يساعدون ويثنون على من سيطردهم من بلادهم بعد قليل، أو من يخطط في أفضل الأحوال لجعلهم أقلية غريبة فيها.
9- تنازع التيارات اليهودية في فلسطين وعدم اتحادها في ظل الصهيونية:ومن ضمن ظروف ذلك الزمن أن يهود فلسطين لم يكونوا كتلة واحدة ظاهرة الخطر، بل ساد الاختلاف والصراع بل الحروب الصغيرة فيما بينهم كما يقول المؤرخ اليهودي إيلان بابه، فقد كان اليهود الموجودون قبل الهجرة يختلفون عن الصهاينة القادمين، إذ لم يكونوا يعتنقون أفكارا ثورية، ويشعرون بالأمان في ظل التنظيمات الخيرية التي طبقتها الدولة العثمانية وساوت بها بين مواطنيها، وقد ازدهرت معيشتهم في ظل السلطان عبد الحميد ثم تحت حكم جمعية الاتحاد والترقي، وكانوا ينظرون إلى الصهيونية بصفتها هرطقة تهدد الأخلاق اليهودية بتبنيها العلمانية التي تسبب الانحطاط الأخلاقي للمهاجرين كما رآهم هؤلاء المواطنون القدامى[146]، وعن توزيع نسب الحضور بين اليهود القدامى والوافدين يقول مؤرخ صهيوني إنه في سنة 1899مثلاً كان عدد اليهود في فلسطين خمسين ألفاً يسكن ثلثاهم في القدس “ويعتبرون جميعهم من الاستيطان القديم”[147]، وهو ما ينبئ بضآلة حجم الاستيطان الصهيوني، وهو ما يؤكده المؤرخ ستانفورد شو بقوله إنه مع الازدهار الكبير الذي شهده اليهود العثمانيون في زمن السلطان عبد الحميد، لم يشهد الصهاينة سوى قليل من الدعم إلا بين المهاجرين الأشكناز من شرق ووسط أوروبا[148]، وينقل عن تقرير لمترجم القنصلية البريطانية العامة في بغداد سنة 1910 أن الدولة العثمانية تعد اليهود مخلصين جداً للسلطان وقد وضعت ثقتها فيهم ، كما أن اليهود في بغداد يحملون مشاعر العرفان بالجميل للحكومة العثمانية منذ هجرة أشقائهم من إسبانيا إلى آسيا الصغرى قبل مئات السنين، وأن المجتمع اليهودي مهتم بالتعاون مع الدولة من أجل تطويرها[149]، وهو ما يؤكد كلام الزعيم المصري مصطفى كامل باشا الذي مر ذكره، كما يقول شو إنه عندما تدفقت الهجرة اليهودية على الدولة العثمانية نتيجة حروب البلقان (1912-1913)عدلت الحاخامية العثمانية معارضتها للهجرة إلى فلسطين، وذلك كي لا يزاحم المهاجرون المقيمين في معيشتهم في استانبول ولكنها عملت على انتزاع قضية الاستيطان من أيدي الانفصاليين الصهاينة لصالح الولاء للدولة العثمانية والبقاء تحت سلطتها تجنباً لإغضاب المسلمين[150]، ولهذا لا يمكننا عند سرد الأرقام أن نجعل كل اليهود في فلسطين في خانة الصهيونية كجبهة خطرة وموحدة ونحن مازلنا في ظل دولة حاكمة غير يهودية.
ومع ذلك فإن المؤرخ مايكل أورين يقول إن السلطات التركية لم تكن تفرق بين الجالية اليهودية القديمة والجالية الجديدة من الصهاينة، وكانت تظن أن كل اليهود يتآمرون للانفصال عن الدولة العثمانية ويخططون لتكوين دولة مستقلة، لذلك عمل الباب العالي على تقليص هجرة اليهود وشرائهم الأراضي في فلسطين مما عدته الولايات المتحدة سياسات عنصرية، وأن هذه السياسات المعادية لليهود استمرت إلى قيام الحرب الكبرى الأولى (1914)[151]، وإن لوم الدولة العثمانية لأنها لم تزود فلسطين بالكوادر الإدارية والعسكرية أيضاً اللازمة لتطبيق القيود على الهجرة[152]لم يكن من الأحكام التاريخية لأنه يطالب العثمانيين في ظرف الضعف والتراجع العام بصرف انتباههم عن الجبهات الساخنة التي كانت مفتوحة ضدهم آنذاك في قبرص ومصر والسودان وتونس والجزائر والجزيرة العربية والبلقان والقوقاز وكانت الطعنات تأتيهم من قبلها من كل من حولهم، وأن يركزوا جهدهم في جبهة فلسطين الهادئة نسبياً والتي لم تشتعل إلا في حقبة لاحقة، وهذا تجاوز لطبيعة التاريخ والبشر.
10- السيادة السياسية هي العامل الحاسم في السيطرة على فلسطين:هذا الحكم غير اليهودي الذي كانت فلسطين في ظله جعل من السيطرة على عدد اليهود تابعة لقرار سياسي في أية لحظة خطر، كما حدث بعد اندلاع الحرب الكبرى وتصنيف الصهاينة في خانة الدول المعادية للعثمانيين مما أدى إلى خروج أعداد كبرى منهم من فلسطين وصلت في بعض المراجع إلى نصف اليهود فيها[153]وتقول بعض المراجع أنه لم يتبق من 85 ألفا عند بداية الحرب إلا 56 ألفا[154]أو 60 ألفا في نهايتها في مراجع أخرى[155]، وهو ما يقل عن يهود مدينة سالونيك وحدها، وعموما لا خلاف بين عدد كبير من المؤرخين على حدوث خروج يهودي جماعي بلغ عدد أفراده آلافاً عديدة في تلك الفترة، وفي هذه اللحظة كانت الأحداث مفتوحة على احتمالات عديدة ولم يكن تأسيس الوطن القومي مساراً حتمياً آنذاك، ولكن تسهيلات الحكم البريطاني جعلت العدد يتضاعف ثلاث مرات في عشر سنوات صنعت ضعفي ما صنعته أكثر من ثلاث عقود من الهجرة غير المجدية زمن العثمانيين فوصل عدد اليهود إلى 160 ألفاً في سنة 1928[156]، وهذه هي البيئة المؤاتية للهجرة، ومن هنا يمكن القول إن مشاركة غير العثمانيين في صناعة الأحداث بعد انتهاء العهد العثماني هو الذي جعل الموقف العثماني ليس بمستوى الطموح في نظرنا اليوم[157]فلو اقتصر تطور هذه الأحداث على استمرار العهد العثماني لطويت صفحة الهجرة الصهيونية دون نتائج كارثية حتى في ظل تنازلات طلعت باشا سنة 1918 التي يقومها الدكتور المسيري تقويماً ليس في صالح الصهيونية لأن العثمانيين “لم يتحمسوا قط للمشروع الصهيوني، بل كانوا يرونه جزءاً من المحاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم” وكانت خطوتهم الأخيرة اضطرارية[158]، وقد أفشل العثمانيون محاولات استيطانية أوروبية وأمريكية أثقل وزناً سياسياً من الاستيطان الصهيوني إذ كانت تقف خلفها دول عظمى كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وحتى حليفة العثمانيين ألمانيا وذلك كما جاء تفصيله في دراسة سابقة (الأثر الاقتصادي للتغريب الرأسمالي على المجتمع العثماني: التحدي والاستجابة)، وكما رأينا أن نتائج الهجرة اليهودية في زمن الحرب كانت سلبية والتجمع اليهودي متجهاً نحو الاضمحلال.
11- تقويم صهيوني معاصر للإجراءات العثمانية:وفي تقويم يهودي معاصر للأحداث يرى رائد الصهيونية الروحية آحاد هاعام (1856-1927) بعد زيارة للاستيطان اليهودي في فلسطين سنة 1890 أن الأتراك عقبة أمام تحقيق المشروع الصهيوني السياسي، وأنه رغم قوة نفوذ البقشيش التي لا يقاومها أعظم رجال الدولة، فإنهم سينفذون واجبهم بأمانة وإخلاص بسبب اهتمامهم بالأراضي المقدسة، وأنه لا يجب الاستهانة بمشاعرهم ولن يستطيع شيء التأثير عليهم، وهم يعارضون الاستيطان اليهودي في فلسطين وتزداد معارضتهم كلما زاد عدد المهاجرين، وأن الإفراط في الاعتماد على القناصل الأجانب سيكون له تأثير عكسي[159].
12- المفاوضات العثمانية “الرجعية” والمفاوضات “التقدمية” المعاصرة:أخذ البعض على السلطان عبد الحميد دخوله في مفاوضات مع هرتزل ومنحه وساماً رفيعاً واستنتجوا أنه كان مستعداً للبيع، وهو ما تبين النتائج العملية عدم دقته، ويا ليت جميع مفاوضاتنا تسير في نفس المسار الذي سار فيه السلطان وتخرج بنفس النتيجة الصلبة في مواجهة جشع الأعداء وصلفهم، فليس في فكرة التفاوض ما يشين وبخاصة لو كان صاحب الحق يعرف ما يريد ولا يخضع حقوقه لأهواء أعدائه، والعجيب أن يأتي النقد ضد السلطان من أقلام تقدمية تدافع باستماتة عن أنظمة عربية ثورية لم تخرج غالبيتها الساحقة عن القبول بفكرة “الشرعية الدولية” التي تقر وجود الكيان الصهيوني، كما أن الكثير من هذه الأنظمة دخلت في فترات من المفاوضات مع هذا الكيان على أساس القبول بوجوده في حدود 1967، فأي الفريقين:العثماني أم التقدمي، أحق بالنقد والتوبيخ؟
أما الوسام فهو مسألة دبلوماسية كان القصد منها الحصول على مكاسب من هرتزل الصحفي، ويجب أن نتذكر دائماً أنه كان مجرد صحفي وليس قائداً عسكرياً صهيونياً ارتكب مجازر كبرى، والسلطان كان يأمل أن يستفيد من إمكاناته الصحفية والمالية كما مر، وذلك كما فعل مع غيره من السياسيين الذين كان يرجو استمالتهم ووقف بعضهم ضده في نهاية المطاف بشكل صريح كما فعل شيخ الكويت مبارك الصباح الذي انحاز إلى الجانب البريطاني بعد حصوله على وسام مشابه من السلطان وكذلك القول في الشريف حسين أمير مكة الذي وقف ضد الدولة العثمانية أيضاً، بل إننا نجد المؤرخ جون هاسلب الذي أطلق على السلطان عبد الحميد لقب السلطان الأحمر يضع الهدايا التي حصل عليها هرتزل من السلطان بصفتها دليلاً على فشله في تحقيق مشروعه الصهيوني:”ترك الدكتور هرزل القسطنطينية مصحوباً بعلبة للتبغ غنية بالأحجار الكريمة، وهي التذكار الوحيد الذي حصل عليه من تلك الزيارة التي كادت أن تغير مجرى التاريخ”[160]، أي أن من جاء يطلب وطناً حصل على علبة تبغ فقط، فيا ليت مفاوضاتنا المعاصرة تحتفظ بحقوقنا في بلادنا وتصرف الطامعين عنها بعلب تبغ ثمينة كهذه.
ولهذا فإن الاستناد إلى عبارة قالها السلطان هنا أو هناك أثناء مفاوضته لا يبين موقفه الحقيقي والنهائي، والتردد من طبيعة الإنسان أمام أي خيار متعدد لاسيما حين وجود الإغراءات الكبرى التي لا يتردد أمامها سوى أهل المبادئ ولا يرفضها سوى العظماء، أما البشر العاديون فيتبعون أهواءهم بلا تردد، والعبرة بالنهايات وليس بالميول العابرة التي لا يخلو منها بشر، ومن يرفض السقوط رغم كونه “ميالاً” إلى الإغراءات أفضل ممن لا يسقط لأنه لا يميل إليها، ومجاهدة النفس من عناوين السمو في الأخلاق، فمن الغريب أن يسند موقف الرفض إلى البطانة المحيطة بالسلطان مع التلميح إلى موافقته على المشروع الصهيوني لولا رجاله المقربين (والمقصود هنا هو الشيخ أبو الهدى الصيادي الذي أشبعه التاريخ ذماً وشبه دوره بدور راسبوتين في روسيا القيصرية ثم نكتشف هنا أنه من أشار على السلطان برفض مشروع هرتزل)[161]، وهذا ما يتناقض مع الصورة التي رسمها التاريخ للسلطان بصفته مستبداً برأيه ومتفرداً في السلطة وضد المشاركة فلماذا عندما قام بعمل محمود حاول البعض نزع الشرف منه وإلصاقه بغيره كأبي الهدى والذي مع ذلك لا تصلح حسنات الثقلين لإقناع مؤرخي الغرب والتغريب بأن له فضيلة فكيف يكون حاله حين يعيق المشروع الصهيوني، وإلقاء الأعباء هذا لم يحدث في أحداث أخرى استقر اللوم فيها على السلطان ونُسي دور الرجال المحيطين به مثل قضية عزل الخديو إسماعيل والتي تولاها الصدر الأعظم والمصلح المعروف خير الدين التونسي، فإما أن السلطان كان مستبداً وعليه يجب أن تنسب الأفعال إليه بحلوها و مرها أو أنه لم يكن مستبداً وكان يصغي لمشورة غيره، وفي قضية فلسطين يكون السلطان رابحاً أياً كان الاختيار ويكون منتقدوه هم الخاسرين في الحالتين، لأن من تتغلب”مطامحه الروحية” على “تكالبه الدائم على جمع الأموال”[162]لا يكون شخصاً شريراً كما أراد الاستشراق أن يوحي لنا.
13- ماذا حققت الصهيونية في ظل الدولة العثمانية:يقوّم الدكتور عوض إنجازات الحركة الصهيونية حتى سنة 1907 بالقول إنها لم تحقق نجاحاً عملياً كبيراً بعد عشر سنوات من تأسيسها، ولم تخط خطوات كبيرة لدفع عملية الاستيطان إلى الأمام، وفي المجال السياسي كانت جهودها أقل نجاحاً فقد فشلت الحركة في الحصول على تسهيلات حكومية أو ضمانات دولية، ومع بداية الحرب الكبرى “لم تحقق الصهيونية غير نجاح محدود”، ولهذا تخلى الصهاينة عن مشروع البراءة لفترة وتبنوا الحل التسللي البطيء إلى أرض فلسطين لعل ذلك يكوّن ضغطاً على السلطات الحاكمة لو زاد عددهم، ولكنهم عادوا إلى البحث عن التأييد الدولي الذي نتج عنه وعد بلفور والتبني البريطاني لهم في صك الانتداب.
14- السلطان عبد الحميد لا يأبه بأسطورة الهيمنة اليهودية العالمية التي أخضعت ساسة العالم:جاء رفض السلطان عبد الحميد للعروض اليهودية في زمن تهافتت فيه قوى عظمى على كسب التأييد اليهودي، لا لاستخدام اليهود مجرد أدوات لحراسة المصالح الغربية في الشرق وحسب، ولا لمجرد التخلص من الفائض السكاني اليهودي أيضاً، بل للحصول على مكاسب من النفوذ اليهودي المالي والسياسي الذي راجت أسطورته آنذاك ودفعت دولاً كبرى لإصدار ما سماه الدكتور المسيري وعوداً بلفورية، أي وعوداً على غرار وعد بلفور بتأييد الأطماع الصهيونية، وكان ذلك قبل صدور الوعد الأخير، ومن الدول التي أقدمت على هذا ألمانيا التي رأى قيصرها سنة 1898 أن بلاده “ستستفيد غاية الاستفادة لأن رأس المال اليهودي العالمي، بكل خطورته، سينظر بعين العرفان إلى ألمانيا”، رغم ما في التعامل مع “قتلة المسيح” من صدمة للشعب الألماني[163]، ثم تنافست كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أثناء الحرب الكبرى لاكتساب ود اليهود بأقصى جهدها لتحقيق الانتصار، وقامت فرنسا بإصدار تصريح كامبو في 4 يونيو 1917 بالعطف على الأماني الصهيونية قبل أشهر معدودة من صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917[164]الذي استهدف استجداء العطف اليهودي الأمريكي لجر الدعم الأمريكي لمجهود الحلفاء الحربي، واستجداء الدعم اليهودي الروسي للضغط على حكومة الثورة البلشفية للاستمرار في الحرب، وهو التصريح الذي أيدته فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة[165]، وسبقه وتبعه أيضاً تصريح من ألمانيا بتأييد أماني الصهاينة والهجرة غير المقيدة إلى فلسطين وذلك بعدما أعطى طلعت باشا الصدر الأعظم العثماني الضوء الأخضر لألمانيا وأصدر تصريحاً يتعهد فيه بتحقيق أماني اليهود في فلسطين ويكفل رضاهم التام ونسق مع النائب اليهودي قراصو لإنشاء شركة تتولى تطبيق الحكم الذاتي حيث يقيم اليهود، وأصدر أيضاً تصريحاً مماثلاً لوعد بلفور في يوليو 1918 كما مر، وكان ذلك بسبب تدهور الوضع العسكري على جبهات القتال وفقدان معظم فلسطين واعتقاد الدولة العثمانية التي يحكمها الاتحاديون أن الاستجابة لمطالب الصهاينة قد يحسن موقفهم في مؤتمر الصلح[166]، وهو نفس الهدف الذي سعى إليه العرب أيضاً عندما سعى الأمير فيصل بن الحسين، بإيعاز من الجنرال اللنبي، للاتفاق مع الصهيونية ضد “الخطر الذي تتعرض له المصالح اليهودية والعربية من جراء السياسة الفرنسية” التي يعادي العرب انتدابها على سوريا ويرفض الصهاينة سيطرتها على فلسطين[167].
15- الخديو السابق يبيع فلسطين من أجل راتبه من بريطانيا:وممن تبنى مطالب الصهاينة في فلسطين طمعا في استغلال نفوذهم لصالحه، الخديو السابق عباس حلمي الثاني الذي كان البريطانيون قد عزلوه عن العرش سنة 1914 بسبب مواقفه المناوئة للاحتلال في مصر، فكان ممنوعاً من دخول بريطانيا، وقامت الحكومة المصرية ببيع أملاكه بأسعار زهيدة، ولكن يبدو أن أمراً بدا له في سنة 1930، فبعد تدخل اليهود لإصلاح علاقته بالإنجليز مقابل تأييد الصهيونية، سافر إلى لندن وتدخلت بريطانيا لدى الحكومة المصرية لتعويضه عن خسائره، فأصبحت تدفع له راتباً سنوياً قدره ثلاثون ألف جنيه، واتخذ الخديو السابق موقفاً جديداً دعا فيه أهل فلسطين إلى التصالح مع اليهود والنزوح إلى شرق الأردن وترك فلسطين للصهيونية التي لا قبل لهم بمقاومتها، وحاول الخديو في هذا الإطار الضغط على الأمير شكيب أرسلان بما له من حضور فاعل في الساحة العربية والإسلامية ليتخذ موقفاً مشابهاً ويسعى لإقناع زعماء فلسطين بموقف الخديو الذي استغل الضائقة المالية التي كان يمر الأمير بها وهدده بقطع الراتب الذي يقدمه له شهرياً وهو ثلاثون جنيهاً، ولكن أمير البيان استهجن موقف الخديو وعنفه متسائلاً كيف يقوم أمير مسلم بالسعي لإخراج المسلمين من فلسطين، “أبهذه المبادئ يرجو أفندينا أن يكون له شأن في بلاد الإسلام؟”وقطع علاقته به ولم يبال بانقطاع الراتب ولم يستجب للوساطات التي بعثها الخديو في سبيل إعادة العلاقة معه[168].
16- تقويم الإجراءات العثمانية بين حسرة شعب فلسطين وعداء الانتداب البريطاني:يمكننا قياس أهمية الإجراءات العثمانية ومعرفة موقعها من مؤشرين دالين:أولهما موقف الفلسطينيين الذي تحسروا على زوال أيام العثمانيين[169]وعقدوا مقارنات عديدة بين أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل الحكم العثماني ثم في ظل الانتداب البريطاني بعد ذلك مما ذكرت بعض أمثلته في دراسة سابقة(في ذكرى وعد بلفور:موقع الديمقراطية في السياسات الخارجية الغربية) تحت بند (ج-إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين)، أما المؤشر الثاني فهو موقف الانتداب البريطاني الذي عمد إلى إلغاء الإجراءات العثمانية بخصوص الهجرة اليهودية كقوانين الحد منها وقوانين منع انتقال الملكية، وفرض الجواز الأحمر، بالإضافة إلى إلغاء الإنجازات العثمانية كالمصرف الزراعي العثماني، وهو فرع من الأصل الذي تأسس في استانبول سنة1888 وأصبح له أكثر من أربعمائة فرع في أنحاء الدولة العثمانية[170]، وكان الفرع الفلسطيني يقدم التسهيلات للمزارعين الفلسطينيين ووصفه الدكتور صالحية بأنه بنك الفلاحين العرب الذي يقدم القروض الميسرة، وكان إلغاؤه من أوائل الإجراءات التي اتخذها المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صامويل وذلك في مارس 1921، لصالح مصرف الرهونات والقروض العامة اليهودي كما قال القائم بأعمال القنصل الأمريكي في رسالة لوزير خارجيته، ويستنتج صالحية من ذلك أن الهدف من الإلغاء كان حرمان الفلاح العربي من خدمات المصرف العثماني وتسهيلاته، والتضييق عليه، وإجبار المضطرين إلى اللجوء إلى المصارف والمرابين اليهود[171]، وفي شهادة معاصرة لنتائج الحدث قال موسى العلمي الذي عمل في الهيئة القضائية الانتدابية إن أثر الإلغاء كان تشجيع اليهود وإلحاق الأذى بالعرب[172].
