سلسلة ....
(1)
أرواح وأشباح
حوادث غامضة عجز الجميع عن تفسير كنهها فمطوا شفاههم يأسا واكتفوا بنسب الأمر برمته للأشباح..
من ثم نعرج على جلسات تحضير الأرواح محاولين إماطة اللثام عما يكتنفها من غموض..
ثم نتناول عالم الأرواح والجن والشياطين بالتفصيل..منذ قديم الأزل تعج الكتب بالعديد من حكايات الجن والأرواح..
حكايات حار جميع من عاصروها في فهم كنهها أو معرفة كيفية حدوثها..فاكتفوا بروايتها كما هي ناسبين حدوثها إلى القوى الغيبية..منتظرين أن يفسرها من سيأتي بعدهم مستعينا بالتقدم العلمي الذي يمضي قدما مع الزمن..
وأتت الأجيال الجديدة..واستعانت بالعلم..وبالفعل نجحوا في تفسير العديد من الأمور والحوادث التي كان الأقدمون ينسبونها للقوى الغيبية..
ولكن.. ومع كل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي الرهيب..بقيت بعض الأحداث التي لم يستطع أحد إماطة اللثام عن الغموض الذي يكتنفها..فبقيت بلا تفسير حتى يومنا هذا..بقيت تنتظر من سيأتي بعدنا وينجح في حل لغزها وسبر غورها..
ربما ينجح أحدهم في ذلك في المستقبل..هذا جائز..ولكن الأمر المؤكد أن هذا لم يحدث حتى الآن على الأقل..
وربما لن يحدث أبدا...
جمعية الموتى
نحن الآن في (لندن).. و(لندن) كأي مدينة أخرى تعج بالمنازل القديمة التي يفوح من بين جنباتها عبق التاريخ..
ومن المعتاد أن تتحول تلك البيوت بمرور الزمن إلى مزارات سياحية أو تترك مهجورة ليرتع فيها الصدأ والعطن كيفما شاءا..هذا فضلا عن بعض البيوت التي لم تزل مسكونة إلى الآن سواء من طائفة الفقراء والمشردين أو ممن آلت إليهم ملكية تلك البيوت إرثا فلم يشاءوا أن يهدمونها حرصا على تراث عائلاتهم من الاندثار..وسط تلك البيوت يقف بيتا قديما مثلها..عمره يربو عن الثلاثمائة سنة..
بيت قديم ولكنه عادي..عادي جدا إن شئتم الدقة..صحيح أن بابه ضيق وسلالمه مظلمة وأبوابه تصدر صريرا حال فتحها وتفوح منه الروائح الكريهة وتغطي الأتربة المتراكمة على مر السنين كل شبر فيه..
ولكن هذا لعمري هو حال كل البيوت القديمة..فلا جديد يذكر في هذا الشأن..
ولكن لماذا يخشى الناس هذا البيت دونا عن بقية البيوت التي حوله؟..
لماذا يحرصون على إصدار تعليمات صارمة لأطفالهم بعدم اللهو بجوار هذا البيت أو ولوجه؟..
لماذا يمتنع المشردين عن المبيت فيه؟..
الجميع بالتأكيد يعرف الإجابة..ولكن يفاجئك صمتهم عندما تسألهم عن سر هذا البيت..
فقط تتسع عيونهم في خوف ظاهر وترتفع أكفهم منذرة وألسنتهم تصرخ فيك قائلة:
(إلا هذا البيت..ابتعد عنه كأنما يطاردك ألف شيطان..لقد قمنا بواجبنا وحذرناك..وأنت حر في اختيار قدرك)
وعندما تسألهم (لماذا لم تقم السلطات بإزالة هذا البيت وهدمه ومحو أثره طالما أن الناس يخشونه إلى هذا الحد؟؟)
تجدهم يبتسمون ابتسامة شفقة مغلفة بالغموض ثم يقولون لك:
وهل تظن أنهم لم يحاولوا من قبل؟؟..
