ريدجواي ..
كاد الليل إن يكتسي قبعته السوداء قبل إن تكتشف السلطات امراً بشعاً عندما اخرجوا جثة فتاة من النهر الأخضر في مقاطعة كنغ بمدينة سياتل بولاية واشنطن ، كانت فتاة عارية تماما وملابسها الداخلية ملفوفة حول عنقها بإحكام . وفيما بعد اثبت التشريح إنها ماتت مخنوقة ، واسم الضحية هو " وندي كوفيلد " ، وعمرها 16 عام . كانت هاربة من منزل اهلها وتعمل مومس وبالتالي كانت طريدة سهلة لأي قاتل .
وفي 15 يونيو 1982 ، بعد مضي ثلاثة شهور على اكتشاف جثة وندي ، وجدت فتاة أخري عارية وميتة في النهر الأخضر تدعي " ديبرا بونير" وقد تم خنقها ، وتعمل أيضا مومس مثل الضحية الأولى .
الشرطة قامت بقليل من التحريات واكتشفت إن الضحيتين تترددان علي شارع سيتاك ، ويشتهر هذا الشارع الذي يمر في مدينة سياتل وصولا للمطار بأنه تجمع للمومسات وراغبي المتعة ، وبالتالي ربما يكون المجرم واحد من مئات الزبائن الذين يتجولون في هذه المنطقة .
بعد ثلاثة أيام من الحادث الثاني كان "روبرت إينسورث" قد خرج بقاربه المطاطي في رحلة صيد نهرية وكان يمني نفسه برحلة رائعة يعود في آخرها حاملا أطايب الأسماك إلي بيته ، وأثناء ما كان يحدق في مياه النهر الصافية تلاقت عيناه بعيني امراة سمراء تطفو فوق سطح الماء . وللوهلة الأولى ظن إن ما رآه هو مجسم لدمية عرض أزياء بلاستيكية ، فامسك بخشبة وأراد قلب المجسم إلي الناحية الأخرى ، وفي تلك اللحظة تأكد بما لا يقبل للشك من أن المجسم ليس إلا جثة امرأة سمراء ونصف عارية . وبعدها بثوان شاهد جثة امراة اخري تطفو في نفس المكان ، فتملكه الرعب وعاد بسرعة إلى ضفة النهر وقام بإبلاغ الشرطة . وبعد فترة قصيرة عج المكان بالمحققين ورجال البحث والتحري الذين اخرجوا الضحيتين من مياه النهر وكانتا قد اثقلتا بالصخور وهم "مارسيا تشابمان" 31 عاما ، والأخرى هي " سينثيا هيندز" 17 عام . وقام احد المحققين ويدعى " دايفيد رايكيرات " بشق طريقه نحو ضفة النهر بحثا عن اي ادلة محدثا نفسه قائلا " أي وحش نواجه هذه المرة ؟ " .. وما كاد إن ينتهي من جملته حتى تصلب في مكانه بدون حراك فهناك بين الأعشاب كانت تقبع ضحية ثالثة عارية ومخنوقة بثيابها الداخلية ، وتبين لاحقا إن صاحبة الجثة هي " أوبال ميلز" البالغة من العمر 16 عام ، واتضح أن قتلها لم يمر عليه 24 ساعة وبأنها مومس مثل الأخريات .
الشرطة وجدت نفسها في مواجهة حقيقية تقشعر لها الأبدان مع سفاح خطير ، ومن أكثر القضايا التي تنهك الشرطة هي قضايا القتل المتسلسل ، فهي قضايا معقدة في حلها لأن القاتل يختار ضحاياه عشوائيا . وراحت الشرطة تفكر كيف سيتعاملون مع الضغط الإعلامي حيال هذه الجرائم وماذا سيكون رد فعل سكان المنطقة وكيف سيتفاعلون مع وجود سفاح جديد . فقبل 8 سنوات فقط ، كان السفاح الشهير "تيد بندي" قد قتل الكثير من نساء المنطقة قبل أن تصطاده الشرطة .
