البدوي الذي اكتشف آثارا قد تقلب تاريخ البشرية
لا يكاد احد في فلسطين والعالم العربي يعرف محمد حماد، لكن بين فترة وأخرى، يأتي إلى حماد بعض المهتمين بالآثار وتاريخ الأديان والدراسات الكتابية، ليقودهم إلى بقعة صغيرة لم تكن ترى على الخارطة في بيداء البحر الميت تدعى قمران، أصبح اسمها مشهورا جدا بعد ان وجد محمد حماد، مع صديقه محمد الذيب ـ عندما كانا ولدين يرعيان الغنم ـ ما عرف بعد ذلك باسم «مخطوطات البحر الميت» أو «لفائف قمران» التي تحتجزها إسرائيل الآن في «متحف الكتاب» بالقدس الغربية، وتتهم من قبل باحثين مستقلين في الغرب، بأنها تتلكأ في الكشف عن مضمونها، الذي يتوقع أن يقدم رواية أخرى لتاريخ الأديان غير تلك المتداولة.
معظم الدارسات الكتابية التي تمحص في التاريخ، وتحديدا في مخطوطات البحر الميت (وقد تجاوزت الثلاثة آلاف دراسة بمختلف اللغات) تذكر دائما محمد حماد ومحمد الذيب، هذين الولدين البدويين الذين عثرا على المجموعة الأولى من المخطوطات التي تسببت في إطلاق حملة بحث واسعة في قمران، المرتفع الجبلي الأخاذ، الذي يقبع البحر الميت عند أقدامه. وقبل سنوات قليلة توفي محمد الذيب، في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن، وبقي محمد حماد، الذي بلغ من العمر عتيا، شاهدا، يحمل في روحه جذوة ذلك الصبي الراعي، الذي قادته مع رفيقه الذيب إلى قمران عام 1947م.
ورغم انه هادئ الانفعال إلا ان الحديث عن المخطوطات يثير حماسه، وعندما التقيناه لنذهب سويا الى قمران، كان قد تسلم لتوه صورا من باحث اميركي اصطحبه إلى موطن المخطوطات في قمران، والتقط له تلك الصور بجانب المغاور والكهوف التي عثر فيها على المخطوطات.
ذهب وسحر
يروي محمد حماد حكاية الاكتشاف، الذي أورثه وأورث زميله محمد الذيب ذلك الندم المعتق، بسبب عدم استغلال اكتشافهما ماديا. كان عمره (12) عاما ومحمد الذيب (10) أعوام، عندما كانا يرعيان الأغنام في منطقة (عين الفشخة) على تخوم البحر الميت، بجانب السيل المعروف الذي يصب في البحر الميت، ويبيتان في أي مكان تصل إليه الأغنام عندما يدخل الليل.
وفي ذلك اليوم من ربيع 1947م، وصلا بالأغنام إلى وادي قمران، ووجد هو ومحمد الذيب كومة من الحجارة بينها فتحة، وعندما نظرا منها، قدرا ان الفتحة تبعد عن الأرضية ثلاثة أمتار، واعتقدا انه بئر، وعندما رميا حجارة صغيرة في الداخل سمعا صوتا بشبه الجرس، فاعتقدا انه ربما يوجد في الداخل ذهب.
ويروي حماد انه ربط كوفيته مع كوفية محمد الذيب، ونزل الأخير من خلال الفتحة، وحماد يمسك بالكوفيتين المربوطتين على شكل حبل، حتى وصل الذيب إلى الأرضية، فأخبر حماد انه في غرفة مساحتها عشرة أمتار تقريبا، ومملوءة بأزيار الفخار، وكل زير عليه غطاء.
تأكد حماد والذيب أنهما لقيا كنزا من الذهب، خصوصا وانهما كانا يسمعان من الحكايات ان الأقدمين يخبئون الذهب في ازيار وجرار. ويقول حماد «لم يكن يخطر ببالنا أننا سنكتشف ما هو أهم من الذهب». وعندما بدأ محمد الذيب بفتح الازيار وجد جلود غزلان ملفوفة وعليها كتابة، ولأنهما أميان، اعتقدا ـ كما قال حماد ـ ان الذي وجداه هو سحر أو نوع من الأحجية أو ما شابه ذلك، فناديا على الراعيين جمعة المحمد وخليل موسى، اقرب الرعاة إلى موقعهما، واخذ الذيب يناولهما الجلود الملفوفة، وعندما انتهى من ذلك خرج مرة أخرى حيث أصحابه، فاخذ الرعاة يستكشفون الجلود الملفوفة ويفردونها، وعندما تأكدوا انه سحر مزقوا بعضها وتركوا البعض الآخر مرميا…!
