تراودني منذ ان توليت مسؤلية هذا القسم فكرة الكتابة عن السحر..ولكني كنت أؤجلها ربما حتى أرى صدى مقالاتي وقبولها لدى الاخوة الزملاء والزوار .. وربما لأني أردت أن أقدم في البداية نوع من التعريف بالقسم أراه مهضوم الحق وأقصد السيكولوجي او ما وراء الطبيعة .. وحدث ما توقعته تماما..فقد فتر حماس معظمكم ولا أقول كلكم لمتابعة مواضيع من نوعية أسرار العقل البشري والقدرات الخارقة .. مما حدا بتلك الفكرة أن تتردد بداخلي بقوة أكبر .. ولكن مقدم شهر رمضان والعيدين أجلها ثانية ربما لأنها لا تتناسب مع الشهر الفضيل ولا ماتلاة من احداث لدينا فى مصر .. مما حدا بي لكتابة مقالات خفيفة وأقصد بها سلسلة أساطير وصدق او لا نصدق الى اخر هذة الموضوعات ..
أما الآن فأعتقد أن الوقت المناسب قد حان لطرح هذا المقال وما على شاكلته.
تاريخ السحر
ومن هذا المنطلق انطلقت أتعمق في دراسة فنون ووسائل وكتب وأساليب السحر الأسود مضيفا إلى معارفي المسبقة المزيد والمزيد محاولا في ذات الوقت صياغة كل ذلك بأسلوب سهل لتعم الفائدة.
كان أول ما علمته ولم يثر في الواقع دهشتي أن السحر الأسود تتم ممارسته منذ فجر التاريخ بكافة وسائله البشعة وكأنه ميراث تتوارثه الأجيال فهي نفس الطرق والوسائل وإن اختلفت أسماء الشعوب و أسماء الكتب
فمن (إينوخ) و (العزيف و(شمس المعارف الكبرى) و(القانون) و(البداية والنهاية) (والأخير ليس المقصود به كتاب العلامة (ابن كثير) ولكنه تشابه أسماء وشتان الفارق)
ومن (عبد الله الحظرد) و (أحمد بن علي البوني) و (محيي الدين بن عربي) و (نوستراداموس) و(راسبوتين) و (كراولي)
وجدت أن الكل سواسية في الخط العام الرابط بين الجميع..
فالشرط الأساسي هو:
أخذ العهد مع الشيطان ..
وازدراء الأديان..
بعدها يكون باستطاعتك تسخير الجان..
ولكن لا تنس وقتها أنك قد صرت طريد رحمة اللله..
والآن تعالوا نستعرض بدايات السحر الأسود في التاريخ:
1- إن أول بداية موثقة تاريخيا لممارسة السحر الأسود كانت في بلاد فارس من حوالي 5 آلاف سنة قبل الميلاد على يد كاهن يسمى (زورستر) ويعتبر هذا الساحر واضع طرق السحر وأسسه التي سار عليها الكنعانيون والمصريون والهنود وغيرهم.
2- ثم بالطبع ظهر الفراعنة على السطح..
فالمصريون القدماء مثل كل الأمم القديمة كانوا يؤمنون بالسحر، وبوجود القوى الخفية التي كانت تتحكم فيهم، لذا مارسوا السحر وأجادوه. وقد استمر السحر الفرعوني حتى بعد اندماج مصر في الإمبراطورية الرومانية، وكان السحر يمارس عادة في المعابد بواسطة الكهنة، لكن هذا لم يمنع الملوك نفسهم من ممارسة السحر مثل الملك الفرعوني (نيكتاييبس) وقد كان من أعظم السحرة وحكم حتى عام 358 قبل الميلاد..
وقد وجد بورقة البردي رقم 122 المحفوظة بالمتحف البريطاني بعض التلاوات والرموز السحرية التي كان يستعين بها السحرة المصريون في أعمالهم وطقوسهم.
3- أما في شمال أفريقيا القديمة حيث شعوب البربر والأمازيج فقد انتشر لديهم ما يعده المؤرخون أساس عقيدة (الفودو)..
فقد كان السحر الأسود في تلك المناطق يعتمد على الكثير من الممارسات مثل صنع نموذج من الشمع مثلا للضحية التي سيقع عليها السحر.. وتعذيب هذا النموذج بغرس دبابيس فيه فيعاني صاحبه من آلام عديدة، أو من قدر معين من الألم أو يتصرف بطريقة محددة،
كما كان من الممكن ربط عقدة من خصلة شعر لإحباط مخططات خصم
كما أن إغلاق نصل سكين الجيب كان يؤدي إلى قتل الشخص الذي يكتب اسمه على النصل.
