زودياك
أعتقد أن أغلبكم إن لم يكن كلكم قد شاهدتم الفيلم الأميركي (Zodiac ) (زودياك) الذي تم عرضه لأول مرة في مهرجان كان السينمائي في أوائل عام 2007م..
يبدأ الفيلم بمشهد معتاد في تلك النوعية من الأفلام ..
شاب وفتاة يتبادلان الحب في سيارة الفتى ليلا على جانب أحد الطرق القريبة من الغابات والبعيدة عن العمران..
ثم نرى شخص ما بدا وكأنه خرج من الفراغ..يسير بمنتهى الهدوء مترنما بإحدى الأغاني اللطيفة..إلى أن يصل إلى السيارة..ثم بمنتهى الهدوء أيضا..وبلا أي كلمة يخرج مسدسا من طيات ملابسه ويقوم بإطلاق الرصاص على رأسيهما..ويتركهما مضرجين في دمائهما..ثم ينصرف..وبمنتهى الهدوء أيضا..
مشهد مثير..أليس كذلك؟
ولكن الذي يحدث بعدها مباشرة هو الأكثر إثارة..
ذات الشخص يتصل بالشرطة.. في بادئ الأمر يبلغ عن الجريمة..ولكن سرعان ما يعترف بكل برود بأنه القاتل..
بل و يعطي تفاصيل دقيقة لجريمته كمكان الجريمة ونوع السلاح وما كان الضحيتان يرتديانه..
بعدها يعود الرجل بمنتهى الهدوء إلى منزله..حيث يعكف على كتابة رسالة بخط يده من عدة نسخ..
في صباح اليوم التالي تتلقى الصحف المحلية تلك الرسالة..
في تلك الرسالة يخبر ذلك الشخص الجميع بتفاصيل الجريمة..ثم في نهايتها يقوم بكتابة رموز مشفرة..ويخبرهم بمنتهى البساطة بأنهم سيكتشفون شخصيته إن استطاعوا حل تلك الشفرة..
ولا ينسى أن يذيل رسالته بطلب مهذب ورقيق برغبته في نشر تلك الرسالة في الصحف..وتحذير الجميع منه..وإلا فإنه سيستمر في ارتكاب جرائمه وقد أعذر من أنذر..
وفي النهاية يوقع رسالته بالرمز الذي أثار حيرة كل من شاهده..
دائرة يتقاطع بداخلها خطان أحدهما أفقي..والآخر رأسي..وبجوار الرمز حرفZ
وقد شبه المحققون الخطين بصليب قديم كان منتشرا في كثير من المناطق كما شبهوه بمنظار الأسلحة..
باختصار..تجد نفسك مجبرا على إكمال المشاهدة..ورغم أن الفيلم طويل نوعا (ساعتان وسبع وثلاثين دقيقة) إلا انك لا تتعب و لا تمل من المشاهدة..إذ ستجد نفسك عاشقا لما يقوم به القاتل من تلاعب بالشرطة والصحافة ومنتظرا لخطوته التالية..
بالطبع تمتنع الجرائد عن النشر بأمر الشرطة حتى لا تحدث بلبلة بين الناس..
وتجتهد الشرطة في البحث عن المجرم..ولكن كل جهودها تذهب هباء..ومع الوقت..يقل اهتمام الشرطة بالبحث عن القاتل..ربما لوجود المئات من الجرائم الأخرى التي تحدث في الولاية يوميا..ويتناساه الجميع..
ولكن القاتل المجهول لا ينسى..ولا يتوقف..بل يفاجئ الجميع بجريمة جديدة..
ويقوم هذه المرة بمباغتة شابين وتقييدهما..ثم يتحدث معهما لفترة موجها اللوم لهما لوجودهما في هذا المكان النائي في تلك الساعة المتأخرة..
ثم يخبرهما بكل برود بأنه قرر قتلهما..وبالفعل يسدد لهما عشرات الطعنات.. وخصوصا في منطقة الرقبة..
ولا يتركهما إلا جثتين هامدتين..
ولا ينسى القاتل أن يحفر علامته المميزة على سيارة القتيلين..
ثم يقوم كالعادة بإبلاغ الشرطة وينصرف بهدوء..