وتبين فيما بعد بان محمد الذيب، كان قبل خروجه من المغارة قد خبأ بعض الملفوفات في جلبابه ووضعها في بيته، عندما عاد إلى منطقة التعامرة، مدفوعا على ما يبدو بذكاء فطري أو فطنة تجعله لا يضع ثقته كاملة في رفاق تلك الأرض المقفرة والبرية الموحشة.
يقول محمد حماد «بعد ثلاثة اشهر تقريبا من الاكتشاف، اعلم محمد الذيب أمه بالأمر فأخذت المخطوطات إلى رجل متعلم، لكنه لم يستطع قراءة المخطوطات بالطبع». وبعد ذلك اخذوا المخطوطات إلى إسكافي سرياني، فوضعها في جرار المسامير، ليريها لأحد الرهبان، وبعد شهرين عرض عليهم الإسكافي عشرة دنانير أردنية ليستغل الجلود في ترقيع الأحذية.
ولكن المخطوطات وصلت لرجل الدين، الذي تبين انه مطران السريان الأرثوذكس وعرفت القصة عالميا. عاد الرعاة إلى الإسكافي غاضبين ومقهورين، فأعطاهم أربعين دينارا، وتغيرت الأمور ولم يعد الإسكافي إسكافيا، بعد ان عرفت حقيقة بيضة الديك التي تجيء في العمر مرة واحدة، وفي اغلب الأوقات لا تجيء، وأضاعها هذه المرة الرعاة، دون ان يعلموا ان البيضة التي وجدوها كانت مدفونة منذ أكثر من ألفي عام، وربما يفسر هذا الحزن الدفين والمبرر في عيني حماد بعد كل تلك السنوات.
الكل يبحث عن المخطوطات
يقول حماد «حضر مندوبو دائرة الآثار ومعهم المستر هردان البريطاني وباحث فرنسي، وبدأوا العمل في المنطقة، وبدأت أنا ومجموعة من الرعاة في البحث عن المخطوطات».
ويبدو ان حماد يقصد بالمستر ـ هردان ـ الأثري جيرالد لانكستر هاردنج الذي قضى عشرين عاما في الأردن مسؤولا عن دائرة آثارها، وورد اسمه في قضية تهريب المخطوطات ووضع كتابا عن آثار الأردن، وبالباحث الفرنسي ربما يقصد الأب رولان ديفو مدير «مدرسة الأبحاث التوراتية الفرنسية» بالقدس. ويضيف حماد انه رفض العمل مع مستر (هردان) بخمسة دنانير أردنية يوميا، لأنه اكتسب خبرة هو وزملاؤه في الكشف عن المخطوطات، وعمل حتى عام 1964 في الكشف عنها، حيث تم اكتشاف 21 مخطوطا، ووصل سعر المخطوط ما بين ـ 1000 الى 2000 دينار ـ
ويقول حماد إن مهمتهم لم تكن سهلة، حيث اكتشفوا مغاور كثيرة، وكانوا يزيلون الأتربة الكثيرة حتى يصلوا للمخطوطات، وكان المستر (هردان) يستغرب من موهبتهم في اكتشافها. يقول حماد ان محمد الذيب، أصيب بإحباط شديد عندما علم قيمة ما اكتشفه، فأخذ يرعى بعيدا عن باقي زملائه ولم يعمل معهم.
وبعد الاحتلال عام 1967 للضفة الغربية، وجد الذيب نفسه في عمان، لاجئا.. نازحا.. محبطا.. مكتئبا، يعمل بالمياومة في سوق العمل الأسود ويعاني من الفاقة، وفي نفسه تلك الحسرة التي لازمته حتى وفاته دون ان يجد ثمن الدواء.
