بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمين أما بعد :
فهذا بحث متواضع قد سألني أحد الإخوة أن أقوم به فلم أجد مما سالني بدا فشرعت بحمد الله و كرمه بالبحث مستمدا من الله عز وجل العون و بالله التوفيق .
لقد كثر في الأونة الآخيرة الكلام عن الركاز و هذا الموضوع قد ضل فيه الكثير من الناس ، إذ أن أغلب الناس في بلادنا يعتقدون أمورا شركية في الركاز ، حيث أنهم لا يتصورون إلا تقديم القرابين لشياطين الجن و الإنس لنيل مأربهم المدفون تحت باطن الأرض لذا من الأفضل أن يبين هذا الأمر حتى يتبصر أولوا الألباب في هذا الأمر الشائك الذي قد يخرج صاحبه من الملة أحيانا .
أولا تعريف الركاز في اللغة :
1 - الركاز لغة بمعنى المركوز وهو من الركز أي : الإثبات ، وهو المدفون في الأرض إذا خفي . يقال : ركز الرمح إذا غرز أسفله في الأرض ، وشيء راكز أي : ثابت . والركز هو الصوت الخفي . قال الله تعالى : ( أو تسمع لهم ركز ) الموسوعة الفقهية حرف "ال "
الركز بالكسر الصوت الخفي ، و الحس و الرجل العالم العاقل السخي ، الكريم . و بِهاءٍ : ثبات العقل وواحدة و الرِّكاز و هو ما ركزه الله تعالى في المعادن : أي أحدثه كالركيزة ، و دفين أهل الجاهلية و قطع الفضة و الذهب من المعدن : و أركز وجد ..... إلخ
القاموس المحيط / ص 536 / ط دار الكتاب
رَكزْتُ الرُمْحَ أَرْكُزُهُ رَكزاً: غرزْته في الأرض. وارْتَكَزْتُ على القوس، إذا وضعتَ سِيَتَها بالأرض ثم اعتمدتِ عليها. ومرْكَز الدائرةِ: وسطها. ومركَزُ الرجل: موضعه. يقال: أَخَلَّ فلانٌ بمَرْكَزِهِ. والرِكْزُ: الصوت الخفيّ. قال الله تعالى: " أَو تَسْمَعَ لهم رِكْزاً " . والرِكازُ: دفينُ أهلِ الجاهلية، كأنَّه رُكِزَ في الأرض رَكْزاً. وفي الحديث: " في الرِكَازِ الخُمْسُ " . تقول منه: أَرْكَزَ الرجلُ، إذا وجده.
مختار الصحاح ص 276
ثانيا تعريف الركاز في الاصطلاح :
وفي الاصطلاح: ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن الركاز هو ما دفنه أهل الجاهلية، ويطلق على كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه، إلا أن الشافعية خصوا إطلاقه على الذهب والفضه دون غيرهما من الأموال. وأما الركاز عند الحنفية فيطلق على أعم من كون راكزه الخالق أو المخلوق فيشمل على هذا المعادن والكنوز، على تفصيل
الموسوعة الفقهية الكويتية / ص 118 / ج 24
وهوشرعا : دفن الجاهلية ( الكنز ) الذي يأخذ رمن غير أن يطلب بمال و لا يتكلف له عمل كثير عمل ، سواء كان ذهبا أو فضة أو غيرها
و أما المعدن لغة : من العدن و هو الإقامة ، و مركز كل شيئ معدنه
وشرعا : كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة .
و المعادن إما أن تكون جامدة تذوب و تنطبع بالنار كالذهب و الفضة و الحديد و النحاس و الرصاص و الزئبق .