إن محاولات هدم هذا المنزل الملعون مستمرة منذ عهد الملك (جورج الثاني) وكلما هم أحدهم بتنفيذ الفكرة تجده يتراجع في آخر لحظة بشكل لا يثير الدهشة فقط وإنما يثير المزيد من الخوف من هذا البيت أيضا)
هذا هو ما حدث مع السير(كيلي كوش) أستاذ الأدب الإنجليزي المعروف..والذي جمع قصة هذا البيت وغيره في كتابه الشهير (خرافات مفيدة) والذي أصدره في مايو عام 1940..
يقول السير (كوش):
وبالفعل ذهب السير (كوش) إلى أرشيف جامعة (كامبردج)..وظل يبحث إلى أن عثر على تاريخ ذلك البيت..
من ثم ذهب مجددا إلى البيت وقد قرر أمرا خطيرا..
قرر أن يبيت في هذا البيت ليلة بمفرده..ليرى ويسمع ويدون بنفسه كل شيء..
يقول السير (كوش) عندما وصلت إلى البيت وأخبرت الحارس العجوز بما أنتويه..انتفض من الدهشة واتسعت عيناه وهو يقول:
(أأنت مجنون لتقدم على هذا الفعل الأحمق؟؟)
فلم أرد إلا بابتسامة هادئة جعلت الرجل يقوم ضاربا كفا بكف ليقودني إلى مدخل البيت وهو يتمتم:
(إن هذا العالم ملئ بالمجانين..لا ريب في ذلك)
وعندما فتح الحارس الباب الصدئ الذي بدا وكأن أحدا لم يفتحه منذ مئات السنين بالفعل أصدر الباب صريرا مزعجا وتهاوت علينا بعض الأتربة والأحجار الصغيرة..وفر وطواطين للداخل هربا من الضوء المقتحم..
وزكمت أنفينا الروائح العطنة..عندها قال لي حارس البيت بنبرة سخرية:
(أنت مازلت شابا شجاعا باحثا عن الحقيقة..ولكنك تبدو متهورا ككل الشباب..أنت حر..ولكن قبل أن أتركك أريد أن أسألك سؤالا يا ولدي:ما هو نوع الزهور التي تحب أن أضعها على قبرك؟؟)
فيضحك السير (كوش) ضحكة يداري بها الرجفة التي تعتريه ويقول:
(أي نوع يا سيدي)
ويبتعد الحارس متمتما ببضع كلمات خافتة لم يسمعها (كوش) وإن كان قد خمن معناها..ولكنه لم يلتفت إليها إذ يمم وجهه شطر المدخل وارتقى السلم الضيق ودخل المنزل..
فماذا رأى؟؟..
وماذا سمع؟؟..
وماذا عرف؟؟..
هذا ما سنعرفه الآن ونحن نقلب في صفحات كتابه (خرافات مفيدة)..فهيا بنا..
(أي نوع يا سيدي)
ويبتعد الحارس متمتما ببضع كلمات خافتة لم يسمعها (كوش) وإن كان قد خمن معناها..ولكنه لم يلتفت إليها إذ يمم وجهه شطر المدخل وارتقى السلم الضيق ودخل المنزل..
فماذا رأى؟؟..
وماذا سمع؟؟..
وماذا عرف؟؟..
هذا ما سنعرفه الآن ونحن نقلب في صفحات كتابه (خرافات مفيدة)..فهيا بنا..
يقول السير (كوش):
من عادة الناس في (لندن) أن يكونوا جمعيات لكل رغبة خاصة بهم حتى لا يتهمهم أحد بالجنون أو بأنهم عنصر هدام في المجتمع..وحتى يستطيعوا ممارسة رغباتهم تلك دونما رقيب أو سخرية من أحد المتطفلين..
وهذه الجمعيات قديمة قدم الدهر..وتشمل كل ما يمكن أن يخطر على البال..
فتجد جمعيات تمارس أنشطة غريبة جدا..
