أختاه .. إن وعد الله حق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وعد عباده المتقين بجنات النعيم، والفوز يوم الدين وتوعد أهل الضلال بعذاب أليم. في يوم لا ينفع فيه التقرب بالمال والبنين.
وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصدق الوعود وعد الله.
وَعَدَ عباده المتقين بظلال، ونعيم.. كرمٌ منه ونعمة. وتوعد أعداءه المعرضين بدار الجحيم.. عدلٌ منه وإنصاف..
أختي المؤمنة.. هذه كلمات. سللتها من مقاصد الكتاب والسنة أهديها لأخت مؤمنة.. غافلة.. قد ضحكت لها الدنيا. فألهتها عما هي له.
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
انطلاقاً من مبدأ الكلمة الطيبة صدقة، والدين النصيحة وهي كذلك بمثابة صرخة.. من أعماق خوفي.. لتلك النائمة وهي تلويح بثوب النجاة. أقتدي بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما أنذر قومه قائلاً: «أنا النذير العريان». واصباحاه.. احذري.. انتبهي.. فإن وراء الأكمة ما وراءها.
دنيا تتزين للناظرين، وشيطان يغري ويزين، ونفس أمارة بالسوء.
ولما رأيت كثيرًا من النساء إلا من رحم الله في هذه الأزمنة قد تهافتن على الدنيا تهافت الفراش على النار.. من ذلك ما نراه من التوسع الهائل في الأسواق، ومن البذخ والإسراف في المشتريات، ومن التفنن في وسائل الراحة والكماليات، والتنقل في أسواق الملذات والشهوات وتلبية الرغبات؛ مما أدى ذلك إلى قساوة في القلوب وإعراض كثير منهن عن الأوامر الربانية والنواهي الشرعية والتساهل في ذلك حتى وصل البعض منهن إلى الغفلة التامة.. وأيضًا ما يحدث من التنافس والتسابق على المظهرية الجوفاء والتقليد الممجوج ومحاكاة الكافرات.
لما رأيت ذلك أحببت أن أنصح بهذه الرسالة للذكرى، وما أحلى الذكرى إذا جاءت على حين فترة، وما ينتفع بالذكرى إلا مؤمن..
الدنيا متاع الغرور
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر: 5].
أخية: احذري الدنيا فإنها عدو متلون.. ناعمة الملمس، وفي باطنها السم الزعاف:
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشَّفت
له عن عدو في ثياب صديق
وقال آخر:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
على الماء خانته فروج الأصابع
قال أبو العتاهية:
إن الشقي لمن غرته دنياه.
أُخية.. إن طالب الدنيا يعيش في ذلة، ومهانة، واستكانة، وحقارة؛ فطالب الدنيا أسيرٌ لرغباته وشهواته، ونزواته.
كلما شبع من نزوة أتته أخرى.. وهكذا.
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
أصبح عبدًا لنفسه التي رضخت لهذه الدنيا فأصبح من سبي العدو.
قال الحكيم:
كفلت لطالب الدنيا بهمٍّ
طويل لا يؤول إلى انقطاع
وذلك في الحياة بغير عز
وفقر لا يدل على اتساع
وشغل ليس يعقبه فراغ
وسعي دائم من كل ساع
أخية: تقول عائشة رضي الله عنها أن الشهر يأتي والشهر والشهران وما أوقد في بيت آل محمد نارٌ... وكانت حجراته في قمة التواضع..
حتى أن كثيرًا من النساء ربما يستنكفن من بيوت في هذه الأزمنة، ربما تكون في ذلك الزمن قصورًا..
وما ذاك إلا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف حقيقة الدنيا وأنها حجر عثرة على الطريق إلى الآخرة، فلذلك كان زاهدًا فيها -صلى الله عليه وسلم-.
أخية.. الدنيا جميلة.. ساحرة.. تسحر القلوب والأبصار.. وهذا من تمام الابتلاء والاختبار.
«الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» رواه مسلم.
التنافس المذموم والتنافس المحمود على لذائذ هذه الدنيا التي لا تساوي جديا أسكا ميتًا.
فوالله للدنيا أهون على الله من هذا.. أي الجدي الأسك.. بيد أن الغرور يعمي ويصم. عن حقيقتها الزائفة.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [سورة الكهف: 45].
هشيمُ تسفه الريح... وكأن شيئًا لم يكن.
التنافس العجيب فيما يخص المرأة المسلمة اليوم ما هو إلا دليل على أنها بلغت مبلغًا عظيمًا في انغماسها في هذه الدنيا.. أخية هذه الدنيا مزينة في القلوب.
قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ﴾ [آل عمران: 14].
فمن مستقل، ومستكثر..
فأما المستقل فهو الذي أخذ حاجته التي تعينه إلى الآخرة ولم تكن حجر عثرة في طريقه.
وأما المستكثر: فهو ذلك الذي انغمس، والتهى، ومن ثم ضل عن رحلته الحقيقية.
إن الإسراف في تلبية الرغبات عن كثير من النساء، ما هو إلا مؤشرٌ على حب هذه الدنيا، وبالمقابل الإحجام عن البذل والإِنفاق في سبيل الله، اللهث وراء كل جديد، ومتابعة آخر صرخات (الموضة) أصبح ذلك سمة ظاهرة عند نساء المؤمنين، واللاتي من المفترض أن يكن مثالاً للرزانة، والرجحان.
أخية تأملي هذا الحديث العجيب:
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الدنيا لأربع نفر عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان. فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبدٌ رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علمًا، يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه فهذا بأخبث المنازل، وعبدٌ لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان. فهو بنيته؛ فوزرهما سواء». أخرجه الترمذي وسنده صحيح.
أخيَّة.. أي الطريق ترغبين التوجه إليه.
فالسلامة في الطريق الأول والثاني حيث جمعتهما النية الصادقة، وأما الثالث والرابع فهما إلى الشقاء.
أُخيَّة.. يقول النبي «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر». رواه مسلم.
