الاساطير الصينية القديمة
الاساطير الصينية القديمة عالم بعيد وغامض ابدعه ابناء الشعب الكادح بخيالهم الوافر والحيوي تجاه العالم المجهول الذي يحيط بهم ، وهذه الاساطير ابتكار جماعي دونت بعد اختراع الكتابة بعد زمن طويلة من انتشارها الشفوي ويعكس معظمها معاني تاريخية ثرية ومتنوعة منها اساطيراطير تدور حول كفاح الانسان ضد الطبيعة واساطير تثني على روح التضحية ومع اول اسطورة
اسطورة "بان قو يفصل السماء عن الارض"
يحكى انه في العهود الموغلة في القدم كانت السماء والارض صنوين لا ينفصلان، وكان الفضاء يشبه بيضة كبيرة، في داخلها ظلام دامس، لا يمكن من خلاله تمييز الاتجاهات. ونشأ في هذه البيضة الكبيرة بطل عظيم واسمه "بان قو" يفصل الارض عن السماء. واستيقظ بان قو بعد 18 الف سنة من النوم، ولم ير الا ظلاما حالكا، وشعر بحرارة شديدة حتى كاد يختنق، وكان يريد النهوض، لكن قشرة البيضة كانت تلف جسده بشدة، ولم يتمكن من مد يديه ورجليه، فغضب "بان قو" واخذ يلوح بفأس كانت معه ، وبعد ذلك سمع صوتا مدويا وانشقت البيضة فجأة، وتطايرت المواد الخفيفة والصافية الى الاعلى لتشكل السماء وسقطت المواد الثقيلة والعكرة الى الاسفل لتكون الارض.
وكان بان قو سعيدا جدا بعد انفصال الارض عن السماء، لكنه خاف من امكانية التقاء السماء والارض مرة اخرى في يوم ما، لذلك، وقف بين السماء والارض، وكان طوله يزداد عشرة امتار يوميا، ويزداد ارتفاع السماء وسمك الارض عشرة امتار يوميا ايضا، وبعد 18 الف سنة، اصبح بان قو عملاقا، وبلغ طوله 45 الف كيلومتر، وهكذا استقرت السماء والارض آخيرا، وشعر بان قوه بالتعب الشديد لكنه مطمئن نسبيا، اما الاسطورة فقالت ان جسده الضخم انهار فجأة.
وبعد وفاة بان قو،
اصبحت عينه اليسرى الشمس الحمراء،
واصبحت عينه اليمنى القمر الفضي،
وتحولت انفاسه الآخيرة الى رياح وسحب،
واصبح صوته الاخير هدير الرعد،
واصبح شعره ولحيته نجوما متلألئة،
وتحول رأسه واطرافه الاربعة الى اربعة اقطاب للارض وجبال شامخة،
وتحول دمه الى انهار وبحيرات،
واصبحت عروقه طرقا،
واصبحت عضلاته اراضي خصبة،
واصبح جلده واوباره ازهارا واعشابا واشجارا،
واصبحت اسنانه وعظامه معادن واحجارا كريمة،
وتحول عرقه الى امطار وندى،
ومن هنا تقول الاسطورة ظهور الدنيا.
اسطورة "نيوا تخلق البشر"
تقول الاساطير اليونانية القديمة ان بروميثيوس خلق البشر، وفي اساطير مصر القديمة، خلق البشر من ادعية الالهة، وفي الاساطير اليهودية ، خلق يهوه البشر، لكن ماذا تقول اساطير الصين القديمة عن قصة الخلق؟
يحكى ان الالهة "نيوى وا" التى تتميز بجسد انسان وذيل تنين كانت تتجول بين السماء والارض بعد انفصالهما بسبب"بان قو"، ورغم وجود الجبال والانهار والنباتات والحيوانات على سطح الارض في ذلك الوقت، لكن الدنيا كانت راكدة وهامدة بسبب عدم وجود بشر، وفي يوم من الايام، شعرت "نيوى وا" بالوحدة وهى تتجول على الارض الساكنة، لذلك، قررت اضافة اشياء مفعمة بالروح والحيوية الى الدنيا.