فارس الخوري يلخص حكايتنا مع التغريب السياسي الحائر بين الديمقراطية والصهيونية
قال السلطان عبد الحميد في مذكراته التي كتبها في الأسر:”والذين أعلنوا أني أعظم مناصر للحكم الاستبدادي، وأني أكبر مستبد في العالم، لا شك أنهم سيعترفون بالحقيقة بعد موتي، وسيتراجعون عن موقفهم تجاهي”[173]، وفعلاً تحققت نبوءته في أكثر من مثل تاريخي يهمنا منها في هذا السياق ما يتصل بالوطن القومي اليهودي وأوضح أمثلته الأستاذ فارس الخوري.
والأستاذ فارس الخوري (1877-1962)مواطن وأديب وسياسي عربي ولد في لبنان وعاصر العهد العثماني منذ زمن السلطان عبد الحميد، وعهد الانتداب، وعهد الاستقلال والتجزئة، وانتخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني في العهد الدستوري ثم شغل مناصب أدبية وأكاديمية وحقوقية وتولى منصب الوزارة في سوريا في عهد الانتداب الذي اضطهده ثم انتخب رئيساً لمجلس النواب السوري أكثر من مرة ثم تولى رئاسة الوزراء في عهد الرئيس شكري القوتلي كما مثّل سوريا في الأمم المتحدة[174]، وقد احتفى هذا الرجل بزوال عهد السلطان عبد الحميد وتحمس للثورة عليه وقال قصيدة طويلة في هجاء استبداده بعد عزله جاء فيها:
لقد هوى اليوم صرح الظلم وانتقضت****أركانه وتولت أهله النقم
ملكتنا فشهدنا منك طاغية****لم يلق نداً له المشهود والقدم
ففي هبوطك عاد الملك مرتفعاً****وفي هلاكك كل الخلق قد سلموا
وبعد تتابع الأحداث وتوالي الكوارث على بلادنا قال يوما لمحمد الفرحاني وفقا لما جاء في كتاب “فارس الخوري وأيام لا تنسى”:”لم أندم في حياتي على شيء ندمي على القصيدة التي نظمتها إثر إعلان الدستور العثماني وهجوت بها السلطان عبد الحميد الثاني، حيث تأكد لي فيما بعد بما لا يقبل الجدل أن هذا الخليفة الإسلامي قد راح ضحية ثأر اليهودية العالمية التي ساءها رفضه لاقتراح تيودور هرتسل واتخاذه مختلف الوسائل لمنع اليهود من الهجرة إلى فلسطين ووضعه قانون الجواز الأحمر الخاص بكل يهودي يدخلها للسياحة والزيارة، ومنعه إياهم من تملك الأراضي، مما أدى لحنقهم عليه وشروع منظماتهم بالعمل مع الدول الاستعمارية على مناوأته شخصيا وعلى كيان الدولة العثمانية”[175].
الخلاصة والاستنتاج: النموذج الصهيوني خلاصة التغريب السياسي ودفعه معلق بوجود الكيان الجامع
استعمل الغرب الهجرة اليهودية لتحقيق مصالحه في الشرق العربي الإسلامي، وقد سهلت عملية التغريب الرسمية هذه الهجرة بطريقة غير مباشرة في الوقت الذي وقفت الدولة العثمانية ضد هذه الفكرة حتى بسلاطينها المتغربين، وذلك لأن منطق الدولة العظمى الذي فرض نفسه على هذه الدولة وضع حداً لعملية الاستتباع للغرب ولم يقبل لها أن تكون تابعة وفقاً لمنطق الحضارة الغربية الحصري المستمد من منطق المنفعة الذي لا يقبل بمعاملة الآخر كما تعامل الذات، وقد استعمل السلطان عبد الحميد مركزية الدولة ضد قبول الهجرة الصهيونية ولمنع انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود، واتخذ إجراءات تطورت مع زيادة الشعور تدريجيا بالخطر حتى وصل الأمر ذروته بتعيين علي أكرم بك سنة 1906 متصرفاً للقدس والذي شهد عهده تطبيق تعليمات الباب العالي “على أكمل وجه”[176]كما يقول الدكتور حلاق نقلاً عن المؤرخ نيفيل ماندل وهو ما استفاض فيه الدكتور صالحية أيضاً، ولكن الانقلاب على السلطان عبد الحميد منع استكمال الإجراءات الحازمة وأجهض جهود المتصرف بعزله.
وقد أسفرت سيول الهجرة اليهودية والتي بدأت سنة 1882 وتضمنت ملايين المهاجرين إلى دول العالم الغربي أثناء ما تبقى من الحكم العثماني حتى سنة 1914 عن استقرار 48 ألف مهاجر يهودي فقط في فلسطين (6.6%من مجموع سكان فلسطين سنة 1914) بمختلف الوسائل الشرعية وغير الشرعية ورغم الفساد المستشري في الأجهزة الإدارية، منهم أكثر من عشرين ألفاً مقيمون بصورة غير شرعية وغير معترف بهم، أي أن نسبة المهاجرين الشرعيين إلى مجموع السكان بعد عشرات السنين من الهجرة الكثيفة وصلت إلى 3.7% في الوقت الذي تضاعفت فيه هذه النسبة عشر مرات في سنوات الانتداب البريطاني، ومازالت كل دول العالم إلى هذا اليوم عاجزة عن التحكم في الهجرة غير الشرعية رغم تطور وسائل الاتصال والتحكم، وحتى الأرقام الصهيونية المضخمة لم تغير هذه الصورة كثيراً وثبت أن الإحصائيات العثمانية كانت دقيقة وجديرة بالاعتماد.
وليس من المنطقي ولا التاريخي مطالبة الدولة العثمانية بالشعور منذ قدوم أول مهاجر يهودي لاجئ من روسيا سنة 1882، بخطر الكيان الصهيوني الذي قام سنة 1948ثم تغول تغولاً عالمياً فيما بعد، ورغم أن النتيجة النهائية لم تكن بمستوى طموحاتنا اليوم بعدما ابتلينا بهذا الكيان الغاصب الذي احتل بلادنا وشرد أهلنا وقتل أبناءنا ونهب ثرواتنا، فإن هذه النتيجة لم تكن حتمية في ظل بقاء الدولة العثمانية التي أفشلت مشاريع استيطان أقوى من ذلك وكان يقف خلفها دول كبرى تدعمها وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بل وألمانيا صديقة العثمانيين، ولم يكن للهجرة الصهيونية مستقبل واعد في ظل العثمانيين وكان نجاح الوطن القومي معلقاً بالحل الإمبريالي الذي طبقته بريطانيا، تماماً كما أن أعداد المقيمين الآسيويين مهما زادت في بلاد الخليج في أيامنا هذه غير مرشحة للتحول إلى كيانات سياسية هندية أو فلبينية في ظل السيادة العربية إلا لو حدث تحول سياسي من الخارج وقامت الهند مثلاً باحتلال عسكري لدعم الوجود الهندي في بلد خليجي، وحينئذ لا يمكننا أن نلوم أول من استقدم عاملاً أو تعامل مع تاجر من الهند لأن الظرف التاريخي كان مختلفاً تماماً، وكما أن هذا التحول يبدو بعيداً لنا اليوم فكذلك التحولات التي حدثت بعد الحرب الكبرى الأولى كانت مستبعدة بل خيالية في نظر الأحياء في بدايات الهجرة الصهيونية.
وقد رفضت الدولة العثمانية المشروع الصهيوني في وقت اُعجِب فيه بعض مشاهير التيار التغريبي والقومي ورحبوا بالصهاينة وتسابقت قوى التغريب العربية، الفكرية والرسمية والقومية، بالإضافة إلى قوى التغريب الطورانية، والغرب الاستعماري نفسه على تأييد الحركة الصهيونية لكسب دعمها في الزمن الذي لم يأبه به السلطان عبد الحميد وفرض منطق الخلافة الإسلامية نفسه على قراراته بهذا الشأن رغم أنه حاول الاستفادة من الدعم المالي اليهودي أو نفوذ اليهود الإعلامي ولكن بشروط حاسمة لم يقبلها الصهاينة ولا هو تنازل عنها رغم الثمن الكبير الذي دفعه وظل ثابتاً على هذا الموقف حتى آخر حياته، لأن القضية كانت تتعلق بالأمن العثماني نفسه وليس بقطعة أرض فقط، ويلخص المؤرخ الفرنسي هنري لورنس مشهد التفاوض بين هرتزل والدولة العثمانية بقوله:” لا ينجح هرتسل إذاً في كسب اهتمام الحكومة العثمانية بمشاريعه، على العكس، فهذه الحكومة إنما تسعى إلى استخدامه…وفي فبراير/شباط (فيفري) 1902، تستدعي السلطات العثمانية هرتسل إلى القسطنطينية، فهو مدعو الآن إلى تنفيذ وعوده فيما يتعلق بتنمية الدولة العثمانية، وهو يرد مطالباً بحرية الهجرة ويتحدث عن إنشاء الجامعة العبرية، فيجاب بالاستعداد لقبول دخول اليهود إلى أي مكان في الدولة ما عدا فلسطين، وبشكل متفرق ودون تنظيم عام…والواقع أن الباب العالي إنما يستخدمه (أي هرتزل) كأداة ضغط في مفاوضات أكثر جدية بكثير مع مجموعة مالية فرنسية لأجل تجميد الديْن العثماني…وعندما تتم تسوية الأمر مع الفرنسيين، يجري صرف الفييناوي (أصل هرتزل من فيينا عاصمة النمسا) بأدب، (فينتظر فرصة جديدة)…بيد أن هرتسل يدرك، تدريجياً، أن موقف السلطان، بالرغم من الاحترازات البلاغية والتلاعبات المالية، كان دائماً عديم المرونة:قبول هجرة يهودية متفرقة في الدولة العثمانية مع رفض الحماية القنصلية واشتراط قبول المواطنة العثمانية”[177]، فأين لنا بمفاوضات كهذه في زمننا الذي أصبح التفاوض فيه مناسبة للاستسلام؟
ولكن هذا لم يمنع أحكام بعض المؤرخين من التجني على مواقفه تجنياً غير تاريخي ما لبث أن طال محرر القدس السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه الذي أصبح وفق تلك المقاييس من المساهمين البارزين في مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ800 سنة خلت (!)، والغريب أن يأتي هذا النقد والهجوم من قبل أقلام تؤيد الأنظمة التقدمية المعاصرة التي تفاوض وتقبل وجود الكيان الصهيوني، أو أقلام ليبرالية تبشر بالتعايش مع هذا الكيان الغاصب وتبخر لسيادته ضمن مشاريع الشرق أوسطية الأمريكية.
وإن نجاح الغرب في زرع الكيان الصهيوني فيما بعد صوّر خلاصة النوايا الغربية السياسية الإقصائية تجاه المجتمع الإسلامي والمدى الذي يمكنها الوصول إليه في عملية الإضرار بأبناء هذا المجتمع في سبيل تحقيق مصالحها التي لا يمكننا مقاومتها بفعالية إلا تحت راية جامعة تلم شعث كيانات التجزئة، ولهذا لم يكن من العجيب أن تتمحور معارك البناء والوحدة والتحرر في أمتنا حول مواجهة هذا الكيان الغاصب الذي يمثل إرادة الغرب القوي في إبقائنا متخلفين متفرقين وخاضعين.
ملاحق:أبرز تصريحات السلطان عبد الحميد بشأن فلسطين والصهيونية منذ البداية إلى النهاية
فرمانات متوالية كتبها بخط يده:
1- 28/6/1891:”إن قبول المطرودين من كل حدب وصوب في البلاد السلطانية غير جائز، لأن ذلك قد يؤدي إلى تشكيل حكومة يهودية في القدس في المستقبل.والبلاد السلطانية ليست أراض غير مأهولة، لذا ينبغي سوقهم إلى أمريكا، …وينبغي إعادتهم فوراً إلى سفنهم وإرسالهم إلى أمريكا، وعلى مجلس الوزراء اتخاذ قرار قطعي بهذا الخصوص وعرضه عليّ، وإذا كانت أوروبا المتمدنة تمتنع عن قبولهم وتجلوهم عن بلدانها، فلم نقبلهم نحن؟..”[178].
2- 5/7/1891:”إن قبول هؤلاء اليهود والسماح باستيطانهم هما في غاية الخطورة.لذا ينبغي عدم قبولهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى بروز مسألة تأسيس دولة يهودية في المستقبل، لذا ينبغي عرض الموضوع على مجلس الوزراء اليوم بأسرع ما يمكن..”[179].
3- 6/7/1891:”إن الدول المتمدنة (أي روسيا) التي طردت هؤلاء اليهود من أراضيها والدول الأخرى التي لم تقبل بهم، لم تلق أي اعتراض ولم تتعرض إلى الانتقاد، فبأي حق تبدي هذه الدول اعتراضاتها وتتخذ من عدم قبولنا اليهود حجة علينا، وإذا كان هناك ثمة حق للاعتراض فليوجه نحو الدول المعنية، وعليه فأينما سكن اليهود أو اتخذت التدابير اللازمة بشأنهم، فإنهم وكما يبدو سيغزون فلسطين عازمين في نهاية المطاف وبتشجيع الأوروبيين ورعايتهم على تشكيل دولة يهودية فيها، وإن هؤلاء اليهود لا يمارسون العمل في الزراعة والفلاحة بل ينوون العمل على إلحاق الأضرار بالأهالي كما فعلوا في البلدان التي طُردوا منها، ونظرا إلى أنهم كانوا يزمعون الهجرة إلى أمريكا فمن المناسب أن يواصلوا هجرتهم إليها..”[180].
تصريح موجه لرئيس الحاخامين الذي التقاه مناشداً منح اليهود أراض وامتيازات في فلسطين:
4- 1893:”إن اليهود يعيشون في ظل النظام والعدالة والرفاهية كباقي المواطنين ولا أوافق على منحهم أي امتياز خاص”[181].
من مذكراته السياسية:
5- 1895:”لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين لتتخلص من العرق السامي الذي زاد كثيراً.ولكن لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقاً، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضاً تملكوا كافة قدراتها في وقت قصير، وبذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم.لن يستطيع رئيس الصهاينة”هرتزل” أن يقنعني بأفكاره، وقد يكون قوله:ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوى فيه اليهودي على قيادة محراثه بيده، صحيحاً، إنه يسعى لتأمين أرض لإخوانه اليهود، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافياً لحل جميع المشاكل.لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين، بل يريدون أموراً أخرى مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين، إنني أدرك أطماعهم جيداً، لكن اليهود سطحيون في ظنهم أنني سأقبل بمحاولاتهم، وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فإني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين”[182].
رد على عروض هرتزل بواسطة الصحفي البولندي نيولنسكي
6- 18/6/1896:”إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي، فانصحه ألا يسير خطوة أخرى في هذه القضية، إنني لا أستطيع أن أبيع شبراً واحداً من هذه الأراضي، لأن هذا الوطن ليس ملكي وإنما هو ملك شعبي الذي أقام هذه الإمبراطورية بإراقة دمائه، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا، لقد حاربت الكتيبتان السورية والفلسطينية في بلافنا(ملحمة وقعت في البلقان أثناء الحرب مع روسيا سنة 1877) واستشهدوا هناك واحداً بعد الآخر لأن أحدا منهم لم يرض بالاستسلام وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال، إن الإمبراطورية العثمانية ملك للعثمانيين، ولا أستطيع أن أمنح أي جزء منها، فليحتفظ اليهود ببلايينهم (أو ملايينهم)، فقد يستطيعون الحصول على فلسطين دون مقابل إذا ما قسمت الإمبراطورية ولكن جثثنا فقط هي التي يمكن تقسيمها، ولن أسمح بتشريح جسدنا ونحن على قيد الحياة”[183].
وقد علق هرتزل على هذا الرد بقوله إنه تأثر بكلمات السلطان الشامخة رغم أنها وضعت حداً لجميع آماله، وأن هناك جمالاً مأساوياً في هذه القدرية التي تتنبأ بالموت والتمزق ومع ذلك تقاتل إلى النفس الأخير رغم النتيجة السلبية لهذه المقاومة[184].
ملاحظة:استخدم هرتزل في نقل الرواية عن السلطان تعبير الإمبراطورية التركية بدلاً من العثمانية والشعب التركي بدل العثماني وذلك لأن اللفظين مترادفان في الغرب أما في الشرق فكان استعمال كلمة عثماني يختلف عن استعمال كلمة تركي إلى أن تغير الحال بدخول الأفكار القومية التي قمعها السلطان عبد الحميد[185]وكان هو يعبر عن أهل بلاده بتعبير الأمة العثمانية[186]وليس التركية والأرجح أنه استخدم هذا اللفظ لا ما نقله هرتزل عن نيولنسكي.
رسالة إلى الشيخ محمود أبي الشامات في السنة التالية لعزل السلطان عن الحكم:
7- 1910:”إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم جون تورك وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية.إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف.وأخيرا وعدوا بتقديم مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً، وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي:إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فضلاً عن مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي.لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين.لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً.وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلانيك فقبلت بهذا التكليف الأخير، هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين، وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال…”[187].
من مذكراته بعد عزله وهي تختلف عن المذكرات السياسية أثناء حكمه:
8- 1917:”انتظم اليهود وسعوا عن طريق المحافل الماسونية للعمل في سبيل الحصول على “الأرض الموعودة” وجاءوا إليّ بعد فترة وطلبوا مني أرضاً لتوطين اليهود في فلسطين مقابل أموال طائلة، وبالطبع رفضت”[188].
ويلاحظ على مواقف السلطان المتتالية ما يلي:
1- ثبات الموقف من البداية إلى النهاية.
2- اطلاع جيد على جذور المسألة اليهودية التي تلخصت في زيادة أعداد اليهود ومحاولة الغرب التخلص منهم.
3- كشف الازدواجية الغربية التي تنادي بالحرص على اليهود في الوقت الذي تمنع فيه دخولهم بلادها.
4- الندية في التعامل مع الدول الغربية وعدم القبول بأن تكون الدولة العثمانية مكباً لنفايات الغرب كما أصبحت دول التجزئة التي قامت على أنقاضها.
5- الحرص على غلبة “العنصر العربي” في أرضه بشكل تجاوز العصبيات والانقسامات وتقدير تضحيات هذا العنصر في معارك الدولة وعدم التفريط فيها مقابل الأموال الطائلة، “وبالرغم من استبدادية السلطان عبد الحميد فإنه لا يمكن اتهامه بالتعصب القومي التركي” كما ينقل الدكتور وميض نظمي عن الوثائق البريطانية[189].
6- عدم وجود كراهية دينية تجاه اليهود، وهو ما أكده المؤرخ شو والموسوعة اليهودية أيضا[190]، وتقدير خدماتهم مع الفصل بين هذا الأمر وإنشاء حكومة خاصة بهم.
الهوامش
________________________________________
[1] -رءوف عباس، صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، تحرير:عبادة كحيلة، ص118-122.
[2] -لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، دار الفارابي، بيروت، 2007، ص128.
[3] -عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، 1999، المجلد السادس ج2ص166.
[4] -أ. د. محمد عيسى صالحية، مدينة القدس: السكان والأرض(العرب واليهود) 1858-1948، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2009، ص63.
[5] -د. جوزف حجار، أوروبا ومصير الشرق العربي: حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976، ترجمة: بطرس الحلاق وماجد نعمه، ص 233.
[6] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق، عمّان، 2007، ص 184.
[7] -باربارا توخمان، الكتاب المقدس والسيف: إنجلترا وفلسطين من العصر البرونزي إلى بلفور، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2004، ترجمة: د. منى عثمان ومحمد طه، ج2ص68.
-الدكتورة هدى درويش، العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية:منذ قيام دعوة يهود الدونمة 1648 إلى نهاية القرن العشرين، دار القلم، دمشق، 2002، ج1ص222-223، استناداً إلى رأي الدكتور أحمد سوسة في كتابه الشهير:العرب واليهود في التاريخ، العربي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ص720-721.
[8] – دكتور حسان حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897-1909، دار النهضة العربية، بيروت، 1999، ص 48-50.
[9] -نفس المرجع، ص 104. وأيضاً:
-عادل مناع، تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918(قراءة جديدة)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1999، ص186.
[10] – دكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف، القاهرة، 1973، ج1ص8-10(من مقدمة الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي).
[11] -لورانس أوليفانت، أرض جلعاد:رحلات في لبنان وسورية والأردن وفلسطين 1880، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمّان، 2004، ص430 و462 و484.
[12] -د.محمد الناصر النفزاوي، التيارات الفكرية السياسية في السلطنة العثمانية 1839-1918، دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع، صفاقس، وكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، 2001، ص413 و469.
[13] -نفس المرجع، ص412-413.
[14]- د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، 1831-1914، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1983، ص153.