و الركاز و المعدن واحد عند الحنفية ، و الجمهور على التفريق بينهما و يدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم (( و المعدن جبار ، و في الركاز الخمس )) البخاري 1399 . ففرق بين المعدن و الركاز
صحيح فقه السنة ص 58 / ج 2
و في صحيح البخاري بَاب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ :
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً وَقَالَ الْحَسَنُ مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ قِيلَ لَهُ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلَا يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ
فتح الباري ج 3 / ص 444
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( العجماء جبار و البئر جبار و المعدن جبار و في الركاز الخمس )) رواه الجماعة
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَجْمَاء جُرْحهَا جُبَار وَالْبِئْر جُبَار وَالْمَعْدِن جُبَار وَفِي الرِّكَاز الْخُمُس )
الْعَجْمَاء بِالْمَدِّ هِيَ : كُلّ الْحَيَوَان سِوَى الْآدَمِيّ ، وَسُمِّيَتْ الْبَهِيمَة عَجْمَاء ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم . وَالْجُبَار - بِضَمِّ الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء - الْهَدَر . فَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَجْمَاء جُرْحهَا جُبَار ) فَمَحْمُول عَلَى مَا إِذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِالنَّهَارِ أَوْ بِاللَّيْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيط مِنْ مَالِكهَا ، أَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَد فَهَذَا مَضْمُون وَهُوَ مُرَاد الْحَدِيث ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهَا سَائِق أَوْ قَائِد أَوْ رَاكِب فَأَتْلَفَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ فَمهَا وَنَحْوه ، وَجَبَ ضَمَانه فِي مَال الَّذِي هُوَ مَعَهَا ، سَوَاء كَانَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ مُودَعًا أَوْ وَكِيلًا أَوْ غَيْره ، إِلَّا أَنْ تُتْلِف آدَمِيًّا فَتَجِب دِيَته عَلَى عَاقِلَة الَّذِي مَعَهَا ، وَالْكَفَّارَة فِي مَاله ، وَالْمُرَاد بِجُرْحِ الْعَجْمَاء إِتْلَافهَا ، سَوَاء كَانَ بِجُرْحٍ أَوْ غَيْره ، قَالَ الْقَاضِي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ جِنَايَة الْبَهَائِم بِالنَّهَارِ لَا ضَمَان فِيهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَد ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاكِب أَوْ سَائِق أَوْ قَائِد فَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى ضَمَان مَا أَتْلَفَتْهُ ، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْل الظَّاهِر : لَا ضَمَان بِكُلِّ حَال إِلَّا أَنْ يَحْمِلهَا الَّذِي هُوَ مَعَهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَقْصِدهُ ، وَجُمْهُورهمْ عَلَى أَنَّ الضَّارِيَة مِنْ الدَّوَابّ كَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : يَضْمَن مَالِكهَا مَا أَتْلَفَتْ ، وَكَذَا قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : يَضْمَن إِذَا كَانَتْ مَعْرُوفَة بِالْإِفْسَادِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَبْطهَا وَالْحَالَة هَذِهِ . وَأَمَّا إِذَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا فَقَالَ مَالِك : يَضْمَن صَاحِبهَا مَا أَتْلَفَتْهُ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه : يَضْمَن إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظهَا ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا ضَمَان فِيمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِم لَا فِي لَيْل وَلَا فِي نَهَار ، وَجُمْهُورهمْ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَان فِيمَا رَعَتْهُ نَهَارًا ، وَقَالَ اللَّيْث وَسَحْنُون : يَضْمَن .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالْمَعْدِن جُبَار ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الرَّجُل يَحْفِر مَعْدِنًا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات فَيَمُرّ بِهَا مَارّ فَيَسْقُط فِيهَا فَيَمُوت ، أَوْ يَسْتَأْجِر أُجَرَاء يَعْمَلُونَ فِيهَا فَيَقَع عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُونَ ، فَلَا ضَمَان فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا الْبِئْر جُبَار مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَحْفِرهَا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات فَيَقَع فِيهَا إِنْسَان أَوْ غَيْره وَيَتْلَف فَلَا ضَمَان ، وَكَذَا لَوْ اِسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَلَا ضَمَان ، فَأَمَّا إِذَا حَفَرَ الْبِئْر فِي طَرِيق الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْك غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه فَتَلِفَ فِيهَا إِنْسَان فَيَجِب ضَمَانه عَلَى عَاقِلَة حَافِرهَا ، وَالْكَفَّارَة فِي مَال الْحَافِر ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا غَيْر الْآدَمِيّ وَجَبَ ضَمَانه فِي مَال الْحَافِر .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَفِي الرِّكَاز الْخُمُس ) فَفِيهِ تَصْرِيح بِوُجُوبِ الْخُمُس فِيهِ ، وَهُوَ زَكَاة عِنْدنَا . وَالرِّكَاز هُوَ دَفِين الْجَاهِلِيَّة ، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب أَهْل الْحِجَاز وَجُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَغَيْره مِنْ أَهْل الْعِرَاق : هُوَ الْمَعْدِن ، وَهُمَا عِنْدهمْ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ ، وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنهمَا ، وَعَطَفَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر ، وَالْأَصْل الرِّكَاز فِي اللُّغَة : الثُّبُوت . وَاللَّهُ أَعْلَم .