في اليوم التالي اخرج الطبيب الشرعي حجارة كبيرة من مهبل اثنتين من الضحايا وظنت الشرطة إن القاتل أراد إن يحقرهن جنسيا بهذا الفعل كما استخرج الطبيب الشرعي ايضا اثرا لسائل منوي من كلتا الضحيتين . ولم يعد الامر قابل للكتمان فعقدت السلطات مؤتمر صحفي بسياتل في أغسطس 1982 واخبروا الناس إنهم يبحثون عن سفاح خطير وبأن على الجميع أن يأخذوا الحيطة والحذر ، وإن الجثث قد اعتدي عليهن من قبل شخص واحد وذالك بسبب الوضعية التي وجدت فيها ، كما أعلنوا إن مكتب التحقيقات الفيدرالي سوف يجهز بحثاً نفسياً عن القاتل من خلال دراسة جثث الضحايا ، وكان هذا الأمر يعد أداة حديثة نسبياً ومثيرة في ذالك الوقت وغالبا تستخدم الشرطة هذا البحث لتقليل عدد المشتبه بهم .
واخر ما توصلت اليه الشرطة هو ان السفاح يؤمن بأن عليه القيام بمهمة شخصية تتمثل بتخليص العالم من المومسات ، وهو يقوم بهذه المهمة بكل إخلاص وتفاني . وبما إن الضحايا الخمسة بينهم عامل مشترك حيث كلهن عملن مومسات ، فقد بات الأمر محسوما للشرطة بان السفاح يتجول في شارع سيتاك بحثاً عن فريسة سهلة من المومسات ، فهن أضعف فتيات المجتمع ، يتواجدن هناك بهدف إن يتقرب منهن أحد ، ولعل اختيار السفاح لهن هو إن اغلبهن يعشن حياة مستهترة ، ورابطهن الوحيد بالعالم هو سلسلة من الرجال المجهولين من راغبي المتعة ، مما يعني إن أحدا لن يبلغ عن اختفائهن إلا بعد فوات الأوان ، وإلى أن يتم العثور على جثثهن يكون أثر القاتل قد تلاشي ، وكأن القاتل يقول لنفسه اعلم إنه سوف يمر وقت طويل حتى تعد مفقودة ، وسيمر وقت طويل حتى يفترض أحدهم أنها ماتت
وبسبب مقتل الخمسة ضحايا انشأ عمدة مقاطعة كنغ بسياتل ، أي المكان الذي حدثت فيه الجرائم ، وحدة تحقيق خاصة تضم 25 ضابط مهمتهم الوحيدة هي ملاحقة سفاح النهر الأخضر . وقامت الوحدة بتتبع الأدلة المختلفة عن الضحايا وزبائنهن ، وذهبوا إلي الأماكن التي شوهدت فيها الضحايا آخر مرة ، وتحدثوا مع الناس الذين كانوا في الجوار في ذالك الوقت . وحث المحققون الناس للإبلاغ عن أي معلومات لديهم . وما لبثوا حتى غصت سجلاتهم بآلاف المعلومات التي انهالت عليهم من سكان المدينة الذين تملكهم الرعب ، وبدأت تظهر أسماء لمشتبه بهم ، وكل منهم يجب إن يتحرى بشأنه لتحديد إذا ما كان مشبوها بحق أم لا . وانهالت اتصالات من كل من يريد اتهام شخص بدون سبب .
