كل عام وأنتم غافلون!!
ما أسرع ما يكتسب هذا المجتمع الألوان النشاز..تلك التي تبدو كبقع طلاء اندلق على رأسك وسال على ثيابك البيضاء، من أعلى سلم خشبي مسنود إلى الجدار!!..
(رأس السنة) وما أدراك ما رأس السنة..هو واحد من تلك الأصباغ الفاقعة التي لونت بياض الثوب السوداني، وحولت صاحبه إلى مُهرِّج في مسرح ليلي صاخب!!..
كنا ونحن صغار في المدرسة الابتدائية لا نعرف من العطلات في الأول من يناير سوى عطلة (ذكرى الاستقلال)..وتلك مناسبةٌ كان يقصها علينا المعلم في الطابور المدرسي البهيج الذي يخرج مع حشود المحتفلين..ويحكيها المذياع، والتلفاز والصحف، والبيوت والطرقات..
ثم ما لبثت عادة شقراء أن زحفت على تلك المساحة لتزاحم ذلك الكائن الخمسيني ذو العمامة البيضاء..وشيئاً فشيئاً أقصته عن شعور الناس..وصرنا (نرى ونسمع ونقرأ) إعلانات وملصقات لحفلات ما يسمى بـ (رأس السنة)، يحييها ذلك المطرب أو تلك المغنية!!!..وشيئاً فشيئاً غيرت العطلة الرسمية في الأول من يناير اسمها من (عطلة الاستقلال) إلى (عطلة رأس السنة)..تلك المقرونة دوماً مع أخواتها الكريسماس وأعياد الميلاد..
وهكذا وضعت الكنيسة شعارها على الثوب السوداني في خاتمة كل عام ومطلعه!!..وهكذا أصبحت المنتزهات تفتح أبوابها للأسر التي تخرج في أزهى حللها، وتبتهج بما لم يأذن به ربها، ولم يشرعه لها دينها القويم، ولم تعرفه ذاكرة الناس في بلدها إلى المدى القريب!!..وأصبحنا نرى في كل سنة من التقاليع الشاذة والمستنكرة ما الله به عليم!!..شباب وشابات يسهرون إلى مطلع الصباح، ويرشقون المارة بالبيض وقاروات المياه، ويزعجون هدوء العابرين!!..وذاكرة الناس في السودان كانت تعرف قول ابن القاسم في (مدونة سحنون) فقيه المالكية: (من ذبح بطيخاً في يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيراً).
وأعجب ما عجبت له هذا العام ما كتبه الصحافي جمال علي حسن في جريدة ألوان منتقداً الشرطة في عدم مراعاتها (أحاسيس الفرح والتفاؤل التي يستدعيها المواطنون بصعوبة من بين أركان الاحباطات)!!..وذلك أن الشرطة قد توعدت بإجراءات قانونية صارمة ضد مرتكبي الظواهر الشاذة مثل رشق البيض والماء وخلافه!!..
جمال علي حسن يخشى على تلك الفرحة التي يصفها بأنها (موقوتة ومنحوتة بعناية فنية ذائقة) من الشرطة أن تفسدها (بالعصي والكرابيج، حتى لو تراشق البعض بالبيض)!!..ويطالب باستثناء تلك الليلة من (قسوة تنفيذ القانون، فالمواطنين في أمس الحاجة إلى فرح منطلق بلا محاذير)!!.
أن تقوم طائفة من الفوضويين والفوضويات والفارغين والفارغات بإزعاج ليل الناس بتقاليع لا تمت إلى العقل السوي أو الذوق السليم بصلة، هو فرح مشروع!!..حتى لو تعدت تلك الطائفة على حرمات الغير بتطليخ زجاج السيارات أو حتى كسرها!..هو أمر طبيعي لا غبار عليه..ولكن الذي عليه كل غبار الدنيا وأتربتها أن تقوم الشرطة بواجبها في شكم لجام أولئك المتفلتين غير الناضجين!..هذا هو رأي الأستاذ الصحافي الذي من واجبه أن يعمل على احترام العقل وتهذيب الفكر والوجدان!!.
وإذا كان المنطق في هذه الأشياء الوافدة هو المنطق الذي يسوقه الأستاذ جمال بقوله (يوم استثنائي يمنح الناس فيه أنفسهم حقاً بالتعدي غير المؤذي أو السافر على مساحات الآخرين)..فإننا سننتظر أياماً عجافاً تحمل إلينا باسم هذا الحق كل بلاء، فلا نعجب حين نرى التحرش بالنساء في الطرقات جهاراً، ومن يرمي إليك بقارورة ماء سوف لايجد حرجاً بأن يرمي إليك بقنينة (ويسكي)، طالما أنه يوم استثنائي!!..
حقاً أنه يوم استثنائي، ولكن بحساب آخر غير ذلك الحساب الساذج..إنه عام من عمرك مضى، ولن يعود..وستستقبل عاماً آخر على عملك شهيد، فكيف بالله عليه تستقبله بتأكيد الغفلة وعدم الاكتراث.