4- أما الكنعانيون فقد كانوا يعتقدون اعتقاداً كبيرا في القوة السحرية التي تشعها أجساد القطط والكلاب. وكانوا يتشاءمون من نباح الكلاب ليلاً ويتهمونها باستدعاء الشياطين لإلحاق الأذى بالسكان وهم نائمون. ومازالت هذه الخرافة شائعة بين بعض الناس حتى اليوم.
5- بعدها جاء اليهود وهم يعتبرون من أخبث السحرة وأعلمهم..
ولديهم كتابهم الشهير (الكالابا) ولا يوجد إلا لدى أكابر حاخاماتهم وقد حاول الكثيرون الحصول على نسخة منه عارضين دفع كل غال ونفيس ولكن بلا فائدة
6- وقد عرفت أوروبا أيضا السحر الأسود، وقد ساهم اليونانيون قبل غيرهم في انتشار السحر وحافظوا عليه حتى في عهود ازدهار التفكير العقلاني، منطلقين من معتقدات ظلت ثابتة عندهم تؤكد أن الآلهة تبين مقاصدها من حين إلى آخر من خلال الكهنة أو الاستدلال بصرخات الطيور والنسور وحركاتها أو من خلال ملاحظة بعض العلامات التي قد تظهر في أحشاء القرابين وأكبادها والتي يقوم الكهنة بترجمة مضامينها.
ولم يكن أحد في (أثينا) القديمة بمنأى عن اللعنات حتى كبار الساسة والخطباء المفوهين..
وكان السحرة يعملون سرا ويدفنون التعاويذ في أكفان الموتى والجثث على أمل أن تنقلهم للعالم السفلي
وكانت هذه اللعنات والتعاويذ تخصص لجلب النحس للخصوم السياسيين أو لإلحاق الأذى بالأعداء..
تلك التعاويذ كانت تسمى(كتاريس) وقد عثر على 55 قطعة منها في الحفريات التي تمت طيلة ال90 عام الماضية في منطقة (كيرامي) قرب السوق القديمة حيث اعتاد الساسة إلقاء خطبهم وسط الحشود
بعض تلك القطع كان منقوش عليها بوضوح عبارة:
(إنني أقيدك بالأرض)..
أغلب تلك (الكتاريس) يعود تاريخها إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد
ويقوم عدد من العلماء برئاسة السيدة (يوتا ستروجيك) رئيسة المعهد الألماني للآثار في (اليونان) حاليا على دراسة تلك (الكتاريس) ومحاولة ضمها في كتاب يتحدث عن دور السحر الأسود في توجيه الحياة السياسية في (أثينا) القديمة..
و(الكتاريس) تحفر على رقائق من الرصاص وكانت تدفن مع تماثيل معينة في قبور الشباب بالذات..
حيث ساد الاعتقاد بأن الموت السابق لأوانه ينقل اللعنات بصورة أسرع لآلهة العالم السفلي
وليست مخطوطات تعاويذ اللعن حكرا على (اليونان) فقط..فقد انتشرت كما أسلفت في كل بقاع العالم..
ولكن (الكتاريس) تعكس معتقدات مجتمع كان في أوج عظمته وتقدمه الحضاري في تلك الفترة منذ 2500 سنة تقريبا حين قرر (بريكليس) بناء(البارثينون) ..ومدى ارتباط الناس برغم كل ذلك التقدم بالخرافات وعالم ما وراء الطبيعة..وهكذا الناس لعمري في كل زمان ومكان..
يقول(فليتشي تابيلي) خبير المخطوطات القديمة في جامعة (ماجنا جراتشيا) في (كانتزارو) ب(إيطاليا)
إن (الكتاريس) كانت الأسلوب الأمثل للقضاء على الخصوم السياسيين في (أثينا) حيث كان كل ساحر يقيم شعائره بصورة سرية فلا ننسى أن الكنيسة كانت تحرم ممارسة السحر..ومن غير المعلوم تفاصيل تلك الشعائر
ولكن عامة كان على الساحر العثور على رقائق الرصاص لحفر التعويذة عليها ،ثم البحث عن قبر شاب مات حديثا ولم تتحلل جثته بعد لإلقاء التعويذة في كفنه.