ولا تجتمع جنة الدنيا وجنة الآخرة.. فمن أرخى الزمام عن شهواته في هذه الدنيا ولم يراع تلك القيود الشرعية، فلا شك أنه سيهلك في الدنيا والآخرة.
ستهلكه الدنيا؛ إذ الدنيا كالنار في حقيقتها، وفي ظاهرها ضوء وبريق يخطف أبصار تلك الفراشات المخدوعة، فتتسارع تلك الفراشات في التهافت في هذه النار، كذلك كثير من الناس أمام هذه الدنيا؛ يتهافتون في أحضانها، وليس هناك يقظة إلا على عتبات الآخرة.. ولكن.. بعد فوات الأوان.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الوعد عند الموت
أُخيَّة إن وعد الله حق..
في فتنة الموت وسكراته.. وكرباته..
نسمع عن الموت ونراه كل يوم يصرع كثيرًا من الناس، وكأن الأمر لا يعنينا.
ولله در القائل:
نزاع بذكر الموت ساعة ذكره
ونعترض الدنيا فنلهو ونلعب
وقال آخر:
نزاع إذا الجنائز قابلتنا
ويحزننا بكاء الباكيات
كروعه ثلة لمغار سبع
فلما غاب عادت راتعات
الموت حقيقة.. وأي حقيقة؟
بل هو أصدق حقيقة.. ولابد منه.
قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].
الموت هادم اللذات، ومفرق بين الأحبة والجماعات ﴿وحيل بينهم وبين ما يشتهون﴾.
كتاب مؤقت.. أجل مسمى.
أُخية: لا يغرك شبابك... جمالك... صحتك...
فكم من صحيح بات للموت آمنًا
أتته المنايا بعدما هجع
فلم يستطع إذا جاءه الموتُ بغتة
فرارًا ولا منه بحيلةٍ امتنع
لا يغرك ذلك الجمال، وأنت تنظرين إلى المرآة فترين ذلك الحسن والغضاضة والجمال، فكل ذلك زائل لا محالة.
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يُغر بطيب العيش إنسان
والوعد عند سكرات الموت.. وما أدراك ما سكرات الموت.
عانى من هو لها المصطفى
سئل أحد الصحابة -رضي الله عنهم- كيف تجدك؟
فقال أشعر كأن السماء مطبقة على الأرض، وأنا بينهما..
أُخية.. إن الموت محَكُّ حرج ومنعطفٌ ضيق يفتن فيه المؤمن.. فكيف بمن أعرض واستكبر؟
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
الوعد عند الموت إما بشارة طيبة، وإما كالحة والعياذ بالله.
جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، قالت عائشة رضي الله عنها: «إنا لنكره الموت». قال: «ليس ذلك»؛ ولكن المؤمن إذا أحضره الموت بشِّر برضوان الله وكرامته؛ فليس شيءٌ أحب إليه مما أمامه؛ فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا أحضر بشر بعذاب الله، وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه.
وأيم الله إنها بشارة، وأي بشارة؟ سعادة الدنيا والآخرة؛ أما الدنيا فقد استراح، وأما الآخرة فهو الفوز العظيم.
أمنٌ وأمان، ورياض، وجنان، وحور حسان.
أخية.. الموت قريب لمثل هذا الموعد يعمل العاملون.. وإلا فإنها الأخرى والعياذ بالله، بشارة كالحة لصنف من الناس.
أعرضوا عن أمر ربهم وجعلوا حياتهم الدنيا لعبًا ولهوًا واتبعوا أهواءهم.
تلك البشارة غضب وسخط من الله، يتجرعها ذلك المعرض اللاهي الذي خسر كل شيء.
عند هذه اللحظات تذكري أخية هذا الموعد البائس، واعلمي يارعاك الله أن الروح تغادر من جسد المؤمن كما تخرج الشعرة من العجين.
أُخية الزمي جادة الطريق، ودعي عنك بنيات الطريق، واعلمي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصانا
أن نكثر من ذكر هادم اللذات..
* * * * * * * * * * * * * * * *
الموعد عند القبر
أُخيَّة.. إن وعد الله حق في القبر وفتنته..
الله أكبر، ما أفزع الصالحين الأخيار شيءٌ من هول المطلع على القبور.
فتنة القبر.. تلك الحفرة المظلمة.. المقفرة.. الموحشة.
رأى عمر بن عبد العزيز قومًا في جنازة، وقد تلثموا من الغبار والشمس وانحازوا إلى الظل، رآهم فبكى ثم أنشد:
من كان حين تصيب الشمس جبهته
أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته
فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثًا
في قعر مظلمة غبراء موحشة
يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا
تجهزي بجهاز تبلغين به
يا نفس قبل الردى لم تخلق عبثا
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه قال: «ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم».
وجاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه مرَّ على قبرين فسمع صوت إنسانين يعذَّبان فقال: «إنهما يعذَّبان وما يعذَّبان في كبير؛ بلى، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي في الناس بالنميمة».
الشاهد من ذلك أن القبر أول منازل الآخرة؛ إما عذاب وإما نعيم؛ كان عثمان -رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى حتى تبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي إذا وقفت على القبر، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر».
أخية.. إن في القبور يستوي أهل الفقر وأهل الدثور؛ إذ لا فخر بينهم إلا بالأعمال.
قال مالك بن دينار:
أتيت القبور فناديتها
فأين المعظم، والمحتقر
وأين المدل بسلطانه
وأين المزكي إذا ما افتخر
تفانوا جميعًا فلا مخبر
وماتوا جميعًا ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا
أمالك فيما ترى معتبر
أُخيَّة.. تذكري هذه الأجداث..
فالناس فيها إما في رياض ونعيم، وإما في عذاب وجحيم.
النفخ في الصور والبعث والنشور
أُخية.. إن وعد الله حق..
عندما ينفخ في الصور ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [سورة الزمر: 68].