[15] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث في تاريخ العرب الحديث 1514-1914، مكتبة المحتسب، عمّان، 1983، ص54.
[16]-نفس المرجع، ص54-58.
[17] -أحمد الشقيري، الأعمال الكاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ج2 المذكرات/2-على طريق الهزيمة مع الملوك والرؤساء، ص1395.
[18] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص298.
[19] -زين نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار للنشر، بيروت، 1977، ص99.
-Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw,History of the Ottoman Empire and Modern Turkey,Cambridge University Press,2002,Vol. 2,p. 330.
[20] -حلمي النمنم، التاريخ المجهول:المفكرون العرب والصهيونية وفلسطين، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، ص146-170.
[21] -د. محمد عيسى صالحية، سياسات وإجراءات علي أكرم بك(متصرف القدس)حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في مدينة القدس، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4 المجلد 38، إبريل-يونيو 2010، ص 135.
[22] -د. جيرمي سولت، تفتيت الشرق الأوسط:تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي، دار النفائس، دمشق، 2011، ترجمة:د. نبيل صبحي الطويل، ص153-154.
[23] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص69.
[24] -عيسى القدومي، الأرشيف العثماني وكنوز تاريخ القدس، مجلة بيت المقدس للدراسات، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، نيقوسيا-قبرص، العدد الخامس، شتاء 2008، ص41-42
[25] -دكتور حسان حلاق، ص80.
[26]-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص22.
[27] -لورانس أوليفانت، ص 472.
[28] -دكتور حسان حلاق، ص90.
[29] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص12(من مقدمة الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي).
[30] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق، عمّان، 2007، ص194.
[31] -د. مصطفى الستيتي، موقف الحكومة العثمانية من هجرة 46 يهوديا تونسيا إلى القدس، صحيفة الضمير التونسية، وموقع أرشيف الدولة العثمانية، 23/1/2014،
http://www.ottomanarchives.info/2014/01/23/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d 8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%87%d8%ac%d8%b1%d8%a9-46-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a7/
[32] -Stanford J. Shaw, The Jews of the Ottoman Empire and the Turkish Republic, New York University Press, New York, 1991, pp. 214-215.
[33] -نائلة الوعري، ص125.
[34] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
[35] -نائلة الوعري، ص107-108 و139 و146-147 و158-159. وأيضا:
-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
[36] -نائلة الوعري، ص136-148.
[37] -دكتور حسان حلاق، ص87.
[38] -نائلة الوعري، ص149-154.
[39] -د. أمين عبد الله محمود، مشاريع الاستيطان اليهودي في مرحلة التكوين، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2011، ص132-134.
[40] -نائلة الوعري، ص 107 و108 و139 و146 و147 و158 و159.وأيضاً:
-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
[41] -دكتور حسان حلاق، ص90.
[42] -مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال:أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم، كلمة، أبوظبي، وكلمات عربية، القاهرة، 2008، ص277.
[43] -نفس المرجع، ص308-310.
[44] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص31.
[45] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص43-44. وأيضا:
-دكتور حسان حلاق، ص104-105.
[46] -وليد الخالدي، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، والنادي الثقافي العربي، 2009، ص290.
[47] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ج2ص991-998.
[48] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص46.
[49] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص44.بالإضافة إلى المراجع في الهامش التالي.
[50] -د. سلمان أبو ستة، فلسطين:الحقوق لا تزول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2013، ص21.
-هنري لورنس، مسألة فلسطين:المجلد الأول1799-1922 اختراع الأرض المقدسة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ترجمة:بشير السباعي، الكتاب الأول1798-1914 أوروبا تصوغ العالم وشرق آخذ بالتحول ص173-174.
-مقال للدكتور رشيد الخالدي في مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية 1 يناير 1994 على الموقع التالي:
http://www.thefreelibrary.com/_/print/PrintArticle.aspx?id=15721729
والمراجع السابقة تستند إلى المرجع المهم التالي للخبير الديمغرافي الأمريكي جستن مكارثي:
-Justin McCarthy, The Population of Palestine: Population History and Statistics of the Late Ottoman Period and the Mandate, Columbia University Press, New York, 1990.
[51] -د.عبد العزيز محمد عوض، مقدمة….، ص50.
[52] -دكتور حسان حلاق، ص96.
[53] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة….، ص51.
[54] -رفيق شاكر النتشة، السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين: السلطان الذي خسر عرشه من أجل فلسطين، دار الكرمل، عمّان، 1984، ص152.
[55] -نائلة الوعري، ص199.
[56] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص 88-89.
[57] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص24.
[58] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص53.
[59] -دكتور حسان حلاق، ص151-152.
[60] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص76.
[61] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص991-993.
[62] -نفس المرجع، ج2ص993. وأيضا:
-نائلة الوعري، ص205.
[63] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص89. وأيضا:
-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص33.
[64] -دكتور حسان حلاق، ص250.
[65]-د. محمد عيسى صالحية، سياسات وإجراءات علي أكرم بك(متصرف القدس)حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في مدينة القدس، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4 المجلد 38، إبريل-يونيو 2010، ص131-164.
[66] -نائلة الوعري، ص206.
[67]-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص89.
[68] -الدكتور عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر، دمشق، 2002، ص82.
[69] -نفس المرجع، ص75-77.
[70] -مردخاي نائور، الصهيونية في مائة عام1897-1996:تواريخ، وثائق، مفاهيم، صور، مكتبة النافذة، القاهرة، 2013، ترجمة:عمرو زكريا خليل، ص26.
[71] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 208.
وأيضا:
-دكتور حسان حلاق، ص285.
[72] -وليد الخالدي، ص317.
[73] -د. عبد الوهاب المسيري، الصهيونية وخيوط العنكبوت، دار الفكر، دمشق، 2006، ص102.
[74] -Stanford J. Shaw, 1991, pp. 212-213.
[75] -نائلة الوعري، 172-173.
[76] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص79.
[77] – Marvin Lowenthal (ed), The Diaries of Theodor Herzl, The Universal Library, New York, 1962, p. 340.
[78] -مردخاي نائور، ص35 و41.
-دكتور حسان حلاق، ص185.
[79] -دكتور حسان حلاق.
[80] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص61.
[81] – Sevket Pamuk, The Ottoman Empire and European capitalism, 1820-1913, Cambridge University Press, 1987, p. 213.
[82] -دكتور حسان حلاق، ص184.
[83] -نفس المرجع، ص199.
[84] -د.خيرية قاسمية، قضية الحدود بين فلسطين ومصر وأثرها في جذور الصراع العربي-الصهيوني، مجلة تاريخ العرب والعالم، دار السياسة للصحافة والنشر، بيروت، العدد الخامس، مارس 1979، ص20.
[85] -دكتور حسان حلاق، ص188-189.
[86] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص966-972.
[87] -د. صبري أحمد العدل، سيناء في التاريخ الحديث (1869-1917)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرةـ2004، ص192.
[88] -حلمي النمنم، جذور الإرهاب: أيام سليم الأول في مصر، دار النهر للنشر والتوزيع، القاهرة، 1995، ص9.
[89] -د. أمل فهمي، العلاقات المصرية العثمانية على عهد الاحتلال البريطاني 1882-1914، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002، ص93-128.
[90] -ألفت احمد الخشاب، تاريخ تطور حدود مصر الشرقية وتأثيره على الأمن القومي المصري 1892-1988، دار الشروق، القاهرة، 2008، ص169-170.
[91] -د. صبري أحمد العدل، ص164.
[92] -نفس المرجع، ص180-182.
[93]-Moshe Ma’oz (ed), Studies on Palestine During the Ottoman Period, The Hebrew University, Jerusalem, 1975, pp. 190-197.
[94] -أمين أبو بكر، ملكية السلطان عبد الحميد الثاني في فلسطين(1876-1937)، مجلة جامعة النجاح للأبحاث(العلوم الإنسانية، نابلس، المجلد17(1)، 2003، ص232-233.
[95] -هنري لورنس، ص166-171.
[96] -جوني منصور، الخط الحديدي الحجازي: تاريخ وتطور قطار درعا-حيفا، مؤسسة الدراسات المقدسية، القدس، 2008، ص174-175.
[97] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص135.
[98] -باميلا آن سميث، فلسطين والفلسطينيون 1876-1983، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق، 1991، ترجمة:إلهام بشارة الخوري، ص25.
[99] -د. حسان حلاق، دور اليهود والقوى الدولة في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش 1908-1909، دار بيروت المحروسة للطباعة والنشر، بيروت، 1993.
[100] -حنا بطاطو، العراق(الكتاب الأول): الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1990، ترجمة: عفيف الرزاز، ص323-326.
[101] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص319.
[102] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص57.
[103] -نائلة الوعري، ص252.
[104] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص59. وأيضا:
-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص47.
[105] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص153.
[106] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص44.
[107] -جورج أنطونيوس، يقظة العرب: تاريخ حركة العرب القومية، دار العلم للملايين، بيروت، 1978، ترجمة: الدكتور ناصر الدين الأسد والدكتور إحسان عباس، ص365.
[108] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص61.
[109] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص43.وأيضا:
-أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص72.وأيضا:
-رفيق شاكر النتشة، ص112.
[110] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص115.
[111] -مذكرات محمد عزة دروزة1887-1984، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993، ج1ص244.
[112] -قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1994، ص74.
[113] -عوني فرسخ، التحدي والاستجابة في الصراع العربي-الصهيوني: جذور الصراع وقوانينه الضابطة (1799-1949)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008، ص223-224.
[114] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص43.
[115] -عادل مناع، ص235-236.
[116] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص56-57.
[117] -جورج أنطونيوس، ص365.
[118] -وليد الخالدي، ص256 و288و296.
[119] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2 ص 1002.
[120] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص 79.
-دكتور حسان حلاق، 1999، ص 155.
-هنري لورنس، ص169.
[121] -مايكل أورين، ص 277-278.
[122] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 217.
[123] -مردخاي نائور، ص25-26.
[124] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السابع، ج2ص90-91.
[125] -هنري لورنس، ص170.
[126] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص103.
[127] -هنري لورنس، ص166.
[128] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد الثاني، ج1ص110.
[129] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص47. وأيضا:
-دكتور حسان حلاق، 1999، ص78.
[130] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد الرابع، ج3ص320.
[131] -دكتور حسان حلاق، ص103.
[132] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 214.
[133] -نفس المرجع ، ص 216.
[134] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص234 و293و256.
[135] -نفس المرجع، ص237-239.
[136] -مصطفى كامل باشا، المسئلة الشرقية، مطبعة اللواء، القاهرة، 1909، ص8.
[137] -شاكر النابلسي، عصر التكايا والرعايا: وصف المشهد الثقافي لبلاد الشام في العهد العثماني(1516-1918)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص178.
[138] -نبيل فياض، يوم انحدر الجمل من السقيفة، منشورات الدار الفاطمية، دمشق، 1993، ص 79-80.
[139] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج3ص1478.
[140] -الدكتور عبد الوهاب المسيري، حوارات (1): الثقافة والمنهج، دار الفكر، دمشق، 2010، تحرير: سوزان حرفي، ص307.
[141] -مايكل أورين، ص 277.
[142] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2.
-أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، دار الشروق، القاهرة، 1982.
-سعيد أحمد برجاوي، الإمبراطورية العثمانية:تاريخها السياسي والعسكري، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1993.
-جون باتريك كينروس (لورد كينروس)، القرون العثمانية:قيام وسقوط الإمبراطورية، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2003، ترجمة:الدكتورة ناهد إبراهيم دسوقي.
[143] -د. أمل فهمي، ص80-81.
[144] -Ilan Pappe, A History of Modern Palestine, Cambridge University Press, 2006, p. 56.
[145] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص325.
[146] -Ilan Pappe, p. 53.
[147] -مردخاي نائور، ص31.
[148] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 223.
[149] -نفس المرجع ، ص 295.
[150] -نفس المرجع ، ص 225.
[151] -مايكل أورين، ص347.
[152] – Stanford J. Shaw, 1991, p. 216.
[153] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السابع، ج2ص90-91.
[154] -الدكتور ماهر الشريف، تاريخ فلسطين الاقتصادي-الاجتماعي، دار ابن خلدون، بيروت، 1985، ص93.
[155] -Ilan Pappe, p. 69.
[156] -مردخاي نائور، ص84.
[157] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص999.
[158]-عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص44.
[159] -د. أمين عبد الله محمود، ص112.
[160] -جون هاسلب، السلطان الأحمر عبد الحميد، دار الروائع الجديدة، بيروت، 1974، ترجمة:فيليب عطا الله، ص286.
[161] -بيتر مانسفيلد، تاريخ الشرق الأوسط، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ترجمة: أدهم مطر، ص 196.
-جون هاسلب، ص286.
[162] -جون هاسلب، ص286.
[163] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص39-41.
[164] -دافيد فرومكين، سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914-1922، رياض الريس للكتب والنشر، لندن-قبرص، 1992، ترجمة: أسعد كامل الياس، ص328. وأيضا:
-Tom Segev, One Palestine Complete: Jews and Arabs under the British Mandate, Henry Holt and Company, New York, 2000, p. 41-43.
[165] -الدكتور عبد الكريم رافق، العرب والعثمانيون 1516-1916، مكتبة أطلس، دمشق، 1974، ص550.
[166] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص44.
[167] -زين نور الدين زين، ص99.
[168] -ظاهر محمد صكر الحسناوي، شكيب أرسلان: الدور السياسي الخفي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص121و132-133 هامش رقم 126.
[169] -سحر الهنيدي، التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي: فترة هربرت صامويل(1920-1925)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003، ص160.
[170] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2, p. 231.
[171]-أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص68 و98 هامش رقم26.
[172] -سحر الهنيدي، ص274.
[173] -محمد حرب، ص86.
[174] -عبد الوهاب الكيالي(محرر)، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1990، ج4ص445-446.
[175] -كوليت الخوري(تحقيق)، أوراق فارس الخوري، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، 1989، ج1ص404.
[176] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص334.
[177] -هنري لورنس، ص205 و 225 و227.
[178] -فاضل بيات، دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2003، ص452.
[179] -نفس المرجع، ص453.
[180] -نفس المرجع، ص453.
[181] -نفس المرجع، ص457.
[182] -السلطان عبد الحميد الثاني، مذكراتي السياسية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1979، ص34-35.
[183]-العلاقات العربية التركية: حوار مستقبلي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1995، ص548-549(دراسة الدكتور إبراهيم الداقوقي، نحو خطة جديدة للتحرك على المستوى الإعلامي والتربوي لتغيير صورة العرب في الكتب المدرسية ووسائل افعلام التركية). وأيضأ:
-Marvin Lowenthal, p. 152.
[184] -نفس المرجع، ص152.
[185] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2, p. 262.
[186] -السلطان عبد الحميد الثاني، ص113.
[187] -سعيد الأفغاني، سبب خلع السلطان عبد الحميد: وثيقة بتوقيعه، فريدة مجهولة تصرح بالسبب، مجلة العربي، وزارة الإعلام بحكومة الكويت، العدد 169، ديسمبر 1972، ص155-156.
[188] -محمد حرب، ص141.
[189] -الدكتور وميض جمال عمر نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1986، ص86.
[190] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص304. وأيضا:
-Stanford J. Shaw, 1991, p. 212.
هرتزل وألمانيا:الصهيونية في صالح الدولة العثمانية، مرة أخرى !
وبعدما اكتشف هرتزل هذا الحل بدأ بالطواف على القوى الكبرى لعرض مشروعه عليها، وكانت ألمانيا هي البلد الأول الذي اتجه إليها وحصل من مسئوليها على وعد بأن يناقش الإمبراطور القضية الصهيونية مع السلطان عبد الحميد، وكان الامبراطور الألماني هو الزعيم الأول الذي قابله هرتزل وحاول الحصول على وساطته لحمل العثمانيين على القبول بالمشروع الصهيوني، وقد حدثت المقابلة الأولى في استانبول أثناء زيارة الامبراطور الثانية للدولة العثمانية (1898) وقدم هرتزل مشروعه لولهلم الذي رأى فيه “نعمة وازدهاراً لا مثيل لهما للأرض المقدسة وإحياء وتطوراً لآسيا الصغرى مما سيجلب الملايين لجيب الأتراك وسيساعد تدريجياً على إنقاذ الرجل المريض من الإفلاس”[74]، “ورغم وعود القيصر ورغم حرصه على تبني المشروع الصهيوني، فإنه لم يكن مدركاً مدى عمق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول، ولذا فحينما تم اللقاء (مع هرتزل) في نهاية الأمر في القدس، حيث كان من المتوقع أن يصدر القيصر وعده البلفوري العلني الكامل، تراجع واكتفى ببعض المجاملات الخالية من المعنى” كما يقول الدكتور المسيري، إذ أن السلطان يرفض زيادة مشاكل الأقليات التي تحميها الامتيازات الأجنبية مشكلة جديدة والدولة تبدي سعادتها بعرض تسوية الديون وتستعد لاستقبال اليهود ولكن ليس في فلسطين، وفي الحقيقة أن المصالح العثمانية الألمانية كانت كبيرة ومهمة للجانبين، كما أن ألمانيا كانت ترى في الحركة الصهيونية مصلحة لها وكان لها تاريخ في دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بواسطة قناصلها هناك رغم عدم الإعلان رسميا عن هذا الدعم[75]ولكن مما لا شك فيه أن القناصل الرسميين لا يتفقون على سياسة مخالفة لسياسة دولتهم، ورغم رؤية الامبراطور الخاصة لمصالح ألمانيا الصهيونية فإنه لما لمس الرفض العثماني نأى بنفسه عن تأييد الحركة الصهيونية ووجد أن صداقة الدولة العثمانية وخلفها جميع مسلمي العالم أفضل لبلاده من صداقة الصهاينة، ولهذا فإنه قام بالرد على طلب هرتزل بتصريح دبلوماسي “ليس فيه أي كسب للقضية الصهيونية” كما يقول الدكتور حسن صبري الخولي[76]، فتعساً لحكام سايكس بيكو الذين ترجح الدول الكبرى اليوم عليهم صداقة الحركة الصهيونية وكيانها الحقير رغم ما للغرب من مصالح كبرى في بلاد العرب والمسلمين.
عروض هرتزل على السلطان عبد الحميد
ثم اتجه هرتزل بشكل مباشر إلى إقناع السلطان العثماني صاحب السيادة على فلسطين في ذلك الوقت، وزار استانبول لهذه الغاية خمس مرات في الفترة الممتدة بين عامي 1896-1902 تمكن أثناءها من الاجتماع مرة واحدة-وفق معظم الروايات-بالسلطان عبد الحميد الثاني في مايو/أيار/ماي 1901، ولا يمكن في دراسة كهذه استيعاب ما جرى في كل المفاوضات ولكن يمكن تلخيص عروض هرتزل مقابل السماح بالاستيطان اليهودي في فلسطين مع عدم التصريح بما أضمره في ذلك الوقت من رغبات توسعية تتعداها، بل إن استعمال عبارة الوطن القومي اليهودي في المؤتمرات الصهيونية الأولى بدلاً من عبارة الدولة اليهودية كان هدفه عدم إثارة العثمانيين، وقد عرض هرتزل على السلطان تسوية المالية العثمانية المثقلة بالديون، وكان هذا هو العرض الأهم لدولة كانت قد أعلنت إفلاسها، وكان هرتزل يدرك الأبعاد الحقيقية لهذه المشكلة في الدولة العثمانية، فقال للسلطان إن الشوكة التي توجعه هي الديون وإنه لو تمت تسويتها فإن الدولة العثمانية ستستعيد عافيتها وستتطور نحو الأقوى وإنه يستطيع نزع هذه الشوكة بشرط ضمان سرية الإجراءات لأن “القوى الكبرى التي تريد إبقاء الدولة العثمانية ضعيفة ستبذل كل ما تستطيع لمنع تعافيها وستقوم بكل ما يمكن لإحباط هذه العملية”[77]، كما عرض التدخل لوقف الحملات الإعلامية الغربية على العثمانيين فيما يتعلق بالأزمة الأرمنية التي كانت محتدمة في سنة 1896 وهي السنة التي زار فيها استانبول للمرة الأولى، بل إنه عرض التدخل لإنهاء التمرد الأرمني نفسه، والعمل على كبح جماح المعارضة التي تمثلها جماعة تركيا الفتاة، ولإبعاد الشباب العثمانيين عن الأفكار الثورية عرض تأسيس جامعة عبرية تغني الطلاب العثمانيين عن السفر للغرب والتأثر بأفكاره، كما عرض إعادة جزيرة قبرص التي احتلتها بريطانيا سنة 1878 مقابل الحصول على فلسطين، كما تنازل عن مدينة القدس وعرض أن يكون المستوطنون اليهود تابعين للدولة العثمانية ويرتبطون بالولاء للسلطان على غرار الولايات ذات الاستقلال الذاتي في الدولة، وتقلصت مطالبه إلى حيفا ومحيطها فقط (1902) أو عكا وجوارها(1904)[78]، وسيجلب هؤلاء المستوطنون الازدهار لمنطقتنا وفق الوعود المقدمة، وحذر صهاينة آخرون كذلك من نشوب ثورة عربية ضد العثمانيين وعرضوا أن يتصدى الكيان اليهودي لها إن قامت، وهذا هو مجموع ما عرضته الحركة الصهيونية في مناسبات مختلفة وفقاً للمصادر المختصة[79].