ما أسرع ما يكتسب هذا المجتمع الألوان النشاز..تلك التي تبدو كبقع طلاء اندلق على رأسك وسال على ثيابك البيضاء، من أعلى سلم خشبي مسنود إلى الجدار!!..
(رأس السنة) وما أدراك ما رأس السنة..هو واحد من تلك الأصباغ الفاقعة التي لونت بياض الثوب السوداني، وحولت صاحبه إلى مُهرِّج في مسرح ليلي صاخب!!..
كنا ونحن صغار في المدرسة الابتدائية لا نعرف من العطلات في الأول من يناير سوى عطلة (ذكرى الاستقلال)..وتلك مناسبةٌ كان يقصها علينا المعلم في الطابور المدرسي البهيج الذي يخرج مع حشود المحتفلين..ويحكيها المذياع، والتلفاز والصحف، والبيوت والطرقات..
ثم ما لبثت عادة شقراء أن زحفت على تلك المساحة لتزاحم ذلك الكائن الخمسيني ذو العمامة البيضاء..وشيئاً فشيئاً أقصته عن شعور الناس..وصرنا (نرى ونسمع ونقرأ) إعلانات وملصقات لحفلات ما يسمى بـ (رأس السنة)، يحييها ذلك المطرب أو تلك المغنية!!!..وشيئاً فشيئاً غيرت العطلة الرسمية في الأول من يناير اسمها من (عطلة الاستقلال) إلى (عطلة رأس السنة)..تلك المقرونة دوماً مع أخواتها الكريسماس وأعياد الميلاد..
وهكذا وضعت الكنيسة شعارها على الثوب السوداني في خاتمة كل عام ومطلعه!!..وهكذا أصبحت المنتزهات تفتح أبوابها للأسر التي تخرج في أزهى حللها، وتبتهج بما لم يأذن به ربها، ولم يشرعه لها دينها القويم، ولم تعرفه ذاكرة الناس في بلدها إلى المدى القريب!!..وأصبحنا نرى في كل سنة من التقاليع الشاذة والمستنكرة ما الله به عليم!!..شباب وشابات يسهرون إلى مطلع الصباح، ويرشقون المارة بالبيض وقاروات المياه، ويزعجون هدوء العابرين!!..وذاكرة الناس في السودان كانت تعرف قول ابن القاسم في (مدونة سحنون) فقيه المالكية: (من ذبح بطيخاً في يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيراً).
وأعجب ما عجبت له هذا العام ما كتبه الصحافي جمال علي حسن في جريدة ألوان منتقداً الشرطة في عدم مراعاتها (أحاسيس الفرح والتفاؤل التي يستدعيها المواطنون بصعوبة من بين أركان الاحباطات)!!..وذلك أن الشرطة قد توعدت بإجراءات قانونية صارمة ضد مرتكبي الظواهر الشاذة مثل رشق البيض والماء وخلافه!!..
جمال علي حسن يخشى على تلك الفرحة التي يصفها بأنها (موقوتة ومنحوتة بعناية فنية ذائقة) من الشرطة أن تفسدها (بالعصي والكرابيج، حتى لو تراشق البعض بالبيض)!!..ويطالب باستثناء تلك الليلة من (قسوة تنفيذ القانون، فالمواطنين في أمس الحاجة إلى فرح منطلق بلا محاذير)!!.
أن تقوم طائفة من الفوضويين والفوضويات والفارغين والفارغات بإزعاج ليل الناس بتقاليع لا تمت إلى العقل السوي أو الذوق السليم بصلة، هو فرح مشروع!!..حتى لو تعدت تلك الطائفة على حرمات الغير بتطليخ زجاج السيارات أو حتى كسرها!..هو أمر طبيعي لا غبار عليه..ولكن الذي عليه كل غبار الدنيا وأتربتها أن تقوم الشرطة بواجبها في شكم لجام أولئك المتفلتين غير الناضجين!..هذا هو رأي الأستاذ الصحافي الذي من واجبه أن يعمل على احترام العقل وتهذيب الفكر والوجدان!!.
وإذا كان المنطق في هذه الأشياء الوافدة هو المنطق الذي يسوقه الأستاذ جمال بقوله (يوم استثنائي يمنح الناس فيه أنفسهم حقاً بالتعدي غير المؤذي أو السافر على مساحات الآخرين)..فإننا سننتظر أياماً عجافاً تحمل إلينا باسم هذا الحق كل بلاء، فلا نعجب حين نرى التحرش بالنساء في الطرقات جهاراً، ومن يرمي إليك بقارورة ماء سوف لايجد حرجاً بأن يرمي إليك بقنينة (ويسكي)، طالما أنه يوم استثنائي!!..
حقاً أنه يوم استثنائي، ولكن بحساب آخر غير ذلك الحساب الساذج..إنه عام من عمرك مضى، ولن يعود..وستستقبل عاماً آخر على عملك شهيد، فكيف بالله عليه تستقبله بتأكيد الغفلة وعدم الاكتراث.
تعليق