وفي ذالك الوقت كان مكتب التحقيقات الفيدرالي قد أتم البحث النفسي الذي أعده عن القاتل ، لكن لم يجري نشره عبر الصحافة خوفاً من إن يقرأه المجرم فيغير من أسلوبه . وأشار البحث الى احتمال إن يكون السفاح من أصحاب السوابق وعاطلا عن العمل في اغلب الاحيان ، وبما إن ضحيته الأولي كانت بيضاء البشرة فهذا يجعله في الغالب من العرق الأبيض أيضا ، ولأنه يلقي ببعض ضحاياه في مناطق صيد نائية فإنه يألف الغابات الغير المأهولة ، وقد يكون من هواة الصيد ، كما أن الطبيعة الجنسية لجرائمه من تعرية الضحايا وحشو صخور في المهبل تدل علي إن له تاريخ سابق في الاعتداء والاغتصاب . ويري البحث إن القاتل يمضي ساعات صحوته منغمسا في خيالآت شرسة لدرجة إنه لا يمكنه الاحتفاظ بوظيفة ، كما يحذر البحث من إن القاتل قد يزج بنفسه في التحقيقات ، ربما عبر الاتصالات ، لتضليل الشرطة .
قامت الشرطة بتدقيق شديد مع سائق سيارة اجرة من سياتل كان دائماً يتصل بالمحققين ليزودهم بمعلومات عن الضحايا الخمس ، كان يدعي " مالفن فوستر " ويبلغ من العمر 44 عام ، وقد نشأ بالقرب من النهر الأخضر ، وهو عاطل عن العمل في اغلب الوقت ويتردد كثيرا على أماكن المومسات ولديه تاريخ من الاعتقالات وبذلك تكون صفاته مطابقة لمعطيات مكتب التحقيقات الفيدرالي .
وفي سبتمبر 1982 استدعت الشرطة رسميا " مالفن فوستر" للتحقيق معه في جرائم القتل ، وصرح فوستر للشرطة إنه يعرف الضحايا الخمسة مدعيا إنه قابل العديد من النساء خلال عمله على سيارة الأجرة ، وأصر إنه برئ من اي اتهامات وجهت اليه . لكن الشرطة لم تصدقه ، واستمر المحققون في استجوابه بقسوة حول جرائم القتل ، وكان دافعهم لذلك هو إنه مادام فوستر قد عرف جميع الضحايا فلابد من وجود أمر مريب بشأنه ، وتم وضع فوستر علي جهاز كشف الكذب ، وعندما سأله الضابط إن كان هو من قام بقتل النساء اللواتي وجدت في النهر الآخضر .. اجاب بالنفي .. وأشارت نتائج الجهاز إن فوستر يكذب ، وبذالك ظن رجال الشرطة أنهم امسكوا بغريمهم وقاموا بأخذ عينات من شعره ودمه ليقارنوها بالأدلة المأخوذة عن مسرح الجريمة ، وأفرجوا عنه لكنهم وضعوه سرا تحت المراقبة .
وبعد اخلاء سبيل فوستر بخمسة ايام ، تحديدا في 25 سبتمبر 1982 ، انتشلت السلطات جثة اخرى من غابة تبعد ثلاثة كيلومترات عن مكان العثور على الضحايا السابقين ، وتم التعرف علي الضحية الجديدة علي إنها ابنة 17 عام وتدعي " جيزلي فورن " وهي ايضا مومس عملت في شارع سيتاك ، واظهر التشريح إنها قتلت قبل 4 اسابيع من بدء مراقبة الشرطة لـ "مالفن فوستر " ، لهذا ظل فوستر المشتبه الرئيسي في القضية .
وحين اكتشف فوستر انه مراقب من قبل الشرطة قام بعرض قضيته علي الآعلام وقال إنه برئ من هذه الجرائم وإن الشرطة تريد إن تلصقها به . ومع ذالك استمر المحققون في ملاحقة ومراقبة فوستر ولم تظهر اي جثث اخرى ، وقد ساهم تركيز الصحافة والشرطة على مشبوه واحد هو فوستر في جعل المومسات يحسسن بالأمان طالما تجنبن فوستر . وأصبحت الشرطة علي يقين من إن فوستر هو القاتل بالرغم من عدم امتلاك أدلة كافية لاعتقاله ، وهو ما دفع عمدة المقاطعة إلى تقليص عدد وحدة المحققين الموكلة بملاحقة السفاح اعتقادا منه إن السفاح قد توقف عن القتل لعدم عثورهم علي جثث جديدة . ومرت عدة اشهر ولم تظهر اية جرائم أخري ، لكن الشرطة كانت في حيرة من أمرها لأنها كانت تتلقى المزيد من البلاغات عن أشخاص مفقودين والكثير منهم مومسات .