يخرجون من الأجداث سراعًا شعثًا غبرًا.. وهم من فزع يومئذ.. وحق لهم.. الأرض تتزلزل والسماء تتشقق.
والجبال الراسيات تمر مر السحاب؛ بل هذا الكون البديع بما فيه من جمال رائع يؤول إلى الدمار؛ السماء ذات الحبك المزينة بالنجوم الزاهرة، والأرض الوارفة، والبحار ذات المائجة؛ كل ذلك يأمر الله سبحانه وتعالى بدماره وانتهاء صلاحه.
ثم إلى أين؟
الانتقال إلى الآخرة بما فيها من أهوال.
يوم يجعل الوالدان شيبًا.. واقرئي إن شئت سورة التكوير.. الانفظار.. الحاقة.. الزلزلة.
الناس عن بكرة أبيهم يخرجون من قبورهم.. بعدما كانوا رفاتًا من لدن آدم -عليه السلام- إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة.
كظيظ من الزحام، والناس يموجون في هلع وخوف وكرب؛ أما الهلع والخوف فإن المرأة المرضع تلقي برضيعها ولا تبالي من شدة ما تراه ومما تعاني.
والمرأة الحامل تضع حملها من غير شعور؛ فقد أتاها ما يشغلها.
﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ [الحج: 2].
والناس مجموعون لميقات يوم معلوم.
﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 6].
يحشر الناس عراة غرلا، كما خلقهم الله عز وجل، تقول عائشة رضي الله عنها: الرجال والنساء يا رسول الله.
كبر ذلك وعظم عندها رضي الله عنها.
قال: «إن الأمر أشد من ذلك يا عائشة».
ترى ما عساه أن يكون أشد من أن ترى المرأة نفسها عارية بين الرجال والنساء.
إلا أن يكون ذلك أمرًا عظيمًا.
اجتماع الناس في يوم مقداره ألف سنة.
يوم تتقطع فيه الأعناق من طول الانتظار.
يوم تحترق فيه الأجواف من شدة الظمأ.
يوم تدنو فيه الشمس من رقاب العباد، والعرق يسيل إلى حد أن يلجم أناس.
يوم يكثر فيه الهلع والفزع، يوم يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وأخيه.
يوم تكثر فيه الحسرة والندامة لأهل الندامة.
يتمنى الكافر في ذلك اليوم أن يفتدي نفسه بما لو حيزت له الدنيا برمتها.. ولكن هيهات.
قد طلب منه أيسر من ذلك.
أُخيَّة.. ومع هذه الأهوال والكربات، إلا أن الله مع عباده الصالحين؛ لأن الله قد وعد ذلك، والله لا يخلف وعده.
أقوام يستظلون بظل الرحمن الغفور، وأقوام على منابر من نور.
وأقوام يرتوون من حوض المصطفى.
بيتنا غيرهم يقتلهم الظمأ..
الله أكبر.. الفرق كبير.. ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: 35].
فأهل اليمين في جنات ونعيم، وأهل الشقاء في عذاب أليم.
أخيَّة أمامك الوثائق والسجلات.
﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: 49].
لا جرم أن وعد الله آتٍ.. والعاقبة لمن اتقى.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الموعد عند الصراط
أُخيَّة.. الوعد عند الصراط..
وهو جسرٌ يضرب على جهنم كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «ويضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم؛ منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو..».
وهذه الكلاليب التي تخطف الناس..
ما هي إلا بسبب أعمالهم.
اللهو واللعب في الحياة الدنيا..
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف: 51].
فانظري يا رعاك الله أين مكانك من ذلك..
أُخية.. إذا كان الرسل يخافون وهم هم أولئك الذين لهم مكانة عند الله.
فكيف بحالنا.. وكيف بحال كثير من النساء وقد ألهتهم هذه الحياة الدنيا.
وكأن لسان حالهم يقول: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: 29].
أُخية.. انظري وتأملي:
أين أنت ممن حقق قصب السبق..
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
منهم من يمر على الصراط كلمح البصر.
ومنهم كالريح وكالجياد المسرعة.. ومنهم من يعدو.. ومنهم من يهرول.. ومنهم من يسقط ويقوم..
ومنهم من تخطفه كلاليب جهنم، وكلٌ بحسب عمله وقوة استجابته وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
أُخية.. هذه دعوة لك بأن تنافسي وتسابقي في الخيرات؛ فإن في ذلك اقتداء وتأسٍّ بالأنبياء.. وأما المنافسة في الدنيا فإنها جيفة انقَضَّ عليها قطيع من الكلاب، وما أكثر الكلاب.
قال الحسن رحمه الله: إذا رأيت الناس يتنافسون في الدنيا فألقها في نحورهم ونافسهم في الآخرة.
أُخيَّة.. كيف الحال بمن نسيت ربها في خضم غمرة هذه الشهوة وسكرة اللذة، لذة هذه الحياة الدنيا.
* * * * * * * * * * * * * * * *
كيف الحال بمن لا تصلي؟
وإن صلَّت الفريضة لم تصل النوافل.
وإن صلَّت كانت بغير خشوع.
كيف الحال بمن لا تعرف القرآن، وإن عرفته لا تعرفه إلا في رمضان!
كيف الحال بمن كانت جريئة على حدود الله.
فهي تنتهكها غير مبالية ولا خائفة.
أُخية.. لابد من الركوب على الصراط.. لابد من العبور والفوز والنجاح لمن مر بسلام.
كيف الحال بمن كانت طُعْمَ الشيطان فاستهانت بالحجاب وتبذلت وخرجت كاسية عارية فغزت وأغوت.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الحوض
أُخيَّة.. إن وعد الله حق عن الحوض..
حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ماؤه عذب زلال، أحلى من العسل وأبيض من اللبن؛ من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، كيف لا والكوثر نهر في الجنة يشخب في هذا الحوض، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فرطنا على الحوض، وهو الذي يسبقنا إليه.
