جنكيزخان
وضع جنكيزخان نصب عينيه الهيمنة علي العالم ولم يكترث بعدد القتلي بل قاد حرب خاطفة علي ما يقارب من ربع سكان الآرض وأباد معظم شعوبها وطافت قصص الرعب عن سيد الحرب المنغولي العالم وتحولت إلي اسطورة ، وفي العصور الوسطي لم يكن أحد اكتسب شهرة مثل هذا الشقي جنكيزخان بالرغم أنه بدوي أمي الآ أنه فتح مدن ومناطق وحولها إلي امبراطورية بضعف حجم امبراطوريتي روما والاسكندر المقدوني وصعوده الدموي ترك وراءه عدد بل أكوام من الجثث تمتد من الصين حتي الشرق الأوسط ، فهو واحد من أعظم مزوري دوافع القتل في التاريخ حيث انه صمم على تحقيق ما يعتقده أنه قدر منزل اليه من الله ويحقق الرؤيه التي أوحت إليه بأنه هو الشخص الذي سوف يقوم بتغيير العالم .
نشأته
ولد " تيموجين " أو ما نعرفه باسم جنكيزخان في عام 1160م في وسط منغوليا ، رعي الغنم والآحصنة وحلب النعاج وطرد الذئاب وتعلم ركوب الخيل ، وكان والده قائد لآحدي القبائل الاربعة التي تحاربت من اجل السيادة علي البادية وعاش في جو كله مشقة وصراع ، وقد سمي " تيموجين " تيمنا بمولده في يوم انتصار والده علي أحد زعماء القبائل وقتله وكان يحمل نفس الاسم " تيموجين " ، وما لبث حتي لقي والده مصرعه علي يد أشد المنافسين للمنغوليين وهم التتار ، تاركا حملا ثقيلا ومسئولية كبيرة على الفتي " تيموجين " واستغلت قبيلته صغر عمره ورفضت الدخول فى طاعته بل وصل الامر انهم نفوه فى بادية جرداء برفقة والدته واخواته الخمسة واخته ، وتوقع الجميع انهم سوف يموتون لظروف المعيشة الكالحة في هذه البقعة وهامت العائلة في الارض تعيش حياة قاسية وتذوقوا مرارة الجوع والفقر والحرمان ، وصار " جنكيزخان " ابا لنفسه وكان عليه جمع شمل العائلة والحرص علي بقائها واخذ ينمو فى القامة والقوة بسرعة عجيبة وتمتع ببنيان صلب جعله المصارع الاول بين اقرانه ، ووضع يده علي مزراع ومراعي اسرته واهتم بها فتحسنت احوالها وزاد انتاجها وجذب القبائل للتعامل معه في التجارة ودخل في صراع مرير مع قبيلته حتي اجبارها أن تدين له بالولاء وهو دون العشرين من عمره ولكن اخيه الاكبر الغير شقيق حاول السيطرة على جنكيزخان حتي يحد من سطوته فما كان منه الا أن أستدرج اخيه وقتله دون شفقه أو رحمه وكانت هذه الجريمة ما هي الآ أفتتاحية لمهنة الذبح .
عقد الصداقة مع جاموقا
بعدها عقد صداقة مع " جاموقا " أبن قائد عسكري قوي ودخل الشابان فى رابطا لا يتفكك بينهم وكأنهما اخوة في الدم وأصبحا نجمين ساطعين في ميدان المعركة ، ثم قام جنكيزخان بتوحيد شعوب البادية الفقراء والمرتزقة فى خطة قتالية عظمي وهو علي رأسها ضد القبيلة التي قتلت والده من التتار وبعد ما تاكد من جاهزية جنوده قاد الجيش وانقض على التتار وسحق جنود جنكيزخان الجيش التتاري وقتلوا معظمهم لكن بعض الاسري من التتار المهزومين لا يعترفون بجنكيزخان قائدا لهم ورفضوا ان يقسموا له بالولاء ، وجنكيزخان نفسه كان يعلم ان التتار لا يقدمون سوي التحدي والخصام لذا امر بتطبيق الحل وهو أن يقوم جنوده بنحر كل رجل تتاري يجدونه صغيرا كان أو كبيرا ، وعاد جنكيزخان منتصرا وقام بتوطيد سلطانه والسيطرة على جميع المناطق التي يسكنها المغول حتي تمكن من توحيد منغوليا تحت سلطانه وقام بتحطيم التقاليد التي كانت تجعل المرء يعطي الولاء إلي عشيرته وقبيلته بل صار الآن الولاء لجنكيزخان نفسه ولم يعد الامر يتعلق بمعارفك حتي ترتقي إلي المناصب بل بما فعلته لاجل جنكيزخان وما سوف تفعله حتي تثبت ولاءك له .