فهناك جمعية جامعي أغطية الزجاجات..وهناك جمعية جامعي الزجاجات الفارغة..وهناك جمعية النوم وحيدا حتى الموت ..وهناك جمعية محبي النوم في فراش الآخرين..إلى غير ذلك من المسميات والرغبات العجيبة..
وقد اصطلح الجميع على تركهم يمارسون حرياتهم الشخصية طالما كانوا بعيدين عن إيذاء الآخرين أو إلحاق الضرر بهم..فحريتهم الشخصية تلك يكفلها القانون..بل وتحميهم الشرطة أثناء احتفالاتهم وتجمعاتهم درءا للفضوليين..
ومعروف للجميع أماكن تجمع شباب تلك الجمعيات التي تكون إما منزل أحدهم أو ناد خاص..
وكذلك طقوس احتفالاتهم وماذا يأكلون وماذا يشربون أثنائها..كل ذلك معروف..
ومن وجد في إحدى تلك الجمعيات ما يوافق هواه فله أن ينضم إليها مباشرة..
لذلك فلكل إنسان هناك جمعية يمارس من خلالها هواياته ويفرغ طاقاته المكبوتة ..
كل هذا يبدو جميلا في مجتمع ديمقراطي تبدو فيه الصورة وردية وتمارس فيه الحريات الشخصية على أوسع نطاق تحت شعار أنت حر ما لم تضر)..
في عام 1730 قرر سبعة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية والعشرين والثلاثين تكوين جمعية من تلك الجمعيات وسموها (جمعية السبعة الدائمين أحياء أو ميتين)..
وقد اعتاد هؤلاء السبعة على أن يتلاقوا في هذا البيت يوم 2 نوفمبر من كل عام وهو (يوم الأرواح) طبقا للمعتقد الشعبي السائد آنذاك في (أوروبا)
هؤلاء السبعة لم يكن لهم هدف محدد..ولم يكن لهم برنامج معين يناقشونه فيما بينهم..من عادة الناس في (لندن) أن يكونوا جمعيات لكل رغبة خاصة بهم حتى لا يتهمهم أحد بالجنون أو بأنهم عنصر هدام في المجتمع..وحتى يستطيعوا ممارسة رغباتهم تلك دونما رقيب أو سخرية من أحد المتطفلين..
وهذه الجمعيات قديمة قدم الدهر..وتشمل كل ما يمكن أن يخطر على البال..
فتجد جمعيات تمارس أنشطة غريبة جدا..
فهناك جمعية جامعي أغطية الزجاجات..وهناك جمعية جامعي الزجاجات الفارغة..وهناك جمعية النوم وحيدا حتى الموت ..وهناك جمعية محبي النوم في فراش الآخرين..إلى غير ذلك من المسميات والرغبات العجيبة..
وقد اصطلح الجميع على تركهم يمارسون حرياتهم الشخصية طالما كانوا بعيدين عن إيذاء الآخرين أو إلحاق الضرر بهم..فحريتهم الشخصية تلك يكفلها القانون..بل وتحميهم الشرطة أثناء احتفالاتهم وتجمعاتهم درءا للفضوليين..
ومعروف للجميع أماكن تجمع شباب تلك الجمعيات التي تكون إما منزل أحدهم أو ناد خاص..
وكذلك طقوس احتفالاتهم وماذا يأكلون وماذا يشربون أثنائها..كل ذلك معروف..
ومن وجد في إحدى تلك الجمعيات ما يوافق هواه فله أن ينضم إليها مباشرة..
لذلك فلكل إنسان هناك جمعية يمارس من خلالها هواياته ويفرغ طاقاته المكبوتة ..
كل هذا يبدو جميلا في مجتمع ديمقراطي تبدو فيه الصورة وردية وتمارس فيه الحريات الشخصية على أوسع نطاق تحت شعار أنت حر ما لم تضر)..
في عام 1730 قرر سبعة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية والعشرين والثلاثين تكوين جمعية من تلك الجمعيات وسموها (جمعية السبعة الدائمين أحياء أو ميتين)..