ولم يخفف من ذلك ورود اسمه في كل الكتب التي صدرت عن مخطوطات البحر الميت، بلغات العالم الحية، باعتباره ذلك الفتى البدوي، الذي عثرت قدم معزته في ذلك الكهف في بيداء البحر الميت، على الاكتشاف الذي ما زال يذهل العالم.
وربما تكون تلك القصة بتفاصيلها غير دقيقة، وتناقض شكليا رواية محمد حماد، إلا أنها أصبحت الرواية (الرسمية) الشائعة والمتناقلة عن صدفة الاكتشاف لكنز المخطوطات.
ويمكن ان تحمل رواية المعزة المتعثرة والبدوي الذي يلاحقها نزعة استشراقية، خفية ومبهمة وغير مقصودة على الأغلب، ربما لا تعكس تماما حال الأراضي المقدسة في منتصف القرن العشرين التي كانت تغلي بفعل النار الموقدة بسبب تصميم العصابات الصهيونية على الاستمرار في إحداث جغرافيا استيطانية جديدة على حساب أصحاب الأرض الأصليين، والأكثر من ذلك حال المجتمع العربي الفلسطيني المثقل بكل العوامل التي أدت إلى الهزيمة. ولكن صورة البدوي الأمي الجاهل الذي اكتشف (كنزا) حضاريا بالصدفة لا يعرف كنهه، لم تكن إلا صورة من صوره المتعددة.
ويعبر حماد عن اعتقاد راسخ، بوجود مزيد من المخطوطات في المنطقة، والآثار الأخرى كالزجاج والفخاريات، التي كانوا يكتشفونها في أثناء عملهم ويتركونها طمعا في العثور على المخطوطات التي تدر الدنانير الكثيرة..! ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، لم يسمح للرعاة بالوصول لقمران، ويقول إنه لو سمح لهم بالبحث في المنطقة فلن يتردد لحظة واحدة، فلعله يصلح ما أفسده الزمان والفقر والجهل.
مصير المخطوطات
المجموعة الاولى من المخطوطات التي اكتشفها محمد حماد وبدو التعامرة هربت، عن طريق رجل دين، وتجمعت لدى الأثري والسياسي الإسرائيلي ايغال يدين. لكن المخطوطات التي تم كشفها عن طريق دائرة الآثار الأردنية وضعت في المتحف الفلسطيني بالقدس المعروف باسم «متحف روكفلر»، وبعد الاحتلال عام 1967، نقلت المخطوطات وآثار أخرى هامة إلى «متحف الكتاب» في القدس الغربية، علما بان متحف روكفلر في القدس الشرقية تحت سيطرة الاحتلال أيضا. وما زالت المخطوطات حتى الآن مثار جدل واسع، يبرز بين كل سنة وأخرى، خصوصا ان حكومات إسرائيل المتعاقبة متهمة من قبل البعض بعرقلة الكشف بشكل كامل عن مضمونها.
وفي حين اعتبر باحثون ذلك، محاولة لإخفاء حقائق جديدة عن فترة نزول الكتاب المقدس والديانة المسيحية والتاريخ اليهودي في فلسطين، كان باحثون إسرائيليون يبررون ذلك بان العمل في المخطوطات لم ينته بعد، أو يكتفون بالإشارة إلى ما نشره ايغال يادين من أجزاء منها، بعد ان تجمع لديه القسم الأعظم المعروف من المخطوطات، بعد احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967م. وفي حين تؤكد معلومات ان المخطوطات أو صورا عنها موجودة في إسرائيل والأردن وجامعات أميركية، يعتقد محمد حماد ان الحديث يدور عن عدد كبير من المخطوطات موجود في هذه البلدان وربما غيرها أيضا، بعد ان نشط بدو التعامرة في البحث عن وثائق جديدة، بعد انتشار قصة محمد الذيب ومحمد حماد. وتعتبر أهم كشف اثري من شأنه ان يعيد النظر في تاريخ البشرية المعروف، أو على الأقل في ما يتعلق ما يعرف الآن بالشرق العربي: ارض الديانات والرسل والملائكة! حسب التقديرات المتفائلة لذلك الكشف، الذي ما زال يثير الجدل حتى الآن.