والتف الجميع حول " جنكيزخان " لانهم راوا فيه قائدا بلا هوادة وذالك جعل نفوذه يتسع بلا توقف وظهرت الآساطير حول العالم عن الجنود المنغوليين الخالدون الذين يضربهم العدو بالسهام لكنها لا تخترقهم وكأنهم جيش من الموتي الآحياء فهل كان لديهم حماية باهرة من نوع ما .. بالطبع لا .. كان الجندي المنغولي يرتدي درع مزين من المسامير المدببة وأسفل جلد الجيفه يرتدي قميص حراري يوقف اختراق السهام لآجسادهم وذالك يخفف من شدة الجرح ويسمح للمحارب بمواصلة القتال وترجيح كفة الميزان لصالح المنغوليين ، وحدث ذات يوم ان الاخ الاصغر ل "جاموقا " ويدعي " تايشار " قام بسرقة قطيع من الخيول تخص " جوجي " من قبيلة الجلائر التابعة ل " جنكيزخان " فقام " جوجي " بقتل " تايشار " واستعادة القطيع فاستنفر " جاموقا " واخذ قبيلته ليثأر لاخيه وهجم علي قبيلة الجلائر وقتل " جوجي " وعندما وصل الامر الي جنكيزخان لم يجد هذا قبول لديه وانفكت صلة الآخوة بالدم وعلي القائدين العسكريين أن يتحاربا لفض الخلاف بينهما وكلا منهما يعلم قوة الاخر.
كان جنكيزخان لديه سمعة مخيفة مسبقة ولكن جاموقا لديه جيشا اكبر وهذه مثلت عقبة امام " جنكيزخان " واخذ يفكر في الامر كثيرا حتي توصل لطريقة باهرة لجيشه تجعله اقوي حيث كانت العادة ان يحمل كل جندي مشعلا واحدا لكن جنكيزخان امر بأن يحمل كل جندي خمسة مشاعل وفي الظلام بدا جيشه اكبر واضخم من حجمه بخمسة أضعاف ، وعندما راي جيش " جاموقا " هذا الامر بدا يتراجع ظنا منهم أن جيش " جنكيزخان " مهول العدد وقبل أن يبدا القتال هرب كثيرا من جنود " جاموقا " ونجحت خدعة " جنكيزخان "وكانت المعركة انتصارا مذهلا له ، كما أن الحرس الشخصي ل "جاموقا" غدروا بقائدهم وسلموه إلي جنكيزخان املا بأنقاذ انفسهم ولكهم لم يدركوا أنهم خرقوا قاعدة ذهبية ل "جنكيزخان" وهي عدم التسامح مع الخونة .. وعلي الرغم أن الحرس سلموا أنفسهم إلي "جنكيزخان" ليكونوا من اتباعه إلي أنه كان يعلم أنهم خائنون وبلا وفاء ولا يمكن له التسامح مع الخيانة وقام بقطع روؤسهم جميعا ، ولم ينسي جنكيزخان أن "جاموقا" ساعده يوما في تحرير زوجته التى خطفتها قبيلة الميركيت وأراد أن يستعيد صداقته معه ولكن الاخر أثر الموت فكان له ما اراد ، وامر جنكيزخان بتكسير عظام ظهر "جاموقا" وتركه يقاسي موتا اليما ، وبعد انتهاء الحرب اجتمعت جميع القبائل بما فيهم قبيلة جاموقا وحلفائهم عند البحيرة الزرقاء في منغوليا واعترف الجميع بجنكيزخان قائدا اعلي لهم واطلقوا عليه لقب "جنكيزخان" أي الملك الاقوي أو القائد الفولاذي واعلن "جنكيزخان" أنه لديه مهمة الهية لكي يفتح العالم وأن الاوامر تأتيه من الله مباشرة وفي احدي رؤياه قال جنكيزخان " أن الرب أعطى الدنيا للمنغوليين وسيتحقق هذا علي يديه " ومن هذه الرؤيا نفهم أن جكيزخان تملكه جنون العظمة وجعلته واهما .