وفي مايو 1983 اكتشفت السلطات جثة امراة اخري مخنوقة في الغابات القريبة من سياتل ، وبعدها بشهرين عثروا علي رفات سبعة نساء اخريات في مناطق ريفية في مقاطعة كنغ بسياتل ، وكادت الشرطة إن تجن ، كيف حدث هذا وهي لم تغظ بصرها عن مالفن فوستر ، وهنا أدرك المحققون إنهم كانوا علي خطا وإن السفاح ما زال طليقا . ومع اكتشاف الجثث الجديدة وصلت حصيلة القتلى إلي خمسة عشر مع وجود تقارير باختفاء عشرون مومس علي الأقل ، وعاد عمدة المقاطعة فأنشأ وحدة تحقيقات جديدة تضم 43 ضابط من جميع وكالات الامن وبدا الضباط بمهاجمة أوكار الرذيلة في مدينة سياتل واعتقال زبائنها والتحقيق المكثف مع كل من وجد في هذا الشارع المتخم بالرذيلة . لكن كل التحقيقات وصلت إلي طريق مسدود ، وبقي المفترس الشرير طليقا يتغلب علي الشرطة في كل خطوة ، وهذا الامر اثار موجه جديدة من الخوف ، وقد عدت هذه القضية بإنها من اكبر قضايا القتل المتسلسل الغير محلولة في تاريخ الولايات المتحدة بحصيلة خمسة عشر فتاة مقتولة .
وفي هذا الأثناء جاءت احدي المومسات واخبرت الشرطة عن زبون وصفته بإنه غريب الأطوار ، قالت إنها نظرت إلي هويته الشخصية وكان اسمه " غاري ريدجواي " ، فبحث المحققون في خلفية ريدجواي هذا ، واكتشفوا إن له سابقة اعتقال في عام 1982 في عملية سرية قامت بها إدارة عمدة المقاطعة للإيقاع بالذين يترددون علي المومسات .
استدعت الشرطة ريدجواي للتحقيق معه واتضح إنه قد تزوج مرتين ولديه أبن وهو يعمل بوظيفة صباغ لاحدى مصانع الشاحنات منذ ثلاثة عشر عام مما يدل علي إنه انسان سوي ولا يتطابق مع معطيات البحث النفسي لمكتب التحقيقات الفيدرالي ، وقد وافق ريدجواي على الخضوع لاختبار جهاز كشف الكذب وسأله رجال الشرطة ان كان قد قتل إحدى ضحايا النهر الأخضر فاجاب .. بالطبع لا .. ونجح ريدجواي فى اختبار كشف الكذب واخلت الشرطة سبيله واقفل ملفه لعدم وجود اجراءت اخري تتخذ بحقه .
وفي يونيو 1985 وجدت الشرطة مواقع دفن جديدة تحوي خمسة عشر ضحية أخري وبذالك يكون ارتفع حصيلة القتلى إلي ثلاثون فتاة ، وقامت الشرطة بتمشيط المنطقة بكل حذر حتى يحصلوا علي أي أدلة ، كانوا يتعاملون مع مواقع الجريمة هذه كأنها مواقع آثار .. ينبشون الرمل والتراب باحثين عن أي أدلة او الياف صغيرة تساعدهم علي معرفة السفاح .