أُخيَّة.. تذكري بعد عناء الظمأ في ذلك اليوم، ونحن في أمس الحاجة إلى شربة من ذلك الحوض المبارك، ألا تحبين أن تطفئي لهيب ظمأك بشربة من ذلك الحوض.
إذًا فتمسكي ولا تبدلي.
ألم تفطني أن هناك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من إذا أقبلوا على الحوض صفعتهم الملائكة وطفقت تردهم، وما ذاك إلا لأنهم بدلوا..
إذًا تذكري أخية هذا الوعد..
أخية.. إن وعد الله حق عند القنطرة..
وما أدراك ما القنطرة.. لن يتجاوزها مؤمن ولا مؤمنة حتى يقتصّ له أو عليه.
هكذا جاءت الأخبار عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا..».
أُخيَّة.. هذا الضابط الذي يضبط حياة المؤمن، وهو المقيِّد الذي يقيِّده من الاعتداء على الناس.
تذكري أن القنطرة ليس فيها يومئذ درهم ولا دينار.
وإنما هي الحسنات والسيئات.
واحذري أن تكوني مفلسة.
والمفلس هو الذي يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا وسب هذا وأكل مال هذا..
فيؤخذ من حسنات هذه المرأة المفلسة حتى إذا أصبحت صفرًا أخذت سيئات خصومها، ووضعت في ميزانها.. ثم ألقيت بعد ذلك في النار والعياذ بالله.
إذًا الموعد هناك قصاص واف.. ميزان عادل.. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40].
أختاه.. الوعد الخالد.. ختامها مسك.
إما جنات تجري من تحتها الأنهار هم وأزواجهم في جنات يحبرون.
لقد رضي الله عنهم وأكرمهم بجنات النعيم، لها سبعة أبواب تتلقاهم الملائكة تحيتهم فيها سلام.
تذكري أُخيَّة.. الأبواب على مصراعيها مفتحة.
جاء في صحيح مسلم أن عتبة بن غزوان خطب فقال في خطبته: «ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين عامًا، وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من الزحام..».
إنه الفوز الخالد... والفلاح الماجد.
الأبواب مفتوحة وهي تفوح أريجًا.. يُشمُّ ريحها من بعد كذا..
الله أكبر.. إطلالة من شرفات تلك القصور اللؤلؤية.. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
أُخيَّة قد تكونين حوراء.. حورية من الحور العين؛ بل أجمل وأبدع وألطف.
إن من النساء من تكون همها وأملها في هذه الدنيا أن تكون حائرة على جمال صارخ.
وهي مع جمالها هذا وآمالها وأمانيها لن تعدو أن تكون وصيفة من وصيفات الحور العين.
أما الحوراء..
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «يُرى مخ سوقها من وراء العظم إذا نظرت إلى هذه الدنيا بابتسامة أشرقت لها ما بين المشرق والمغرب وملأت هذا الكون أريجًا» متفق عليه.
ويقول الناظم:
كملت خلائقها وأكمل حسنها
كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها
والليل تحت ذوائب الأغصان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها
فيضيء سقف القصر بالجدران
ولقد روينا أن برقًا ساطعًا
يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر ضاحك
في الجنة العليا كما يريان
فأين هذه من تلك.
أين هذه من التي يعتريها حيض.. وبول..
وهذه التي ريقها كالشهد وبسمتها كالبرق.. والسحر مخبوء بين جفونها.
أُخية.. قد تكونين حورية؛ بل سيدة من سيدات الحور ولكن! ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 15].
وأما من أعرض وصد واتبع هواه فالنار موعده..
يساق إلى الهاوية..
أخية.. إن الله توعد أهل الضلال بالنار.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا...﴾ [الزمر: 71].
وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».
﴿نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
ولكن لمن؟
لمن كفر.. ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 56].
أُخية.. تذكري...
ذلك الجلد الناعم وتلك الملامح الدميلة، وتلك الجفون الفاترة.. وتلك الأنوثة الرقيقة.. هل تقوى على عذاب جهنم؟
تذكري.. أنها سوق تكون حممًا سوداء.. إذا كانت من أهل الشقاء..
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن حال أناس من أمته من أهل الكبائر أنهم يخرجون من النار قد امتحشوا.
ويخبرنا كذلك -صلى الله عليه وسلم-: أن أكثر أهل النار من النساء فتذكري أختاه..
في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأي النار. فرأى فيها امرأة تخمشها هرة، فسأل عنها..
فقيل له أنها حبستها فلاهي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها.
أختاه.. هذه المرأة دخلت النار في هرة، فتأملي يا رعاك الله واعتبري.
أختاه وبعد:
فإن الأمر ليس بالسهولة بمكان، حتى نحيى حياتنا هكذا.. هملا..
بل إن وراءنا سفرًا بعيدًا، ويومًا طويلاً، وحياة خالدة.. أختاه هذه الكلمات التي اعتصرتها من سويدا قلبي أنصح نفسي المقصرة، وأنصح بها كل من يقرؤها، وما هي إلا إشارات لصاحب القلب اللبيب.
وأن يقف عند نفسه فيحاسبها حسابًا عسيرًا.
أخية:
1- توبي إلى الله عز وجل من جميع الذنوب والمعاصي، مهما كانت هذه الذنوب والمعاصي فإن الله غفور رحيم يقبل التوبات، ويقبل العثرات.
2- اجعلي تقوى الله في قلبك لا تفارقه، وتعاهديه بالزاد الحقيقي من كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
3- حافظي على صلواته، واحذري من الذنوب؛ فإن الذنوب تميت القلوب، واعلمي أن صاحب الذنب يحرم الطاعة، والحسنة تجر أختها.
والله من وراء القصد..
_______________
المؤلف: أبي عبد الرحمن غازي الوادعي
http://www.almeshkat.net/books/open....2#.UuJiss7fpdg
_______________
ولتحميل الكتاب:
http://www.almeshkat.net/books/archi...s/w3dallah.rar
الحمد لله الذي وعد عباده المتقين بجنات النعيم، والفوز يوم الدين وتوعد أهل الضلال بعذاب أليم. في يوم لا ينفع فيه التقرب بالمال والبنين.
وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصدق الوعود وعد الله.
وَعَدَ عباده المتقين بظلال، ونعيم.. كرمٌ منه ونعمة. وتوعد أعداءه المعرضين بدار الجحيم.. عدلٌ منه وإنصاف..
أختي المؤمنة.. هذه كلمات. سللتها من مقاصد الكتاب والسنة أهديها لأخت مؤمنة.. غافلة.. قد ضحكت لها الدنيا. فألهتها عما هي له.
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
انطلاقاً من مبدأ الكلمة الطيبة صدقة، والدين النصيحة وهي كذلك بمثابة صرخة.. من أعماق خوفي.. لتلك النائمة وهي تلويح بثوب النجاة. أقتدي بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما أنذر قومه قائلاً: «أنا النذير العريان». واصباحاه.. احذري.. انتبهي.. فإن وراء الأكمة ما وراءها.
دنيا تتزين للناظرين، وشيطان يغري ويزين، ونفس أمارة بالسوء.
ولما رأيت كثيرًا من النساء إلا من رحم الله في هذه الأزمنة قد تهافتن على الدنيا تهافت الفراش على النار.. من ذلك ما نراه من التوسع الهائل في الأسواق، ومن البذخ والإسراف في المشتريات، ومن التفنن في وسائل الراحة والكماليات، والتنقل في أسواق الملذات والشهوات وتلبية الرغبات؛ مما أدى ذلك إلى قساوة في القلوب وإعراض كثير منهن عن الأوامر الربانية والنواهي الشرعية والتساهل في ذلك حتى وصل البعض منهن إلى الغفلة التامة.. وأيضًا ما يحدث من التنافس والتسابق على المظهرية الجوفاء والتقليد الممجوج ومحاكاة الكافرات.
لما رأيت ذلك أحببت أن أنصح بهذه الرسالة للذكرى، وما أحلى الذكرى إذا جاءت على حين فترة، وما ينتفع بالذكرى إلا مؤمن..
الدنيا متاع الغرور
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر: 5].
أخية: احذري الدنيا فإنها عدو متلون.. ناعمة الملمس، وفي باطنها السم الزعاف:
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشَّفت
له عن عدو في ثياب صديق
وقال آخر:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
على الماء خانته فروج الأصابع
قال أبو العتاهية:
إن الشقي لمن غرته دنياه.
أُخية.. إن طالب الدنيا يعيش في ذلة، ومهانة، واستكانة، وحقارة؛ فطالب الدنيا أسيرٌ لرغباته وشهواته، ونزواته.
كلما شبع من نزوة أتته أخرى.. وهكذا.
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
أصبح عبدًا لنفسه التي رضخت لهذه الدنيا فأصبح من سبي العدو.
قال الحكيم:
كفلت لطالب الدنيا بهمٍّ
طويل لا يؤول إلى انقطاع
وذلك في الحياة بغير عز
وفقر لا يدل على اتساع
وشغل ليس يعقبه فراغ
وسعي دائم من كل ساع
أخية: تقول عائشة رضي الله عنها أن الشهر يأتي والشهر والشهران وما أوقد في بيت آل محمد نارٌ... وكانت حجراته في قمة التواضع..
حتى أن كثيرًا من النساء ربما يستنكفن من بيوت في هذه الأزمنة، ربما تكون في ذلك الزمن قصورًا..
وما ذاك إلا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف حقيقة الدنيا وأنها حجر عثرة على الطريق إلى الآخرة، فلذلك كان زاهدًا فيها -صلى الله عليه وسلم-.
أخية.. الدنيا جميلة.. ساحرة.. تسحر القلوب والأبصار.. وهذا من تمام الابتلاء والاختبار.
«الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» رواه مسلم.
التنافس المذموم والتنافس المحمود على لذائذ هذه الدنيا التي لا تساوي جديا أسكا ميتًا.
فوالله للدنيا أهون على الله من هذا.. أي الجدي الأسك.. بيد أن الغرور يعمي ويصم. عن حقيقتها الزائفة.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [سورة الكهف: 45].
هشيمُ تسفه الريح... وكأن شيئًا لم يكن.
التنافس العجيب فيما يخص المرأة المسلمة اليوم ما هو إلا دليل على أنها بلغت مبلغًا عظيمًا في انغماسها في هذه الدنيا.. أخية هذه الدنيا مزينة في القلوب.
قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ﴾ [آل عمران: 14].
فمن مستقل، ومستكثر..
فأما المستقل فهو الذي أخذ حاجته التي تعينه إلى الآخرة ولم تكن حجر عثرة في طريقه.
وأما المستكثر: فهو ذلك الذي انغمس، والتهى، ومن ثم ضل عن رحلته الحقيقية.
إن الإسراف في تلبية الرغبات عن كثير من النساء، ما هو إلا مؤشرٌ على حب هذه الدنيا، وبالمقابل الإحجام عن البذل والإِنفاق في سبيل الله، اللهث وراء كل جديد، ومتابعة آخر صرخات (الموضة) أصبح ذلك سمة ظاهرة عند نساء المؤمنين، واللاتي من المفترض أن يكن مثالاً للرزانة، والرجحان.
أخية تأملي هذا الحديث العجيب:
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الدنيا لأربع نفر عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان. فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبدٌ رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علمًا، يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه فهذا بأخبث المنازل، وعبدٌ لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان. فهو بنيته؛ فوزرهما سواء». أخرجه الترمذي وسنده صحيح.
أخيَّة.. أي الطريق ترغبين التوجه إليه.
فالسلامة في الطريق الأول والثاني حيث جمعتهما النية الصادقة، وأما الثالث والرابع فهما إلى الشقاء.
أُخيَّة.. يقول النبي «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر». رواه مسلم.
