أسرار قرية
" ريني دي شاتو"
لم يكن التوصل إلى الخيوط التي أدت الى اكتشاف الأسرار الخطيرة التي أحاطت بقرية " ريني دي شاتو" نتيجة تخطيط مسبق أو نظرية ناجزة, بالعكس انفتحت هذه الكوة من الأسرار عبر محاولة بسيطة لتفسير ظاهرة تاريخية غامظة وقعت أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر.
لكن الأسرار التي تكشفت صفحاتها عفويا و بالتدريج كانت مذهلة فاقت كل تصورات الباحثين. كانت الصورة التي برزت من أخطر ما عرفته البشرية في تاريخها الطويل. بدأ الأمر عاديا, مجرد تحقيق علمي يحاول إزاحة الستار عن سر كمين وراء عدد من الأحداث التاريخية الغامضة التي وقعت في القرن الماضي. وبرغم الإثارة لتي كانت تتسم بها هده الأحداث. إلا أنها تظل مجرد أحدات محلية ينحصر الاهتمام بها في إطار ضيق لا يتعدى حدود قرية صغيرة مغمورة في جنوب فرنسا. وبرغم تنوع هذه الأحداث و تفرعها إلا أن دراستها كان عملا أكاديميا محضا يخص عدد من المؤرخين المتخصصين وحدهم. و لقد كان غاية ما يرمي إليه هذا البحث الأكاديمي هو إلقاء الضوء على بعض جوانب غامضة من تاريخ العالم الغربي. أما أن يؤدي الكشف إلى إعادة كتابة هذا التاريخ برمته فهو ما لم يكن يخطر على بال أحد. انطلق البحث من قصة عادية يتداولها الناس في جنوب فرنسا لا تختلف كثيرا عما يتداوله الريفيون عن الكنوز المخبوءة و الحكايات السحرية الغامضة التي تزيل وحشية أمسياتهم.
بطل القصة قسيس شاب يدعى ابيرنجر سونيير, وفد الى قرية ريني دي شاتو جنوب فرنسا ليتولى أمر كنيستها في أول حزيران يونيو عام 1885. و كان سونيير شابا وسيما في الثالث و الثلثين من عمره يمتلىء حيوية ونشاطا و يتمتع بقدر عظيم من الذكاء و سعة الإطلاع. و كان واضحا أن هذا المنصب القروي البسيط لا يتناسب و قدراته و سعة علمه. و قد أشيع أنه أتى فعلا ما – لا يذكره أحد – أغضب رؤسائه فأرسلوه إلى هذه القرية النائية تخلصا منه. و كانت قرية ريني دي شاتو الجبلية التي لا يتعدى سكانها المائتين, فعلا مجرد منفى بعيد عن كل مظاهر الحظارة و المدنية, لا تثير اهتمام أحد و لا تبعت عن أي نشاط فكري أو رغب في البحت العلمي. ولا شك إن الانتقال إليها كان ضربة قاصمة لطموحات سونيير لولا تعزية أنه كان من أبناء المنطقة. وهو إذ يعود إليها إنما يعود إلى موطن طفولته و صباه. كان متوسط دخل سونيير بين عامي 1885 و 1891 لا يتعدى بالفرنكات الفرنسية مبلغ يوازي ستة جنيهات إسترلينية في العام. و برغم ضالته بمقياس اليوم إلا أنه كان يعتبر معاشا مناسبا لقسيس قرية صغيرة. و خلال هذه الأعوام الستة كان سونيير, فيما يبدو سعيدا متكيفا مع حياته الجديدة, يشارك أهل القرية حياتهم الاجتماعية, و يرعى شؤونهم الدينية, و يمارس الرياضة, ويقرأ كثيرا في اللغات اللاتينية و الإغريقية و العبرية. و كانت ترعى حياته المنزلية خادمة ريفية في الثامنة عشرة من عمرها اسمها ماري د ناردو و قد ظلت ملازمة له طوال حياته و مستودع أسراره.
ماري ديناردو
أغرم سونيير بدراسة تاريخ المنطقة و التنقيب في آثارها التي تحيط بها من كل جانب بحكم موقعها التاريخي القديم في طريق القوافل بين أرويا و إسبنيا. فعلي بعد أميال قليلة في الجنوب الشرقي تقف قلاع (فرسان المعبد) الدين كان لهم دور بارز في الحروب الصليبية, و على مقربة ميل واحد نحو الشرق تمتد أطلال قرية بلانشفورت موطن أسلاف بيرتراند بلانشفورت الأستاذ الأعضم لفرسان المعبد في منتصف القرن الثاني عشر.
يتبع
تعليق