لماذا فشلت المفاوضات؟
وهذه العروض بالطبع تتضمن ما هو أكبر من إمكانات الحركة الصهيونية في ذلك الوقت، ولكن المهم أن هرتزل كان بحاجة لوعد من السلطان على غرار وعد بلفور ليتمكن من جمع المال الذي سيسوي المشاكل المالية العثمانية، وكان جوابه لترجمان السلطان عندما طالبه بالمال :”أعطني الاستيطان غير المقيد وسوف تحصل على المليون في وقت قصير، أستطيع أن أعدك بذلك رأساً لأن من أجله جئت”، ويؤكد هرتزل هذه الحقيقة في مذكراته بالقول إنه كان بحاجة لموافقة السلطان على العرض وبهذا يمنحه السلة التي سيتمكن من ملئها بالمال، إذ سيكون بيده وطن حقيقي للشراء، ولهذا فإن القول بأن المفاوضات فشلت بسبب عدم توفر المال هو قول غير دقيق لأن السلطان رفض منذ البداية منطلق هرتزل وهو الحصول على فلسطين، ويقول الدكتور عبد العزيز عوض في ذلك:”وإذا كان السلطان قد اضطر تحت وطأة الدين ومشاكل الدولة المالية للدخول في مفاوضات طويلة مع هرتزل استمرت من 1897-1903 لكنها انتهت بالفشل بسبب تشبث السلطان في موقفه المعارض لفكرة الهجرة اليهودية إلى فلسطين”[80]، أما الدور الذي قامت به تحويلات المهاجرين الصهاينة في تعديل الموازنة المالية العثمانية وبخاصة بعد سنة 1890[81]، فلم يكن له أثر في تغيير الموقف العثماني الذي ظلت مقاومته تتصاعد إلى نهاية عهد السلطان عبد الحميد على الأقل.
ولم يكترث السلطان ببقية العروض، فلم يهتم بتحسين صورته في الإعلام الغربي على عكس ساسة العرب في زمننا المعاصر الذين يسفحون حقوق بلادهم وشعوبهم لمجرد أن يراهم الغرب بصورة تحسن في عينيه ويحظون بنظرة استحسان أو كلمة ثناء أو ابتسامة رضا من هنا أو هناك، كما لم يبهره عرض الجامعة العبرية وما فيه من إغراءات ظن هرتزل أنها لا تقاوم ولكن السلطان رغم اهتمامه بإبعاد شبابه عن التأثيرات الغربية فقد “رأى أن الغاية من إنشاء هذه الجامعة سياسية واستيطانية أكثر منها ثقافية” كما يقول الدكتور حلاق[82]، ولهذا رفض بناءها في الوقت الذي احتفى فيه أستاذ الجيل الليبرالي أحمد لطفي السيد بافتتاحها إلى جانب عتاة الاستعمار والصهيونية في زمن الانتداب كما مر، وبدلا من الوقوع في الفخ الخارجي الذي يعمل على تفريق الأمة الواحدة، لم يوافق السلطان على أن الخطر ماثل من الجانب العربي، وذكر لهرتزل تضحيات العرب في حروب الدولة مباهياً بها وببسالة العرب في تقديمها وعمل على تقريبهم وجمعهم حول راية الجامعة الإسلامية بدلاً من الإصغاء إلى وسوسة التفريق الأجنبية.
عروض السلطان المضادة
وقد قدم السلطان بدوره عروضه لهذه المفاوضات فبعد رفض الهجرة إلى فلسطين قبل بهجرة يهودية مراقبة ومتفرقة إلى الأناضول أو العراق، حيث إمكانات ذوبان المهاجرين بين كثرة السكان كبيرة وحيث لا يؤلفون كتلة سكانية واحدة قد تخلق للدولة مشكلة أقلية جديدة تكون مدخلا للتدخل الأجنبي، يتضح ذلك من تصريحه بالحرص على بقاء العنصر العربي غالباً في فلسطين حتى لا يجني على إخوانه في الدين(ملحق رقم 5)، ولهذا على المهاجرين إلى الأماكن المقترحة التخلي عن جنسياتهم وحمل الجنسية العثمانية والالتزام بقوانين الدولة، وظل على هذا الموقف إلى آخر عهده، وتؤلف الإجراءات العملية التي اتخذها والسياسات التي اتبعها المستند الأساس لتقويم رأيه، بل يمكننا القول أنه لم يندم على هذا الموقف إلى آخر عمره كما تفصح بذلك الوثائق التي كتبها بيده بعد عزله من الحكم كرسالته إلى شيخه محمود أبي الشامات التي يقول فيها أنه عُزل بسبب رفضه ضغوط جمعية الاتحاد والترقي التي طلبت منه المصادقة على تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين، هذا بالإضافة إلى مذكراته الشخصية التي أملاها في فترة العزل وتطرق فيها إلى المسألة اليهودية بسرعة أرسل فيها موقفه منها إرسال المسلمات ولا يظهر فيها أي تغير من جهته(ملحق رقم 8)، وكان إملاؤها في سنة 1917 قبل وفاته بقليل رحمه الله.
كان هذا هو رد السلطان وهو ما فهمه هرتزل جيداً وما رفضه في نفس الوقت بسبب تشبث الحركة الصهيونية بفلسطين، وهو ما فهمه غير هرتزل أيضا، فقد اقترح القنصل العثماني العام في فيينا على هرتزل في سنة 1904 قبل وفاته بقليل مشروعاً لا يمكن للصهيونية أن تنال هدفها دونه:الإبحار إلى البوسفور بسفينتين ونسف قصر السلطان عبد الحميد والقبض عليه وإقامة سلطان آخر مكانه بعد تعيين حكومة مؤقتة تعطي اليهود امتياز الاستيطان في فلسطين(!) وهو ما رفضه هرتزل خوفا من تبعاته الخطيرة[83].
فشل مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء نتيجة المقاومة العثمانية
ونتيجة لهذا الموقف السلطاني الصارم قرر هرتزل أن يتجه إلى بقية الدول الكبرى وكان من ضمن طلباته إلى وزير الداخلية الروسي ثم إلى الملك الإيطالي التدخل لدى السلطان ليقبل المشروع الصهيوني، وقد ذكر له الملك الإيطالي أن السلطان قد يقبل الهجرة ولكنه لا يطيق سماع كلمة الاستقلال، والحقيقة أن الهجرة إلى فلسطين كانت مرفوضة لاقترانها بالاستقلال اليهودي كما صرح السلطان في مذكراته السياسية، أي أن معارضة الهجرة اليهودية إلى فلسطين لم تكن قضية جانبية للدولة العثمانية بل تتعلق بأمنها القومي، ولهذا عرض السلطان على هرتزل قبول هجرة بشروط وفي أماكن أخرى يستحيل تحقيق استقلال يهودي فيها، كما طلب هرتزل (1903) من الإنجليز موطئ قدم في العريش بسيناء ولكن الحكومة البريطانية وجدت الأمر لا يتفق مع مصالحها وكان مما احتجت به موقف الرفض العثماني لأن هذا المشروع “على الأقل لا يتفق مع مصالح السلطان صاحب السيادة في مصر”[84]، ويقول الدكتور حلاق إن اللورد كرومر والحكومة المصرية تخوفا من غضب الباب العالي وعملا على عدم إثارته في هذا الموضوع، وأن موقف السلطان من الحركة الصهيونية كان له أكبر الأثر في المعارضة البريطانية لمشروع سيناء[85]، ولهذا قال الدكتور عبد العزيز الشناوي إن من خدمات الدولة العثمانية للعروبة والإسلام منع اليهود من الاستيطان في سيناء، وهي سياسة اتبعتها مع محاولاتهم منذ أيام السلطان سليم الأول (1517) وإن الحكومة المصرية في زمن الاحتلال البريطاني هي التي تساهلت وسمحت لبعثة صهيونية باستكشاف أوضاع سيناء سنة 1902 استجابة “للنصائح” البريطانية التي لم تتمكن من التمرد عليها وإلا عُد المتمرد عليها من الوزراء متنحياً من منصبه[86]، ولما رفضت مشروع هرتزل سنة 1903 أوضح بطرس غالي ناظر الخارجية المصري إن الحكومة المصرية ليست مخولة وفقاً للفرمانات السلطانية بالتنازل عن حقوق السيادة لأي سبب أو مبرر[87]، أي أن الموقف العثماني كان هو حجة الحكومة المصرية في إفشال المشروع الصهيوني في سيناء.
ومع كل هذا نسمع من يقول إن السلطان عرض سيناء على الصهاينة ليقيموا فيها الوطن القومي بدلا من فلسطين[88]، مع أنه لم يعارض المشروع الصهيوني فيها وحسب بل حاول إنقاذها من الاحتلال البريطاني أيضا عندما حاول مرتين (1892 و 1906) استبعادها من سلطة الخديو-بسبب وقوعها تحت الاحتلال لا رغبة في انتقاص مصر التي كانت بريطانيا هي مصدر أذاها-وحاول ضم أي جزء ممكن من شبه الجزيرة لأملاك الدولة مما أثار حفيظة الليبرالية المصرية التي تفضل أن يكون الوطن محتلاً بكامله على أن يحرر الإخوة ولو جزءاً منه، وهذا هو دائماً منطق الوطنية الوظيفية لا الوطنية النظيفة التي مثلها الزعيم الكبير مصطفى كامل باشا والتي فهمت الأبعاد الحقيقة للمشكلة وفضلت أن يحرر العثمانيون سيناء من براثن الاحتلال على أن تظل تحت سلطة كرومر الذي يدافع عن اتساع مساحة الاحتلال وحماية المواصلات الامبراطورية البريطانية عبر قناة السويس وليس عن سلامة الأراضي المصرية التي انتهكها احتلاله من حيث المبدأ، ولهذا قالت صحيفة اللواء إن الخلاف ليس بين تركيا ومصر بل بين تركيا صاحبة السيادة على مصر والدولة المحتلة لمصر، وهذا أيضاً ما فهمه الرأي العام المصري آنذاك والذي ساندت صحفه الدولة العثمانية امتداداً لتأييد حركة الجامعة الإسلامية[89].
فتصوير المشكلة بأنها بين مصالح عثمانية ومصرية واستبعاد البعد الاحتلالي البريطاني منها، كما حلا للتغريب رؤية المشهد[90]، قصور واضح في فهم الواقع يؤدي إلى الاصطفاف البائس مع المحتل وتصويره بصورة المدافع عمن يحتل هو أرضهم ويسبب المشكلة الرئيسة لهم[91]، كما يؤدي إلى القبول بتسليم البلاد إلى المحتلين وتصور الخطر آتياً من الأشقاء، وهذا ما حدث عندما قام الألماني بول فريدمان بمحاولة استيطان يهودي في شمال غرب الجزيرة العربية وهي منطقة كانت تحت السيادة المصرية (1891-1892) فلجأ عربان المنطقة إلى الحكومة المصرية لتساعدهم على التخلص من هؤلاء الغرباء المزعجين ولكنهم رجعوا دون أن يستمع إليهم أحد من رجال الحكومة فلجئوا إلى الدولة العثمانية حيث أصدر والي الحجاز أمره لأحد الضباط بمعالجة الوضع واحتلال قلعة المويلح في تلك المنطقة، ويعلق الدكتور صبري أحمد العدل على المشهد بقوله:”ولكن الغريب في الأمر أن ممثلي الإدارة المصرية في سيناء، لم يثرهم تواجد فريدمان، وإنما اختراق والي الحجاز الأراضي المصرية حيث أرسل سعد أفندي رفعت، قومندان القلاع الحجازية برسالة إلى سردارية الجيش المصري يوضح بها “الكيفية التي حضر بها محافظ الوجه بقصد الاستيلاء على قلعتي المويلح وضبا التابعتين للحكومة المصرية”، ومحاولته منع هذا الاستيلاء، ومنع انتهاك السيادة المصرية”، ثم تخلت بريطانيا عن دعم مشروع فريدمان “لتجنب الاصطدام مع الدولة العثمانية”[92]، وبهذا يتضح عوار المنطق المتستر بالمصالح الوطنية الضيقة ولو كانت بالاتفاق مع المحتلين ضد مصالح الأمة الكلية التي هي الوحيدة الكفيلة بحراسة الجميع.
كما تؤدي رؤية التاريخ من هذه الزاوية إلى نظرة غير تاريخية تسقط الحاضر الوطني التغريبي على الماضي حين كان الشعور إسلامياً ومن ثم كان المسلم يفضل أن يكون وطنه تحت سلطة خليفة المسلمين على أن يكون تحت احتلال الأجنبي، وإن موقف الدولة العثمانية من مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء يؤكد أن همها لم يكن اقتطاع الأراضي المصرية بل استبعاد أخطار التدخلات الأجنبية، ولهذا احتمت الحكومة المصرية بالموقف العثماني عندما رفضت مشروع هرتزل للاستيطان اليهودي.
هل راجع السلطان نفسه فيما بعد؟
تبين فيما سبق أن السلطان ظل وفياً لموقفه حتى آخر حياته، ولكن هناك من ادعى أنه قابل هرتزل مرة ثانية في يونيو 1902 بصورة غير رسمية رغم أن هرتزل نفسه لا يأتي على ذكر شيء من هذا في يومياته المفصلة قط، ورغم أن المدعين يقولون أنه حصل على إذن بنشر جواب السلطان الذي لم يكن يزيد عما وصفوه بأنه ما يسمى في اللغة:نعم السلبية، أي نعم دبلوماسية يراد منها الرفض، ويقول أصحاب هذه الرواية أنه فكر بمراجعة هرتزل فيما بعد ولكنه لم يفعل، ومن الصهاينة من اقتطع بعض الأحاديث الجانبية المنقولة عن السلطان بطرق غير مؤكدة وحاول بث الشك في الموقف السلطاني بعد نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دون الرجوع إلى مجمل المواقف والوثائق، وكل ما وصل إليه هو ضرورة زيادة البحث في الوثائق العثمانية، ومن مراجعة هذه الأحاديث التي تعزى إلى ما بعد الثورة الدستورية عليه ويرى أصحابها أنها تظهر تفكيراً جديداً للسلطان، فإن كل ما يتبين فيها بوضوح أنه فضل معالجة الدين الكبير لدولته وكان قد دخل في مفاوضات لم تنته مع رجل ذي ثقافة (هو هرتزل) حاول شراء أراض قرب يافا والقدس، والمهم في المحادثة أن السلطان يعيد التأكيد على أنه “وضع لهم بعض الشروط” دون أن يذكر أي تراجع عنها وقد سبق توضيحها وسبق ذكر ما أملاه السلطان بعد ذلك، كما قال أنه يعتقد أن اليهود بإمكانهم الآن (الحديث يجري بعد اندلاع الثورة وتسلم جمعية الاتحاد والترقي الحكم) أن يشتروا ما أرادوه، وأنه يعتقد أن مالهم سيقنع الدول الكبرى بمشروعهم رغم قدسية القدس لأصحاب الديانات السماوية، وأن أملهم وهدفهم سيتحقق في المستقبل[93]، وهو تصريح ليس بالجديد فقد قال من قبل لهرتزل أنه بإمكان اليهود الحصول على فلسطين مجاناً وتوفير أموالهم بعد زوال الدولة العثمانية ولكنه لن يسمح بتشريح الجسد العثماني وهو مازال حياً (ملحق رقم 6).
وسيلة سلطانية منسية لمقاومة الاستيطان الصهيوني
يقول الباحث أمين أبو بكر في دراسته عن أملاك السلطان عبد الحميد في فلسطين، إن وضع اليد على الأرض وتحويلها إلى ملكية سلطانية(جفتلك)، من الأساليب التي اتبعها السلطان عبد الحميد ووكلاؤه في مقاومة الحركة الصهيونية والقوى الأجنبية المتنافسة على تملك الأراضي في فلسطين، وإن سياسة إلجاء المزارعين (وضع أراضيهم في حمى السلطان الذي يشتريها بأثمان رمزية ويحصل على نسبة من المحصول مقابل امتيازات مهمة للمزارعين)، بالإضافة إلى سياسة الإعمار في المقاطعات الفلسطينية كانت ترمي إلى غايات بعيدة هدفها إنقاذ الأراضي التي تواجه مواقف حرجة، وذلك لمنعها من الوقوع فريسة بأيدي القوى الاستعمارية والصهيونية، وضرب مثلاً لذلك بوضع السلطان يده على أراضي رفح[94]، والمعلوم أنه قد تعرض لهجوم بسبب سعة أملاكه ولم يُنظر للجوانب الإيجابية والخدمات الوطنية التي نتجت عنها، وبغض النظر عما يقوله المعارضون، فقد كان هذا الأسلوب مفيداً جداً، ونتمنى أن يضع حكامنا وأثرياؤنا مصالحهم الشخصية في خدمة قضايا الأمة على هذا الغرار، وألا يكون تشخيصهم لما يفيدهم متناغماً مع المصالح الخارجية المعادية ضد شعوبهم وبلادهم وأمتهم كما يحدث اليوم.
كيف تعامل السلطان عبد الحميد مع الضغوط الأجنبية التي سهلت الاستيطان اليهودي
يقول المؤرخ الفرنسي هنري لورنس إن الدولة العثمانية كانت خاضعة للوصاية الأجنبية الغربية الجماعية بداية من النصف الأول من القرن التاسع عشر، وإن حالة التوازن التي أنتجتها هذه الهيمنة هي التي سمحت بتسرب الهجرة والاستيطان اليهوديين، ولكن المجتمع والدولة العثمانيين تأقلما مع هذا الوضع واستخدماه لغاياتهما الخاصة وسعيا إلى مقاومة هذه الوصاية، فقامت الدولة بإدخال إصلاحات لإعادة بناء جهاز الدولة، ولم يبق المجتمع عاجزاً أو سلبياً، وإن تعدد أطراف هذه الهيمنة الأجنبية جعل الفاعلين فيها يميلون إلى تحييد بعضهم البعض، وأن السلطان عندما كان يستخدم نفوذاً ضد آخر لم يكن يسلم له بأطماعه، فعندما يستخدم نفوذ فرنسا ضد أطماع الولايات المتحدة في الشام، لا يسلم لها باحتلال تونس مثلاً[95].
موقف جمعية الاتحاد والترقي:هل فقد السلطان عرشه من أجل فلسطين؟
هذا ما يقوله بنفسه في رسالته الشهيرة لشيخه محمود أبي الشامات(ملحق رقم 7)، وهناك أدلة تؤكد ما ذهب إليه السلطان في رسالته، منها الرسالة التي أرسلها رجل الأعمال الإنجليزي ج. بولنغ في نوفمبر 1908 إلى الحكومة العثمانية قبل خلع السلطان بأشهر قليلة يعرض فيها على الحكومة السنية الإفادة من النفوذ المالي اليهودي “الذي يعترف به العالم أجمع” والموافقة على الاستيطان اليهودي في فلسطين ويقدم نفسه وسيطا لهذه المباحثات[96]، وتشير الدلائل إلى الارتياح اليهودي والصهيوني لخلع السلطان عبد الحميد[97]، بل الارتياح الغربي عموما[98]، وإلى مشاركة دولية ويهودية فاعلة في الثورة عليه[99]، ومن أبرز أدلة الحضور اليهودي وجود يهودي ماسوني من سالونيك هو عمانويل قراصو ضمن الوفد الرباعي الذي أبلغ السلطان قرار العزل ثم نفي السلطان نفسه إلى سالونيك حيث سجن في قصر يملكه أحد اليهود الاتحاديين[100]، وقد ابتهجت الصحف اليهودية هناك للتخلص من “مضطهد إسرائيل”[101]، وتجمع المراجع على أن موقف الدولة العثمانية من الهجرة اليهودية تغير بعد عزله، وأن اليهود وصلوا إلى مواقع فعالة في الحكومة وصلت إلى أربع وزارات فيها[102]، وأن جمعية الاتحاد والترقي اتبعت سياسة أكثر وداً تجاه هذه الهجرة، حتى من تحفظ على اتهام الجمعية لم ينف أنها “قلبت الموازين ودفعت بقوة باتجاه الوقوف إلى جانب اليهود في تحقيق أطماعهم الاستيطانية وإقامة دولتهم”[103]، وكان ذلك في البداية طمعاً في المال اليهودي لإنقاذ خزينة الدولة الخاوية، ولم تختلف في ذلك الحكومات التي تعاقبت على الوزارة سواء اتحادية أم ائتلافية[104]، وفي هذه الفترة دخل بعض العرب والأتراك في سباق لنيل الاتفاق مع الصهاينة كل طرف منهما لكسب تأييدهم لقضيته، فالعرب يطمعون بنيل تأييدهم في مواجهة الاتحاديين[105]، وكانت التهمة التي وجهها المعارضون العرب للحكومة المركزية هي التراجع عن القوانين والقيود التي فرضها السلطان عبد الحميد على الهجرة، والمطالبة بتفعيلها ثانية[106]، ثم طمع الاتحاديون في التأييد اليهودي في الحرب الكبرى الأولى(1914)، وكانت ألمانيا حليفة العثمانيين مركزاً للنشاط الصهيوني في بداية الحرب[107]، ولكن الموقف تغير بعد وقوف الصهيونية إلى جانب الحلفاء مما استدعى موقفاً عثمانياً متشدداً في سنة 1916[108]أدى لرحيل آلاف اليهود من فلسطين، ثم انقلب الموقف مرة أخرى عندما حاول طلعت باشا الصدر الأعظم وأحد أركان الاتحاديين ومضطهد الأرمن أن يتفق مع الصهاينة بواسطة قراصو آنف الذكر وبحضور الحكومة الألمانية قبل نهاية الحرب والانسحاب العثماني من فلسطين على أساس أن بريطانيا تعد بما لا تملك في الوقت الذي يمكن للدولة العثمانية تنفيذ ما تقوله لأنها مازالت صاحبة السيادة على سوريا وفلسطين[109].