وقد اعتاد هؤلاء السبعة على أن يتلاقوا في هذا البيت يوم 2 نوفمبر من كل عام وهو (يوم الأرواح) طبقا للمعتقد الشعبي السائد آنذاك في (أوروبا)
فاجتماعاتهم تقتصر على الأكل وشرب الخمر والغناء والرقص ولعن كل المقدسات وكل الأديان من أولها إلى آخرها..
وفي ساعة متأخرة من الليل يهدأ الجميع ويعودون إلى بيوتهم على أن يلتقوا مجددا عشية اليوم التالي لتكرار ما فعلوه في يومهم هذا..وتستمر الاجتماعات لمدة سبعة أيام متعاقبة..وفي نهاية الأسبوع يتفرق الجمع الصاخب على أن يتواعدوا على الاجتماع مجددا عشية يوم 2 نوفمبر من العام التالي وهكذا دواليك..
ومن الغريب أن هؤلاء الشباب كانوا يحتفظون بسجل ضخم يدونون فيه محاضر جلساتهم..وعندما عثرت عليه اندهشت بشدة..فكيف كان هؤلاء السكارى يدونون كل شيء يحدث بينهم بمنتهى الدقة والأناقة الظاهرة في ذلك السجل..
فهاكم لائحة الجمعية الداخلية التي تتصدر أولى صفحات السجل وتنص على أن:
1- تتكون الجمعية من سبعة أعضاء..أحياء أو موتى..فالذي يموت منهم يظل عضوا..فإذا مات جميع الأعضاء انحلت الجمعية ولم يعد لها وجود..
2- الأعضاء دائمون وغير مقبول انفصالهم عن الجمعية فيما بعد..
3- لا تقبل الجمعية أي عضو جديد
4- تجتمع الجمعية سنويا في يوم 2 نوفمبر من كل عام ومن يتخلف عن الحضور لأي سبب يوقع عليه بقية الأعضاء ما شاءوا من عقوبات..
5- في حالة إصابة جميع الأعضاء بالجنون المطبق وإيمانهم التام بأنه لا فائدة من الكلام أو عندما يفقدون أي رغبة في الحوار فيما بينهم فعليهم أن يصمتوا إلى الأبد ويتحول اسم الجمعية إلى (جمعية الأدباء الصامتين حتى الموت)
وهاكم مثلا الحوار الذي دار بينهم في أول اجتماعاتهم بتاريخ 2 نوفمبر 1730
يقول رئيس الجمعية (آلان ديرمو) وهو فرنسي من (باريس):
(لقد قررنا أن نجتمع هنا اليوم..ثم ماذا بعد؟؟..لابد أن تكون هناك حكمة..لابد أن يكون هناك سبب وجيه لاجتماعنا هذا)..
يرد عليه أحد الحاضرين قائلا:
(ليس من الضروري أن يكون هناك سبب وجيه لأي شيء..فليس هناك سبب وجيه لكي تكون أنت أنت أو تكون موجودا..ولا أنا ولا أي شخص آخر..أليس هذا صحيحا؟؟)..2- الأعضاء دائمون وغير مقبول انفصالهم عن الجمعية فيما بعد..
3- لا تقبل الجمعية أي عضو جديد
4- تجتمع الجمعية سنويا في يوم 2 نوفمبر من كل عام ومن يتخلف عن الحضور لأي سبب يوقع عليه بقية الأعضاء ما شاءوا من عقوبات..
5- في حالة إصابة جميع الأعضاء بالجنون المطبق وإيمانهم التام بأنه لا فائدة من الكلام أو عندما يفقدون أي رغبة في الحوار فيما بينهم فعليهم أن يصمتوا إلى الأبد ويتحول اسم الجمعية إلى (جمعية الأدباء الصامتين حتى الموت)
وهاكم مثلا الحوار الذي دار بينهم في أول اجتماعاتهم بتاريخ 2 نوفمبر 1730
يقول رئيس الجمعية (آلان ديرمو) وهو فرنسي من (باريس):
(لقد قررنا أن نجتمع هنا اليوم..ثم ماذا بعد؟؟..لابد أن تكون هناك حكمة..لابد أن يكون هناك سبب وجيه لاجتماعنا هذا)..