لا يكاد احد في فلسطين والعالم العربي يعرف محمد حماد، لكن بين فترة وأخرى، يأتي إلى حماد بعض المهتمين بالآثار وتاريخ الأديان والدراسات الكتابية، ليقودهم إلى بقعة صغيرة لم تكن ترى على الخارطة في بيداء البحر الميت تدعى قمران، أصبح اسمها مشهورا جدا بعد ان وجد محمد حماد، مع صديقه محمد الذيب ـ عندما كانا ولدين يرعيان الغنم ـ ما عرف بعد ذلك باسم «مخطوطات البحر الميت» أو «لفائف قمران» التي تحتجزها إسرائيل الآن في «متحف الكتاب» بالقدس الغربية، وتتهم من قبل باحثين مستقلين في الغرب، بأنها تتلكأ في الكشف عن مضمونها، الذي يتوقع أن يقدم رواية أخرى لتاريخ الأديان غير تلك المتداولة.
معظم الدارسات الكتابية التي تمحص في التاريخ، وتحديدا في مخطوطات البحر الميت (وقد تجاوزت الثلاثة آلاف دراسة بمختلف اللغات) تذكر دائما محمد حماد ومحمد الذيب، هذين الولدين البدويين الذين عثرا على المجموعة الأولى من المخطوطات التي تسببت في إطلاق حملة بحث واسعة في قمران، المرتفع الجبلي الأخاذ، الذي يقبع البحر الميت عند أقدامه. وقبل سنوات قليلة توفي محمد الذيب، في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن، وبقي محمد حماد، الذي بلغ من العمر عتيا، شاهدا، يحمل في روحه جذوة ذلك الصبي الراعي، الذي قادته مع رفيقه الذيب إلى قمران عام 1947م.
ورغم انه هادئ الانفعال إلا ان الحديث عن المخطوطات يثير حماسه، وعندما التقيناه لنذهب سويا الى قمران، كان قد تسلم لتوه صورا من باحث اميركي اصطحبه إلى موطن المخطوطات في قمران، والتقط له تلك الصور بجانب المغاور والكهوف التي عثر فيها على المخطوطات.
ذهب وسحر
يروي محمد حماد حكاية الاكتشاف، الذي أورثه وأورث زميله محمد الذيب ذلك الندم المعتق، بسبب عدم استغلال اكتشافهما ماديا. كان عمره (12) عاما ومحمد الذيب (10) أعوام، عندما كانا يرعيان الأغنام في منطقة (عين الفشخة) على تخوم البحر الميت، بجانب السيل المعروف الذي يصب في البحر الميت، ويبيتان في أي مكان تصل إليه الأغنام عندما يدخل الليل.
وفي ذلك اليوم من ربيع 1947م، وصلا بالأغنام إلى وادي قمران، ووجد هو ومحمد الذيب كومة من الحجارة بينها فتحة، وعندما نظرا منها، قدرا ان الفتحة تبعد عن الأرضية ثلاثة أمتار، واعتقدا انه بئر، وعندما رميا حجارة صغيرة في الداخل سمعا صوتا بشبه الجرس، فاعتقدا انه ربما يوجد في الداخل ذهب.
ويروي حماد انه ربط كوفيته مع كوفية محمد الذيب، ونزل الأخير من خلال الفتحة، وحماد يمسك بالكوفيتين المربوطتين على شكل حبل، حتى وصل الذيب إلى الأرضية، فأخبر حماد انه في غرفة مساحتها عشرة أمتار تقريبا، ومملوءة بأزيار الفخار، وكل زير عليه غطاء.
تأكد حماد والذيب أنهما لقيا كنزا من الذهب، خصوصا وانهما كانا يسمعان من الحكايات ان الأقدمين يخبئون الذهب في ازيار وجرار. ويقول حماد «لم يكن يخطر ببالنا أننا سنكتشف ما هو أهم من الذهب». وعندما بدأ محمد الذيب بفتح الازيار وجد جلود غزلان ملفوفة وعليها كتابة، ولأنهما أميان، اعتقدا ـ كما قال حماد ـ ان الذي وجداه هو سحر أو نوع من الأحجية أو ما شابه ذلك، فناديا على الراعيين جمعة المحمد وخليل موسى، اقرب الرعاة إلى موقعهما، واخذ الذيب يناولهما الجلود الملفوفة، وعندما انتهى من ذلك خرج مرة أخرى حيث أصحابه، فاخذ الرعاة يستكشفون الجلود الملفوفة ويفردونها، وعندما تأكدوا انه سحر مزقوا بعضها وتركوا البعض الآخر مرميا…!