وكما يسرد السلطان أنهم عرضوا المال عليه، وكانوا قد عرضوا ذلك عليه في السابق بشهادة هرتزل نفسه[110]، هناك أدلة مستقلة على أنهم عرضوا المال على جمال باشا أحد أركان الاتحاديين الثلاثة ولكن الصفقة لم تتم لأنه رفض إعطاءهم عهداً مكتوباً بالموافقة على مطالبهم[111]، أما المبلغ الذي يذكره السلطان وهو مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية ذهب، فهو حجم الديون العثمانية[112]التي سبق للصهاينة تكرار عروضهم بتسويتها إذا تحققت مطالبهم.
أي أن كل ما يقوله السلطان في رسالته للشيخ أبي الشامات يمكن العثور عليه من مصادر مستقلة وليس هناك ما يتعارض مع الوثائق الأخرى والأحداث التاريخية في شهادته الشخصية، أي ليس ثمة ما يدعو لردها.
الفرق بين عهد السلطان عبد الحميد ومن بعده
في تقويمه لسياسة السلطان عبد الحميد وما اعتراها من ثغرات مقارنة بما حدث بعده يقول الأستاذ عوني فرسخ في كتابه إن التمايز بين موقف السلطان وموقف غلاة الطورانيين كيفي بسبب تناقض برنامجه القائم على الرابطة الإسلامية التي أعطت العرب مكاناً واسعاً بين أركان حكومته وبطانته، مع برنامج الاتحاديين العنصري الذي جعل موقفهم العدائي تجاه العرب يمتد إلى الإسلام فتنتفي علاقة التناقض العدائي مع الحركة الصهيونية، “ولا خلاف أن الاتحاديين تراجعوا أكثر من مرة عن تساهلهم تجاه النشاط الصهيوني…ولكن هذا التراجع مختلف كيفياً عن مواقف عبد الحميد الثاني” فتراجع جمعية الاتحاد والترقي عن التأييد الاستراتيجي للصهيونية كان تراجعاً تكتيكياً أمام الاحتجاجات والضغوط العربية والإسلامية، أما الموقف الحميدي الاستراتيجي فهو معارض للصهيونية من حيث المبدأ وتراجعه عن ذلك كان موقفاً تكتيكياً أمام مداخلات السفراء والقناصل الأجانب[113]، أي أن التكتيك الحميدي كان استراتيجية الاتحاد والترقي وتكتيكهم كان استراتيجية السلطان عبد الحميد.
تقويمات تاريخية محايدة أخرى
يرى الدكتور عبد الوهاب المسيري من مجمل الموقف العثماني أن المستوطنين الصهاينة كان معروضاً عليهم دائماً الحصول على المواطنة العثمانية والاستقرار بفلسطين بصفتهم عثمانيين وليسوا عنصراً تابعا لدولة غربية، وأن قضيتهم لم تكن قضية آلاف من المضطهدين لا وطن لهم ويبحثون عن مأوى، وإنما هي “قضية غرس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات توجه غربي استعماري استيطاني رفض هذا الحل”[114].
ويقول الأستاذ عادل مناع إن السلطان عبد الحميد اشتهر برفضه الحازم لمساعي هرتزل السياسية، وأنه علينا ألا ننسى في المقابل استمرار الهجرة اليهودية طوال حكمه لأسباب تتعلق بالضغوط الأوروبية وفساد الإدارة العثمانية، وقد اقتنع هرتزل بعد مقابلاته مع السلطان ومقربيه بأنه لن يحصل على ما يبتغي لذا انتقل إلى المحطة التالية وهي بريطانيا[115].
ويقول الدكتور عبد العزيز محمد عوض إن السلطان عبد الحميد ظل طيلة سنوات حكمه عقبة كأداء في وجه المشاريع الصهيونية وذلك بتأثير من سياسته الإسلامية ورجاله المقربين من العرب إضافة إلى شكوكه الذاتية في النوايا الصهيونية، ولا يرى غرابة في رفض السلطان كل ما عرض عليه من مال وتقدم اقتصادي وثقافي وغير ذلك من عروض رغم حاجة الدولة إليها، لأن الثمن المطلوب كان مستحيلاً، لأنه لا توجد حكومة متحضرة تقبل أن تمنح أشخاصاً تابعين لدول أخرى ويقطنون أقطاراً أجنبية امتيازات خاصة في أرض تتبعها ويسكنها رعاياها، كما خشي السلطان من انفصال فلسطين عن الحكم العثماني لو قام فيها ملك يهودي[116].
ويقول جورج أنطونيوس إن الجهود الصهيونية في الميدان السياسي تركزت على إقناع حكام الدولة العثمانية بمختلف الوسائل ليمنحوا اليهود مزيداً من حق الاستيطان في فلسطين، ولم تلاق تلك الجهود نجاحاً “إذ خذلها عبد الحميد دون مواربة”، أما رجال تركيا الفتاة فإنهم كانوا ميالين للإصغاء للمقترحات الصهيونية نتيجة قوة اليهود في جمعية الاتحاد والترقي، ثم وجدوا من الحكمة في النهاية أن يرفضوها بعد احتجاج النواب العرب في مجلس المبعوثان واتجاه الصهاينة للحلفاء في الحرب الكبرى[117].
ويقول الدكتور وليد الخالدي إن الحدث الفصل في الفترة الممتدة بين بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين واندلاع القتال بعد صدور قرار التقسيم(1947) هو انتقال السيادة على فلسطين من الدولة العثمانية، التي كان انهيارها زلزالاً يضاهي نكبة 1948 ونكسة 1967، إلى بريطانيا حاضنة المشروع الصهيوني[118].
ويقول الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي الذي يُتهم كتابه بالتحيز للدولة العثمانية إن مجمل القول في مسألة الهجرة الصهيونية هو أن “الدولة العثمانية بمحاولاتها المكرورة منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين قد اقتحمت هذه المشكلة، ولكنها لم تستطع عبورها، ونجحت فقط في الحد منها، ونجحت في الحفاظ على عروبة فلسطين وعلى وحدة الصف العربي بين مسلميها ومسيحييها، ولكنها أخفقت في منع التسلل اليهودي إلى فلسطين”[119]، وهو كما نرى حكم غير متحيز، ويمكننا تفسير الإخفاق كما سيأتي بإخفاق الدول المعاصرة كبيرها وصغيرها في منع التسلل إليها إلى اليوم رغم التطور في وسائل التحكم، ويا ليت لنا بزعامات تحقق ما حققته الدولة العثمانية وفق ما سبق دون زيادة !
الهجرة الصهيونية إلى الدولة العثمانية في سياقها التاريخي
يجب الإشارة في هذا المقام إلى مجموعة من الحقائق تضع الأحداث في سياقها التاريخي الذي يجب تصوره قبل أن نبالغ في وصف الإجراءات العثمانية بالعجز رغم أن نتيجتها النهائية كانت دون طموحاتنا اليوم:
1- فلسطين قضية عثمانية:كانت قضية الهجرة إلى فلسطين قضية تمس أمن الدولة العثمانية نفسها حين كانت بلادنا كلاً واحداً يتأثر قاصيه بدانيه، وقد أشار كثير من الباحثين ورددوا القول إن السلطان عبد الحميد كان يرفض أن يختلق مشكلة جديدة في فلسطين كمشكلة لبنان أو مقدونيا[120]، حيث أدت مشاكل الأقليات إلى فتح أبواب التدخل الأجنبي، وهو أمر يمس وحدة الدولة وسلامة سيادتها وليس مجرد قضية مقاطعة نائية يمكن أن تباع، وفي ذلك يقول المؤرخ مايكل أورين:”كانت الدولة العثمانية تخشى الصهيونية وأي مجهودات ومحاولات تبذل لتفكيك الإمبراطورية، ولها كل الحق في ذلك، لذلك وضعت قيوداً تعسفية متشددة على هجرة اليهود إلى فلسطين”[121]، ويقول المؤرخ ستانفورد شو إن السلطان عبد الحميد كان يعرف بالضبط ما الذي يريده الصهاينة وأنهم يسعون لإقامة حكومة مستقلة في فلسطين تكون مدخلاً لمزيد من النفوذ السياسي الغربي في الدولة العثمانية، ولهذا استنتج من تقارير سفرائه أن الصهيونية تهديد لموقف الدولة العثمانية في فلسطين ونتيجة لذلك قيدت السلطات العثمانية بشدة النشاط الاستيطاني اليهودي هناك بعدة إجراءات[122]، وفي هذا الموضوع يقول مؤرخ صهيوني بارز:”لقد بذل هرتسل على مر عدة سنوات جهوداً كبيرة من أجل إقناع السلطان العثماني وحكومته بأن يمنحوا اليهود حق الامتياز على أرض فلسطين، فقد سافر أكثر من مرة إلى اسطنبول والتقى بالساسة وكبار الموظفين وصغارهم والوسطاء في معظم الأحوال، وتكلم ووعد الأتراك بتغطية الديْن القومي الكبير عندهم، وحاول قدر استطاعته الإقناع والرشوة لكن بدون فائدة، فالسلطان العثماني لم يرغب في أن يضم للمشاكل القومية التي هددت بتفتيت مملكته، المشكلة اليهودية في فلسطين”[123].
فتقصير الدولة العثمانية في هذه القضية كان في نظرها تقصيراً في حق نفسها، وهو أمر لا يتصور حدوثه، وليس مجرد تقصير في واجباتها تجاه العنصر العربي “المسكين” كما يدعي بعض من يسقطون واقع التجزئة المعاصرة على واقع ماض كانت فيه أمتنا جسداً واحداً لا تفرقه القوميات والوطنيات وبقية التقسيمات، وإذا أصيب فيه عضو تألم أعضاؤه الآخرون أيضاً، ومن هنا كان الهجوم على الموقف العثماني في هذه القضية يستلزم الادعاء أن العثمانيين طعنوا أنفسهم بأيديهم وهم يعلمون، وهو ما لا يستقيم.
2- ضآلة عدد المهاجرين ونسبتهم:يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في موسوعته النفيسة إن عدد اليهود الذين هجروا روسيا وبولندا ورومانيا والنمسا منذ بداية الهجرة الكثيفة (1882)إلى بداية الحرب الكبرى (1914) بلغ أربعة ملايين نسمة[124]، وعموما يقول المؤرخ هنري لورنس إنه “لم يحدث قط أن كان الإنسان حراً في الانتقال في العالم بالدرجة التي كان بها حراً في عمل ذلك بين عامي 1880 و 1914″[125]، أي أن نسبة الهجرة إلى فلسطين إلى الهجرة اليهودية عموماً لا تتجاوز واحداً ونصف في المائة حتى لو زدنا عدد المهاجرين إلى ستين ألفاً وليس خمسين ألفاً فقط، ولو أخذنا بأرقام الدكتور حلاق التي تقل عن الأربعة ملايين فإن النسبة تقترب من الاثنين ونصف في المائة فقط[126]، أي أن نسبة الهجرة إلى فلسطين كانت منخفضة جداً مقارنة ببقية بلدان الهجرة كالولايات المتحدة وكندا والأرجنتين، ولهذا يقول المؤرخ لورنس إن الهجرة والاستيطان اليهوديين إلى المشرق العثماني في فترة الهجرة الأولى 1882-1904 تظل “واقعاً هامشياً نسبياً” في تطور فلسطين[127]، ووفقاً للموسوعة اليهودية فإنه رغم كون الهجرة اليهودية في الثلاثين سنة من الحكم العثماني التي أعقبت الاضطهاد القيصري أكبر حجماً من الهجرة اليهودية في الثلاثين سنة من الانتداب البريطاني والتي تضمنت الاضطهاد النازي، فقد كانت الهجرة إلى فلسطين في الثلاثين سنة العثمانية أقل حجماً (70 ألفاً) ونسبة (3%) بكثير من حجم(485 ألفاً) ونسبة (30%) الهجرة إليها في الثلاثين سنة البريطانية من مجموع الهجرات اليهودية الكلية في تلك الفترة[128]، وهو ما يوضح الفرق بين البيئة المعادية والبيئة المرحبة بهذه الهجرة في وقت لم يكن فيه من الممكن ضبط الهجرة غير الشرعية حتى اليوم، ومن أسباب تلك الأرقام والنسب الضئيلة من مجموع الهجرات القيود التي فرضتها الدولة العثمانية على الهجرة الصهيونية إليها كما تبين الحقيقة التالية.
3- البيئة العثمانية الطاردة:لم يستقر كل اليهود المهاجرين إلى فلسطين فيها، ويقدر الدكتور عوض عدد المهاجرين الإجمالي في الفترة بين بداية الهجرة واندلاع الحرب الكبرى بأكثر من مائة ألف مهاجر “خرج نصفهم ثانية بعد إقامة قصيرة بسبب صعوبة الظروف المحلية والإجراءات التي اتخذتها السلطات العثمانية لمنع الهجرة إلى فلسطين”[129].
4- معضلة الهجرة غير الشرعية في العالم:لم تكن الدولة العثمانية وحدها التي تعاني من عدم إحكام قبضتها على مجالها في مسألة الهجرة، ويقدر الدكتور المسيري عدد يهود دولة كبرى ذات إمكانات تقنية أوسع هي إنجلترا في سنة 1853 بنحو 25 ألفا، وفي سنة 1880 بنحو ستين ألفا، ثم وصل العدد إلى 242 ألفا عام 1910 :أي بزيادة نحو عشرة أضعاف خلال ستين عاما في مجتمع متجانس مثل المجتمع الإنجليزي” ثم وصل العدد سنة 1914 إلى ما بين 250-300 ألف “رغم صدور تشريعات تحد من هجرتهم”[130]، وبعملية حساب بسيطة نرى أن عدد اليهود الذين دخلوا بريطانيا في الفترة بين 1880-1914 رغم عوائق البحر والطرد الاجتماعي والقانوني وصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف من تسربوا إلى فلسطين رغم ضعف الإمكانات العثمانية مقارنة بإمكانات بريطانيا، كما أن نسبة المهاجرين إلى فلسطين في حدود الهجرة الثانية (1901-1914) وهي 1.9% انخفضت عن نسبتهم في حدود الهجرة الأولى(1881-1900) وهي 3.3% رغم أن الرقم المطلق كان أكبر، ولكنه كان خاضعاً لسيل الهجرة المتدفق المتزايد مع الزمن، ومع ذلك فإنه اتجه نحو التضاؤل في فلسطين[131]، ومازالت الهجرة غير الشرعية تؤلف كابوساً للدول الكبرى حتى في أيامنا هذه التي تطورت فيها وسائل التحكم والاتصال.
5- مشاركة شعب فلسطين في توجيه السياسة العثمانية لصالحه:كان للاحتجاجات الشعبية الفلسطينية دور مهم في توجيه السياسة العثمانية الرافضة للاستيطان اليهودي في فلسطين، وفي هذه يقول المؤرخ شو:”إن قدراً كبيراً من موقف السلطان السلبي من خطة هرتزل أتى من الاحتجاجات العنيفة على الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين والتي كانت تصل قصره من السكان غير اليهود”[132]، ويقول أيضاً إن العثمانيين كانوا “تحت ضغط كبير من سكان فلسطين المسيحيين والمسلمين في سبيل عدم إدخال مهاجرين جدد وترحيل من أتوا في السابق”[133]، ويجب أن نتذكر أن هذه الضغوط والاستجابة التي نتجت عنها حدثت في دولة طالما نعتت بالاستبداد وفي عهد وصف بأنه قمة هذا الاستبداد المطلق ولكننا في الحقيقة نرى هنا دوراً شعبياً في الأنحاء القاصية يؤثر على مركز الدولة بما لا يتفق مع تلك الصفات الاستبدادية ومبالغاتها، ويؤكد الدكتور حلاق هذه الحقيقة بالقول إنه “كان لردود الفعل العربية الأثر الواضح في إصدار مجموعة من القرارات والقوانين العثمانية الخاصة بمنع المهاجرين اليهود من الاستيطان في فلسطين”، ويقدم أمثلة من العهدين الحميدي والدستوري ما يؤدي إلى “دحض الاتهامات الصهيونية القائلة إن الفلسطينيين لم يكونوا يؤثرون في مجريات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل الدولة العثمانية، فالواقع يثبت غير ذلك تماماً فالأمر لم يقتصر على استمتاع المواطنين العرب-ومنهم الفلسطينيون-بحقوق معينة لاسيما فيما يتعلق بالتمثيل النيابي، بل قد اشتركوا فعليا في إدارة البلاد…”[134].
6- المفارقة التاريخية في اتهام الدولة العثمانية:علينا أن ننظر إلى الخطر الصهيوني وفق حجمه في ذلك الزمن وإلا فإننا سنخرج بأحكام تعسفية وغير تاريخية حينما نرى على سبيل المثال زعيماً وطنياً مصرياً كبيراً ومعادياً للاستعمار بشدة مثل مصطفى كامل باشا يجتمع مع هرتزل مرتين[135]ويثني على إخلاص اليهود للدولة العثمانية وهدوئهم مقابل الاضطرابات التي كان يثيرها عناصر أخرى في الدولة، ويصور حالهم كما كان آنذاك قائلا:”وهاهم اليهود لا يثورون ولا يهيجون ولا يشتكون ولا يتألمون بل يحمدون الدولة ليلاً ونهاراً في السراء والضراء ويسبحون في كل آونة بنعمها عليهم وحسن رعايتها لهم، وما ذلك إلا لأنه لا يوجد في الدول الأوروبية دولة تدعي الدفاع عنهم والعمل لمصالحهم فهم ليسوا بآلات في الدولة ضد الدولة بل هم يعرفون من أنفسهم أنهم عثمانيون ممتعون بكل الحقوق العثمانية، وأما العناصر التي كالأرمن تستعملها بعض الدول كإنكلترا فهي تثور بعوامل الدين ودسائس دينية”[136]، وبالطبع لو عاش ذلك الزعيم في زمننا لما أقدم على هذا التصرف ولكن في زمنه كانت الصهيونية شيئاً مختلفاً ومحصوراً في منظمة سياسية وكان زعيمها مجرد صحفي بارز يمكن كسبه إلى جانب قضايانا ليتبناها إعلامياً، وليس رئيس دولة عدوانية تحتل بلادنا وتشرد أهلنا وتؤلب العالم علينا، والباشا لم يدع إلى زيادة الهجرة واستقبالها كما فعل غيره من زعماء العروبة، وكل ما قاله يندرج في ظروف طبيعية في زمنها كما هو حال كل من تعامل مع هذه الظاهرة بحجمها يومذاك، فنلاحظ مثلا أنها لم تأخذ حيزاً كبيراً في مذكرات السلطان عبد الحميد رغم رفضه إياها، خلافاً لظواهر ألحت كثيراً في زمنه كالقضية الأرمنية أو التآمر البريطاني أو معارضة تركيا الفتاة أو العلاقات مع ألمانيا وغير ذلك، وهذا الوضع يختلف عمن رحبوا بالهجرة اليهودية وأرادوا لها أن تتضخم ورحبوا بها أو باعوا لها أملاكهم أو عملوا وسطاء لتجارها لتأخذ حيزاً أكثر مما كانت فيه.
ومن العجيب أن يسترسل أصحاب الأحكام غير التاريخية في اتهاماتهم فيجعلون العثمانيين “أول من فتح أبواب الشرق على مصراعيها للمهاجرين من اليهود من أوروبا”[137]وذلك لأنهم استقبلوا اللاجئين من الاضطهاد الأوروبي بعد سقوط الأندلس في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في زمن يختلف جذريا عن زمننا، والعجيب أن أصحاب هذه الاتهامات يبشرون بالتعايش مع الكيان الصهيوني ويقبلون بالسلام الأمريكي(!)، بل إن هناك من سحب الاتهام ليوجهه إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه لأنه فتح القدس”للاستيطان اليهودي”[138]، ونسي المتهِم أن ذلك الزمن الذي تسلط فيه الخطر الأوروبي الإفرنجي المعادي لليهود على فلسطين يختلف عن زمننا الذي أصبح فيه الصهاينة اليهود أداة للخطر الغربي، وما أظن أنه كان مطلوباً من السلطان أن يتنبأ بما سيحدث بعد ثمانمائة سنة,وفي وقت يرحب بعض أصحاب هذه التهم بالاستيطان الصهيوني الحديث أو يؤيدون أنظمة معاصرة تسلم بوجود الدولة الصهيونية يلومون العثمانيين والأيوبيين على سياسة لا علاقة لها بما حدث بعد مئات أو عشرات السنين على الأقل، وهو ربط غير تاريخي يسمى مفارقة تاريخية تشبه مفارقة أخرى أسقطت تطورات حديثة جداً على الماضي وانتقدت السلطان سليم الأول العثماني الذي عاش في بداية القرن السادس عشر-أي قبل خمسمائة سنة- لأن حكمه لم يكن برلمانياً(!)، وذلك كما ينقل الدكتور عبد العزيز الشناوي[139]، ويصف الدكتور عبد الوهاب المسيري هذه النزعة عند بعض العلمانيين والمستنيرين العرب الذين يطبقون منهج النقد على التراث الإسلامي وحده دون الحضارة الغربية بأنهم لم يستفيدوا من هذه الحضارة بما فيه الكفاية وأصبح تعاملهم مع تراث الإسلام “مسألة ثأر وحسابات يجب أن تصفى”[140].