ولا تجتمع جنة الدنيا وجنة الآخرة.. فمن أرخى الزمام عن شهواته في هذه الدنيا ولم يراع تلك القيود الشرعية، فلا شك أنه سيهلك في الدنيا والآخرة.
ستهلكه الدنيا؛ إذ الدنيا كالنار في حقيقتها، وفي ظاهرها ضوء وبريق يخطف أبصار تلك الفراشات المخدوعة، فتتسارع تلك الفراشات في التهافت في هذه النار، كذلك كثير من الناس أمام هذه الدنيا؛ يتهافتون في أحضانها، وليس هناك يقظة إلا على عتبات الآخرة.. ولكن.. بعد فوات الأوان.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الوعد عند الموت
أُخيَّة إن وعد الله حق..
في فتنة الموت وسكراته.. وكرباته..
نسمع عن الموت ونراه كل يوم يصرع كثيرًا من الناس، وكأن الأمر لا يعنينا.
ولله در القائل:
نزاع بذكر الموت ساعة ذكره
ونعترض الدنيا فنلهو ونلعب
وقال آخر:
نزاع إذا الجنائز قابلتنا
ويحزننا بكاء الباكيات
كروعه ثلة لمغار سبع
فلما غاب عادت راتعات
الموت حقيقة.. وأي حقيقة؟
بل هو أصدق حقيقة.. ولابد منه.
قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].
الموت هادم اللذات، ومفرق بين الأحبة والجماعات ﴿وحيل بينهم وبين ما يشتهون﴾.
كتاب مؤقت.. أجل مسمى.
أُخية: لا يغرك شبابك... جمالك... صحتك...
فكم من صحيح بات للموت آمنًا
أتته المنايا بعدما هجع
فلم يستطع إذا جاءه الموتُ بغتة
فرارًا ولا منه بحيلةٍ امتنع
لا يغرك ذلك الجمال، وأنت تنظرين إلى المرآة فترين ذلك الحسن والغضاضة والجمال، فكل ذلك زائل لا محالة.
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يُغر بطيب العيش إنسان
والوعد عند سكرات الموت.. وما أدراك ما سكرات الموت.
عانى من هو لها المصطفى
سئل أحد الصحابة -رضي الله عنهم- كيف تجدك؟
فقال أشعر كأن السماء مطبقة على الأرض، وأنا بينهما..
أُخية.. إن الموت محَكُّ حرج ومنعطفٌ ضيق يفتن فيه المؤمن.. فكيف بمن أعرض واستكبر؟
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
الوعد عند الموت إما بشارة طيبة، وإما كالحة والعياذ بالله.
جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، قالت عائشة رضي الله عنها: «إنا لنكره الموت». قال: «ليس ذلك»؛ ولكن المؤمن إذا أحضره الموت بشِّر برضوان الله وكرامته؛ فليس شيءٌ أحب إليه مما أمامه؛ فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا أحضر بشر بعذاب الله، وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه.
وأيم الله إنها بشارة، وأي بشارة؟ سعادة الدنيا والآخرة؛ أما الدنيا فقد استراح، وأما الآخرة فهو الفوز العظيم.
أمنٌ وأمان، ورياض، وجنان، وحور حسان.
أخية.. الموت قريب لمثل هذا الموعد يعمل العاملون.. وإلا فإنها الأخرى والعياذ بالله، بشارة كالحة لصنف من الناس.
أعرضوا عن أمر ربهم وجعلوا حياتهم الدنيا لعبًا ولهوًا واتبعوا أهواءهم.
تلك البشارة غضب وسخط من الله، يتجرعها ذلك المعرض اللاهي الذي خسر كل شيء.
عند هذه اللحظات تذكري أخية هذا الموعد البائس، واعلمي يارعاك الله أن الروح تغادر من جسد المؤمن كما تخرج الشعرة من العجين.
أُخية الزمي جادة الطريق، ودعي عنك بنيات الطريق، واعلمي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصانا
أن نكثر من ذكر هادم اللذات..
* * * * * * * * * * * * * * * *
الموعد عند القبر
أُخيَّة.. إن وعد الله حق في القبر وفتنته..
الله أكبر، ما أفزع الصالحين الأخيار شيءٌ من هول المطلع على القبور.
فتنة القبر.. تلك الحفرة المظلمة.. المقفرة.. الموحشة.
رأى عمر بن عبد العزيز قومًا في جنازة، وقد تلثموا من الغبار والشمس وانحازوا إلى الظل، رآهم فبكى ثم أنشد:
من كان حين تصيب الشمس جبهته
أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته
فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثًا
في قعر مظلمة غبراء موحشة
يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا
تجهزي بجهاز تبلغين به
يا نفس قبل الردى لم تخلق عبثا
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه قال: «ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم».
وجاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه مرَّ على قبرين فسمع صوت إنسانين يعذَّبان فقال: «إنهما يعذَّبان وما يعذَّبان في كبير؛ بلى، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي في الناس بالنميمة».
الشاهد من ذلك أن القبر أول منازل الآخرة؛ إما عذاب وإما نعيم؛ كان عثمان -رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى حتى تبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي إذا وقفت على القبر، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر».
أخية.. إن في القبور يستوي أهل الفقر وأهل الدثور؛ إذ لا فخر بينهم إلا بالأعمال.
قال مالك بن دينار:
أتيت القبور فناديتها
فأين المعظم، والمحتقر
وأين المدل بسلطانه
وأين المزكي إذا ما افتخر
تفانوا جميعًا فلا مخبر
وماتوا جميعًا ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا
أمالك فيما ترى معتبر
أُخيَّة.. تذكري هذه الأجداث..
فالناس فيها إما في رياض ونعيم، وإما في عذاب وجحيم.
النفخ في الصور والبعث والنشور
أُخية.. إن وعد الله حق..
عندما ينفخ في الصور ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [سورة الزمر: 68].
