إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما..
أما بعد
فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين لما أنزل عليه قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر) .. قام صلى الله عليه وسلم ممتثلا لأمر ربه متوكلا عليه واثقا به فدعى الناس إلى عبادة الله عز وجل وإلى توحيده وكان بدأ الدعوة سرا فآمن رجال من قريش وكان أولهم إسلاما أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأسلم على يدي أبي بكر رضي الله عنه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة أسلم على يديه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وهولاء الخمسة مع أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هم الثمانية الموثوقون بالسبق إلى الإسلام وأسلم غيرهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم سرا ويرشدهم إلى ما أرشده الله إليه من الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم لمدة ثلاث سنين حتى أنزل الله عليه قوله )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) فصعد صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني صهر يا بني عدي يا بطون قريش فأجتمع الناس إليه حتى كان الرجل إذا لم يستطع أن يأتي أرسل رسولا لينظر الخبر ولما أجتمعوا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة فقال له عمه أبو لهب تباً لك ألهذا جمعتنا وسخر به وبما قال فأنزل الله تعالى في أبي لهب سورة تتلى إلى يوم القيامة )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1)ثم أنزل الله على رسوله )وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214)فجمعهم صلى الله عليه وسلم جمع عشيرته وقال لهم والله لو صبرت على الناس كلهم ما صبرت عليكم وإني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن ولتبعثن ولتحاسبن ولتجزين وإنها لجنة أبداً أو لنار أبدا فتكلم القوم فتكلم القوم كلاما لينا لكن أبا لهب قال خذوا على يديه قبل أن تجتمع العرب عليه فإن كلمتوه زللتم وإن منعتموه قتلتم فمانعه أبو طالب وقال والله لنمنعنه ما بقينا ثم أنصرف الجمع بدون طال ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يدعو إلى الله علنا وجهراً وكان الناس يسخرون به يقولون هذا غلام عبد المطلب يكلم من السماء هذا إبن أبي ... ثم إنه صلى الله عليه وسلم جعل يسفه عقول المشركين ويبين بطلان عبادتهم للأصنام فكلمت قريش أبا طالب أكثر من مرة ليمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وهددوه فأشار أبو طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقي عليه وعلى نفسه فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمله سيخذله فشق ذلك عليه وذكر بعض المؤرخون أنه قال له يا عم والله لو وضعوا في الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ثم بكى وأنصرف فناداه عمه وقال يا أبن أخي قل ما أحببت فوالله لا أسلمك إليهم أبدا وأستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة وإزداد أذى قومه له بالقول وبالفعل وكان أبو جهل إذا رأه يصلي نهاه وأغلق عليه وقال ألم أنهك وكان يوما يصلي وحوله ملأ من قريش وقال بعضهم لبعض أيكم يعمد إلى جذور آل فلان فيأتي بدمها وسلاها فيضعه بين كتفيه إذا سجد فأنبعث أقصى القوم فأتى به فلما سجد رسول الله صلى الله وعليه وسلم وضعه بين كتفيه فثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً والقوم يضحكون ويسخرون حتى جاءت إبنته فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقت عنه الأذى وكانوا يرمون القذر على بابه فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحه ويقول أي جرار هذا وأشتد أذى قريش بمن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يعذبونهم بالطعن والضرب والنار فكان رسول الله صلى الله وعليه وسلم يقوي أصحابه ويشجعهم على الصبر قال لعمار بن ياسر وأهله وهم يعذبون صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة , ولما راى إشتداد الأمر لما رأى إشتداد الأمر بأصحابه أذن لهم بالهجرة وقال تفرقوا في الأرض فإن الله سيجمعكم وأشار إلى الحبشة فهاجر إليها في السنة الخامسة من البعثة عشرة رجال وخمسة نساء ثم رجعوا بعد ثلاثة أشهر ولكن المشركين ما زال أذاهم يستمر وشرهم يستفحل فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة مرة ثانية إلى الحبشة في السنة السابعة من البعثة فهاجر إليها فوق الثمانين من الرجال ودون العشرين من النساء فأكرمهم النجاشي وجعل لهم الحرية في دينهم ، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي في مكة يلاقي الشدائد والبلايا من أذية كفار قريش له فهو صابر محتسب منفذ لأمر الله وقد مات عمه أبو طالب وزوجته خديجة في السنة العاشرة من البعثة فأشتد الأمر عليه ثم خرج إلى الطائف يدعو قبائل ثقيف إلى الإسلام فلم يجد منهم إلا السخرية والأذى فرموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ففي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنضربت وأنا مهموم على وجهي فلم ألتفت إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني فمررت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعثك لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ثم ناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين يعني جبلي مكة المحيطين بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ثم دخل مكة صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن علي وصار يعرض نفسه على القبائل فى المواسم كل عام يتتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا من أهل المدينة فعرض عليهم الإسلام وتلى عليهم القرآن فلما رجعوا إلى قومهم في المدينة أخبروهم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشى فيهم فلما كان العام المقبل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم إثنا عشر رجلا فبايعوه وبعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام فكثر الإٍسلام في المدينة فلما كان العام المقبل قدم من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو سبعين رجلا وإمرأتان فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نسائهم وأبنائهم إذا هاجر إليهم فكان في ذلك فاتحة خير للإسلام والمسلمين وفتح عظيم للأنصار رضي الله عنهم ، عباد الله إن في ما جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوة الإسلام من الأذى والتعب والمشقة لعبرة لأولي الأبصار فأتقوا الله يا عباد الله وأعتبروا وأصبروا على ما يصيبكم في الدعوة إلى دين الله وإنتظروا فإن العاقبة للمتقين ، ) أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(لأنفال: من الآية40) اللهم أجعلنا من دعاة الخير ومن النهاة عن الشر اللهم أجعلنا ممن يدعون إليك على بصيرة اللهم وفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين اللهم أجعلنا ائمة مهتدين اللهم وفقنا للخير وجنبا الشر يا رب العالمين ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد
فإنني في مجئى إلى هذا المسجد اليوم وكذلك قبل اليوم أجد من يأتون إلى المسجد وبيدهم السجائر يشربونها ومن المعلوم أن رائحة الدخان كريهة إلا عند من يشربه وإذا كانت كريهة فإنهم إذا دخلوا المسجد سوف يدخلونه برائحة كريهة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من يأكل بصلا أو توما أو غيرها مما فيها رائحة كريهة نهاه أن يدخل المسجد وقال : لا يقربن مساجدنا . وعلى هذا فإني أنصح أولئك أنصحهم بأمرين الأول أن يقلعوا عن شرب الدخان لأنه محرم كما دلت على ذلك عمومات الكتاب والسنة وكما هو واضح حيث كتب على العلب التي فيها هذه السجائر كتب عليها تحذير بأنه مضر وكيف يليق بالعاقل وكيف يليق بالمؤمن وكيف يليق للناصح لنفسه أن يشرب هذا الدخان مع أنه مضر في الدين ومضر في المال ومضر في البدن ومن البلاء أن من أبتلي به من الناس يشربونه أمام أولادهم الصغار فالأولاد الصغار كما تعلمون لا بد أن يكون منهم تقليد لما يشاهدونه وحينئذ يقتدون بأبائهم هذا الأب أو هذا الأخ الذي يشرب الدخان أمام أولاده أو أخوته لو سئل هل تنصح أن يشرب أبنائك أو أولادك الدخان لقال لا أنصح بذلك وإذا كان هو يعترف أن ذلك خلاف النصح فكيف يرمي نفسه بالخيانة فيشرب الدخان أمامهم إنه بذلك يكون قد جنى على أهله وقد جنى على أولاده ويكون عاصيا لقوله تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(التحريم: من الآية6) فهذا الأمر الأول الذي أنصح به أخواننا الذين أبتلاهم الله بشرب الدخان ، أما الامر الثاني فإذا كان لا بد أن يشربوه فلا يشربونه وهم قادمون إلى المساجد لأن ذلك يبقي فيهم رائحته الكريهة ويدخلون إلى المساجد فيؤذون الملائكة ويؤذون المصلين وهذا أمر نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فليتقوا الله عز وجل وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإغتسال ليوم الجمعة وأمر بالتطيب وأمر بالتسوك لأجل أن ينظف الجسم كله ظاهره وباطنه ولأجل أن يكون طيب الرائحة فكيف يأتي هولاء إلى المسجد وهم متلوثون بهذه الرائحة الكريهة ، وأعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذّ شذّ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56)اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم أرزقنا محبته اللهم أرزقنا إتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم أحشرنا في ذمرته اللهم أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،اللهم )رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8)اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا اللهم اجعلهم ولاة خير ورشد وهداية اللهم أصلح لهم بطانتهم اللهم أبعد عنهم كل بطانة سوء يا رب العالمين ، )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون وأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
فضيلة الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