وفي تلك المرحلة حدثت قفزة تكنولوجية مهمة في مجال التعامل مع سجل الأدلة والمشتبه بهم عن طريق جهاز كمبيوتر متطور للمقارنة بين الاسماء وبين معطيات الادلة ، فتم التوصل لمعلومة جديدة عن " غاري ريدجواي " ، إذ كشف المحققون عن تقرير لشرطة ولاية واشنطن - التي تبعد 25 كيلومترعن سياتل – يقول إنه في عام 1983 تم تقديم بلاغ يحدد ريدجواي علي إنه مشتبه به في قضية اختفاء مومس عمرها 18 عام تدعي "ماري مالفار" كانت قد شوهدت آخر مرة تصعد في شاحنة صغيرة في شارع سيتاك ، وذهب قواد "مالفار" للبحث عنها بعدما تأخرت في عودتها فوجد تلك الشاحنة واقفة امام أحد المنازل علي بعد بضعة احياء ، وكان مالك الشاحنة هو ريدجواي ، فقام القواد بالابلاغ عنه ، وبعد عدة ايام توجه احد الضباط الي منزل ريدجواي للاستفسار فأنكر ريدجواي إنه اخذ "مالفار" معه فتركوه واقفل الأمر علي ذالك .
وعندما تلقى أفراد وحدة التحقيقات هذه المعلومة بدئوا في بحث موسع عن كل ما يتعلق بريدجواي فتوصلوا إلي اكتشاف خطير .. إذ تتصادف التواريخ التي أختفت خلالها 27 فتاة من الضحايا مع أيام كان ريدجواي قد أخذ إجازة فيها من عمله في مصنع الشاحنات . وبدأ المحققون يتعقبون ريدجواي فشاهدوه يتجول في شارع سيتاك وهو يقود سيارته ببطء ويغازل المومسات .
وفي ابريل 1987 حصل المحققون علي مذكرة لتفتيش ريدجواي وممتلكاته واخذوا عينة من شعره ولعابه ، فيما توجه فريق آخر منهم إلي منزله وقلبه راساً عل عقب بحثا عن اي دليل يمكن أن يؤدي لاعتقاله ، لكن في نهاية المطاف ولسوء الحظ لم يجدوا هناك أي دليل مادي واحد يمكن إن يربطه بمواقع الجريمة ، ووضع رجال الشرطة مسحة فموية تحتوي علي لعاب ريدجواي في ثلاجة حفظ الأدلة على أمل أن يتطابق الحمض النووي لريدجواي مع الحمض النووي لعينات المني التي اخذت من ثلاثة من الضحايا . لكن تقنية تحليل الحمض النووي كانت في اول عهدها ، وكان الجميع يعلم إن هذه التكنولوجيا كانت في الآفق القريب لكنها لم تكن متوفرة في ذلك الوقت ، لذا تم حفظ الأدلة في انتظار تطور تلك التكنولوجيا ، وتم اطلاق سراح ريدجواي ، لم يكن لدي المحققين خيار سوي انتظار تطور العلم ووضعت القضية جانبا .
ومرت عشر سنوات بهدوء بدون اكتشاف جثث اخري ، وقلصت وحدة التحقيقات في جرائم النهر الاخضر إلى محقق واحد ، وتولى عمدة مقاطعة كنغ بسياتل "ديفيد رايكيرات" متابعة تطورات اختبارات الحمض النووي بكل شغف أملا في حل القضية العالقة .
وبحلول عام 2001 حصل مختبر الجرائم أخيرا على التكنولوجيا اللازمة لاجراء فحوصات الحمض النووي ، وارسل عمدة المقاطعة بعض العينات إلى احد علماء الجينات لتحليلها ، وكانت عبارة عن مني مأخوذ من ثلاث من الضحايا . واثبت العلماء إن المني يعود إلي رجل واحد ، وعند مطابقته مع اللعاب المأخوذ من ريدجواي جاءت النتيجة مطابقة تماما .. واخيرا تمكنت السلطات عبر العلم من التعرف على السفاح الذي حيرهم على مدى 20 عاما .