غزو المغول للصين
تحرك جنكيزخان" نحو الصين التي كان يطمع في السيطرة عليها واتجه نحو مملكة التانجوت في شمال الصين فقدم ملك التانجوت ابنته كزوجه لجنكيزخان ودفع له الجزية من الايل البيضاء وتعهد بأن يرسل جنود إلي جنكيزخان في حال طلب الاخيرذالك شريطه أن لايهاجم المملكة .. فوافق جنكيزخان واخذ جيشه الجرار نحو امبراطورية الصين التي كانت تحكمها عائلة "سونج" فأشتبك معهم لاول مرة في عام 1211م واستطاع أن يحرز عدد من الانتصارات عليهم ولم يستطع سور الصين العظيم أن يحميهم وسيطر على كل البلاد الواقعة داخل سور الصين ولكن فى عام 1213م عاود القتال واشتبك مع جحافل جيوش الصين وسقطت على أثرها العاصمة بكين في عام 1215م وكان لسقوطها دوي هائل وخلال هذه المعارك طلب جنكيزخان من ملك التانجوت امداده بالجنود حسب المعاهدة فرفض الاخير هذا الامر .
غزو المملكة الخوارزمية
توجه "جنكيزخان" بأنظاره نحو امبراطورية خوارزم التركية التي شملت افغانستان الحالية وجميع ايران المعاصرة .. في البداية لم يطل جنكيزخان جنوده بل أرسل تجار يحملون اصنافا مختلفة من البضائع والذهب ومعهم ممثلون عن جكيزخان لآبرام معاهدات تجارية مع الشاه محمد بن خوارزم ولكنه لقي أستجابة دامية عندما قام "ينال خان " حاكم مدينة أترار بقتل جميع التجار والمبعوثين المنغول بتهمة أنهم جواسيس في زي تجار وما أن وصلت الآخبار إلي " جنكيزخان " حتي استشاط غضبا وأرسل إلى " الشاه " يطلب منه تسليم "ينال خان" لكي يعاقبه علي جرائمه لكن "الشاه" رفض الطلب وزاد الامر سوء بأن قتل الوفد الذي حمل الرسالة وعندها أطلق "جنكيزخان" العنان لجيوشه المنغولية وهاجموا مدينة "اترار" وفتحوها واسر حاكمها "ينال خان" وقلع عيناه وصب فيهما الفضة وقاموا بقتل سكان المدينة بكل أطفالها ونسائها وشيوخها ومحوها عن بكرة ابيها وما لبثوا حتى دخل المغول مدينة "بخاري" في عام 1220م وأستخدم الألاف من شعب "الشاه" كدروع بشرية للمغول وبهذا أضطر الجنود فى المدينة إلي الاستسلام وأحرق المدينة بمن فيها أحياء ولم يكترث بعدد الموتي حتى مدينة "مارفا" الجبارة بأسوارها المنيعة ودفاعها القوي بوجود خندق مائي لم تصمد امام جنكيزخان الذي كان لديه خبرة في الفتوحات السابقة جعلته يتعلم بسرعة درس التكتيكات العسكرية للشعوب.
وكان جيشه يتضمن مهندسين بارعين فى ضرب حصار وموانع المدن وصنعوا منجانيق ضخم يشبه المدفعية واطلقت المنجانيقات العملاقة كراتها المدمرة وسحقت اسوار المدينة ومبانيها وسوتها بالأرض واخذ الآسري وقذف بهم في الخندق المائي لصنع جسر بشري وروع هذا الأمر شعب "الشاه" ودخل المدينة واخذ جميع سكانها إلي الصحراء ثم قتلوهم وبحسب رواية احد المؤرخين أن كل محارب منغولي نحر ثلاثمائة شخص وتقول الروايات انهم ذبحوا ثلاثة ملايين شخص وصنعوا من روؤس سكان المدينة كومة كبيرة ، وفي طريقه لتعقب "الشاه" حاصر مدينة "سمرقند" وحرقوها بمبانيها الرائعة وقام باعدامات جماعية في مدينة "هرات" ولم يترك سوي اشخاص قليلين أحياء وباقي سكان المدينة سلقهم أحياء ، وفي مدينة "أوغنس" قام بتحويل مجري النهر واغرق البلدة احياء ثم قطع روؤسهم خوفا من كونهم متظاهرين بالموت ، اما الشاه محمد الخوارزمي لجا إلي إحدي الجزر الصغيرة في بحر قزوين هربا من "جنكيزخان" ومات هناك مرعوبا بعد أن خارت قواه وعزيمته ودفع غاليا ثمن رفضه طلب جنكيزخان .
وبذالك يكون الذئب المنغولي قد مزق أفغانستان وتركستان ومعظم أقطار اسيا الوسطي وايران ودمر معالمها واصبحت خرابا يبابا تاركين وراءهم بحر من الدماء . واغلب الظن ان جنكيزخان قال خلال حملته هذه جملته الشهيرة "لو انك لم تقترف ذنوبا عظيمة فإن الله ما كان ليرسل عليك عقابا مثلي".