كانت نيوى وا تسير على ضفة النهر الاصفر، ورأت صورتها المنعكسة على صفحة الماء، ولم تتمالك عن فرحتها، فقررت صنع دمى من الطين اللين على ضفة النهر، وكانت ذكية وماهرة، فصنعت الكثير من الدمى بسرعة، وكادت تلك الدمى تشبهها تماما، لكنها زودت الدمى باقدام بدلا من ذيل التنين، وبعد ذلك، نفخت نيوى وا عليها، واصبحت تلك الدمى حية تستطيع المشي والنطق وتتمتع بالذكاء والروعة، وسمتها نيوى وا"الانسان"، وادخلت نيوى وا الروح الذكرية-العنصر الذكري في الطبيعة، الى بعض الناس فاصبحوا رجالا، وادخلت الروح الانثوية- العنصر الانثوي في الطبيعة، الى بعضهم الآخر، فاصبحوا نساءا، وكان اولئك الرجال والنساء يرقصون بفرح وسروح حول الالهة نيوى وا، واضفوا النشاط والحيوية على الارض.
وارادت نيوى وا نشر البشر في كل انحاء الارض، لكنها كانت متعبة جدا، فوجدت طريقة سهلة جدا لذلك، اذ صنعت حبلا من الاعشاب ووضعته في طين النهر واخذت تلفه في الطين الى ان انغمر باكمله، ثم سحبت الحبل من النهر واخذت تهزه يمنة ويسرة، وتناثرت قطع الطين اللين هنا وهناك، واصبحت هذه القطرات حسبما تقول الاسطورة بشرا صغارا الحجم، وهكذا خلقت نيوى وا ناسا منتشرين في انحاء الارض.
ولم تكثف نيوى وا بذلك، وبدأت تفكر في كيفية استمرار الانسان جيلا بعد جيل، لان تلك المخلوقات ستموت عاجلا أو آجلا، لذلك، زوجت نيوى وا الرجال والنساء ليتناسلوا وتستمر دورة الحياة، وهكذا استمر البشر بالتناسل والازدياد يوما بعد يوم.
اسطورة "ني وا ترقع السماء"
وتقول الاسطورة انه في غابر الازمان كان الناس كانوا يعيشون فى سلام عندما خلقت الالهة"نيوى وا" سلف الانسان المخلوقات،
وفي يوم من الايام ظهر في السماء فجأة ثقب كبير وانشقت السماء والارض، وانبثق لهب شديد من جوف الارض وأحرق الغابات،
وتدفقت الفيضانات وجرفت الجبال وفاضت الانهار والبحار وانتشرت الوحوش على الارض، واستبدت الاشباح والشياطين والوحوش وعانى البشر من وضع مأساوي جدا وواجه البشر كارثة خطيرة
في هذه الحظات العصيبة اندفعت ام البشر نيوى وا
وسمعت الالهة"نيوى وا"دعاء البشر فقتلت الاشباح والشياطين والوحوش وهدأت الفيضانات،
وبعد ذلك بدأت مشروعا عظيما -- ترقيع السماء.
فجمعت قصبا كثيرا وراكمته حتى علا نحو السماء، وبعد ذلك بدأت تبحث عن الاحجار الزرقاء التى يشبه لونها لون السماء، لكنها لم تجد احجارا زرقاء كافية على الارض،
فاضطرت الى جمع الاحجار البيضاء والصفراء والحمراء والسوداء ووضعتها فوق القصب وأشعلته لصهر الاحجار وملأت الاحجار المنصهرة شق السماء.
ورغم نجاحها في سد الفجوة السماوية لكن السماء لم تعد مثلما كانت عليه، حيث مالت نحو الشمال الغربي
فذهبت الشمس والقمر الى هناك تلقائيا، وانهار جنوب شرق الارض حتى تشكلت حفرة كبيرة، لذلك جرت مياه الانهار والجداول الى جنوب شرق الارض، وتشكل محيط هناك.
فعاد الهدوء الى السماء والارض وعاد الناس يعيشون حياة سعيدة مرة اخرى
اسطورة "فو شي و ثقب الخشب لاشعال النار"
كان الانسان البدائي لا يعرف النار ولا يعرف استخدامها، وكان الظلام يلف كل شئ في الليل.
وتقول الاسطورة ان الها كبيرا اسمه فو شي شعر بالحزن الشديد برؤية الناس على الارض يعيشون بصعوبة، وقرر تعريفهم باستخدام النار، لذلك، ابرقت الدنيا وارعدت حيث سقط الرعد على الاشجار واشعل النار فيها وامتدت النار لمسافة كبيرة.