وتصل الشرطة والإسعاف..ويتضح أن الضحيتين مازالا على قيد الحياة..ويتم نقلهما للمستشفى على وجه السرعة..وفي المستشفى تموت الفتاة متأثرة بجراحها وينجو الفتى..وعند استجوابه يدلي بشهادة متضاربة حول ملامح القاتل وكيفية حدوث الجريمة..ويعزو رجال الشرطة ما حدث إلى الاضطراب النفسي الذي أصاب الفتى نتيجة التجربة المروعة التي مر بها..
ثم يقوم مستر Zبجريمة أخرى يذهب ضحيتها سائق تاكسي..
المثير هو أنه تمت مشاهدته بعد تلك الجريمة بقليل من قبل شرطيين و لكن لم يتم إيقافه .. فقط لأن البلاغ الذي نشر بين رجال الشرطة حينها كان يؤكد على أن القاتل رجل اسود استنادا إلى أقوال الفتى الناجي في الجريمة السابقة .. في كل هذه الحالات كانت الدلائل والشهود والرسائل تشير إلى أن القاتل شخص واحد..
وتزداد حيرة رجال الشرطة..
وهنا يجتمع ثلاثة أصدقاء..ضابط بالمباحث الفيدرالية وصحفي ورسام كاريكاتير..ويقرروا أن يكون هدفهم هو الكشف عن هوية القاتل وتقديمه للعدالة..
ثم تقع جريمة رابعة..وخامسة..وسادسة..حتى وصلت إلى 47 جريمة..
وتتزايد مكالمات القاتل للشرطة..وتتزايد رسائله التي تروي تفاصيل جرائمه للصحف..
ويزداد تخبط رجال الشرطة مع تزايد الجرائم وتناقض الدلائل واتساع قاعدة المشتبه فيهم..
حتى عندما نجت إحدى الضحايا من القتل هي ورضيعتها حيث قامت بالقفز من السيارة والفرار بينما كانت معه..إلا أن شهادتها لم تضف جديدا..بل زادت الحيرة والتخبط أكثر فأكثر..
حتى عندما تمكن أستاذ تاريخ وزوجته من فك شفرة إحدى الرسائل..لم يكن ما تم التوصل إليه أكثر من اسمه..
وبالطبع لم يكن اسمه..بل كان الاسم الذي اختاره لنفسه..(Zodiac )
المهم أن الفيلم رائع جدا..والأكثر من ذلك هو الشخصيات فقد أحسن المخرج اختيار الممثلين كما أحسن هؤلاء لعب أدوارهم بالرغم من التقليدية التي رسمت بها أدوارهم والتي استهلكت تماما في أفلام بوليسية عديدة..
حيث تم تقديم رسام الكاريكاتير على الشكل الذي يصفه الناس بالساذج.. لا علاقات مع الناس..لا أصدقاء تقريبا سوى صديقه الصحفي..لا يعرف إلا طريقا واحدا..من البيت إلى العمل والعكس..لا يدخن ولا يشرب الكحوليات..
وقد قام بدوره الممثل (Robert Gray smith )..في حين تجد زميله الصحفي عكسه تماما.. حياة صاخبة مليئة بالملذات..وقد قام بدوره الممثل(Dave Toschi )
وتجد الشرطي متفانيا عاشقا لعمله..وقد قام بدوره الممثل (William Armstrong )
ولكن هل توصل الأصدقاء الثلاثة إلى القاتل؟؟..
للأسف لا..بل إن القاتل هو الذي جلب عليهم الوبال ودمر حياتهم واحدا تلو الآخر..
فالضابط كرس كل وقته وجهده لكشف غموض القاتل..وبالفعل وصل إلى عدة حقائق جديدة ولكنه دفع الثمن غاليا..حيث تم فصله من عمله..
أما الصحفي فقد فصل أيضا من عمله وأصبحت حياته دمارا..في حين دفع رسام الكاريكاتير الثمن غاليا..لقد كانت حياته هي الثمن..وفي النهاية لم يصل أي منهم لشيء..وينتهي الفيلم والقاتل مازال حرا طليقا يخرج لسانه للجميع..
