روبسبير
سفاح الثورة الفرنسية
يعجب الإنسان عندما يتنقل بين صفحات التاريخ... يرى عجائب النفس البشرية ... عندما يتحول الإنسان من شخصية مفكرة راديكالية إلى قاتل بدم بارد...عندما يتحول من زعيم ثائر بلغ قمة المثالية إلى دكتاتور متسلق لا يعرف رحمة ولا شفقة. يزهق مئات الأرواح دون وجه حق ...لا يشبع من سفك الدماء.. ولا يشبع من التمثيل بالآخرين... لا لشيء سوى "السلطة" ولو كلفه ذلك أن يسوق أقرب الناس إليه إلى "المقصلة" دون أن يشعر بالخجل ودون الإحساس بأنه من الممكن أن يساق إلي نفس المصير المؤلم الذي ساق إليه الآخرين.. إنه روبسبير سفاح الثورة الفرنسية !
"كانت شخصية روبسبير مزيجاً غريباً من الريبة السياسية الحادة والعداء الشخصي لكل من يختلف معه، الأمر الذي حمله إلى طريق التفرد خلال الثورة"، هكذا أشارت المؤلفة روث سكور إلى بعض المفاتيح التي تفصح عن شخصية روبيسبيير. إضافة إلى ذلك، هناك صورة أُخرى يرسمها عن نفسه باعتقاده بأنه لم ولن يُخطئ إطلاقاً، يرى نفسه كمصدر للقانون، حاله حال كل الطغاة في التاريخ القديم والحديث... والمعاصر.
المحامي الأنيق
شقّ روبيسيير طريقه بقوة وعزم حتى أنهى دراسته القانونية، وفي عام 1789 أصبح محامياً، وممثلاً للطبقة الثالثة في قصر فرساي.كان مظهره عاديا.قامته متوسطة وجسده نحيل ورأسه كبير، ولكنه تميز بقدرته الخطابية وبلاغته المؤثرة وأناقته المفرطة وأدبه الجم وحرصه الشديد على الفضيلة وآداب السلوك.
السياسي المتطرف
في عام 1790 انتخب رئيسا لحزب اليعاقبة، وازدادت شعبيته كعدو للملكية ونصير للديمقراطية. وعقب سقوط الملكية في فرنسا عام 1792 انتخب روبسبير أول مندوب لباريس في المؤتمر القومي الذي ألح فيه على مطلب إعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته، فبعدما كان ينادي بإلغاء حكم الإعدام نجده في هذا المؤتمر يناقش بحماس لصالح تنفيذ حكم الإعدام بحق الملك : "يجب على لويس أن يموت، لأنّ الأمة يجب أن تعيش" وهو ما تحقق عام 1793. وسرعان ما انتخب روبسبير عضوا في الهيئة التنفيذية العليا ولجنة الأمن العام. بل وسيطر عليها بعد أن تخلص من جميع منافسيه، وعلى رأسهم عدد من زعماء الثورة الفرنسية مثل "دانتون" و"هيبير" و"ديمولان". ليصبح بذلك الزعيم الأوحد في فرنسا ويرتكب من الفضائح والأهوال ما لن يمحوه التاريخ أبدا. وصارت المقصلة هي أداته المفضلة في إقامة مجتمع الإخاء والمساواة والعدل .
عصر الإرهاب
والجدير بالذكر أنّ تعبير حكم الإرهاب la terreur يعني الفترة الأخيرة من الثورة الفرنسية التي غاب فيها المنطق وتولى زمام الأمور فيها روبيسبيير الذي يعد بحق واحدا من أشهر السفاحين الذين أنجبتهم البشرية.
كان أول مظاهر هذه الموجة هو إرساله لـ"الجيش الثوري" من باريس إلى المدن الصغرى والقرى ومعه مقصلة متحركة تقوم بتصفية معارضيه، أخذ روبيسبيير يطارد ويعدم "أعداء الثورة" ثمّ وسّع نطاق مطارداته لتضم من أسماهم بالثوريين الزائفين ووصلت مقصلته إلى رقاب المعتدلين ، بل وامتدت إلى العديد من زعماء الثورة أنفسهم.
المحكمة الثورية
- في شهر أكتوبر الملكة ماري أنطوانيت باعتبارها العدوة الأولى للثورة، وفي آخر أيام أكتوبر أعدم عدد كبير من الجيروند.
- وفي 6 نوفمبر أعدم فليب دوق أورليان رغم أنه مؤازرته للثورة وإدلائه بصوته مع المطالبين برأس الملك.
- وفي 10 نوفمبر أعدمت مدام رولان السيدة الفاتنة التي كان يلتقي عندنا أعضاء حزب الجيروند.
بعد ذلك بأيام قطعت رؤوس اثني عشر رجلا في خمس دقائق. كان هذا هو أسلوب التخلص من الخصوم السياسيين.
ولا يفوتنا أن نشير إلى إعدام بعض القادة الثوررين من أمثال" كوستين" و "بيرون" بتهمة الخيانة أو التواني عن مطاردة العدو.وقد علق روبيسيير على ذلك متباهيا ومتفاخرا بقوله: "إنني سأجعل خط الحدود بيني وبين أعداء فرنسا من حولنا نهرا من الدماء".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اخترع روبيسبيير مجموعة فريدة من التهم يعاقب مقترفيها بالإعدام: كالتعرض للوطنية بالسب والقذف، بث روح اليأس لدى المواطنين، ترويج أخبار كاذبة، انتهاك الأخلاقيات، إفساد الضمير العام و تعكير البراءة والطهارة الثورية. ومن أجل الإسراع بهذه الإجراءات صدرت جملة من القوانين بمنع محامي الدفاع أو استدعاء أي شهود، ليكون الحكم دائما الإعدام.
ثم جاءت فكرة اتخاذ ديانة جديدة، فالأوضاع الجديدة التي أوجدتها الثورة لن تكتمل ما لم ترتبط بتغيير ديني، فظهرت ما تسمى بعبادة العقل، وقدر عدد الكنائس المحولة إلى معابد للعقل بنحو 2400 كنيسة في فرنسا كلها.
الخطأ القاتل
إعدام الطاغية
المصدر :
- كتاب: أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، الجزء الأول
تعليق