وكان الناس يشعرون بخوف شديد، لكن شابا شجاعا اقترب من النار، وشعر بالدفء، وقال للآخرين بسعادة: اقتربوا! ان النار غير مخيفة، انها دافئة ومنيرة! حينئذ، وجد الآخرون حيوانات برية مشوية، فتجمعوا بجانب النار وتمتعوا بلحوم الحيوانات البرية المشوية حيث ادركوا اهمية النار، فجمعوا الاغصان للحفاظ على توقد النار، لكن النار خمدت بسبب اهمال الشخص المناوب، وعانى الناس من جديد من الظلام والبرد.
وتضيف الاسطورة ان الاله فو شي شاهد كل هذا وتراءى للشاب الذى وجد اهمية النار في الحلم وقال له: "هناك دولة "سويه مينغ" في اقصى الغرب توجد فيها شعلات النار، يمكنك الذهاب الى هناك للحصول على الشعلات"، واستيقظ الشاب وقرر الذهاب الى دولة "سويه مينغ" للبحث عن النار.
وصل الشاب الى دولة "سويه مينغ" بعد التغلب على صعوبات كثيرة ، لكنه لم يجد شمسا، ولا ليلا ولا نهارا، ووجد الظلام يلف كل مكان، ولا توجد نار على الاطلاق. وشعر الشاب بخيبة الامل واستراح جالسا تحت شجرة تدعى "سوى مو" ، وفجأة رأى عدة عصافير تنقر الشجرة بحثا عن طعام وخلال نقرها كانت شرارات تتطاير من الجذع الصلب، لذلك، اسرع الشاب الى جمع بعض الاغصان الحادة واخذ يحاول ثقب جذع الشجرة كما فعلت العصافير، لم يتطاير الشرار في البداية لكن الشاب واصل عمله مثابرا الى ان ظهرت النار اخيرا، ونزلت دموع السعادة من عيني الشاب.
وعاد الشاب الى مسقط رأسه بالنار التى لن تخمد، عاد بوسيلة اشعال النار بثقب الخشب، وشكر الناس كثيرا وجعلوه زعيما لهم واطلقوا عليه اسم "سوى رن" يعنى "مشعل النار".
اسطورة آلهة "تشانغ أ" التي هربت الى القمر
كانت تشانغ أ الهة القمر ، وكان زوجها هاو يي اله قتال شجاعا وماهرا في القتال يصيب الأهداف مائة في المائة باستخدام سهام وأقواس الهية . وظهرت في الدنيا حينذاك العديد من الكواسر والوحوش التي فتكت بأبناء الشعب ، فأمر الامبراطور السماوي بعد اطلاعه على هذا الأمر اله القتال هاو يي بالنزول من السماء الى الأرض للقضاء على هذه الأشرار .
بتكليف الامبراطور السماوي ، نزل هاو يي بصحبة زوجته تشانغ أ الجميلة الى الدنيا . وبفضل شجاعته التي لا مثيل لها ، تمكن هاو يي من القضاء على العديد من الحيوانات الضارة في الأرض خلال وقت وجيز . وعندما كان على وشك اكمال المهمة ، حدث أمر غير متوقع : ظهرت في السماء 10 شموس في آن واحد !
كانت هذه الشموس العشر كلها هى من أبناء الامبراطور السماوي .ومن أجل هذا التصرف المستهجن فقط ، ظهر هولاء الأبناء مجتمعين في السماء مما رفع درجات حرارة الأرض فجأة وبشكل حاد ، فاشتعلت النيران في الغابات والمحاصيل الزراعية وجعلت الأنهار تنضب ، و كانت جثث أبناء الشعب منتشرة في كل مكان نيتجة للحرق .
لم يحتمل هاو يي رؤية مصيبة أبناء الشعب هذه ، فأخذ يقنع بكلمات طيبة الشموس العشر أي الأشقاء العشرة بأن تظهر في السماء بالتناوب على أن تظهر واحدة منها فقط كل يوم ، الا ان الأشقاء الشموس المتغطرسة لم تأخذ حديث هاو يي أصلا في عين الاعتبار ، بل ذهبت الى مدى أبعد بالاقتراب أكثر من الأرض عمدا ، فاشتدت نيران الأرض على نطاق أوسع .