في هذا الفيلم عاش المخرج (David Fincher ) نفس الشعور ونفس الهوس الذي عاشه المحققون..فقد قام بعمل تحقيقات كبيرة بنفسه حول القاتل.. بمقابلة عائلات و أصدقاء المشتبه فيهم والضحايا..كما قام بقراءة وثائق ومحاضر وصلت إلى 10000 صفحة ...
كان فيلم (Zodiac ) عودة قوية للمخرج (David Fincher ) بعد فيلمه الذي حقق له الشهرة (Se7en )..
إضافة إلى أفلامه (The Game)( (Fight ClubوPanic room ))
ولا ننسى أنه عايش قصة القاتل الواقعية في طفولته..وعايش الرعب والهلع الذي كان يجتاح الناس وقتها..
وختاما..كان هناك فيلمان آخران يرويان قصة القاتل هما:
1-فيلم The Zodiac Killer )) إنتاج سنة 1971 للمخرج (Tom Hanson )
2-فيلم The Zodiac )) الذي تم إنتاجه سنة 2005 للمخرج (Alexander Bulkily )
ولكن فيلمنا اليوم هو أقربها إلى الواقع..
ذلك أن الفيلم الأول أنتج في بدايات السبعينيات..وحينها كانت التحقيقات ما تزال متواصلة أي أن هناك حقائق لم تذكر فيه..
أما الثاني فلم يكن سوى فيلم رعب..
كما تم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية عن ذات الوقائع..
بقي أن أقول إن الفيلم مقتبس من وقائع حقيقية حدثت في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية..
كانت سلسلة من جرائم القتل شديدة الحبكة لقاتل متسلسل حير رجال الشرطة ليس في سان فرانسيسكو وحدها..
ولكن في عموم أميركا كلها..بين عامي 1966 و 1970م..وربما كانت من المرات النادرة التي تشترك فيها المخابرات الأمريكية (C.I.A ) مع المباحث الفيدرالية (F.B.I ) في كشف غموض جريمة ما..
وبرغم تعدد الجرائم..وبرغم وجود شهود..إلا أن أحدا لم يستطع الإمساك بالقاتل..فقد كان ومازال حرا طليقا..وربما ينعم بحياته وحريته إلى الآن..وربما مات على فراشه في هدوء كما كان يفعل أثناء ارتكاب جرائمه..
وقد صيغت تلك الأحداث في كتابين هما
1- (Zodiac ) التي صدرت سنة 1986 وأعيد طباعته 29 مرة حتى الآن..
2- (Zodiac unmasked: the identity of America's most elusive serial killer revealed )
الذي صدر سنة 2002 ..
بالإضافة إلى العديد من الكتب الأخرى ومواقع الإنترنت التي تناولت تلك القصة بالتفصيل..
وما يهمنا هنا هو أن هذا الفيلم مقتبس من وقائع حقيقية كما أسلفت..
جرائم حدثت بالفعل..وهزت المجتمع الأمريكي عن بكرة أبيه..
جرائم جعلت الشرطة تقوم باستجواب 2500 مشتبه فيه..ووصلت أوراق ملف التحقيق كما أسلفت 10000ورقة
وتمت إدانة 200 متهم بصورة مباشرة قبل أن تتم تبرئتهم بعد تحليل الحمض النووي لهم..
ففي الكتاب الذي ألفه Robert Gray smith )) كان هناك اتهام مباشر لشخص يدعى(Arthur Leigh Allen ) بكونه القاتل كما تم اتهام (Theodore John Kaczynski) ,(Andy Walker), (Bruce Davis), (Lawrence Kane), (Michael O'Hare), (Rick Marshall )
ومع ذلك لم يتم التوصل لشيء..
وفي ابريل 2004 قامت شرطة (San Francisco ) بإغلاق باب التحقيق في القضية رسميا رغم أن المجرم لم يعرف بعد.. وتم قيد الجرائم ضد مجهول..
كما يجدر بالذكر أن القضية لم تغلق بعد في مدن (Napa ) و (Vallejo )..
وفي النهاية صنفت القضية في دوائر الشرطة الأمريكية كأحد أعقد وأغرب القضايا في التاريخ..
ذلك أن القاتل لم يكن متخفيا..بل ولم يكن يضع أية أقنعة عند تنفيذ جرائمه..
جرائمه التي استحقت ذلك اللقب المثير.. (الجريمة الكاملة)..
ونتبع بالتفاصيل...