في بعض الأحيان عندما كان يتعذر الحصول على قبر بتلك المواصفات السابقة كان الساحر يلقي بالتعويذة في جب عميق حيث كان يعتقد أن الآبار العميقة طرق تؤدي للعالم السفلي أيضا.
تقول (ستروجيك): كانت اللعنة تصب في ذات اللحظة التي تريد أن تؤذي فيها الخصم بالضبط لإعاقته وتجميده وربطه بالأرض..
بعض التعاويذ كانت مخصصة لصب اللعنة على محاربي الأعداء..عثر بجوارها على نماذج لسيوف صغيرة ملتوية..أو تماثيل صغيرة لمحاربين أياديهم مكبلة خلف ظهورهم ولهم أعضاء ناتئة ورؤوس أشبه برؤوس العصافير..إضافة لمخطوطات عديدة..
تعويذة أخرى كانت على شكل (سوار) كان يوضع بين يدي الميت ربما لينقله للعالم السفلي أو لزيادة قوة اللعنة
كما وجدت تعويذة تحمل اسم (ليكورجوس) وكان من أشهر الساسة في (أثينا) حيث كان يعتبر وزير المالية والتعمير في الحكومة وعاش بين عامي 390 و 324 ق.م
تعويذة أخرى حملت اسم(هيبريدس) الخطيب والقائد العسكري الشهير الذي عاصر (ليكورجوس) وقاد اليونانيين في معركة (لاميان) ضد المقدونيين عام 323 ق.م
كذلك عثر على رقيم رصاصي خطت عليه ثلاث لعنات دفعة واحدة وهي مكتوبة على ثلاثة أعمدة
المهم هنا هو ما تقوله (ستروجيك) من أنه لا علاقة إطلاقا لتلك التعاويذ بالديانة الرسمية ل(أثينا) آنذاك والتي كانت قائمة على تعدد الآلهة (حيث كانوا يؤمنون بأرباب الأوليمب الإثني عشر بزعامة (زيوس)
7- وقد سادت ممارسات السحر الأسود أكثر في العصور الوسطى فقد كان لكل أمير وأميرة ساحر خاص به.. وكانت تتم -في الأغلب- إما للحصول على القوة والنفوذ أو التخلص من الأعداء..
وكانت -أحيانا- تستخدم للزواج وذلك مثل ما حدث مع الليدي (إليانور كوبهام) التي استطاعت بقوة السحر أن تجبر دوق (همفري) على الزواج منها.
وأيضا (أنا بولين) زوجة(هنري الثامن) فقد كانت أشهر ساحرات ذلك العصر واستطاعت أن تقتل كل من عارض زواجها واحدا تلو الآخر، وكانت هذه الساحرة الجميلة من أكثر الساحرات اللاتي تحدث عنهن التاريخ البريطاني فقد كانت تقتل كل من يعارضها ولا ينفذ أوامرها وكانت غالبا تقوم بقتل ضحاياها بواسطة سموم لا يظهر لها أعراض؛ لذلك كان يقال إن هذه السموم تصنع بواسطة الشياطين وهم من يقومون بدسها للضحية ويقال إنها في ليلة واحدة قامت بقتل 12 ساحرا وكاهنا وقسيسا.
8- وقد عرفت (روسيا) أيضا السحر ولعل (راسبوتين) أشهر هؤلاء السحرة ورغم سمعته السيئة -كان يلقب بالراهب الماجن- فإنه كان يعتبر من (الرجال المقدسين)، ففي طفولته، ظهرت لدى (راسبوتين) رؤى مستمرة عن القوى الإلهية وقدرات الشفاء الخارقة، إذ كان باستطاعته مثلا أن يبرئ حصانا بمجرد لمسه.
لكنه اكتسب في فترة مراهقته اسم(راسبوتين) (أي الفاجر) بسبب علاقاته الجنسية الفاضحة.
وحين بلغ (راسبوتين( الثلاثين من عمره كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقض وأصول الحياة العائلية التقليدية. وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحول في حياته، فقد هرب من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية، رحل (راسبوتين) عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في أنحاء (روسيا) وخارجها. وخلال هذه الرحلات لم يغتسل أو يبدل ملابسه لفترات بلغت عدة أشهر، وكان يرتدي قيودا حديدية زادت من المعاناة. وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل (أثوس) ب(اليونان) وساعدته على اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل (هيرموجن) أسقف (ساراتوي).
يتبع
تعليق