رأى هاو يي الشموس الأشقاء تعبث في الأرض فسادا ، ولم تنفع نصائحه المتكررة لها ، و مات وأصيب لذلك عدد لا يحصى ولا يعد من أبناء الشعب ، ولم يعد هاو يي يستطيع ضبط نفسه ، فحمل قوسه الالهي ووضع سهامه الالهية على الوتر، ورماها نحو الشموس العشر ، وأسقط 9 منها دفعة واحدة , وبقيت الشمس العاشرة والأخيرة في السماء وهى تطلب العفو ، وفي هذه الحالة فقط ، هدأ غضب هاو يي وترك قوسه .
أزال هاو يي المصيبة الكبرى في الدنيا ، ولكن ذلك أغضب الامبراطور السماوي ، فاستشاط الامبراطور غضبا لقتل أبنائه التسعة على يد هاو يي، فاصدر أمرا يمنعه هو و زوجته من العودة الى السماء .
نظرا لعدم تمكنه من العودة الى السماء ، فانه قرر البقاء في الدنيا وأداء المزيد من الأعمال المفيدة لخدمة أبناء الشعب ، و لكن زوجته تشانغ ا اخذت تضجر يوما بعد الأخر من الحياة القاسية في الدنيا معاتبة زوجها هاو يي لقتله أبناء الامبراطور السماوي التسعة .
سمع هاو يي بأن الهة تعيش على جبل كون لون تدعى شي وانغ مو لها نوع من الأدوية الالهية يمكنه من الصعود الى السماء بعد تناوله ،فتسلق هاويي الجبال وعبر الأنهار متجشما مشقات السفر ومسيرة طويلة شاقة ، ووصل أخيرا الى قمة جبل كون لون حيث قابل الالهة شي وانغ مو، وطلب منها الدواء ، ولكن للأسف لم يكن لديها من الدواء الا ما يكفي شخصا واحدا لتناوله . وعز على هاو يي أن يصعد وحده الى السماء تاركا زوجته الحبيبة في الدنيا ، ولم يرد أن تصعد زوجته وحدها أيضا الى السماء تاركة اياه في الدنيا ، فقرر أن يعود بالدواء الالهي الى البيت ، ثم خبأه سرا في مكان بالبيت .
لكن زوجته تشانغ أ تمكنت أخيرا من اكتشاف الدواء الالهي المخبأ الذي حصل عليه زوجها ، وعلى الرغم من انها كانت تحب زوجها كثيرا ، الا أنها لم تتمالك نفسها أمام اغراء الفردوس في السماء . ففي ليلة البدر الساطع في أحد أعياد منتصف الخريف الموافق اليوم ال15 من الشهر الثامن بالتقويم القمري الصيني ، تناولت الزوجة الدواء الالهي خلسة منتهزة فرصة غياب زوجها عن البيت، وفدأة شعرت بخفة جسمها ثم ارتفاعه عن الأرض تدريجيا في الهواء ، فوصلت أخيرا الى القمر ، وأقامت في قصر القمر . وعندما عاد زوجها هاو يي الى البيت، عرف أن زوجته قد تركته و صعدت بمفردها الى السماء ، كان حزينا للغاية ، ولكنه لن يستخدم السهام الالهية لايذائها في أي حال من الأحوال، واضطر الى توديعها .
أصبح هاو يي وحيدا في الأرض ، واستمر في عمل الحسنات لأبناء الشعب، كما قام بتعليم اتباعه فنون الرماية بالسهام . وكان منهم شخص يدعى فنغ منغ يتقدم سريعا في استيعاب فنون الرماية حتى أصبح ماهرا للغاية فيها ، لكنه ظن أنه لن يعتبر راميا ماهرا رقم واحد في الدنيا ما دام معلمه هاو يي موجودا، فتحين فرصة لشرب المعلم الخمر حتى سكر ، ورماه بسهام من الخلف حتى قتله .,
دعنا نعود الى الحديث عن تشانغ أ ، انها وصلت الى القمر ، لكن البيئة حولها موحشة و لم تجد هناك سوى أرنب صغير يكسر العقاقيرالطبية وشيخ يقطع الأشجار، فكانت تشانغ أ تعيش مهمومة وكئيبة في قصر القمر طوال اليوم، و خاصة في ليلة الخامس عشر من الشهر الثامن كل سنة حين يبدو ضوء القمرأسطع واكمل جمالا، فكانت تتذكر حياتها السعيدة الماضية مع زوجها .
يتبع
تعليق