يخرجون من الأجداث سراعًا شعثًا غبرًا.. وهم من فزع يومئذ.. وحق لهم.. الأرض تتزلزل والسماء تتشقق.
والجبال الراسيات تمر مر السحاب؛ بل هذا الكون البديع بما فيه من جمال رائع يؤول إلى الدمار؛ السماء ذات الحبك المزينة بالنجوم الزاهرة، والأرض الوارفة، والبحار ذات المائجة؛ كل ذلك يأمر الله سبحانه وتعالى بدماره وانتهاء صلاحه.
ثم إلى أين؟
الانتقال إلى الآخرة بما فيها من أهوال.
يوم يجعل الوالدان شيبًا.. واقرئي إن شئت سورة التكوير.. الانفظار.. الحاقة.. الزلزلة.
الناس عن بكرة أبيهم يخرجون من قبورهم.. بعدما كانوا رفاتًا من لدن آدم -عليه السلام- إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة.
كظيظ من الزحام، والناس يموجون في هلع وخوف وكرب؛ أما الهلع والخوف فإن المرأة المرضع تلقي برضيعها ولا تبالي من شدة ما تراه ومما تعاني.
والمرأة الحامل تضع حملها من غير شعور؛ فقد أتاها ما يشغلها.
﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ [الحج: 2].
والناس مجموعون لميقات يوم معلوم.
﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 6].
يحشر الناس عراة غرلا، كما خلقهم الله عز وجل، تقول عائشة رضي الله عنها: الرجال والنساء يا رسول الله.
كبر ذلك وعظم عندها رضي الله عنها.
قال: «إن الأمر أشد من ذلك يا عائشة».
ترى ما عساه أن يكون أشد من أن ترى المرأة نفسها عارية بين الرجال والنساء.
إلا أن يكون ذلك أمرًا عظيمًا.
اجتماع الناس في يوم مقداره ألف سنة.
يوم تتقطع فيه الأعناق من طول الانتظار.
يوم تحترق فيه الأجواف من شدة الظمأ.
يوم تدنو فيه الشمس من رقاب العباد، والعرق يسيل إلى حد أن يلجم أناس.
يوم يكثر فيه الهلع والفزع، يوم يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وأخيه.
يوم تكثر فيه الحسرة والندامة لأهل الندامة.
يتمنى الكافر في ذلك اليوم أن يفتدي نفسه بما لو حيزت له الدنيا برمتها.. ولكن هيهات.
قد طلب منه أيسر من ذلك.
أُخيَّة.. ومع هذه الأهوال والكربات، إلا أن الله مع عباده الصالحين؛ لأن الله قد وعد ذلك، والله لا يخلف وعده.
أقوام يستظلون بظل الرحمن الغفور، وأقوام على منابر من نور.
وأقوام يرتوون من حوض المصطفى.
بيتنا غيرهم يقتلهم الظمأ..
الله أكبر.. الفرق كبير.. ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: 35].
فأهل اليمين في جنات ونعيم، وأهل الشقاء في عذاب أليم.
أخيَّة أمامك الوثائق والسجلات.
﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: 49].
لا جرم أن وعد الله آتٍ.. والعاقبة لمن اتقى.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الموعد عند الصراط
أُخيَّة.. الوعد عند الصراط..
وهو جسرٌ يضرب على جهنم كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «ويضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم؛ منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو..».
وهذه الكلاليب التي تخطف الناس..
ما هي إلا بسبب أعمالهم.
اللهو واللعب في الحياة الدنيا..
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف: 51].
فانظري يا رعاك الله أين مكانك من ذلك..
أُخية.. إذا كان الرسل يخافون وهم هم أولئك الذين لهم مكانة عند الله.
فكيف بحالنا.. وكيف بحال كثير من النساء وقد ألهتهم هذه الحياة الدنيا.
وكأن لسان حالهم يقول: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: 29].
أُخية.. انظري وتأملي:
أين أنت ممن حقق قصب السبق..
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
منهم من يمر على الصراط كلمح البصر.
ومنهم كالريح وكالجياد المسرعة.. ومنهم من يعدو.. ومنهم من يهرول.. ومنهم من يسقط ويقوم..
ومنهم من تخطفه كلاليب جهنم، وكلٌ بحسب عمله وقوة استجابته وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
أُخية.. هذه دعوة لك بأن تنافسي وتسابقي في الخيرات؛ فإن في ذلك اقتداء وتأسٍّ بالأنبياء.. وأما المنافسة في الدنيا فإنها جيفة انقَضَّ عليها قطيع من الكلاب، وما أكثر الكلاب.
قال الحسن رحمه الله: إذا رأيت الناس يتنافسون في الدنيا فألقها في نحورهم ونافسهم في الآخرة.
أُخيَّة.. كيف الحال بمن نسيت ربها في خضم غمرة هذه الشهوة وسكرة اللذة، لذة هذه الحياة الدنيا.
* * * * * * * * * * * * * * * *
كيف الحال بمن لا تصلي؟
وإن صلَّت الفريضة لم تصل النوافل.
وإن صلَّت كانت بغير خشوع.
كيف الحال بمن لا تعرف القرآن، وإن عرفته لا تعرفه إلا في رمضان!
كيف الحال بمن كانت جريئة على حدود الله.
فهي تنتهكها غير مبالية ولا خائفة.
أُخية.. لابد من الركوب على الصراط.. لابد من العبور والفوز والنجاح لمن مر بسلام.
كيف الحال بمن كانت طُعْمَ الشيطان فاستهانت بالحجاب وتبذلت وخرجت كاسية عارية فغزت وأغوت.
* * * * * * * * * * * * * * * *
الحوض
أُخيَّة.. إن وعد الله حق عن الحوض..
حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ماؤه عذب زلال، أحلى من العسل وأبيض من اللبن؛ من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، كيف لا والكوثر نهر في الجنة يشخب في هذا الحوض، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فرطنا على الحوض، وهو الذي يسبقنا إليه.