وتبين فيما بعد بان محمد الذيب، كان قبل خروجه من المغارة قد خبأ بعض الملفوفات في جلبابه ووضعها في بيته، عندما عاد إلى منطقة التعامرة، مدفوعا على ما يبدو بذكاء فطري أو فطنة تجعله لا يضع ثقته كاملة في رفاق تلك الأرض المقفرة والبرية الموحشة.
يقول محمد حماد «بعد ثلاثة اشهر تقريبا من الاكتشاف، اعلم محمد الذيب أمه بالأمر فأخذت المخطوطات إلى رجل متعلم، لكنه لم يستطع قراءة المخطوطات بالطبع». وبعد ذلك اخذوا المخطوطات إلى إسكافي سرياني، فوضعها في جرار المسامير، ليريها لأحد الرهبان، وبعد شهرين عرض عليهم الإسكافي عشرة دنانير أردنية ليستغل الجلود في ترقيع الأحذية.
ولكن المخطوطات وصلت لرجل الدين، الذي تبين انه مطران السريان الأرثوذكس وعرفت القصة عالميا. عاد الرعاة إلى الإسكافي غاضبين ومقهورين، فأعطاهم أربعين دينارا، وتغيرت الأمور ولم يعد الإسكافي إسكافيا، بعد ان عرفت حقيقة بيضة الديك التي تجيء في العمر مرة واحدة، وفي اغلب الأوقات لا تجيء، وأضاعها هذه المرة الرعاة، دون ان يعلموا ان البيضة التي وجدوها كانت مدفونة منذ أكثر من ألفي عام، وربما يفسر هذا الحزن الدفين والمبرر في عيني حماد بعد كل تلك السنوات.
الكل يبحث عن المخطوطات
يقول حماد «حضر مندوبو دائرة الآثار ومعهم المستر هردان البريطاني وباحث فرنسي، وبدأوا العمل في المنطقة، وبدأت أنا ومجموعة من الرعاة في البحث عن المخطوطات».
ويبدو ان حماد يقصد بالمستر ـ هردان ـ الأثري جيرالد لانكستر هاردنج الذي قضى عشرين عاما في الأردن مسؤولا عن دائرة آثارها، وورد اسمه في قضية تهريب المخطوطات ووضع كتابا عن آثار الأردن، وبالباحث الفرنسي ربما يقصد الأب رولان ديفو مدير «مدرسة الأبحاث التوراتية الفرنسية» بالقدس. ويضيف حماد انه رفض العمل مع مستر (هردان) بخمسة دنانير أردنية يوميا، لأنه اكتسب خبرة هو وزملاؤه في الكشف عن المخطوطات، وعمل حتى عام 1964 في الكشف عنها، حيث تم اكتشاف 21 مخطوطا، ووصل سعر المخطوط ما بين ـ 1000 الى 2000 دينار ـ
ويقول حماد إن مهمتهم لم تكن سهلة، حيث اكتشفوا مغاور كثيرة، وكانوا يزيلون الأتربة الكثيرة حتى يصلوا للمخطوطات، وكان المستر (هردان) يستغرب من موهبتهم في اكتشافها. يقول حماد ان محمد الذيب، أصيب بإحباط شديد عندما علم قيمة ما اكتشفه، فأخذ يرعى بعيدا عن باقي زملائه ولم يعمل معهم.
وبعد الاحتلال عام 1967 للضفة الغربية، وجد الذيب نفسه في عمان، لاجئا.. نازحا.. محبطا.. مكتئبا، يعمل بالمياومة في سوق العمل الأسود ويعاني من الفاقة، وفي نفسه تلك الحسرة التي لازمته حتى وفاته دون ان يجد ثمن الدواء.