7- التدخل الأجنبي هو العمل الحاسم في استدعاء المقاومة:رغم تدخل القناصل لحماية اليهود أحياناً كما سبق ذكره، فقد كان هناك من الأقليات من استحوذ على التأييد الأجنبي أكثر من اليهود آنذاك، وفي ذلك يقول المؤرخ الأمريكي مايكل أورين إن القوى الأوروبية لم تظهر الميل والاستعداد للتدخل لصالح اليهود كتدخل الولايات المتحدة لصالحهم في ذلك الوقت[141]، وقد أشار الزعيم مصطفى كامل في كلامه السابق إلى نقطة مهمة وهي أن اليهود في الدولة العثمانية في ذلك الزمن لم يكونوا تحت رعاية دولة أوروبية كالرعاية التي كانت تسبغ على الأقليات الأخرى التي سببت الأذى للدولة ، ومن ثم اتجه اهتمام العثمانيين إلى درء أخطارها أكثر من الخطر اليهودي الذي كان خافتاً في تلك الفترة، وهو ما يمكن أن نلاحظه في مذكرات السلطان عبد الحميد الذي عاصر الأحداث واحتل التدخل الأجنبي معظم كتابته، ولم يكن لليهود إلا جانب محدود بصفتهم خطراً جزئياً، ونجد اليوم كثيراً من المؤرخين يكتبون في التاريخ العثماني وتاريخ العهد الحميدي ولا يتطرقون قط للمسألة اليهودية ومساعي هرتزل[142]، وهو ما يؤكد هامشيتها في ذلك الزمن.
ومما يؤكد تلك الأهمية لعامل التدخل الخارجي أنه عندما ارتبطت هجرة يهودية بذلك العامل الأجنبي فإن الدولة سرعان ما عملت على إجلائها فوراً كما حدث عندما “ازداد اهتمام الدولة العثمانية بشبه جزيرة سيناء في عام 1890 عندما زار مصر رجل إسرائيلي (أي يهودي) يدعى بول فريدمان، الذي اتصل بسلطات الاحتلال البريطاني في البلاد وأبلغها بنيته على الهجرة إلى سواحل الخليج، ولم تمانع تلك السلطات، وفي أواخر العام الثاني 1891 عاد فريدمان مع عشرين من اليهود الألمان والروس ونزلوا جميعاً على ساحل الخليج، ونتج عن ذلك أن نبهت الصحف المصرية إلى الخطر القادم من أوروبا، كما أن فريدمان وجماعته لم يحسنوا معاملة الأهالي هناك واشتروا أرضاً في ناحية المويلح مع أن قوانين الدولة العثمانية كانت لا تبيح بيع الأرض للأجانب في شبه جزيرة العرب، وأثار هذا الأمر الحكومة العثمانية التي لم تكتف بطرد فريدمان وجماعته من المنطقة، وإنما انتهز السلطان عبد الحميد الثاني فرصة وفاة الخديو توفيق في أوائل عام 1892 لاقتطاع شبه جزيرة سيناء وضمها إلى الأراضي العثمانية..(و)استجاب الخديو عباس لمطالب الدولة العثمانية فصدر قرار في 16 فبراير عام 1892 من مجلس الوزراء المصري يقضي بالتخلي عن العقبة وما حولها جنوباً من شبه جزيرة سيناء إلى الدولة العثمانية”[143].
8- هامشية الصهاينة في المجتمع الفلسطيني العثماني:يقول المؤرخ اليهودي المعارض إيلان بابه في معرض تقويم تطور الاستيطان الصهيوني إن المجتمع الفلسطيني الريفي لم يشعر بآثار الصهيونية إلا بعد الحرب الكبرى الأولى(1914-1918)رغم إحساس بعض القيادات المحلية بهذا الخطر منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وإن الصهيونية كانت زوبعة في فنجان لمعظم السكان الفلسطينيين، فقد كانت المستعمرات قليلة، وقلة من القرى احتكت بها، ولم يكن قبل الحرب والحملات الكبرى لشراء الأراضي أن شهد الفلاح الفلسطيني أحداثا ستغير حياته جذريا[144]، بل وجدنا من يرى (1912) أن الصهيونية جلبت التقدم لفلسطين وأنها في صالح أبناء البلد[145]، ومن لم يدرك عداوة الانتداب البريطاني من الزعماء إلا متأخراً، وعُدت ثورة الشيخ عز الدين القسام (1935) إدراكاً مبكراً لحقيقة بريطانيا مع أن الوقت كان متأخراً في حسابات إنجاز المشروع الصهيوني، وهناك من تورط في بيع الأراضي والسمسرة لصالح الصهاينة مع كونهم من الوجهاء، ولم يكن أصحاب تلك الرؤية وهذه الممارسات يدركون أبعاد ما أدركه غيرهم منذ البداية ومن المؤكد أنهم لم يكونوا يساعدون ويثنون على من سيطردهم من بلادهم بعد قليل، أو من يخطط في أفضل الأحوال لجعلهم أقلية غريبة فيها.
9- تنازع التيارات اليهودية في فلسطين وعدم اتحادها في ظل الصهيونية:ومن ضمن ظروف ذلك الزمن أن يهود فلسطين لم يكونوا كتلة واحدة ظاهرة الخطر، بل ساد الاختلاف والصراع بل الحروب الصغيرة فيما بينهم كما يقول المؤرخ اليهودي إيلان بابه، فقد كان اليهود الموجودون قبل الهجرة يختلفون عن الصهاينة القادمين، إذ لم يكونوا يعتنقون أفكارا ثورية، ويشعرون بالأمان في ظل التنظيمات الخيرية التي طبقتها الدولة العثمانية وساوت بها بين مواطنيها، وقد ازدهرت معيشتهم في ظل السلطان عبد الحميد ثم تحت حكم جمعية الاتحاد والترقي، وكانوا ينظرون إلى الصهيونية بصفتها هرطقة تهدد الأخلاق اليهودية بتبنيها العلمانية التي تسبب الانحطاط الأخلاقي للمهاجرين كما رآهم هؤلاء المواطنون القدامى[146]، وعن توزيع نسب الحضور بين اليهود القدامى والوافدين يقول مؤرخ صهيوني إنه في سنة 1899مثلاً كان عدد اليهود في فلسطين خمسين ألفاً يسكن ثلثاهم في القدس “ويعتبرون جميعهم من الاستيطان القديم”[147]، وهو ما ينبئ بضآلة حجم الاستيطان الصهيوني، وهو ما يؤكده المؤرخ ستانفورد شو بقوله إنه مع الازدهار الكبير الذي شهده اليهود العثمانيون في زمن السلطان عبد الحميد، لم يشهد الصهاينة سوى قليل من الدعم إلا بين المهاجرين الأشكناز من شرق ووسط أوروبا[148]، وينقل عن تقرير لمترجم القنصلية البريطانية العامة في بغداد سنة 1910 أن الدولة العثمانية تعد اليهود مخلصين جداً للسلطان وقد وضعت ثقتها فيهم ، كما أن اليهود في بغداد يحملون مشاعر العرفان بالجميل للحكومة العثمانية منذ هجرة أشقائهم من إسبانيا إلى آسيا الصغرى قبل مئات السنين، وأن المجتمع اليهودي مهتم بالتعاون مع الدولة من أجل تطويرها[149]، وهو ما يؤكد كلام الزعيم المصري مصطفى كامل باشا الذي مر ذكره، كما يقول شو إنه عندما تدفقت الهجرة اليهودية على الدولة العثمانية نتيجة حروب البلقان (1912-1913)عدلت الحاخامية العثمانية معارضتها للهجرة إلى فلسطين، وذلك كي لا يزاحم المهاجرون المقيمين في معيشتهم في استانبول ولكنها عملت على انتزاع قضية الاستيطان من أيدي الانفصاليين الصهاينة لصالح الولاء للدولة العثمانية والبقاء تحت سلطتها تجنباً لإغضاب المسلمين[150]، ولهذا لا يمكننا عند سرد الأرقام أن نجعل كل اليهود في فلسطين في خانة الصهيونية كجبهة خطرة وموحدة ونحن مازلنا في ظل دولة حاكمة غير يهودية.
ومع ذلك فإن المؤرخ مايكل أورين يقول إن السلطات التركية لم تكن تفرق بين الجالية اليهودية القديمة والجالية الجديدة من الصهاينة، وكانت تظن أن كل اليهود يتآمرون للانفصال عن الدولة العثمانية ويخططون لتكوين دولة مستقلة، لذلك عمل الباب العالي على تقليص هجرة اليهود وشرائهم الأراضي في فلسطين مما عدته الولايات المتحدة سياسات عنصرية، وأن هذه السياسات المعادية لليهود استمرت إلى قيام الحرب الكبرى الأولى (1914)[151]، وإن لوم الدولة العثمانية لأنها لم تزود فلسطين بالكوادر الإدارية والعسكرية أيضاً اللازمة لتطبيق القيود على الهجرة[152]لم يكن من الأحكام التاريخية لأنه يطالب العثمانيين في ظرف الضعف والتراجع العام بصرف انتباههم عن الجبهات الساخنة التي كانت مفتوحة ضدهم آنذاك في قبرص ومصر والسودان وتونس والجزائر والجزيرة العربية والبلقان والقوقاز وكانت الطعنات تأتيهم من قبلها من كل من حولهم، وأن يركزوا جهدهم في جبهة فلسطين الهادئة نسبياً والتي لم تشتعل إلا في حقبة لاحقة، وهذا تجاوز لطبيعة التاريخ والبشر.
10- السيادة السياسية هي العامل الحاسم في السيطرة على فلسطين:هذا الحكم غير اليهودي الذي كانت فلسطين في ظله جعل من السيطرة على عدد اليهود تابعة لقرار سياسي في أية لحظة خطر، كما حدث بعد اندلاع الحرب الكبرى وتصنيف الصهاينة في خانة الدول المعادية للعثمانيين مما أدى إلى خروج أعداد كبرى منهم من فلسطين وصلت في بعض المراجع إلى نصف اليهود فيها[153]وتقول بعض المراجع أنه لم يتبق من 85 ألفا عند بداية الحرب إلا 56 ألفا[154]أو 60 ألفا في نهايتها في مراجع أخرى[155]، وهو ما يقل عن يهود مدينة سالونيك وحدها، وعموما لا خلاف بين عدد كبير من المؤرخين على حدوث خروج يهودي جماعي بلغ عدد أفراده آلافاً عديدة في تلك الفترة، وفي هذه اللحظة كانت الأحداث مفتوحة على احتمالات عديدة ولم يكن تأسيس الوطن القومي مساراً حتمياً آنذاك، ولكن تسهيلات الحكم البريطاني جعلت العدد يتضاعف ثلاث مرات في عشر سنوات صنعت ضعفي ما صنعته أكثر من ثلاث عقود من الهجرة غير المجدية زمن العثمانيين فوصل عدد اليهود إلى 160 ألفاً في سنة 1928[156]، وهذه هي البيئة المؤاتية للهجرة، ومن هنا يمكن القول إن مشاركة غير العثمانيين في صناعة الأحداث بعد انتهاء العهد العثماني هو الذي جعل الموقف العثماني ليس بمستوى الطموح في نظرنا اليوم[157]فلو اقتصر تطور هذه الأحداث على استمرار العهد العثماني لطويت صفحة الهجرة الصهيونية دون نتائج كارثية حتى في ظل تنازلات طلعت باشا سنة 1918 التي يقومها الدكتور المسيري تقويماً ليس في صالح الصهيونية لأن العثمانيين “لم يتحمسوا قط للمشروع الصهيوني، بل كانوا يرونه جزءاً من المحاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم” وكانت خطوتهم الأخيرة اضطرارية[158]، وقد أفشل العثمانيون محاولات استيطانية أوروبية وأمريكية أثقل وزناً سياسياً من الاستيطان الصهيوني إذ كانت تقف خلفها دول عظمى كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وحتى حليفة العثمانيين ألمانيا وذلك كما جاء تفصيله في دراسة سابقة (الأثر الاقتصادي للتغريب الرأسمالي على المجتمع العثماني: التحدي والاستجابة)، وكما رأينا أن نتائج الهجرة اليهودية في زمن الحرب كانت سلبية والتجمع اليهودي متجهاً نحو الاضمحلال.
11- تقويم صهيوني معاصر للإجراءات العثمانية:وفي تقويم يهودي معاصر للأحداث يرى رائد الصهيونية الروحية آحاد هاعام (1856-1927) بعد زيارة للاستيطان اليهودي في فلسطين سنة 1890 أن الأتراك عقبة أمام تحقيق المشروع الصهيوني السياسي، وأنه رغم قوة نفوذ البقشيش التي لا يقاومها أعظم رجال الدولة، فإنهم سينفذون واجبهم بأمانة وإخلاص بسبب اهتمامهم بالأراضي المقدسة، وأنه لا يجب الاستهانة بمشاعرهم ولن يستطيع شيء التأثير عليهم، وهم يعارضون الاستيطان اليهودي في فلسطين وتزداد معارضتهم كلما زاد عدد المهاجرين، وأن الإفراط في الاعتماد على القناصل الأجانب سيكون له تأثير عكسي[159].
12- المفاوضات العثمانية “الرجعية” والمفاوضات “التقدمية” المعاصرة:أخذ البعض على السلطان عبد الحميد دخوله في مفاوضات مع هرتزل ومنحه وساماً رفيعاً واستنتجوا أنه كان مستعداً للبيع، وهو ما تبين النتائج العملية عدم دقته، ويا ليت جميع مفاوضاتنا تسير في نفس المسار الذي سار فيه السلطان وتخرج بنفس النتيجة الصلبة في مواجهة جشع الأعداء وصلفهم، فليس في فكرة التفاوض ما يشين وبخاصة لو كان صاحب الحق يعرف ما يريد ولا يخضع حقوقه لأهواء أعدائه، والعجيب أن يأتي النقد ضد السلطان من أقلام تقدمية تدافع باستماتة عن أنظمة عربية ثورية لم تخرج غالبيتها الساحقة عن القبول بفكرة “الشرعية الدولية” التي تقر وجود الكيان الصهيوني، كما أن الكثير من هذه الأنظمة دخلت في فترات من المفاوضات مع هذا الكيان على أساس القبول بوجوده في حدود 1967، فأي الفريقين:العثماني أم التقدمي، أحق بالنقد والتوبيخ؟
أما الوسام فهو مسألة دبلوماسية كان القصد منها الحصول على مكاسب من هرتزل الصحفي، ويجب أن نتذكر دائماً أنه كان مجرد صحفي وليس قائداً عسكرياً صهيونياً ارتكب مجازر كبرى، والسلطان كان يأمل أن يستفيد من إمكاناته الصحفية والمالية كما مر، وذلك كما فعل مع غيره من السياسيين الذين كان يرجو استمالتهم ووقف بعضهم ضده في نهاية المطاف بشكل صريح كما فعل شيخ الكويت مبارك الصباح الذي انحاز إلى الجانب البريطاني بعد حصوله على وسام مشابه من السلطان وكذلك القول في الشريف حسين أمير مكة الذي وقف ضد الدولة العثمانية أيضاً، بل إننا نجد المؤرخ جون هاسلب الذي أطلق على السلطان عبد الحميد لقب السلطان الأحمر يضع الهدايا التي حصل عليها هرتزل من السلطان بصفتها دليلاً على فشله في تحقيق مشروعه الصهيوني:”ترك الدكتور هرزل القسطنطينية مصحوباً بعلبة للتبغ غنية بالأحجار الكريمة، وهي التذكار الوحيد الذي حصل عليه من تلك الزيارة التي كادت أن تغير مجرى التاريخ”[160]، أي أن من جاء يطلب وطناً حصل على علبة تبغ فقط، فيا ليت مفاوضاتنا المعاصرة تحتفظ بحقوقنا في بلادنا وتصرف الطامعين عنها بعلب تبغ ثمينة كهذه.
ولهذا فإن الاستناد إلى عبارة قالها السلطان هنا أو هناك أثناء مفاوضته لا يبين موقفه الحقيقي والنهائي، والتردد من طبيعة الإنسان أمام أي خيار متعدد لاسيما حين وجود الإغراءات الكبرى التي لا يتردد أمامها سوى أهل المبادئ ولا يرفضها سوى العظماء، أما البشر العاديون فيتبعون أهواءهم بلا تردد، والعبرة بالنهايات وليس بالميول العابرة التي لا يخلو منها بشر، ومن يرفض السقوط رغم كونه “ميالاً” إلى الإغراءات أفضل ممن لا يسقط لأنه لا يميل إليها، ومجاهدة النفس من عناوين السمو في الأخلاق، فمن الغريب أن يسند موقف الرفض إلى البطانة المحيطة بالسلطان مع التلميح إلى موافقته على المشروع الصهيوني لولا رجاله المقربين (والمقصود هنا هو الشيخ أبو الهدى الصيادي الذي أشبعه التاريخ ذماً وشبه دوره بدور راسبوتين في روسيا القيصرية ثم نكتشف هنا أنه من أشار على السلطان برفض مشروع هرتزل)[161]، وهذا ما يتناقض مع الصورة التي رسمها التاريخ للسلطان بصفته مستبداً برأيه ومتفرداً في السلطة وضد المشاركة فلماذا عندما قام بعمل محمود حاول البعض نزع الشرف منه وإلصاقه بغيره كأبي الهدى والذي مع ذلك لا تصلح حسنات الثقلين لإقناع مؤرخي الغرب والتغريب بأن له فضيلة فكيف يكون حاله حين يعيق المشروع الصهيوني، وإلقاء الأعباء هذا لم يحدث في أحداث أخرى استقر اللوم فيها على السلطان ونُسي دور الرجال المحيطين به مثل قضية عزل الخديو إسماعيل والتي تولاها الصدر الأعظم والمصلح المعروف خير الدين التونسي، فإما أن السلطان كان مستبداً وعليه يجب أن تنسب الأفعال إليه بحلوها و مرها أو أنه لم يكن مستبداً وكان يصغي لمشورة غيره، وفي قضية فلسطين يكون السلطان رابحاً أياً كان الاختيار ويكون منتقدوه هم الخاسرين في الحالتين، لأن من تتغلب”مطامحه الروحية” على “تكالبه الدائم على جمع الأموال”[162]لا يكون شخصاً شريراً كما أراد الاستشراق أن يوحي لنا.
13- ماذا حققت الصهيونية في ظل الدولة العثمانية:يقوّم الدكتور عوض إنجازات الحركة الصهيونية حتى سنة 1907 بالقول إنها لم تحقق نجاحاً عملياً كبيراً بعد عشر سنوات من تأسيسها، ولم تخط خطوات كبيرة لدفع عملية الاستيطان إلى الأمام، وفي المجال السياسي كانت جهودها أقل نجاحاً فقد فشلت الحركة في الحصول على تسهيلات حكومية أو ضمانات دولية، ومع بداية الحرب الكبرى “لم تحقق الصهيونية غير نجاح محدود”، ولهذا تخلى الصهاينة عن مشروع البراءة لفترة وتبنوا الحل التسللي البطيء إلى أرض فلسطين لعل ذلك يكوّن ضغطاً على السلطات الحاكمة لو زاد عددهم، ولكنهم عادوا إلى البحث عن التأييد الدولي الذي نتج عنه وعد بلفور والتبني البريطاني لهم في صك الانتداب.
