الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأعمال، والإكثار منها سبب لحصول الخيرات وجلب البركات ودفع الشرور والبليات، ويدل لذلك هذا الحديث المسؤول عنه، فإن أبيا لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك. فدل على مشروعية الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: قال أبىّ : قلت : يا رسول الله، إنى أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتى ؟ قال : " ما شئت " قلت : الربع ؟ قال : ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. قلت : النصف ؟ قال : ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. قلت : الثلثين ؟ قال : ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. قلت : أجعل لك صلاتى كلها ؟ قال : إذًا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك. وفى لفظ : إذا تكفى همك، ويغفر ذنبك.
وقول السائل: أجعل لك من صلاتى ؟ يعنى من دعائى؛ فإن الصلاة فى اللغة هى الدعاء، قال تعالى : {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ. { التوبة : 103 }.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على آل أبى أوفى. وقالت امرأة : صل علىّ يا رسول الله وعلى زوجى، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك.
فيكون مقصود السائل : أى يا رسول الله إن لى دعاء أدعو به أستجلب به الخير وأستدفع به الشر، فكم أجعل لك من الدعاء ؟ قال : " ما شئت " فلما انتهى إلى قوله : أجعل لك صلاتى كلها ؟ قال : " إذًا تكفى همك ويغفر ذنبك " .
وفى الرواية الأخرى : " إذًا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك.
وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات ودفع المضرات؛ فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب، واندفاع المرهوب، كما بسط ذلك فى مواضعه. انتهى.
وليس معنى الحديث والله أعلم أن يترك الإنسان الدعاء لنفسه وللمؤمنين بالخير، بل هو حث على الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبيان لفضلها، وإن كان الأولى أن يجتهد المسلم في جميع هذه الطاعات ويأتي بما قدر عليه من العبادات فيكثر كذلك من الدعاء فإنه من أحب الأعمال إلى الله تعالى، ويكثر من الاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات فذلك له من الفضل ما لا يخفى مما دلت عليه النصوص.
قال الشيخ العثيمين في الكلام على الحديث المذكور ما لفظه: هناك احتمالان: الاحتمال الأول: وإليه ذهب شيخ الإسلام فيما أظن أن الرسول كان يعلم له دعاءً معيناً، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعل دعاءً معيناً كله للرسول عليه الصلاة والسلام. والوجه الثاني: أن يقال: المراد أنك تشرك النبي عليه الصلاة والسلام في كل دعاء تدعوه، وإلا فإن من المعلوم أن الإنسان لو أخذ بظاهر الحديث لكان لا يقول: رب اغفر لي، ولا يقول: اللهم ارحمني، ولا يقول اللهم ارزقني بل يقول: اللهم صل على محمد. ويكفى الهم، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة، الإنسان مأمور أن يدعو لنفسه في السجود وفي الجلسة بين السجدتين وفي دعاء الاستفتاح على أحد الوجوه التي وردت فيه، فهذا يحمل على المعنيين إما أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أنه يدعو بدعاء معين فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعله للرسول وإما أن يشركه معه في دعائه فكأنه قال صلاتي كلها يعني: كلما دعوت لنفسي صليت عليك. انتهى.
وقد يؤيد الوجه الأول وأن مراد أبي بالسؤال أنه يجعل له صلاته كلها من دعاء معين كان يدعو به في وقت معين ما وقع في بعض الروايات مما يدل على هذا.
قال القاري في المرقاة: وللحديث روايات كثيرة وفي رواية قال: إني أصلي من الليل. بدل أكثر الصلاة عليك فعلى هذا قوله فكم أجعل لك من صلاتي أي بدل صلاتي من الليل. انتهى.
وإذا علمت هذا فإن أفضل ما يدعى به للنبي صلى الله عليه وسلم هو الصلاة عليه، فإنها طلب من الله تعالى أن يثني عليه في الملأ الأعلى، وهي التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم وعليها وعدنا الثواب، ويدل على أنها المرادة في هذا الحديث خاصة لا غيرها من الدعاء له صلى الله عليه وسلم قول أبي في أول الحديث: إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تتضمن ما ذكر من الدعاء بأن يجزيه الله خيرا وزيادة، فالأولى لزومها وإن لم يكن غيرها ممتنعا، والأولى لزوم الصلاة الإبراهيمية التي علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقولوها في التشهد.
والله أعلم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=137563
تعليق