أعتقد أن أغلبكم إن لم يكن كلكم قد شاهدتم الفيلم الأميركي (Zodiac ) (زودياك) الذي تم عرضه لأول مرة في مهرجان كان السينمائي في أوائل عام 2007م..
يبدأ الفيلم بمشهد معتاد في تلك النوعية من الأفلام ..
شاب وفتاة يتبادلان الحب في سيارة الفتى ليلا على جانب أحد الطرق القريبة من الغابات والبعيدة عن العمران..
ثم نرى شخص ما بدا وكأنه خرج من الفراغ..يسير بمنتهى الهدوء مترنما بإحدى الأغاني اللطيفة..إلى أن يصل إلى السيارة..ثم بمنتهى الهدوء أيضا..وبلا أي كلمة يخرج مسدسا من طيات ملابسه ويقوم بإطلاق الرصاص على رأسيهما..ويتركهما مضرجين في دمائهما..ثم ينصرف..وبمنتهى الهدوء أيضا..
مشهد مثير..أليس كذلك؟
ولكن الذي يحدث بعدها مباشرة هو الأكثر إثارة..
ذات الشخص يتصل بالشرطة.. في بادئ الأمر يبلغ عن الجريمة..ولكن سرعان ما يعترف بكل برود بأنه القاتل..
بل و يعطي تفاصيل دقيقة لجريمته كمكان الجريمة ونوع السلاح وما كان الضحيتان يرتديانه..
بعدها يعود الرجل بمنتهى الهدوء إلى منزله..حيث يعكف على كتابة رسالة بخط يده من عدة نسخ..
في صباح اليوم التالي تتلقى الصحف المحلية تلك الرسالة..
في تلك الرسالة يخبر ذلك الشخص الجميع بتفاصيل الجريمة..ثم في نهايتها يقوم بكتابة رموز مشفرة..ويخبرهم بمنتهى البساطة بأنهم سيكتشفون شخصيته إن استطاعوا حل تلك الشفرة..
ولا ينسى أن يذيل رسالته بطلب مهذب ورقيق برغبته في نشر تلك الرسالة في الصحف..وتحذير الجميع منه..وإلا فإنه سيستمر في ارتكاب جرائمه وقد أعذر من أنذر..
وفي النهاية يوقع رسالته بالرمز الذي أثار حيرة كل من شاهده..
دائرة يتقاطع بداخلها خطان أحدهما أفقي..والآخر رأسي..وبجوار الرمز حرفZ
وقد شبه المحققون الخطين بصليب قديم كان منتشرا في كثير من المناطق كما شبهوه بمنظار الأسلحة..
باختصار..تجد نفسك مجبرا على إكمال المشاهدة..ورغم أن الفيلم طويل نوعا (ساعتان وسبع وثلاثين دقيقة) إلا انك لا تتعب و لا تمل من المشاهدة..إذ ستجد نفسك عاشقا لما يقوم به القاتل من تلاعب بالشرطة والصحافة ومنتظرا لخطوته التالية..
بالطبع تمتنع الجرائد عن النشر بأمر الشرطة حتى لا تحدث بلبلة بين الناس..
وتجتهد الشرطة في البحث عن المجرم..ولكن كل جهودها تذهب هباء..ومع الوقت..يقل اهتمام الشرطة بالبحث عن القاتل..ربما لوجود المئات من الجرائم الأخرى التي تحدث في الولاية يوميا..ويتناساه الجميع..
ولكن القاتل المجهول لا ينسى..ولا يتوقف..بل يفاجئ الجميع بجريمة جديدة..
ويقوم هذه المرة بمباغتة شابين وتقييدهما..ثم يتحدث معهما لفترة موجها اللوم لهما لوجودهما في هذا المكان النائي في تلك الساعة المتأخرة..
ثم يخبرهما بكل برود بأنه قرر قتلهما..وبالفعل يسدد لهما عشرات الطعنات.. وخصوصا في منطقة الرقبة..
ولا يتركهما إلا جثتين هامدتين..
ولا ينسى القاتل أن يحفر علامته المميزة على سيارة القتيلين..
ثم يقوم كالعادة بإبلاغ الشرطة وينصرف بهدوء..