شرح مسلم ج /6 ص 134
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمين أما بعد :
فهذا بحث متواضع قد سألني أحد الإخوة أن أقوم به فلم أجد مما سالني بدا فشرعت بحمد الله و كرمه بالبحث مستمدا من الله عز وجل العون و بالله التوفيق .
لقد كثر في الأونة الآخيرة الكلام عن الركاز و هذا الموضوع قد ضل فيه الكثير من الناس ، إذ أن أغلب الناس في بلادنا يعتقدون أمورا شركية في الركاز ، حيث أنهم لا يتصورون إلا تقديم القرابين لشياطين الجن و الإنس لنيل مأربهم المدفون تحت باطن الأرض لذا من الأفضل أن يبين هذا الأمر حتى يتبصر أولوا الألباب في هذا الأمر الشائك الذي قد يخرج صاحبه من الملة أحيانا .
أولا تعريف الركاز في اللغة :
1 - الركاز لغة بمعنى المركوز وهو من الركز أي : الإثبات ، وهو المدفون في الأرض إذا خفي . يقال : ركز الرمح إذا غرز أسفله في الأرض ، وشيء راكز أي : ثابت . والركز هو الصوت الخفي . قال الله تعالى : ( أو تسمع لهم ركز ) الموسوعة الفقهية حرف "ال "
الركز بالكسر الصوت الخفي ، و الحس و الرجل العالم العاقل السخي ، الكريم . و بِهاءٍ : ثبات العقل وواحدة و الرِّكاز و هو ما ركزه الله تعالى في المعادن : أي أحدثه كالركيزة ، و دفين أهل الجاهلية و قطع الفضة و الذهب من المعدن : و أركز وجد ..... إلخ
القاموس المحيط / ص 536 / ط دار الكتاب
رَكزْتُ الرُمْحَ أَرْكُزُهُ رَكزاً: غرزْته في الأرض. وارْتَكَزْتُ على القوس، إذا وضعتَ سِيَتَها بالأرض ثم اعتمدتِ عليها. ومرْكَز الدائرةِ: وسطها. ومركَزُ الرجل: موضعه. يقال: أَخَلَّ فلانٌ بمَرْكَزِهِ. والرِكْزُ: الصوت الخفيّ. قال الله تعالى: " أَو تَسْمَعَ لهم رِكْزاً " . والرِكازُ: دفينُ أهلِ الجاهلية، كأنَّه رُكِزَ في الأرض رَكْزاً. وفي الحديث: " في الرِكَازِ الخُمْسُ " . تقول منه: أَرْكَزَ الرجلُ، إذا وجده.
مختار الصحاح ص 276
ثانيا تعريف الركاز في الاصطلاح :
وفي الاصطلاح: ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن الركاز هو ما دفنه أهل الجاهلية، ويطلق على كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه، إلا أن الشافعية خصوا إطلاقه على الذهب والفضه دون غيرهما من الأموال. وأما الركاز عند الحنفية فيطلق على أعم من كون راكزه الخالق أو المخلوق فيشمل على هذا المعادن والكنوز، على تفصيل
الموسوعة الفقهية الكويتية / ص 118 / ج 24
وهوشرعا : دفن الجاهلية ( الكنز ) الذي يأخذ رمن غير أن يطلب بمال و لا يتكلف له عمل كثير عمل ، سواء كان ذهبا أو فضة أو غيرها
و أما المعدن لغة : من العدن و هو الإقامة ، و مركز كل شيئ معدنه
وشرعا : كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة .
و المعادن إما أن تكون جامدة تذوب و تنطبع بالنار كالذهب و الفضة و الحديد و النحاس و الرصاص و الزئبق .