يرد عليه أحد الحاضرين قائلا:
ويقول آخر:
(إذن فقد اجتمعنا هنا دون سبب!!)..
فيلتقط (ديرمو) طرف الحديث قائلا:
(ليس من الضروري أن يكون لكل شيء سببا..لقد اجتمعنا..وجلسنا..وها نحن أولاء نتناقش سويا..فقط لأننا بحاجة إلى الكلام..لأننا إذا لم نتكلم متنا..وواضح أننا لا نريد أن نموت..لقد ارتدينا ملابس ثقيلة خوفا من البرد..وأكلنا اتقاء للجوع..وشربنا بحثا عن دفء يسري في أوصالنا الباردة..وغنينا ورقصنا وضحكنا حتى لا يقضي علينا اليأس..وروى كل منا قصة غرامه اعتزازا برجولته الغضة..واضح أننا نريد كل الذي فعلناه وهذا يكفي)..
ثم وقعوا بأسمائهم على محضر الجلسة وانصرفوا..
والملاحظ أن محاضر الجلسات قد توقفت نهائيا يوم 2 نوفمبر عام 1766..وجاءت توقيعات الأعضاء في غاية الأناقة والوضوح..
إلى هنا وكل شيء يبدو عاديا..ولكن ما سأذكره لكم الآن نقلا عن السجلات الحكومية الرسمية سيثير دهشتكم بشدة..وعندها ستعرفون السر...
في يوم 30 أكتوبر من عام 1763..ثبت من السجلات الحكومية في (باريس) وفاة (آلان ديرمو) نتيجة اشتباكه مع أحد خصومه الذي طعنه بالسيف في بطنه فظل ينزف لدقائق فاضت روحه بعدها..
إذن فرئيس الجمعية قد مات قبل موعد انعقاد الاجتماع السنوي في تلك السنة بثلاثة أيام..
ولكن بالرجوع إلى محاضر جلسات الجمعية..التي انعقدت يوم 2 نوفمبر 1763 نجد أن الأعضاء قد اجتمعوا كعادتهم..وغنوا ورقصوا وأكلوا وشربوا ثم جلسوا وتناقشوا كعادتهم أيضا..ثم وقعوا بإمضاءاتهم السبعة على محضر الجلسة وانصرفوا..
وبالاطلاع على ما دار في هذا المحضر نجد أن (ديرمو) كتب يقول:
(إنني ملتزم باللائحة الداخلية للجمعية..فالعضو يظل عضوا بها حيا أو ميتا)..
فسأله أحد الأعضاء:
(وهل هذا معقول؟؟)..
فرد عليه (ديرمو) قائلا:
(طبعا معقول..أعطني شيئا معقولا واحدا في هذه الدنيا وسأجد فيه شيئا لامعقولا)..
ولأول مرة بعد إغلاق محضر الجمعية وتوقيع جميع الأعضاء السبعة عليه وانصرافهم في الواحدة صباحا..يعودون لإضافة هامش أسفل توقيعاتهم يقرون فيه بوفاة رئيس الجمعية وأن عليهم انتخاب رئيس جديد..
ثم يوقع السبعة مرة أخرى أسفل الهامش بتوقيت الثانية والنصف صباحا..
فكيف عرف بقية الأعضاء الستة بوفاة (ديرمو) في (باريس) وهم يجتمعون في (لندن) في عصر كان نقل الأخبار فيه يحتاج لأيام وربما لأسابيع حيث لم تكن هناك أي وسيلة اتصالات ولا حتى التليفون ذاته..
ثم وهذا هو السؤال الأهم..كيف يكون (ديرمو) معهم بعد وفاته؟؟ وإن لم يكن هو فمن أو ما الذي كان معهم؟؟ وكيف لم يلاحظوا أي فرق بينه وبين (ديرمو)..