وتصل الشرطة والإسعاف..ويتضح أن الضحيتين مازالا على قيد الحياة..ويتم نقلهما للمستشفى على وجه السرعة..وفي المستشفى تموت الفتاة متأثرة بجراحها وينجو الفتى..وعند استجوابه يدلي بشهادة متضاربة حول ملامح القاتل وكيفية حدوث الجريمة..ويعزو رجال الشرطة ما حدث إلى الاضطراب النفسي الذي أصاب الفتى نتيجة التجربة المروعة التي مر بها..
ثم يقوم مستر Zبجريمة أخرى يذهب ضحيتها سائق تاكسي..
المثير هو أنه تمت مشاهدته بعد تلك الجريمة بقليل من قبل شرطيين و لكن لم يتم إيقافه .. فقط لأن البلاغ الذي نشر بين رجال الشرطة حينها كان يؤكد على أن القاتل رجل اسود استنادا إلى أقوال الفتى الناجي في الجريمة السابقة .. في كل هذه الحالات كانت الدلائل والشهود والرسائل تشير إلى أن القاتل شخص واحد..
وتزداد حيرة رجال الشرطة..
وهنا يجتمع ثلاثة أصدقاء..ضابط بالمباحث الفيدرالية وصحفي ورسام كاريكاتير..ويقرروا أن يكون هدفهم هو الكشف عن هوية القاتل وتقديمه للعدالة..
ثم تقع جريمة رابعة..وخامسة..وسادسة..حتى وصلت إلى 47 جريمة..
وتتزايد مكالمات القاتل للشرطة..وتتزايد رسائله التي تروي تفاصيل جرائمه للصحف..
ويزداد تخبط رجال الشرطة مع تزايد الجرائم وتناقض الدلائل واتساع قاعدة المشتبه فيهم..
حتى عندما نجت إحدى الضحايا من القتل هي ورضيعتها حيث قامت بالقفز من السيارة والفرار بينما كانت معه..إلا أن شهادتها لم تضف جديدا..بل زادت الحيرة والتخبط أكثر فأكثر..
حتى عندما تمكن أستاذ تاريخ وزوجته من فك شفرة إحدى الرسائل..لم يكن ما تم التوصل إليه أكثر من اسمه..
وبالطبع لم يكن اسمه..بل كان الاسم الذي اختاره لنفسه..(Zodiac )
المهم أن الفيلم رائع جدا..والأكثر من ذلك هو الشخصيات فقد أحسن المخرج اختيار الممثلين كما أحسن هؤلاء لعب أدوارهم بالرغم من التقليدية التي رسمت بها أدوارهم والتي استهلكت تماما في أفلام بوليسية عديدة..
حيث تم تقديم رسام الكاريكاتير على الشكل الذي يصفه الناس بالساذج.. لا علاقات مع الناس..لا أصدقاء تقريبا سوى صديقه الصحفي..لا يعرف إلا طريقا واحدا..من البيت إلى العمل والعكس..لا يدخن ولا يشرب الكحوليات..
وقد قام بدوره الممثل (Robert Gray smith )..في حين تجد زميله الصحفي عكسه تماما.. حياة صاخبة مليئة بالملذات..وقد قام بدوره الممثل(Dave Toschi )
وتجد الشرطي متفانيا عاشقا لعمله..وقد قام بدوره الممثل (William Armstrong )
ولكن هل توصل الأصدقاء الثلاثة إلى القاتل؟؟..
للأسف لا..بل إن القاتل هو الذي جلب عليهم الوبال ودمر حياتهم واحدا تلو الآخر..
فالضابط كرس كل وقته وجهده لكشف غموض القاتل..وبالفعل وصل إلى عدة حقائق جديدة ولكنه دفع الثمن غاليا..حيث تم فصله من عمله..
أما الصحفي فقد فصل أيضا من عمله وأصبحت حياته دمارا..في حين دفع رسام الكاريكاتير الثمن غاليا..لقد كانت حياته هي الثمن..وفي النهاية لم يصل أي منهم لشيء..وينتهي الفيلم والقاتل مازال حرا طليقا يخرج لسانه للجميع..
في هذا الفيلم عاش المخرج (David Fincher ) نفس الشعور ونفس الهوس الذي عاشه المحققون..فقد قام بعمل تحقيقات كبيرة بنفسه حول القاتل.. بمقابلة عائلات و أصدقاء المشتبه فيهم والضحايا..كما قام بقراءة وثائق ومحاضر وصلت إلى 10000 صفحة ...