و الركاز و المعدن واحد عند الحنفية ، و الجمهور على التفريق بينهما و يدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم (( و المعدن جبار ، و في الركاز الخمس )) البخاري 1399 . ففرق بين المعدن و الركاز
صحيح فقه السنة ص 58 / ج 2
و في صحيح البخاري بَاب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ :
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً وَقَالَ الْحَسَنُ مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ قِيلَ لَهُ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلَا يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ
فتح الباري ج 3 / ص 444
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( العجماء جبار و البئر جبار و المعدن جبار و في الركاز الخمس )) رواه الجماعة
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَجْمَاء جُرْحهَا جُبَار وَالْبِئْر جُبَار وَالْمَعْدِن جُبَار وَفِي الرِّكَاز الْخُمُس )
الْعَجْمَاء بِالْمَدِّ هِيَ : كُلّ الْحَيَوَان سِوَى الْآدَمِيّ ، وَسُمِّيَتْ الْبَهِيمَة عَجْمَاء ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم . وَالْجُبَار - بِضَمِّ الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء - الْهَدَر . فَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَجْمَاء جُرْحهَا جُبَار ) فَمَحْمُول عَلَى مَا إِذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِالنَّهَارِ أَوْ بِاللَّيْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيط مِنْ مَالِكهَا ، أَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَد فَهَذَا مَضْمُون وَهُوَ مُرَاد الْحَدِيث ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهَا سَائِق أَوْ قَائِد أَوْ رَاكِب فَأَتْلَفَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ فَمهَا وَنَحْوه ، وَجَبَ ضَمَانه فِي مَال الَّذِي هُوَ مَعَهَا ، سَوَاء كَانَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ مُودَعًا أَوْ وَكِيلًا أَوْ غَيْره ، إِلَّا أَنْ تُتْلِف آدَمِيًّا فَتَجِب دِيَته عَلَى عَاقِلَة الَّذِي مَعَهَا ، وَالْكَفَّارَة فِي مَاله ، وَالْمُرَاد بِجُرْحِ الْعَجْمَاء إِتْلَافهَا ، سَوَاء كَانَ بِجُرْحٍ أَوْ غَيْره ، قَالَ الْقَاضِي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ جِنَايَة الْبَهَائِم بِالنَّهَارِ لَا ضَمَان فِيهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَد ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاكِب أَوْ سَائِق أَوْ قَائِد فَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى ضَمَان مَا أَتْلَفَتْهُ ، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْل الظَّاهِر : لَا ضَمَان بِكُلِّ حَال إِلَّا أَنْ يَحْمِلهَا الَّذِي هُوَ مَعَهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَقْصِدهُ ، وَجُمْهُورهمْ عَلَى أَنَّ الضَّارِيَة مِنْ الدَّوَابّ كَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : يَضْمَن مَالِكهَا مَا أَتْلَفَتْ ، وَكَذَا قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : يَضْمَن إِذَا كَانَتْ مَعْرُوفَة بِالْإِفْسَادِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَبْطهَا وَالْحَالَة هَذِهِ . وَأَمَّا إِذَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا فَقَالَ مَالِك : يَضْمَن صَاحِبهَا مَا أَتْلَفَتْهُ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه : يَضْمَن إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظهَا ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا ضَمَان فِيمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِم لَا فِي لَيْل وَلَا فِي نَهَار ، وَجُمْهُورهمْ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَان فِيمَا رَعَتْهُ نَهَارًا ، وَقَالَ اللَّيْث وَسَحْنُون : يَضْمَن .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالْمَعْدِن جُبَار ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الرَّجُل يَحْفِر مَعْدِنًا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات فَيَمُرّ بِهَا مَارّ فَيَسْقُط فِيهَا فَيَمُوت ، أَوْ يَسْتَأْجِر أُجَرَاء يَعْمَلُونَ فِيهَا فَيَقَع عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُونَ ، فَلَا ضَمَان فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا الْبِئْر جُبَار مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَحْفِرهَا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات فَيَقَع فِيهَا إِنْسَان أَوْ غَيْره وَيَتْلَف فَلَا ضَمَان ، وَكَذَا لَوْ اِسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَلَا ضَمَان ، فَأَمَّا إِذَا حَفَرَ الْبِئْر فِي طَرِيق الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْك غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه فَتَلِفَ فِيهَا إِنْسَان فَيَجِب ضَمَانه عَلَى عَاقِلَة حَافِرهَا ، وَالْكَفَّارَة فِي مَال الْحَافِر ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا غَيْر الْآدَمِيّ وَجَبَ ضَمَانه فِي مَال الْحَافِر .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَفِي الرِّكَاز الْخُمُس ) فَفِيهِ تَصْرِيح بِوُجُوبِ الْخُمُس فِيهِ ، وَهُوَ زَكَاة عِنْدنَا . وَالرِّكَاز هُوَ دَفِين الْجَاهِلِيَّة ، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب أَهْل الْحِجَاز وَجُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَغَيْره مِنْ أَهْل الْعِرَاق : هُوَ الْمَعْدِن ، وَهُمَا عِنْدهمْ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ ، وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنهمَا ، وَعَطَفَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر ، وَالْأَصْل الرِّكَاز فِي اللُّغَة : الثُّبُوت . وَاللَّهُ أَعْلَم .
شرح مسلم ج /6 ص 134
تعليق