أما بعد
فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين لما أنزل عليه قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر) .. قام صلى الله عليه وسلم ممتثلا لأمر ربه متوكلا عليه واثقا به فدعى الناس إلى عبادة الله عز وجل وإلى توحيده وكان بدأ الدعوة سرا فآمن رجال من قريش وكان أولهم إسلاما أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأسلم على يدي أبي بكر رضي الله عنه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة أسلم على يديه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وهولاء الخمسة مع أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هم الثمانية الموثوقون بالسبق إلى الإسلام وأسلم غيرهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم سرا ويرشدهم إلى ما أرشده الله إليه من الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم لمدة ثلاث سنين حتى أنزل الله عليه قوله )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) فصعد صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني صهر يا بني عدي يا بطون قريش فأجتمع الناس إليه حتى كان الرجل إذا لم يستطع أن يأتي أرسل رسولا لينظر الخبر ولما أجتمعوا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة فقال له عمه أبو لهب تباً لك ألهذا جمعتنا وسخر به وبما قال فأنزل الله تعالى في أبي لهب سورة تتلى إلى يوم القيامة )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1)ثم أنزل الله على رسوله )وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214)فجمعهم صلى الله عليه وسلم جمع عشيرته وقال لهم والله لو صبرت على الناس كلهم ما صبرت عليكم وإني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن ولتبعثن ولتحاسبن ولتجزين وإنها لجنة أبداً أو لنار أبدا فتكلم القوم فتكلم القوم كلاما لينا لكن أبا لهب قال خذوا على يديه قبل أن تجتمع العرب عليه فإن كلمتوه زللتم وإن منعتموه قتلتم فمانعه أبو طالب وقال والله لنمنعنه ما بقينا ثم أنصرف الجمع بدون طال ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يدعو إلى الله علنا وجهراً وكان الناس يسخرون به يقولون هذا غلام عبد المطلب يكلم من السماء هذا إبن أبي ... ثم إنه صلى الله عليه وسلم جعل يسفه عقول المشركين ويبين بطلان عبادتهم للأصنام فكلمت قريش أبا طالب أكثر من مرة ليمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وهددوه فأشار أبو طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقي عليه وعلى نفسه فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمله سيخذله فشق ذلك عليه وذكر بعض المؤرخون أنه قال له يا عم والله لو وضعوا في الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ثم بكى وأنصرف فناداه عمه وقال يا أبن أخي قل ما أحببت فوالله لا أسلمك إليهم أبدا وأستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة وإزداد أذى قومه له بالقول وبالفعل وكان أبو جهل إذا رأه يصلي نهاه وأغلق عليه وقال ألم أنهك وكان يوما يصلي وحوله ملأ من قريش وقال بعضهم لبعض أيكم يعمد إلى جذور آل فلان فيأتي بدمها وسلاها فيضعه بين كتفيه إذا سجد فأنبعث أقصى القوم فأتى به فلما سجد رسول الله صلى الله وعليه وسلم وضعه بين كتفيه فثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً والقوم يضحكون ويسخرون حتى جاءت إبنته فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقت عنه الأذى وكانوا يرمون القذر على بابه فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحه ويقول أي جرار هذا وأشتد أذى قريش بمن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يعذبونهم بالطعن والضرب والنار فكان رسول الله صلى الله وعليه وسلم يقوي أصحابه ويشجعهم على الصبر قال لعمار بن ياسر وأهله وهم يعذبون صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة , ولما راى إشتداد الأمر لما رأى إشتداد الأمر بأصحابه أذن لهم بالهجرة وقال تفرقوا في الأرض فإن الله سيجمعكم وأشار إلى الحبشة فهاجر إليها في السنة الخامسة من البعثة عشرة رجال وخمسة نساء ثم رجعوا بعد ثلاثة أشهر ولكن المشركين ما زال أذاهم يستمر وشرهم يستفحل فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة مرة ثانية إلى الحبشة في السنة السابعة من البعثة فهاجر إليها فوق الثمانين من الرجال ودون العشرين من النساء فأكرمهم النجاشي وجعل لهم الحرية في دينهم ، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي في مكة يلاقي الشدائد والبلايا من أذية كفار قريش له فهو صابر محتسب منفذ لأمر الله وقد مات عمه أبو طالب وزوجته خديجة في السنة العاشرة من البعثة فأشتد الأمر عليه ثم خرج إلى الطائف يدعو قبائل ثقيف إلى الإسلام فلم يجد منهم إلا السخرية والأذى فرموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ففي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنضربت وأنا مهموم على وجهي فلم ألتفت إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني فمررت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعثك لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ثم ناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين يعني جبلي مكة المحيطين بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ثم دخل مكة صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن علي وصار يعرض نفسه على القبائل فى المواسم كل عام يتتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا من أهل المدينة فعرض عليهم الإسلام وتلى عليهم القرآن فلما رجعوا إلى قومهم في المدينة أخبروهم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشى فيهم فلما كان العام المقبل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم إثنا عشر رجلا فبايعوه وبعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام فكثر الإٍسلام في المدينة فلما كان العام المقبل قدم من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو سبعين رجلا وإمرأتان فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نسائهم وأبنائهم إذا هاجر إليهم فكان في ذلك فاتحة خير للإسلام والمسلمين وفتح عظيم للأنصار رضي الله عنهم ، عباد الله إن في ما جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوة الإسلام من الأذى والتعب والمشقة لعبرة لأولي الأبصار فأتقوا الله يا عباد الله وأعتبروا وأصبروا على ما يصيبكم في الدعوة إلى دين الله وإنتظروا فإن العاقبة للمتقين ، ) أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(لأنفال: من الآية40) اللهم أجعلنا من دعاة الخير ومن النهاة عن الشر اللهم أجعلنا ممن يدعون إليك على بصيرة اللهم وفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين اللهم أجعلنا ائمة مهتدين اللهم وفقنا للخير وجنبا الشر يا رب العالمين ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد
فإنني في مجئى إلى هذا المسجد اليوم وكذلك قبل اليوم أجد من يأتون إلى المسجد وبيدهم السجائر يشربونها ومن المعلوم أن رائحة الدخان كريهة إلا عند من يشربه وإذا كانت كريهة فإنهم إذا دخلوا المسجد سوف يدخلونه برائحة كريهة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من يأكل بصلا أو توما أو غيرها مما فيها رائحة كريهة نهاه أن يدخل المسجد وقال : لا يقربن مساجدنا . وعلى هذا فإني أنصح أولئك أنصحهم بأمرين الأول أن يقلعوا عن شرب الدخان لأنه محرم كما دلت على ذلك عمومات الكتاب والسنة وكما هو واضح حيث كتب على العلب التي فيها هذه السجائر كتب عليها تحذير بأنه مضر وكيف يليق بالعاقل وكيف يليق بالمؤمن وكيف يليق للناصح لنفسه أن يشرب هذا الدخان مع أنه مضر في الدين ومضر في المال ومضر في البدن ومن البلاء أن من أبتلي به من الناس يشربونه أمام أولادهم الصغار فالأولاد الصغار كما تعلمون لا بد أن يكون منهم تقليد لما يشاهدونه وحينئذ يقتدون بأبائهم هذا الأب أو هذا الأخ الذي يشرب الدخان أمام أولاده أو أخوته لو سئل هل تنصح أن يشرب أبنائك أو أولادك الدخان لقال لا أنصح بذلك وإذا كان هو يعترف أن ذلك خلاف النصح فكيف يرمي نفسه بالخيانة فيشرب الدخان أمامهم إنه بذلك يكون قد جنى على أهله وقد جنى على أولاده ويكون عاصيا لقوله تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(التحريم: من الآية6) فهذا الأمر الأول الذي أنصح به أخواننا الذين أبتلاهم الله بشرب الدخان ، أما الامر الثاني فإذا كان لا بد أن يشربوه فلا يشربونه وهم قادمون إلى المساجد لأن ذلك يبقي فيهم رائحته الكريهة ويدخلون إلى المساجد فيؤذون الملائكة ويؤذون المصلين وهذا أمر نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فليتقوا الله عز وجل وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإغتسال ليوم الجمعة وأمر بالتطيب وأمر بالتسوك لأجل أن ينظف الجسم كله ظاهره وباطنه ولأجل أن يكون طيب الرائحة فكيف يأتي هولاء إلى المسجد وهم متلوثون بهذه الرائحة الكريهة ، وأعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذّ شذّ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56)اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم أرزقنا محبته اللهم أرزقنا إتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم أحشرنا في ذمرته اللهم أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،اللهم )رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8)اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا اللهم اجعلهم ولاة خير ورشد وهداية اللهم أصلح لهم بطانتهم اللهم أبعد عنهم كل بطانة سوء يا رب العالمين ، )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون وأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
فضيلة الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
تعليق