إبادة مملكة التانجوت
بلغ "جنكيزخان" الستينيات من العمر وهو عمر يبلغه عشرة في المائة من معاصريه ولكن العمر لم يوقفه لقد كان يستمد قوته ودوافعه من عاملين مهمين له ، العامل الاول رؤياه ورغبته في فتح العالم والعامل الثاني الضمني هو الوفاء فلابد من تصفية الحسابات مع المستصغرين ولا يهمه مدي قدم هذا الاستصغار وعاد بجيشه إلي مملكة التانجوت الصينية لكي يسوي حسابه معهم بعد أن رفضوا ارسال الجنود له منذ عشر سنوات مضت لذا قرر العودة والانتقام ، وجاء هذا الرفض نتيجة شعور التانجوت انهم قوة عظمي وتعداد سكانهم بالملايين ومنطقتهم محميه بالامتداد الشاسع لصحراء "جوبي" وحاجز عظيم من الجبال التي تمتد شمال الصين لكن جنكيزخان اجتاز هذه العقابات واظهر جيشه قدرة مدمرة سريعة ورجاله كانوا يتمتعون بلياقة عالية حتي أنهم كانوا يدخلون المدن قبل غلق ابوابها وكأنهم تعاطوا المنشطات واستطاع المنغوليين تدمير كل قوة عسكرية صادفتهم ودفع شعب التانجوت إلي داخل مدنهم وبعدها صاروا هدفا سهلا لجيش "جنكيزخان" الذي اثبت مسبقا أنه يستطيع اختراق اي اسوار مدينة وادار "جنكيزخان" مجانيقاته العملاقة المدمرة ولكن هذه المرة لا تقذف الحجارة بل كرات نارية مشبعة بمواد دهنية سريعة الاشتعال كأنها قنابل ذرية مدمرة وقذفت عشرات المنجانيقات العملاقة مدن التانجوت بالنار .
كانت الكرات النارية تنزل على شعب التانجوت تحرقهم وتقتلهم على الفور كان الامر مروع للغاية واحرق جميع المنازل الخشبية وبداخلها سكانها وجعلها انقاضا ينبعث منها الدخان ولم يجد شعب التانجوت خيار سوي الاستسلام وذهب ملك التانجوت إلي "جنكيزخان" متوسلا الرحمة ، لكن في ذالك الوقت كان جنكيزخان يحتضر ، قال البعض انه جرح جراء اصابته بسهم واخرون قالوا أنه سقط من فوق حصانه أو سممته احدي زوجاته من الاسيرات ، ولكن كان هناك راي اخر هو أقرب إلي الحقيقة وهو أنه اصيب بحمي التيفوئيد التي كانت منتشرة بين جنوده ولقي "جنكيزخان" مصرعه فى عام 1227م ، وكما في معظم حياته كان لموته عواقب وخيمة حيث كان اخر امر له وهو علي فراش الموت يسبب القشعريرة حيث انه أمر بقتل وابادة التانجوت بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم ، وجيشه الوفي اطاع الامر وقاموا بحرق مدن التانجوت واهلكوا جميع سكانها والطبقة الكهنوتية أبيدت واخرجوا جثث قادة التانجوت من قبورهم واحرقوهم وحرقوا الكتب ومحو أمة التانجوت عن بكرة ابيها ، حضارة باكملها ابيدت من علي وجه الآرض وكل ما تبقي اليوم هي أثار قديمة عن حضارتهم وأثار قبورهم المهيبة ، ويقال أن اخر كلمات "جنكيزخان" كانت " بمساعدة السماء فإنني استوليت لكم علي امبراطورية عظيمة ولكن حياتي كانت اقصر من ان تسمح لي باحتلال العالم وهي المهمة التي أتركها لكم من بعدي " .
كان الامر بمثابة انجاز باهر بالنسبة لفتي جاء من البادية ليقيم امبراطورية تمتد من المحيط الهادي حتى اوروبا ونشر قوانين وثقافة لكي يخلق امة موحدة هى امة قوانين وتعليم وذات ادارة مركزية واسس الحكومات فى الاراضي التي فتحها وصنع ميراث عظيما وخلق امبراطورية من لا شئ ولم تعد منغوليا تلك الارض المنعزلة خلف آسيا فقد قلبها إلى أقوى دولة في الشرق وبهذا الانجاز جعل من جنكيزخان واحد من اكثر شخصيات التاريخ جدلا ..
أقيمت جنازة مهيبة لجنكيزخان فى منغوليا وبعد دفنه أمر ابن جنكيزخان " أوغادي" باعدام جميع الذين شاركوا في مراسم الجنازة وكل من شهد الدفن حتي لا يتسرب مكان قبره ..!!
وظل قبره مجهول إلي يومنا هذا ..!
تعليق