ولم يخفف من ذلك ورود اسمه في كل الكتب التي صدرت عن مخطوطات البحر الميت، بلغات العالم الحية، باعتباره ذلك الفتى البدوي، الذي عثرت قدم معزته في ذلك الكهف في بيداء البحر الميت، على الاكتشاف الذي ما زال يذهل العالم.
وربما تكون تلك القصة بتفاصيلها غير دقيقة، وتناقض شكليا رواية محمد حماد، إلا أنها أصبحت الرواية (الرسمية) الشائعة والمتناقلة عن صدفة الاكتشاف لكنز المخطوطات.
ويمكن ان تحمل رواية المعزة المتعثرة والبدوي الذي يلاحقها نزعة استشراقية، خفية ومبهمة وغير مقصودة على الأغلب، ربما لا تعكس تماما حال الأراضي المقدسة في منتصف القرن العشرين التي كانت تغلي بفعل النار الموقدة بسبب تصميم العصابات الصهيونية على الاستمرار في إحداث جغرافيا استيطانية جديدة على حساب أصحاب الأرض الأصليين، والأكثر من ذلك حال المجتمع العربي الفلسطيني المثقل بكل العوامل التي أدت إلى الهزيمة. ولكن صورة البدوي الأمي الجاهل الذي اكتشف (كنزا) حضاريا بالصدفة لا يعرف كنهه، لم تكن إلا صورة من صوره المتعددة.
ويعبر حماد عن اعتقاد راسخ، بوجود مزيد من المخطوطات في المنطقة، والآثار الأخرى كالزجاج والفخاريات، التي كانوا يكتشفونها في أثناء عملهم ويتركونها طمعا في العثور على المخطوطات التي تدر الدنانير الكثيرة..! ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، لم يسمح للرعاة بالوصول لقمران، ويقول إنه لو سمح لهم بالبحث في المنطقة فلن يتردد لحظة واحدة، فلعله يصلح ما أفسده الزمان والفقر والجهل.
مصير المخطوطات
المجموعة الاولى من المخطوطات التي اكتشفها محمد حماد وبدو التعامرة هربت، عن طريق رجل دين، وتجمعت لدى الأثري والسياسي الإسرائيلي ايغال يدين. لكن المخطوطات التي تم كشفها عن طريق دائرة الآثار الأردنية وضعت في المتحف الفلسطيني بالقدس المعروف باسم «متحف روكفلر»، وبعد الاحتلال عام 1967، نقلت المخطوطات وآثار أخرى هامة إلى «متحف الكتاب» في القدس الغربية، علما بان متحف روكفلر في القدس الشرقية تحت سيطرة الاحتلال أيضا. وما زالت المخطوطات حتى الآن مثار جدل واسع، يبرز بين كل سنة وأخرى، خصوصا ان حكومات إسرائيل المتعاقبة متهمة من قبل البعض بعرقلة الكشف بشكل كامل عن مضمونها.
وفي حين اعتبر باحثون ذلك، محاولة لإخفاء حقائق جديدة عن فترة نزول الكتاب المقدس والديانة المسيحية والتاريخ اليهودي في فلسطين، كان باحثون إسرائيليون يبررون ذلك بان العمل في المخطوطات لم ينته بعد، أو يكتفون بالإشارة إلى ما نشره ايغال يادين من أجزاء منها، بعد ان تجمع لديه القسم الأعظم المعروف من المخطوطات، بعد احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967م. وفي حين تؤكد معلومات ان المخطوطات أو صورا عنها موجودة في إسرائيل والأردن وجامعات أميركية، يعتقد محمد حماد ان الحديث يدور عن عدد كبير من المخطوطات موجود في هذه البلدان وربما غيرها أيضا، بعد ان نشط بدو التعامرة في البحث عن وثائق جديدة، بعد انتشار قصة محمد الذيب ومحمد حماد. وتعتبر أهم كشف اثري من شأنه ان يعيد النظر في تاريخ البشرية المعروف، أو على الأقل في ما يتعلق ما يعرف الآن بالشرق العربي: ارض الديانات والرسل والملائكة! حسب التقديرات المتفائلة لذلك الكشف، الذي ما زال يثير الجدل حتى الآن.
تعليق