وبالعودة إلى السجل وجدت أن (ديرمو) قد أعلن في محضر اجتماع يوم 3 نوفمبر 1763 أنه قد أصبح عضوا ميتا..وأنه لم يعد يصلح لرئاسة الجمعية..وأجري تصويت بين الأعضاء وتم انتخاب الأستاذ (بلاسيس) مدرس الأدب الإنجليزي كرئيس جديد للجمعية...
والغريب أن خط (ديرمو) لم يتغير بل ظل الخط الأنيق نفسه المكتوب في المحاضر السابقة..
وعلى هذا تنتفي شبهة أن أحدهم قد انتحل شخصيته...
ليس هذا فحسب..فالأغرب لم يأت بعد..
في 2 نوفمبر من العام التالي اجتمع الأعضاء السبعة كاملين في ذات المكان..
وفي محضر الاجتماع أعلن السيد (إدوارد ماكفيل) وهو أحد أعضاء الجمعية وكان ضابط بالحرس الملكي الإنجليزي..
أعلن هذا العضو أنه قد أصبح عضوا ميتا نتيجة سقوطه من على صهوة جواده من فوق قمة أحد التلال قبل الاجتماع السنوي بأربعة أشهر تقريبا..
وبالعودة للسجلات الحكومية ثبت هذا فعلا بتاريخ 5 يوليو 1764
وبالعودة إلى سجل اجتماعات الجمعية..كان من الواضح كما تتوقعون أنه ذات التوقيع وذات الخط..
وأكمل الخمسة الباقون اجتماعهم بصورة عادية..ولكنهم بالطبع أصيبوا بالرعب عندما اكتشفوا أنهم كانوا يأكلون ويشربون ويرقصون مع اثنين من الموتى..وعندما انتهى الاجتماع كانوا قد اتخذوا قرارا في محضر تلك الجلسة بعدم العودة لعقد الاجتماعات وتصفية تلك الجمعية..ووقع الخمسة الباقين أحياء على ذلك..
ولكن في اليوم التالي وطيلة باقي أيام الأسبوع حضر الجميع..واستمرت محاضر الجلسات واستمر توقيع الأعضاء السبعة عليها كما هو..ولم يتغير شيء..
وفي العام التالي حضر الجميع في نفس الموعد السنوي..وأعلن عضو ثالث أنه أصبح ميتا..واستمرت اجتماعات السبعة..وفي نهاية الأسبوع أعلن عضو رابع أنه قد أصبح ميتا..
وبعده بشهرين توفي الخامس وبعد وفاته بثلاثة شهور توفي السادس..
وفي يوم 2 نوفمبر عام 1766 ذهب إلى ذات البيت العضو الوحيد الباقي على قيد الحياة..والعجيب انه كان الأستاذ (بلاسيس) نفسه..وكان في نيته أن يرقص ويغني ويأكل ويشرب لوحده ثم يحطم كل شيء ويشعل النار في المنزل..ثم يغادره إلى غير رجعة..
وذهب..وجلس وفتح السجل وكتب:
أنا العضو الوحيد الباقي حيا..لقد قررت أن أنهي كل شيء..وأن أحرق الوثائق التي تدل على هذا العمل الجنوني الذي لا أعرف كيف حدث..لم أكن أرغب في المجيء إلى هذا المكان مرة أخرى..ولم أدر كيف جئت..إنني أرى طريقا فأمشي..وأقف أمام الباب فينفتح..وأضع قدمي على أولى درجات السلم فيحملني السلم إلى أعلى..وأدخل غرفة الاجتماعات وأجلس على مقعد فيندفع بي إلى الأمام لأجد السجل مفتوحا ومدونا به تاريخ اليوم..وأمد يدي إلى القلم فيسبقني الأخير إلى الورق..وأكتب ما كتبت وأوقع باسمي لأفاجأ بأن الستة إمضاءات الأخرى للأعضاء المتوفين قد تراصت الواحدة بجوار الأخرى أسفل إمضائي..إنهم معي..إني أراهم وأتحدث معهم..إنهم يلهون معي كعادتهم دائما..ها هو (ديرمو) يربت على كتفي ويدعوني للرقص..وها هو (ماكفيل) يقدم لي كأس الشراب..إنهم يقهقهون ويرقصون في سعادة ويدعونني لمشاركتهم..ولكنني آسف لكم جميعا..فسأحرق وأدمر كل شيء)..