أُخيَّة.. تذكري بعد عناء الظمأ في ذلك اليوم، ونحن في أمس الحاجة إلى شربة من ذلك الحوض المبارك، ألا تحبين أن تطفئي لهيب ظمأك بشربة من ذلك الحوض.
إذًا فتمسكي ولا تبدلي.
ألم تفطني أن هناك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من إذا أقبلوا على الحوض صفعتهم الملائكة وطفقت تردهم، وما ذاك إلا لأنهم بدلوا..
إذًا تذكري أخية هذا الوعد..
أخية.. إن وعد الله حق عند القنطرة..
وما أدراك ما القنطرة.. لن يتجاوزها مؤمن ولا مؤمنة حتى يقتصّ له أو عليه.
هكذا جاءت الأخبار عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا..».
أُخيَّة.. هذا الضابط الذي يضبط حياة المؤمن، وهو المقيِّد الذي يقيِّده من الاعتداء على الناس.
تذكري أن القنطرة ليس فيها يومئذ درهم ولا دينار.
وإنما هي الحسنات والسيئات.
واحذري أن تكوني مفلسة.
والمفلس هو الذي يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا وسب هذا وأكل مال هذا..
فيؤخذ من حسنات هذه المرأة المفلسة حتى إذا أصبحت صفرًا أخذت سيئات خصومها، ووضعت في ميزانها.. ثم ألقيت بعد ذلك في النار والعياذ بالله.
إذًا الموعد هناك قصاص واف.. ميزان عادل.. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40].
أختاه.. الوعد الخالد.. ختامها مسك.
إما جنات تجري من تحتها الأنهار هم وأزواجهم في جنات يحبرون.
لقد رضي الله عنهم وأكرمهم بجنات النعيم، لها سبعة أبواب تتلقاهم الملائكة تحيتهم فيها سلام.
تذكري أُخيَّة.. الأبواب على مصراعيها مفتحة.
جاء في صحيح مسلم أن عتبة بن غزوان خطب فقال في خطبته: «ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين عامًا، وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من الزحام..».
إنه الفوز الخالد... والفلاح الماجد.
الأبواب مفتوحة وهي تفوح أريجًا.. يُشمُّ ريحها من بعد كذا..
الله أكبر.. إطلالة من شرفات تلك القصور اللؤلؤية.. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
أُخيَّة قد تكونين حوراء.. حورية من الحور العين؛ بل أجمل وأبدع وألطف.
إن من النساء من تكون همها وأملها في هذه الدنيا أن تكون حائرة على جمال صارخ.
وهي مع جمالها هذا وآمالها وأمانيها لن تعدو أن تكون وصيفة من وصيفات الحور العين.
أما الحوراء..
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «يُرى مخ سوقها من وراء العظم إذا نظرت إلى هذه الدنيا بابتسامة أشرقت لها ما بين المشرق والمغرب وملأت هذا الكون أريجًا» متفق عليه.
ويقول الناظم:
كملت خلائقها وأكمل حسنها
كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها
والليل تحت ذوائب الأغصان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها
فيضيء سقف القصر بالجدران
ولقد روينا أن برقًا ساطعًا
يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر ضاحك
في الجنة العليا كما يريان
فأين هذه من تلك.
أين هذه من التي يعتريها حيض.. وبول..
وهذه التي ريقها كالشهد وبسمتها كالبرق.. والسحر مخبوء بين جفونها.
أُخية.. قد تكونين حورية؛ بل سيدة من سيدات الحور ولكن! ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 15].
وأما من أعرض وصد واتبع هواه فالنار موعده..
يساق إلى الهاوية..
أخية.. إن الله توعد أهل الضلال بالنار.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا...﴾ [الزمر: 71].
وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».
﴿نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
ولكن لمن؟
لمن كفر.. ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 56].
أُخية.. تذكري...
ذلك الجلد الناعم وتلك الملامح الدميلة، وتلك الجفون الفاترة.. وتلك الأنوثة الرقيقة.. هل تقوى على عذاب جهنم؟
تذكري.. أنها سوق تكون حممًا سوداء.. إذا كانت من أهل الشقاء..
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن حال أناس من أمته من أهل الكبائر أنهم يخرجون من النار قد امتحشوا.
ويخبرنا كذلك -صلى الله عليه وسلم-: أن أكثر أهل النار من النساء فتذكري أختاه..
في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأي النار. فرأى فيها امرأة تخمشها هرة، فسأل عنها..
فقيل له أنها حبستها فلاهي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها.
أختاه.. هذه المرأة دخلت النار في هرة، فتأملي يا رعاك الله واعتبري.
أختاه وبعد:
فإن الأمر ليس بالسهولة بمكان، حتى نحيى حياتنا هكذا.. هملا..
بل إن وراءنا سفرًا بعيدًا، ويومًا طويلاً، وحياة خالدة.. أختاه هذه الكلمات التي اعتصرتها من سويدا قلبي أنصح نفسي المقصرة، وأنصح بها كل من يقرؤها، وما هي إلا إشارات لصاحب القلب اللبيب.
وأن يقف عند نفسه فيحاسبها حسابًا عسيرًا.
أخية:
1- توبي إلى الله عز وجل من جميع الذنوب والمعاصي، مهما كانت هذه الذنوب والمعاصي فإن الله غفور رحيم يقبل التوبات، ويقبل العثرات.
2- اجعلي تقوى الله في قلبك لا تفارقه، وتعاهديه بالزاد الحقيقي من كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
3- حافظي على صلواته، واحذري من الذنوب؛ فإن الذنوب تميت القلوب، واعلمي أن صاحب الذنب يحرم الطاعة، والحسنة تجر أختها.
والله من وراء القصد..
_______________
المؤلف: أبي عبد الرحمن غازي الوادعي
http://www.almeshkat.net/books/open....2#.UuJiss7fpdg
_______________
ولتحميل الكتاب:
http://www.almeshkat.net/books/archi...s/w3dallah.rar