14- السلطان عبد الحميد لا يأبه بأسطورة الهيمنة اليهودية العالمية التي أخضعت ساسة العالم:جاء رفض السلطان عبد الحميد للعروض اليهودية في زمن تهافتت فيه قوى عظمى على كسب التأييد اليهودي، لا لاستخدام اليهود مجرد أدوات لحراسة المصالح الغربية في الشرق وحسب، ولا لمجرد التخلص من الفائض السكاني اليهودي أيضاً، بل للحصول على مكاسب من النفوذ اليهودي المالي والسياسي الذي راجت أسطورته آنذاك ودفعت دولاً كبرى لإصدار ما سماه الدكتور المسيري وعوداً بلفورية، أي وعوداً على غرار وعد بلفور بتأييد الأطماع الصهيونية، وكان ذلك قبل صدور الوعد الأخير، ومن الدول التي أقدمت على هذا ألمانيا التي رأى قيصرها سنة 1898 أن بلاده “ستستفيد غاية الاستفادة لأن رأس المال اليهودي العالمي، بكل خطورته، سينظر بعين العرفان إلى ألمانيا”، رغم ما في التعامل مع “قتلة المسيح” من صدمة للشعب الألماني[163]، ثم تنافست كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أثناء الحرب الكبرى لاكتساب ود اليهود بأقصى جهدها لتحقيق الانتصار، وقامت فرنسا بإصدار تصريح كامبو في 4 يونيو 1917 بالعطف على الأماني الصهيونية قبل أشهر معدودة من صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917[164]الذي استهدف استجداء العطف اليهودي الأمريكي لجر الدعم الأمريكي لمجهود الحلفاء الحربي، واستجداء الدعم اليهودي الروسي للضغط على حكومة الثورة البلشفية للاستمرار في الحرب، وهو التصريح الذي أيدته فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة[165]، وسبقه وتبعه أيضاً تصريح من ألمانيا بتأييد أماني الصهاينة والهجرة غير المقيدة إلى فلسطين وذلك بعدما أعطى طلعت باشا الصدر الأعظم العثماني الضوء الأخضر لألمانيا وأصدر تصريحاً يتعهد فيه بتحقيق أماني اليهود في فلسطين ويكفل رضاهم التام ونسق مع النائب اليهودي قراصو لإنشاء شركة تتولى تطبيق الحكم الذاتي حيث يقيم اليهود، وأصدر أيضاً تصريحاً مماثلاً لوعد بلفور في يوليو 1918 كما مر، وكان ذلك بسبب تدهور الوضع العسكري على جبهات القتال وفقدان معظم فلسطين واعتقاد الدولة العثمانية التي يحكمها الاتحاديون أن الاستجابة لمطالب الصهاينة قد يحسن موقفهم في مؤتمر الصلح[166]، وهو نفس الهدف الذي سعى إليه العرب أيضاً عندما سعى الأمير فيصل بن الحسين، بإيعاز من الجنرال اللنبي، للاتفاق مع الصهيونية ضد “الخطر الذي تتعرض له المصالح اليهودية والعربية من جراء السياسة الفرنسية” التي يعادي العرب انتدابها على سوريا ويرفض الصهاينة سيطرتها على فلسطين[167].
15- الخديو السابق يبيع فلسطين من أجل راتبه من بريطانيا:وممن تبنى مطالب الصهاينة في فلسطين طمعا في استغلال نفوذهم لصالحه، الخديو السابق عباس حلمي الثاني الذي كان البريطانيون قد عزلوه عن العرش سنة 1914 بسبب مواقفه المناوئة للاحتلال في مصر، فكان ممنوعاً من دخول بريطانيا، وقامت الحكومة المصرية ببيع أملاكه بأسعار زهيدة، ولكن يبدو أن أمراً بدا له في سنة 1930، فبعد تدخل اليهود لإصلاح علاقته بالإنجليز مقابل تأييد الصهيونية، سافر إلى لندن وتدخلت بريطانيا لدى الحكومة المصرية لتعويضه عن خسائره، فأصبحت تدفع له راتباً سنوياً قدره ثلاثون ألف جنيه، واتخذ الخديو السابق موقفاً جديداً دعا فيه أهل فلسطين إلى التصالح مع اليهود والنزوح إلى شرق الأردن وترك فلسطين للصهيونية التي لا قبل لهم بمقاومتها، وحاول الخديو في هذا الإطار الضغط على الأمير شكيب أرسلان بما له من حضور فاعل في الساحة العربية والإسلامية ليتخذ موقفاً مشابهاً ويسعى لإقناع زعماء فلسطين بموقف الخديو الذي استغل الضائقة المالية التي كان يمر الأمير بها وهدده بقطع الراتب الذي يقدمه له شهرياً وهو ثلاثون جنيهاً، ولكن أمير البيان استهجن موقف الخديو وعنفه متسائلاً كيف يقوم أمير مسلم بالسعي لإخراج المسلمين من فلسطين، “أبهذه المبادئ يرجو أفندينا أن يكون له شأن في بلاد الإسلام؟”وقطع علاقته به ولم يبال بانقطاع الراتب ولم يستجب للوساطات التي بعثها الخديو في سبيل إعادة العلاقة معه[168].
16- تقويم الإجراءات العثمانية بين حسرة شعب فلسطين وعداء الانتداب البريطاني:يمكننا قياس أهمية الإجراءات العثمانية ومعرفة موقعها من مؤشرين دالين:أولهما موقف الفلسطينيين الذي تحسروا على زوال أيام العثمانيين[169]وعقدوا مقارنات عديدة بين أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل الحكم العثماني ثم في ظل الانتداب البريطاني بعد ذلك مما ذكرت بعض أمثلته في دراسة سابقة(في ذكرى وعد بلفور:موقع الديمقراطية في السياسات الخارجية الغربية) تحت بند (ج-إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين)، أما المؤشر الثاني فهو موقف الانتداب البريطاني الذي عمد إلى إلغاء الإجراءات العثمانية بخصوص الهجرة اليهودية كقوانين الحد منها وقوانين منع انتقال الملكية، وفرض الجواز الأحمر، بالإضافة إلى إلغاء الإنجازات العثمانية كالمصرف الزراعي العثماني، وهو فرع من الأصل الذي تأسس في استانبول سنة1888 وأصبح له أكثر من أربعمائة فرع في أنحاء الدولة العثمانية[170]، وكان الفرع الفلسطيني يقدم التسهيلات للمزارعين الفلسطينيين ووصفه الدكتور صالحية بأنه بنك الفلاحين العرب الذي يقدم القروض الميسرة، وكان إلغاؤه من أوائل الإجراءات التي اتخذها المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صامويل وذلك في مارس 1921، لصالح مصرف الرهونات والقروض العامة اليهودي كما قال القائم بأعمال القنصل الأمريكي في رسالة لوزير خارجيته، ويستنتج صالحية من ذلك أن الهدف من الإلغاء كان حرمان الفلاح العربي من خدمات المصرف العثماني وتسهيلاته، والتضييق عليه، وإجبار المضطرين إلى اللجوء إلى المصارف والمرابين اليهود[171]، وفي شهادة معاصرة لنتائج الحدث قال موسى العلمي الذي عمل في الهيئة القضائية الانتدابية إن أثر الإلغاء كان تشجيع اليهود وإلحاق الأذى بالعرب[172].
فارس الخوري يلخص حكايتنا مع التغريب السياسي الحائر بين الديمقراطية والصهيونية
قال السلطان عبد الحميد في مذكراته التي كتبها في الأسر:”والذين أعلنوا أني أعظم مناصر للحكم الاستبدادي، وأني أكبر مستبد في العالم، لا شك أنهم سيعترفون بالحقيقة بعد موتي، وسيتراجعون عن موقفهم تجاهي”[173]، وفعلاً تحققت نبوءته في أكثر من مثل تاريخي يهمنا منها في هذا السياق ما يتصل بالوطن القومي اليهودي وأوضح أمثلته الأستاذ فارس الخوري.
والأستاذ فارس الخوري (1877-1962)مواطن وأديب وسياسي عربي ولد في لبنان وعاصر العهد العثماني منذ زمن السلطان عبد الحميد، وعهد الانتداب، وعهد الاستقلال والتجزئة، وانتخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني في العهد الدستوري ثم شغل مناصب أدبية وأكاديمية وحقوقية وتولى منصب الوزارة في سوريا في عهد الانتداب الذي اضطهده ثم انتخب رئيساً لمجلس النواب السوري أكثر من مرة ثم تولى رئاسة الوزراء في عهد الرئيس شكري القوتلي كما مثّل سوريا في الأمم المتحدة[174]، وقد احتفى هذا الرجل بزوال عهد السلطان عبد الحميد وتحمس للثورة عليه وقال قصيدة طويلة في هجاء استبداده بعد عزله جاء فيها:
لقد هوى اليوم صرح الظلم وانتقضت****أركانه وتولت أهله النقم
ملكتنا فشهدنا منك طاغية****لم يلق نداً له المشهود والقدم
ففي هبوطك عاد الملك مرتفعاً****وفي هلاكك كل الخلق قد سلموا
وبعد تتابع الأحداث وتوالي الكوارث على بلادنا قال يوما لمحمد الفرحاني وفقا لما جاء في كتاب “فارس الخوري وأيام لا تنسى”:”لم أندم في حياتي على شيء ندمي على القصيدة التي نظمتها إثر إعلان الدستور العثماني وهجوت بها السلطان عبد الحميد الثاني، حيث تأكد لي فيما بعد بما لا يقبل الجدل أن هذا الخليفة الإسلامي قد راح ضحية ثأر اليهودية العالمية التي ساءها رفضه لاقتراح تيودور هرتسل واتخاذه مختلف الوسائل لمنع اليهود من الهجرة إلى فلسطين ووضعه قانون الجواز الأحمر الخاص بكل يهودي يدخلها للسياحة والزيارة، ومنعه إياهم من تملك الأراضي، مما أدى لحنقهم عليه وشروع منظماتهم بالعمل مع الدول الاستعمارية على مناوأته شخصيا وعلى كيان الدولة العثمانية”[175].
الخلاصة والاستنتاج: النموذج الصهيوني خلاصة التغريب السياسي ودفعه معلق بوجود الكيان الجامع
استعمل الغرب الهجرة اليهودية لتحقيق مصالحه في الشرق العربي الإسلامي، وقد سهلت عملية التغريب الرسمية هذه الهجرة بطريقة غير مباشرة في الوقت الذي وقفت الدولة العثمانية ضد هذه الفكرة حتى بسلاطينها المتغربين، وذلك لأن منطق الدولة العظمى الذي فرض نفسه على هذه الدولة وضع حداً لعملية الاستتباع للغرب ولم يقبل لها أن تكون تابعة وفقاً لمنطق الحضارة الغربية الحصري المستمد من منطق المنفعة الذي لا يقبل بمعاملة الآخر كما تعامل الذات، وقد استعمل السلطان عبد الحميد مركزية الدولة ضد قبول الهجرة الصهيونية ولمنع انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود، واتخذ إجراءات تطورت مع زيادة الشعور تدريجيا بالخطر حتى وصل الأمر ذروته بتعيين علي أكرم بك سنة 1906 متصرفاً للقدس والذي شهد عهده تطبيق تعليمات الباب العالي “على أكمل وجه”[176]كما يقول الدكتور حلاق نقلاً عن المؤرخ نيفيل ماندل وهو ما استفاض فيه الدكتور صالحية أيضاً، ولكن الانقلاب على السلطان عبد الحميد منع استكمال الإجراءات الحازمة وأجهض جهود المتصرف بعزله.
وقد أسفرت سيول الهجرة اليهودية والتي بدأت سنة 1882 وتضمنت ملايين المهاجرين إلى دول العالم الغربي أثناء ما تبقى من الحكم العثماني حتى سنة 1914 عن استقرار 48 ألف مهاجر يهودي فقط في فلسطين (6.6%من مجموع سكان فلسطين سنة 1914) بمختلف الوسائل الشرعية وغير الشرعية ورغم الفساد المستشري في الأجهزة الإدارية، منهم أكثر من عشرين ألفاً مقيمون بصورة غير شرعية وغير معترف بهم، أي أن نسبة المهاجرين الشرعيين إلى مجموع السكان بعد عشرات السنين من الهجرة الكثيفة وصلت إلى 3.7% في الوقت الذي تضاعفت فيه هذه النسبة عشر مرات في سنوات الانتداب البريطاني، ومازالت كل دول العالم إلى هذا اليوم عاجزة عن التحكم في الهجرة غير الشرعية رغم تطور وسائل الاتصال والتحكم، وحتى الأرقام الصهيونية المضخمة لم تغير هذه الصورة كثيراً وثبت أن الإحصائيات العثمانية كانت دقيقة وجديرة بالاعتماد.
وليس من المنطقي ولا التاريخي مطالبة الدولة العثمانية بالشعور منذ قدوم أول مهاجر يهودي لاجئ من روسيا سنة 1882، بخطر الكيان الصهيوني الذي قام سنة 1948ثم تغول تغولاً عالمياً فيما بعد، ورغم أن النتيجة النهائية لم تكن بمستوى طموحاتنا اليوم بعدما ابتلينا بهذا الكيان الغاصب الذي احتل بلادنا وشرد أهلنا وقتل أبناءنا ونهب ثرواتنا، فإن هذه النتيجة لم تكن حتمية في ظل بقاء الدولة العثمانية التي أفشلت مشاريع استيطان أقوى من ذلك وكان يقف خلفها دول كبرى تدعمها وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بل وألمانيا صديقة العثمانيين، ولم يكن للهجرة الصهيونية مستقبل واعد في ظل العثمانيين وكان نجاح الوطن القومي معلقاً بالحل الإمبريالي الذي طبقته بريطانيا، تماماً كما أن أعداد المقيمين الآسيويين مهما زادت في بلاد الخليج في أيامنا هذه غير مرشحة للتحول إلى كيانات سياسية هندية أو فلبينية في ظل السيادة العربية إلا لو حدث تحول سياسي من الخارج وقامت الهند مثلاً باحتلال عسكري لدعم الوجود الهندي في بلد خليجي، وحينئذ لا يمكننا أن نلوم أول من استقدم عاملاً أو تعامل مع تاجر من الهند لأن الظرف التاريخي كان مختلفاً تماماً، وكما أن هذا التحول يبدو بعيداً لنا اليوم فكذلك التحولات التي حدثت بعد الحرب الكبرى الأولى كانت مستبعدة بل خيالية في نظر الأحياء في بدايات الهجرة الصهيونية.
وقد رفضت الدولة العثمانية المشروع الصهيوني في وقت اُعجِب فيه بعض مشاهير التيار التغريبي والقومي ورحبوا بالصهاينة وتسابقت قوى التغريب العربية، الفكرية والرسمية والقومية، بالإضافة إلى قوى التغريب الطورانية، والغرب الاستعماري نفسه على تأييد الحركة الصهيونية لكسب دعمها في الزمن الذي لم يأبه به السلطان عبد الحميد وفرض منطق الخلافة الإسلامية نفسه على قراراته بهذا الشأن رغم أنه حاول الاستفادة من الدعم المالي اليهودي أو نفوذ اليهود الإعلامي ولكن بشروط حاسمة لم يقبلها الصهاينة ولا هو تنازل عنها رغم الثمن الكبير الذي دفعه وظل ثابتاً على هذا الموقف حتى آخر حياته، لأن القضية كانت تتعلق بالأمن العثماني نفسه وليس بقطعة أرض فقط، ويلخص المؤرخ الفرنسي هنري لورنس مشهد التفاوض بين هرتزل والدولة العثمانية بقوله:” لا ينجح هرتسل إذاً في كسب اهتمام الحكومة العثمانية بمشاريعه، على العكس، فهذه الحكومة إنما تسعى إلى استخدامه…وفي فبراير/شباط (فيفري) 1902، تستدعي السلطات العثمانية هرتسل إلى القسطنطينية، فهو مدعو الآن إلى تنفيذ وعوده فيما يتعلق بتنمية الدولة العثمانية، وهو يرد مطالباً بحرية الهجرة ويتحدث عن إنشاء الجامعة العبرية، فيجاب بالاستعداد لقبول دخول اليهود إلى أي مكان في الدولة ما عدا فلسطين، وبشكل متفرق ودون تنظيم عام…والواقع أن الباب العالي إنما يستخدمه (أي هرتزل) كأداة ضغط في مفاوضات أكثر جدية بكثير مع مجموعة مالية فرنسية لأجل تجميد الديْن العثماني…وعندما تتم تسوية الأمر مع الفرنسيين، يجري صرف الفييناوي (أصل هرتزل من فيينا عاصمة النمسا) بأدب، (فينتظر فرصة جديدة)…بيد أن هرتسل يدرك، تدريجياً، أن موقف السلطان، بالرغم من الاحترازات البلاغية والتلاعبات المالية، كان دائماً عديم المرونة:قبول هجرة يهودية متفرقة في الدولة العثمانية مع رفض الحماية القنصلية واشتراط قبول المواطنة العثمانية”[177]، فأين لنا بمفاوضات كهذه في زمننا الذي أصبح التفاوض فيه مناسبة للاستسلام؟
ولكن هذا لم يمنع أحكام بعض المؤرخين من التجني على مواقفه تجنياً غير تاريخي ما لبث أن طال محرر القدس السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه الذي أصبح وفق تلك المقاييس من المساهمين البارزين في مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ800 سنة خلت (!)، والغريب أن يأتي هذا النقد والهجوم من قبل أقلام تؤيد الأنظمة التقدمية المعاصرة التي تفاوض وتقبل وجود الكيان الصهيوني، أو أقلام ليبرالية تبشر بالتعايش مع هذا الكيان الغاصب وتبخر لسيادته ضمن مشاريع الشرق أوسطية الأمريكية.
وإن نجاح الغرب في زرع الكيان الصهيوني فيما بعد صوّر خلاصة النوايا الغربية السياسية الإقصائية تجاه المجتمع الإسلامي والمدى الذي يمكنها الوصول إليه في عملية الإضرار بأبناء هذا المجتمع في سبيل تحقيق مصالحها التي لا يمكننا مقاومتها بفعالية إلا تحت راية جامعة تلم شعث كيانات التجزئة، ولهذا لم يكن من العجيب أن تتمحور معارك البناء والوحدة والتحرر في أمتنا حول مواجهة هذا الكيان الغاصب الذي يمثل إرادة الغرب القوي في إبقائنا متخلفين متفرقين وخاضعين.
ملاحق:أبرز تصريحات السلطان عبد الحميد بشأن فلسطين والصهيونية منذ البداية إلى النهاية
فرمانات متوالية كتبها بخط يده:
1- 28/6/1891:”إن قبول المطرودين من كل حدب وصوب في البلاد السلطانية غير جائز، لأن ذلك قد يؤدي إلى تشكيل حكومة يهودية في القدس في المستقبل.والبلاد السلطانية ليست أراض غير مأهولة، لذا ينبغي سوقهم إلى أمريكا، …وينبغي إعادتهم فوراً إلى سفنهم وإرسالهم إلى أمريكا، وعلى مجلس الوزراء اتخاذ قرار قطعي بهذا الخصوص وعرضه عليّ، وإذا كانت أوروبا المتمدنة تمتنع عن قبولهم وتجلوهم عن بلدانها، فلم نقبلهم نحن؟..”[178].
2- 5/7/1891:”إن قبول هؤلاء اليهود والسماح باستيطانهم هما في غاية الخطورة.لذا ينبغي عدم قبولهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى بروز مسألة تأسيس دولة يهودية في المستقبل، لذا ينبغي عرض الموضوع على مجلس الوزراء اليوم بأسرع ما يمكن..”[179].
3- 6/7/1891:”إن الدول المتمدنة (أي روسيا) التي طردت هؤلاء اليهود من أراضيها والدول الأخرى التي لم تقبل بهم، لم تلق أي اعتراض ولم تتعرض إلى الانتقاد، فبأي حق تبدي هذه الدول اعتراضاتها وتتخذ من عدم قبولنا اليهود حجة علينا، وإذا كان هناك ثمة حق للاعتراض فليوجه نحو الدول المعنية، وعليه فأينما سكن اليهود أو اتخذت التدابير اللازمة بشأنهم، فإنهم وكما يبدو سيغزون فلسطين عازمين في نهاية المطاف وبتشجيع الأوروبيين ورعايتهم على تشكيل دولة يهودية فيها، وإن هؤلاء اليهود لا يمارسون العمل في الزراعة والفلاحة بل ينوون العمل على إلحاق الأضرار بالأهالي كما فعلوا في البلدان التي طُردوا منها، ونظرا إلى أنهم كانوا يزمعون الهجرة إلى أمريكا فمن المناسب أن يواصلوا هجرتهم إليها..”[180].
تصريح موجه لرئيس الحاخامين الذي التقاه مناشداً منح اليهود أراض وامتيازات في فلسطين:
4- 1893:”إن اليهود يعيشون في ظل النظام والعدالة والرفاهية كباقي المواطنين ولا أوافق على منحهم أي امتياز خاص”[181].
من مذكراته السياسية:
5- 1895:”لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين لتتخلص من العرق السامي الذي زاد كثيراً.ولكن لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقاً، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضاً تملكوا كافة قدراتها في وقت قصير، وبذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم.لن يستطيع رئيس الصهاينة”هرتزل” أن يقنعني بأفكاره، وقد يكون قوله:ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوى فيه اليهودي على قيادة محراثه بيده، صحيحاً، إنه يسعى لتأمين أرض لإخوانه اليهود، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافياً لحل جميع المشاكل.لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين، بل يريدون أموراً أخرى مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين، إنني أدرك أطماعهم جيداً، لكن اليهود سطحيون في ظنهم أنني سأقبل بمحاولاتهم، وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فإني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين”[182].
رد على عروض هرتزل بواسطة الصحفي البولندي نيولنسكي
6- 18/6/1896:”إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي، فانصحه ألا يسير خطوة أخرى في هذه القضية، إنني لا أستطيع أن أبيع شبراً واحداً من هذه الأراضي، لأن هذا الوطن ليس ملكي وإنما هو ملك شعبي الذي أقام هذه الإمبراطورية بإراقة دمائه، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا، لقد حاربت الكتيبتان السورية والفلسطينية في بلافنا(ملحمة وقعت في البلقان أثناء الحرب مع روسيا سنة 1877) واستشهدوا هناك واحداً بعد الآخر لأن أحدا منهم لم يرض بالاستسلام وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال، إن الإمبراطورية العثمانية ملك للعثمانيين، ولا أستطيع أن أمنح أي جزء منها، فليحتفظ اليهود ببلايينهم (أو ملايينهم)، فقد يستطيعون الحصول على فلسطين دون مقابل إذا ما قسمت الإمبراطورية ولكن جثثنا فقط هي التي يمكن تقسيمها، ولن أسمح بتشريح جسدنا ونحن على قيد الحياة”[183].