وفي 30 نوفمبر 2001 القت الشرطة القبض علي ريدجواي بينما كان يغادر مقر عمله واتهمته السلطات باربع تهم قتل من الدرجة الأولي واخبروه بما لديهم من ادلة ضده فلم يبدي ريدجواي اي قلق او خوف ، وكانت السلطات علي يقين إن ريدجواي يحمل مفتاح حل العشرات جرائم القتل وقضايا الاختفاء الغير محلولة وعندما قابله عمدة المقاطعة الذي كان يعمل محققا في بداية الجرائم قال له " اخيرا نلنا منك ايها الوغد " .. وتم احتجاز ريدجواي البالغ من العمر 53 عام وتعهدت النيابة العامة بالسعي لإنزال عقوبة الاعدام بحق ريدجواي ، فقضيتهم تدعمها أدلة اكيدة من الحمض النووي .
قام محامي الدفاع بمحاولة لاقناع ريدجواي إن يفصح عن أي معلومات لديه عن ضحايا النهر الأخضر لكي يتمكنوا من عقد صفقة مع النيابه لتجنب عقوبة الاعدام والإبقاء علي حياته ، ففكر ريدجواي في الامر كثيراً واخبرهم في النهاية بالآجابة التي أصابتهم بالقشعريرة عندما قال لهم " انا سفاح النهر الآخضر وقد قتلتهن جميعا " .. كانت مفاجأة مذهلة . وبعدها التمس محامي الدفاع من النيابة العامة عقد صفقة لتخفيف الحكم إذا قدم ريدجواي اعتراف تفصيلي عن جرائمه ، لكن النيابة العامة ترددت ، كيف لهم إن يعقدوا صفقة مع الشيطان ، كيف يعفو عن السفاح من عقوبة الآعدام مع إنه اكثر من يستحقها . وفي نهاية الامر رضخت النيابة العامة وقامت بعقد الصفقة لأنهم كانوا بحاجة إلى معلومات تساعدهم في اغلاق قضايا جرائم القتل والاختفاء ، وأتاحت الفرصة للعائلات بان تعرف مصير بناتهم ..
وقامت السلطات بنقل ريدجواي إلي مقر سري حيث استجوابه المحققون لايام كثيرة امام كاميرات التصوير وقد استعانوا بالباحثة النفسية " ماري أوتول " لكي تساعد في اخراج كل ما لدى السفاح من معلومات ، وكذلك إعداد وكتابة تقرير نفسي شامل عن السفاح يمكن أن يساعد قوى الامن بالمستقبل في تمييز السفاحين المماثلين . وقامت الباحثة بتعزيز شعور النرجسية لدي السفاح وأرضت غروره ، فطلبت منه إن يثقف التحريين ويخبرهم كيف استطاع إن يفلت من الشرطة طوال عقدين من الزمن بدون إن ينتبه اليه احد وإن يلقي الضوء على حياته وكيف تحول إلي سفاح ؟
أجاب ريدجواي : " لقد تحكمت بي النساء من صغري ولا احب إن يتحكم بي احد ، حتى المومسات لم تحبني لذا تبا لهن جميعا " .. وبدأ يلقي باللوم جزئيا علي والدته ، فبحسب اقواله كانت والدته تحقره لانه كان يتبول لا اراديا في الفراش ، وعنما بلغ الثالثة عشر من عمره كانت تصر علي تنظيفه بنفسها وتحرجه أمام الاقارب والجيران الى درجة أنه كان يتمني قتلها ، وعندما كان عمره 16 عام قاد طفل في السادسة من عمره إلي الغابة وقام بطعنه بالسكين بين ضلوعه متسائلا : " كيف يكون الشعور عندما تقتل شخصا ما ؟ " .. لكن الطفل نجا باعجوبة ولم يمت .