كان فيلم (Zodiac ) عودة قوية للمخرج (David Fincher ) بعد فيلمه الذي حقق له الشهرة (Se7en )..
إضافة إلى أفلامه (The Game)( (Fight ClubوPanic room ))
ولا ننسى أنه عايش قصة القاتل الواقعية في طفولته..وعايش الرعب والهلع الذي كان يجتاح الناس وقتها..
وختاما..كان هناك فيلمان آخران يرويان قصة القاتل هما:
1-فيلم The Zodiac Killer )) إنتاج سنة 1971 للمخرج (Tom Hanson )
2-فيلم The Zodiac )) الذي تم إنتاجه سنة 2005 للمخرج (Alexander Bulkily )
ولكن فيلمنا اليوم هو أقربها إلى الواقع..
ذلك أن الفيلم الأول أنتج في بدايات السبعينيات..وحينها كانت التحقيقات ما تزال متواصلة أي أن هناك حقائق لم تذكر فيه..
أما الثاني فلم يكن سوى فيلم رعب..
كما تم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية عن ذات الوقائع..
بقي أن أقول إن الفيلم مقتبس من وقائع حقيقية حدثت في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية..
كانت سلسلة من جرائم القتل شديدة الحبكة لقاتل متسلسل حير رجال الشرطة ليس في سان فرانسيسكو وحدها..
ولكن في عموم أميركا كلها..بين عامي 1966 و 1970م..وربما كانت من المرات النادرة التي تشترك فيها المخابرات الأمريكية (C.I.A ) مع المباحث الفيدرالية (F.B.I ) في كشف غموض جريمة ما..
وبرغم تعدد الجرائم..وبرغم وجود شهود..إلا أن أحدا لم يستطع الإمساك بالقاتل..فقد كان ومازال حرا طليقا..وربما ينعم بحياته وحريته إلى الآن..وربما مات على فراشه في هدوء كما كان يفعل أثناء ارتكاب جرائمه..
وقد صيغت تلك الأحداث في كتابين هما
1- (Zodiac ) التي صدرت سنة 1986 وأعيد طباعته 29 مرة حتى الآن..
2- (Zodiac unmasked: the identity of America's most elusive serial killer revealed )
الذي صدر سنة 2002 ..
بالإضافة إلى العديد من الكتب الأخرى ومواقع الإنترنت التي تناولت تلك القصة بالتفصيل..
وما يهمنا هنا هو أن هذا الفيلم مقتبس من وقائع حقيقية كما أسلفت..
جرائم حدثت بالفعل..وهزت المجتمع الأمريكي عن بكرة أبيه..
جرائم جعلت الشرطة تقوم باستجواب 2500 مشتبه فيه..ووصلت أوراق ملف التحقيق كما أسلفت 10000ورقة
وتمت إدانة 200 متهم بصورة مباشرة قبل أن تتم تبرئتهم بعد تحليل الحمض النووي لهم..
ففي الكتاب الذي ألفه Robert Gray smith )) كان هناك اتهام مباشر لشخص يدعى(Arthur Leigh Allen ) بكونه القاتل كما تم اتهام (Theodore John Kaczynski) ,(Andy Walker), (Bruce Davis), (Lawrence Kane), (Michael O'Hare), (Rick Marshall )
ومع ذلك لم يتم التوصل لشيء..
وفي ابريل 2004 قامت شرطة (San Francisco ) بإغلاق باب التحقيق في القضية رسميا رغم أن المجرم لم يعرف بعد.. وتم قيد الجرائم ضد مجهول..
كما يجدر بالذكر أن القضية لم تغلق بعد في مدن (Napa ) و (Vallejo )..
وفي النهاية صنفت القضية في دوائر الشرطة الأمريكية كأحد أعقد وأغرب القضايا في التاريخ..
ذلك أن القاتل لم يكن متخفيا..بل ولم يكن يضع أية أقنعة عند تنفيذ جرائمه..
جرائمه التي استحقت ذلك اللقب المثير.. (الجريمة الكاملة)..
ونتبع بالتفاصيل...
تعليق