وقد علق هرتزل على هذا الرد بقوله إنه تأثر بكلمات السلطان الشامخة رغم أنها وضعت حداً لجميع آماله، وأن هناك جمالاً مأساوياً في هذه القدرية التي تتنبأ بالموت والتمزق ومع ذلك تقاتل إلى النفس الأخير رغم النتيجة السلبية لهذه المقاومة[184].
ملاحظة:استخدم هرتزل في نقل الرواية عن السلطان تعبير الإمبراطورية التركية بدلاً من العثمانية والشعب التركي بدل العثماني وذلك لأن اللفظين مترادفان في الغرب أما في الشرق فكان استعمال كلمة عثماني يختلف عن استعمال كلمة تركي إلى أن تغير الحال بدخول الأفكار القومية التي قمعها السلطان عبد الحميد[185]وكان هو يعبر عن أهل بلاده بتعبير الأمة العثمانية[186]وليس التركية والأرجح أنه استخدم هذا اللفظ لا ما نقله هرتزل عن نيولنسكي.
رسالة إلى الشيخ محمود أبي الشامات في السنة التالية لعزل السلطان عن الحكم:
7- 1910:”إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم جون تورك وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية.إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف.وأخيرا وعدوا بتقديم مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً، وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي:إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فضلاً عن مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي.لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين.لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضاً.وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلانيك فقبلت بهذا التكليف الأخير، هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين، وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال…”[187].
من مذكراته بعد عزله وهي تختلف عن المذكرات السياسية أثناء حكمه:
8- 1917:”انتظم اليهود وسعوا عن طريق المحافل الماسونية للعمل في سبيل الحصول على “الأرض الموعودة” وجاءوا إليّ بعد فترة وطلبوا مني أرضاً لتوطين اليهود في فلسطين مقابل أموال طائلة، وبالطبع رفضت”[188].
ويلاحظ على مواقف السلطان المتتالية ما يلي:
1- ثبات الموقف من البداية إلى النهاية.
2- اطلاع جيد على جذور المسألة اليهودية التي تلخصت في زيادة أعداد اليهود ومحاولة الغرب التخلص منهم.
3- كشف الازدواجية الغربية التي تنادي بالحرص على اليهود في الوقت الذي تمنع فيه دخولهم بلادها.
4- الندية في التعامل مع الدول الغربية وعدم القبول بأن تكون الدولة العثمانية مكباً لنفايات الغرب كما أصبحت دول التجزئة التي قامت على أنقاضها.
5- الحرص على غلبة “العنصر العربي” في أرضه بشكل تجاوز العصبيات والانقسامات وتقدير تضحيات هذا العنصر في معارك الدولة وعدم التفريط فيها مقابل الأموال الطائلة، “وبالرغم من استبدادية السلطان عبد الحميد فإنه لا يمكن اتهامه بالتعصب القومي التركي” كما ينقل الدكتور وميض نظمي عن الوثائق البريطانية[189].
6- عدم وجود كراهية دينية تجاه اليهود، وهو ما أكده المؤرخ شو والموسوعة اليهودية أيضا[190]، وتقدير خدماتهم مع الفصل بين هذا الأمر وإنشاء حكومة خاصة بهم.
الهوامش
________________________________________
[1] -رءوف عباس، صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، تحرير:عبادة كحيلة، ص118-122.
[2] -لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، دار الفارابي، بيروت، 2007، ص128.
[3] -عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، 1999، المجلد السادس ج2ص166.
[4] -أ. د. محمد عيسى صالحية، مدينة القدس: السكان والأرض(العرب واليهود) 1858-1948، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2009، ص63.
[5] -د. جوزف حجار، أوروبا ومصير الشرق العربي: حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976، ترجمة: بطرس الحلاق وماجد نعمه، ص 233.
[6] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق، عمّان، 2007، ص 184.
[7] -باربارا توخمان، الكتاب المقدس والسيف: إنجلترا وفلسطين من العصر البرونزي إلى بلفور، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2004، ترجمة: د. منى عثمان ومحمد طه، ج2ص68.
-الدكتورة هدى درويش، العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية:منذ قيام دعوة يهود الدونمة 1648 إلى نهاية القرن العشرين، دار القلم، دمشق، 2002، ج1ص222-223، استناداً إلى رأي الدكتور أحمد سوسة في كتابه الشهير:العرب واليهود في التاريخ، العربي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ص720-721.
[8] – دكتور حسان حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897-1909، دار النهضة العربية، بيروت، 1999، ص 48-50.
[9] -نفس المرجع، ص 104. وأيضاً:
-عادل مناع، تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918(قراءة جديدة)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1999، ص186.
[10] – دكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف، القاهرة، 1973، ج1ص8-10(من مقدمة الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي).
[11] -لورانس أوليفانت، أرض جلعاد:رحلات في لبنان وسورية والأردن وفلسطين 1880، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمّان، 2004، ص430 و462 و484.
[12] -د.محمد الناصر النفزاوي، التيارات الفكرية السياسية في السلطنة العثمانية 1839-1918، دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع، صفاقس، وكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، 2001، ص413 و469.
[13] -نفس المرجع، ص412-413.
[14]- د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، 1831-1914، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1983، ص153.
[15] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث في تاريخ العرب الحديث 1514-1914، مكتبة المحتسب، عمّان، 1983، ص54.
[16]-نفس المرجع، ص54-58.
[17] -أحمد الشقيري، الأعمال الكاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ج2 المذكرات/2-على طريق الهزيمة مع الملوك والرؤساء، ص1395.
[18] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص298.
[19] -زين نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار للنشر، بيروت، 1977، ص99.
-Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw,History of the Ottoman Empire and Modern Turkey,Cambridge University Press,2002,Vol. 2,p. 330.
[20] -حلمي النمنم، التاريخ المجهول:المفكرون العرب والصهيونية وفلسطين، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، ص146-170.
[21] -د. محمد عيسى صالحية، سياسات وإجراءات علي أكرم بك(متصرف القدس)حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في مدينة القدس، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4 المجلد 38، إبريل-يونيو 2010، ص 135.
[22] -د. جيرمي سولت، تفتيت الشرق الأوسط:تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي، دار النفائس، دمشق، 2011، ترجمة:د. نبيل صبحي الطويل، ص153-154.
[23] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص69.
[24] -عيسى القدومي، الأرشيف العثماني وكنوز تاريخ القدس، مجلة بيت المقدس للدراسات، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، نيقوسيا-قبرص، العدد الخامس، شتاء 2008، ص41-42
[25] -دكتور حسان حلاق، ص80.
[26]-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص22.
[27] -لورانس أوليفانت، ص 472.
[28] -دكتور حسان حلاق، ص90.
[29] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص12(من مقدمة الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي).
[30] -نائلة الوعري، دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840-1914، دار الشروق، عمّان، 2007، ص194.
[31] -د. مصطفى الستيتي، موقف الحكومة العثمانية من هجرة 46 يهوديا تونسيا إلى القدس، صحيفة الضمير التونسية، وموقع أرشيف الدولة العثمانية، 23/1/2014،
http://www.ottomanarchives.info/2014/01/23/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d 8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%87%d8%ac%d8%b1%d8%a9-46-%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a7/
[32] -Stanford J. Shaw, The Jews of the Ottoman Empire and the Turkish Republic, New York University Press, New York, 1991, pp. 214-215.
[33] -نائلة الوعري، ص125.
[34] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
[35] -نائلة الوعري، ص107-108 و139 و146-147 و158-159. وأيضا:
-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
[36] -نائلة الوعري، ص136-148.
[37] -دكتور حسان حلاق، ص87.
[38] -نائلة الوعري، ص149-154.
[39] -د. أمين عبد الله محمود، مشاريع الاستيطان اليهودي في مرحلة التكوين، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2011، ص132-134.
[40] -نائلة الوعري، ص 107 و108 و139 و146 و147 و158 و159.وأيضاً:
-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص43.
[41] -دكتور حسان حلاق، ص90.
[42] -مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال:أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم، كلمة، أبوظبي، وكلمات عربية، القاهرة، 2008، ص277.
[43] -نفس المرجع، ص308-310.
[44] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص31.
[45] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص43-44. وأيضا:
-دكتور حسان حلاق، ص104-105.
[46] -وليد الخالدي، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، والنادي الثقافي العربي، 2009، ص290.
[47] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ج2ص991-998.
[48] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص46.
[49] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص44.بالإضافة إلى المراجع في الهامش التالي.
[50] -د. سلمان أبو ستة، فلسطين:الحقوق لا تزول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2013، ص21.
-هنري لورنس، مسألة فلسطين:المجلد الأول1799-1922 اختراع الأرض المقدسة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ترجمة:بشير السباعي، الكتاب الأول1798-1914 أوروبا تصوغ العالم وشرق آخذ بالتحول ص173-174.
-مقال للدكتور رشيد الخالدي في مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية 1 يناير 1994 على الموقع التالي:
http://www.thefreelibrary.com/_/print/PrintArticle.aspx?id=15721729
والمراجع السابقة تستند إلى المرجع المهم التالي للخبير الديمغرافي الأمريكي جستن مكارثي:
-Justin McCarthy, The Population of Palestine: Population History and Statistics of the Late Ottoman Period and the Mandate, Columbia University Press, New York, 1990.
[51] -د.عبد العزيز محمد عوض، مقدمة….، ص50.
[52] -دكتور حسان حلاق، ص96.
[53] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة….، ص51.
[54] -رفيق شاكر النتشة، السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين: السلطان الذي خسر عرشه من أجل فلسطين، دار الكرمل، عمّان، 1984، ص152.
[55] -نائلة الوعري، ص199.
[56] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص 88-89.
[57] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص24.
[58] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص53.
[59] -دكتور حسان حلاق، ص151-152.
[60] -أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص76.
[61] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص991-993.
[62] -نفس المرجع، ج2ص993. وأيضا:
-نائلة الوعري، ص205.
[63] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص89. وأيضا:
-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص33.
[64] -دكتور حسان حلاق، ص250.
[65]-د. محمد عيسى صالحية، سياسات وإجراءات علي أكرم بك(متصرف القدس)حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في مدينة القدس، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4 المجلد 38، إبريل-يونيو 2010، ص131-164.
[66] -نائلة الوعري، ص206.
[67]-د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص89.
[68] -الدكتور عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر، دمشق، 2002، ص82.
[69] -نفس المرجع، ص75-77.
[70] -مردخاي نائور، الصهيونية في مائة عام1897-1996:تواريخ، وثائق، مفاهيم، صور، مكتبة النافذة، القاهرة، 2013، ترجمة:عمرو زكريا خليل، ص26.
[71] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 208.
وأيضا:
-دكتور حسان حلاق، ص285.
[72] -وليد الخالدي، ص317.
[73] -د. عبد الوهاب المسيري، الصهيونية وخيوط العنكبوت، دار الفكر، دمشق، 2006، ص102.
[74] -Stanford J. Shaw, 1991, pp. 212-213.
[75] -نائلة الوعري، 172-173.
[76] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص79.
[77] – Marvin Lowenthal (ed), The Diaries of Theodor Herzl, The Universal Library, New York, 1962, p. 340.
[78] -مردخاي نائور، ص35 و41.
-دكتور حسان حلاق، ص185.
[79] -دكتور حسان حلاق.
[80] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص61.
[81] – Sevket Pamuk, The Ottoman Empire and European capitalism, 1820-1913, Cambridge University Press, 1987, p. 213.
[82] -دكتور حسان حلاق، ص184.
[83] -نفس المرجع، ص199.
[84] -د.خيرية قاسمية، قضية الحدود بين فلسطين ومصر وأثرها في جذور الصراع العربي-الصهيوني، مجلة تاريخ العرب والعالم، دار السياسة للصحافة والنشر، بيروت، العدد الخامس، مارس 1979، ص20.
[85] -دكتور حسان حلاق، ص188-189.
[86] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص966-972.
[87] -د. صبري أحمد العدل، سيناء في التاريخ الحديث (1869-1917)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرةـ2004، ص192.
[88] -حلمي النمنم، جذور الإرهاب: أيام سليم الأول في مصر، دار النهر للنشر والتوزيع، القاهرة، 1995، ص9.
[89] -د. أمل فهمي، العلاقات المصرية العثمانية على عهد الاحتلال البريطاني 1882-1914، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002، ص93-128.
[90] -ألفت احمد الخشاب، تاريخ تطور حدود مصر الشرقية وتأثيره على الأمن القومي المصري 1892-1988، دار الشروق، القاهرة، 2008، ص169-170.
[91] -د. صبري أحمد العدل، ص164.
[92] -نفس المرجع، ص180-182.
[93]-Moshe Ma’oz (ed), Studies on Palestine During the Ottoman Period, The Hebrew University, Jerusalem, 1975, pp. 190-197.
[94] -أمين أبو بكر، ملكية السلطان عبد الحميد الثاني في فلسطين(1876-1937)، مجلة جامعة النجاح للأبحاث(العلوم الإنسانية، نابلس، المجلد17(1)، 2003، ص232-233.
[95] -هنري لورنس، ص166-171.
[96] -جوني منصور، الخط الحديدي الحجازي: تاريخ وتطور قطار درعا-حيفا، مؤسسة الدراسات المقدسية، القدس، 2008، ص174-175.
[97] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص135.
[98] -باميلا آن سميث، فلسطين والفلسطينيون 1876-1983، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق، 1991، ترجمة:إلهام بشارة الخوري، ص25.
[99] -د. حسان حلاق، دور اليهود والقوى الدولة في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش 1908-1909، دار بيروت المحروسة للطباعة والنشر، بيروت، 1993.
[100] -حنا بطاطو، العراق(الكتاب الأول): الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1990، ترجمة: عفيف الرزاز، ص323-326.
[101] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص319.
[102] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص57.
[103] -نائلة الوعري، ص252.
[104] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص59. وأيضا:
-الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص47.
[105] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص153.
[106] -الدكتور عبد العزيز محمد عوض، بحوث…، ص44.
[107] -جورج أنطونيوس، يقظة العرب: تاريخ حركة العرب القومية، دار العلم للملايين، بيروت، 1978، ترجمة: الدكتور ناصر الدين الأسد والدكتور إحسان عباس، ص365.
[108] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص61.
[109] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص43.وأيضا:
-أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص72.وأيضا:
-رفيق شاكر النتشة، ص112.
[110] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص115.
[111] -مذكرات محمد عزة دروزة1887-1984، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993، ج1ص244.
[112] -قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1994، ص74.
[113] -عوني فرسخ، التحدي والاستجابة في الصراع العربي-الصهيوني: جذور الصراع وقوانينه الضابطة (1799-1949)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008، ص223-224.
[114] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص43.
[115] -عادل مناع، ص235-236.
[116] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص56-57.
[117] -جورج أنطونيوس، ص365.
[118] -وليد الخالدي، ص256 و288و296.
[119] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2 ص 1002.
[120] -دكتور حسن صبري الخولي، ج1ص 79.
-دكتور حسان حلاق، 1999، ص 155.
-هنري لورنس، ص169.
[121] -مايكل أورين، ص 277-278.
[122] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 217.
[123] -مردخاي نائور، ص25-26.
[124] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السابع، ج2ص90-91.
[125] -هنري لورنس، ص170.
[126] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص103.
[127] -هنري لورنس، ص166.
[128] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد الثاني، ج1ص110.
[129] -د. عبد العزيز محمد عوض، مقدمة…، ص47. وأيضا:
-دكتور حسان حلاق، 1999، ص78.
[130] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد الرابع، ج3ص320.
[131] -دكتور حسان حلاق، ص103.
[132] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 214.
[133] -نفس المرجع ، ص 216.
[134] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص234 و293و256.
[135] -نفس المرجع، ص237-239.
[136] -مصطفى كامل باشا، المسئلة الشرقية، مطبعة اللواء، القاهرة، 1909، ص8.
[137] -شاكر النابلسي، عصر التكايا والرعايا: وصف المشهد الثقافي لبلاد الشام في العهد العثماني(1516-1918)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص178.
[138] -نبيل فياض، يوم انحدر الجمل من السقيفة، منشورات الدار الفاطمية، دمشق، 1993، ص 79-80.
[139] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج3ص1478.
[140] -الدكتور عبد الوهاب المسيري، حوارات (1): الثقافة والمنهج، دار الفكر، دمشق، 2010، تحرير: سوزان حرفي، ص307.
[141] -مايكل أورين، ص 277.
[142] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2.
-أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، دار الشروق، القاهرة، 1982.
-سعيد أحمد برجاوي، الإمبراطورية العثمانية:تاريخها السياسي والعسكري، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1993.
-جون باتريك كينروس (لورد كينروس)، القرون العثمانية:قيام وسقوط الإمبراطورية، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2003، ترجمة:الدكتورة ناهد إبراهيم دسوقي.
[143] -د. أمل فهمي، ص80-81.
[144] -Ilan Pappe, A History of Modern Palestine, Cambridge University Press, 2006, p. 56.
[145] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص325.
[146] -Ilan Pappe, p. 53.
[147] -مردخاي نائور، ص31.
[148] -Stanford J. Shaw, 1991, p. 223.
[149] -نفس المرجع ، ص 295.
[150] -نفس المرجع ، ص 225.
[151] -مايكل أورين، ص347.
[152] – Stanford J. Shaw, 1991, p. 216.
[153] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السابع، ج2ص90-91.
[154] -الدكتور ماهر الشريف، تاريخ فلسطين الاقتصادي-الاجتماعي، دار ابن خلدون، بيروت، 1985، ص93.
[155] -Ilan Pappe, p. 69.
[156] -مردخاي نائور، ص84.
[157] -أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج2ص999.
[158]-عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص44.
[159] -د. أمين عبد الله محمود، ص112.
[160] -جون هاسلب، السلطان الأحمر عبد الحميد، دار الروائع الجديدة، بيروت، 1974، ترجمة:فيليب عطا الله، ص286.
[161] -بيتر مانسفيلد، تاريخ الشرق الأوسط، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ترجمة: أدهم مطر، ص 196.
-جون هاسلب، ص286.
[162] -جون هاسلب، ص286.
[163] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص39-41.
[164] -دافيد فرومكين، سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914-1922، رياض الريس للكتب والنشر، لندن-قبرص، 1992، ترجمة: أسعد كامل الياس، ص328. وأيضا:
-Tom Segev, One Palestine Complete: Jews and Arabs under the British Mandate, Henry Holt and Company, New York, 2000, p. 41-43.
[165] -الدكتور عبد الكريم رافق، العرب والعثمانيون 1516-1916، مكتبة أطلس، دمشق، 1974، ص550.
[166] -عبد الوهاب المسيري، الموسوعة، المجلد السادس، ج1ص44.
[167] -زين نور الدين زين، ص99.
[168] -ظاهر محمد صكر الحسناوي، شكيب أرسلان: الدور السياسي الخفي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص121و132-133 هامش رقم 126.
[169] -سحر الهنيدي، التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي: فترة هربرت صامويل(1920-1925)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003، ص160.
[170] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2, p. 231.
[171]-أ. د. محمد عيسى صالحية، 2009، ص68 و98 هامش رقم26.
[172] -سحر الهنيدي، ص274.
[173] -محمد حرب، ص86.
[174] -عبد الوهاب الكيالي(محرر)، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1990، ج4ص445-446.
[175] -كوليت الخوري(تحقيق)، أوراق فارس الخوري، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، 1989، ج1ص404.
[176] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص334.
[177] -هنري لورنس، ص205 و 225 و227.
[178] -فاضل بيات، دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2003، ص452.
[179] -نفس المرجع، ص453.
[180] -نفس المرجع، ص453.
[181] -نفس المرجع، ص457.
[182] -السلطان عبد الحميد الثاني، مذكراتي السياسية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1979، ص34-35.
[183]-العلاقات العربية التركية: حوار مستقبلي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1995، ص548-549(دراسة الدكتور إبراهيم الداقوقي، نحو خطة جديدة للتحرك على المستوى الإعلامي والتربوي لتغيير صورة العرب في الكتب المدرسية ووسائل افعلام التركية). وأيضأ:
-Marvin Lowenthal, p. 152.
[184] -نفس المرجع، ص152.
[185] – Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, 2002, Vol. 2, p. 262.
[186] -السلطان عبد الحميد الثاني، ص113.
[187] -سعيد الأفغاني، سبب خلع السلطان عبد الحميد: وثيقة بتوقيعه، فريدة مجهولة تصرح بالسبب، مجلة العربي، وزارة الإعلام بحكومة الكويت، العدد 169، ديسمبر 1972، ص155-156.
[188] -محمد حرب، ص141.
[189] -الدكتور وميض جمال عمر نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1986، ص86.
[190] -دكتور حسان حلاق، 1999، ص304. وأيضا:
-Stanford J. Shaw, 1991, p. 212.
تعليق