ولما بلغ 21 عام تزوج والتحق بالبحرية فارسل إلي فيتنام وعمل علي احدي سفن الامداد وهناك انغمس في حياة الجنس مع العاهرات حتي اصيب بالسيلان وعندما عاد الي منزله وجد زوجته في احضان عشيق لها وانتهي زواجهما ولكن شهوته الجنسية المفرطة جعلته يتزوج بعدها مرتين وكان يطلب من زوجاته إن يمارس الجنس معهم في الأماكن العامة والغابات ، وفي اخر المطاف انفصل عن زوجاته لخيانتهما له لانهما كانتا عاهرتين ، وبعدها التجأ ريدجواي إلى الكنيسة وصار ينصت إلي الخطب الدينية التي كانت تطالب الناس بالابتعاد عن الرذيلة والعاهرات واخذ في قراءة الكتاب المقدس وصار له قناعة إنه لابد من تخليص العالم من هؤلاء العاهرات فاصبح ممزقا بين شهواته الجامحه ومعتقداته الدينية .
واخبر المحققين إنه قتل ضحيته الأولي في مؤخرة الشاحنة بعد إن مارس الجنس معها ، قام بخنقها من الخلف وهي تقول له " ارجوك لا تفعل هذا " .. ولم يتركها الا جثة هامدة . ثم طرأت له فكرة بأن يلقي بها في النهر الأخضر لانه سيمحي كل الادلة ، واضاف ريدجواي : " لا يمكنني إن اوضح ماذا يحدث في عقلي تلك اللحظة غير اني انفس عن غضبي وعندما اصل إلي المنزل اكون قد استرخيت وربما استمتع بمشروب وبعدها زاد ولعي بقتل مومس اخري كنت اذهب الي شارع سيتاك لاصطياد الضحية وكنت اتظاهر بإني رب اسرة وديع ومسالم حتي إني كنت اريهم صورة ابني ، وفي بعض الاحيان كنت اصطحب ابني الصغير معي حتي يشعروا اني طبيعي ولا خوف مني ولكن مظهري الخارجي كان مختلف عن حقيقتي وعشت حياة طبيعية اتاحت لي بإن ابقي متخفيا وفي نهاية الامر توقفت عن القتل بعد اكتشاف الشرطة لعدة جثث لان الامر كان يجب أن ينتهي ولطالما ظننت اني أخدمكم بقتل المومسات لكي اخلص العالم منهن " .
وظل ريدجواي لمدة شهرين يصطحب الشرطة الي اكثر من 20 موقعا زعم انه القى برفات ضحاياه فيها وحفرت السلطات في الاماكن التي اشار اليها ريدجواي فاخرجت اكثر من 4 مجموعات من بقايا جثث كانت اولى جرائمه بجوار النهر الأخضر . واستطاعت الشرطة توثيق 48 جريمة قتل اعترف ريدجواي بارتكابها واحست العائلات بالسكينه بعد معرفتهم بالذي حدث لبناتهم .
وقال احد المحققين : إن ريدجواي تمكن من خداعنا لانه انحرف عن القواعد المتعارف عليها لدى غالبية السفاحين لانه ظل محتفظا بوظيفته لمدة ثلاثة عشر عام وتزوج وله ابن وذالك غالبا لا يحدث مع السفاح التقليدي لقد عاش حياة مزدوجة " .
واختتمت السلطات التحقيقات بعد ان دامت عدة اشهر . وامام المدعي العام اقر ريدجواي بإنه مذنب في 48 جريمة قتل من الدرجة الاولي مع ان السلطات تعتقد انه ارتكب اكثر من ذالك
وفي 18 ديسمبر 2003 حكم القاضي علي ريدجواي بالسجن مدى الحياة بـ 48 مرة علي التوالي ونقلته السلطات الي سجن ولاية واشنطن الاصلاحي حيث يقضي حاليا مدة حكمه .
وفي عام 2008 انتجت شركة لايف تايم للافلام فيلما عن ريدجواي بعنوان القبض عل قاتل النهر الأخضر " the capture of the green river killer ".
تعليق