انتهى كلام الأستاذ (بلاسيس) بتوقيت الثامنة وعشرين دقيقة كما دون هو بنفسه..
ولكنه لم يستطع فعل أي شيء..
فقد بقي السجل وأدوات الطعام وكئوس الشراب وأثاث الغرفة والبيت بكامله لم يمس..
والأكثر غرابة أن المحضر الأخير جاء فيه بعد نهاية كلام الأستاذ (بلاسيس) ما يلي:
(لقد حضر جميع الأعضاء في موعدهم السنوي واكتمل العدد القانوني..وعلى رئيس الجمعية أن يعلن نفسه عضوا ميتا)
وأعلن الأستاذ (بلاسيس) أنه قد أصبح عضوا ميتا..
وأعلن جميع الأعضاء أنهم قد أصبحوا كلهم موتى..
ووقع جميع الأعضاء على محضر الجلسة بتوقيت الحادية عشرة وأربعين دقيقة..
والثابت من أقوال شهود العيان أن الأستاذ (بلاسيس) قد غادر البيت إلى منزله في حوالي التاسعة وكان ساهما مضطرب الفكر زائغ النظرات محموما..ومات على فراشه في منزله في حوالي العاشرة مساء قبل وصول الطبيب الذي استدعته زوجته ليقوم بالكشف عليه ومعرفة ما دهاه...
وفي 2 نوفمبر من كل عام ولمدة أسبوع يسمع الناس ضوضاء وأصوات احتفالات وأشخاص يعربدون في هذا البيت ويعيثون فيه فسادا كل ليلة..فإذا دخلوا لاستقصاء الأمر هدأ كل شيء ولم يجدوا أثرا لأي شيء..
وإحقاقا للحق فإنني لم أر أو أسمع طيلة الليل ما يريب..بل غلبني النوم قرب الفجر فنمت ملئ جفني..ولم أستيقظ إلا والشمس في كبد السماء..
لذلك فأنا لا أجد تفسيرا لما يرويه الناس في كل مكان..وأنا الآن في غاية الحيرة..
لا أستطيع تكذيب ما سمعت وما يرويه الناس..ولكني لا أستطيع إثباته بالفعل..
ربما لأنني اخترت ليلة خاطئة فلم يحدث شيء..
ربما كان علي اختيار ليلة الثاني من نوفمبر أو أي ليلة في غضون أسبوع بعدها كما كان أعضاء الجمعية يجتمعون سنويا..
حتما هذا هو التفسير الصحيح لعدم حدوث شيء..
لذلك قررت أن أقضي ليلة الثاني من نوفمبر القادم في هذا البيت وحدي مرة أخرى..ربما أرى ما يميط اللثام عن هذا اللغز..
انتهى كلام السير (كوش) عند هذا الحد..
وبقي أن تعرفوا أن السير (كيلي كوش) توفي في فراشه في منزله في حوالي العاشرة مساء يوم الثاني من نوفمبر عام 1940
الواقعة السابقة ليست محض خيال .. بل إنها حدثت بالفعل وتم إثباتها تاريخيا ..
وحار العلماء والمهتمون إلى الآن في تفسيرها وغيرها من الوقائع الأخرى التي ساعرضها لكم تباعا بمشيئة الله..
وفي النهاية..كل عام وأنتم بخير بمناسبة غرة ربيع الاول والعام الميلادى الجديد اعاده الله علينا جميعا بالخير واليمن والبركات
وكل عام وانتم بخير
المصدر:
كتاب (أرواح وأشباح) تأليف الأستاذ (أنيس منصور)
تعليق