صفقة فاوست
والتعامل مع الشيطان أو التحالف معه أو لنقل " الصفقة الفاوستية " هي فكرة منتشرة في الغرب أيضاً وأكثر ما تتجلى ثقافياً في أسطورة فاوست والكائن المسمى ميفيستوفيليس (إقرأ عن أسطورة فاوست أدناه) كما أنها عنصر أساسي في قصص المورورث الشعبي المسيحي ، وتندرج هذه الفكرة أيضاً في مرجع آرني-تومبسون تحت بند
" العقد مع الشيطان " .
ووفقاً للإعتقاد المسيحي في ممارسة السحر يعتبر التحالف بين شخص ما والشيطان نفسه أو أياً من الشياطين الأخرى تبادلاً يقدم فيه الشخص نفسه مقابل خدمات شيطانية، تختلف هذه الخدمات من قصة إلى أخرى لكنها في المجمل تحمل وعوداً بتحقيق الرغبات. ويعتقد أيضاً أن بعض الأشخاص قدموا في هذا التحالف إعترافاً بسيادة الشيطان عليهم حتى بدون مقابل.
من الواضح أيضاً أن الإنجازات التي توصف بأنها " خارقة " قد تعزى من قبل البعض إلى شكل من التحالف مع الشيطان بدءاً من الإنجازات العمرانية المدهشة كجسور أوروبا الشيطانية وإنتهاء بتقنيات عزف الكمان البديعة لدى نيكولو باغانيني.
أسطورة فاوست
فاوست أو فاوستوس ( يعني باللغة اللاتينية " الميمون " أو " المحظوظ" ) هو بطل أسطورة ألمانية تقليدية، مع أن فاوست كان واسع العلم وناجح للغاية إلا أنه لم يكن راضياً عن ذلك فعقد صفقة مع الشيطان ومنح نفسه له مقابل أن يزوده بمعارف غير محدودة وملذات دنيوية. وكانت حكاية فاوست أساساً للعديد من الأعمال الأدبية والفنية والسينمائية والموسيقية.
وقد جرى تفسير معنى كلمة فاوست والصفة منها " فاوستي " على مر العصور بأشكال مختلفة لكن غالباً ما كانت تعني إجراء يسلم فيه الشخص الطموح نزاهتة الأخلاقية من أجل تحقيق النفوذ والنجاح على غرار المثل القائل : " صفقة مع الشيطان" .
اقتبست مسرحيات من بينها مسرحيات للدمى إلى تلك الأسطورة ولقيت شعبية كبيرة في أرجاء ألمانيا وذلك في القرن الـ 16 وكانت أغلبها تقدم شخصية فاوست وميفيستوفيليس بشكل هزلي. ومن ثم انتشرت قصة الأسطورة في بريطانيا من خلال كريستوفر مارلو الذي طرحها بشكل كلاسيكي في مسرحيته : " التاريخ المأساوي للدكتور فاوست" . وقد قام الشاعر غوته الألماني الشهير بإعادة صياغة القصة بعدها بـ 200 سنة حيث أصبح فاوست ذلك الشخص المفكر المستاء الذي لا يرضى والذي يتوق لشهوات الدنيا بلحومها وشرابها.
ملخص قصة فاوست
على الرغم من لمعانه الفكري كان فاوست يائساً ، فقرر أن يدعو الشيطان ليمنحه المزيد من المعرفة والقوى السحرية التي تجعله ينغمس بالشهوات وبمعرفة العالم حوله فأستجاب الشيطان لدعوته من خلال ممثله (ميفيستوفيليس ) وهو أحد الشياطين السبع الكبار لكي يعقد صفقة مع فاوست وهي أن يقوم (ميفيستوفيليس ) بخدمة فاوست بالقوى السحرية لعدة سنوات على أن يستحوذ الشيطان على روح فاوست عند نهاية مدة العقد لكي تحل عليه اللعنة للأبد . وكانت القصص الأولى عن الأسطورة تتحدث عن مدة عقد يصل إلى 24 سنة.
خلال مدة العمل بالعقد يمكن لـ فاوست أن يستخدم ميفيستوفيليس بطرق مختلفة. وفي إصدارات عديدة من القصة ولا سيمادراما غوته يقوم ميفيستوفيليس بإغواء فتاة جميلة وبريئة تدعى جريتشين مما دمر حياتها في نهاية المطاف ومع ذلك ساهمت براءة جريتشين في النهاية من دخولها إلى الفردوس ( النعيم ).
في القصص القديمة عن الأسطورة وبعد نهاية العقد مع الشيطان يرى فاوست أن خطاياه كبيرة ولا يمكن غفرانها فيلقى به في الجحيم ، أما في عمل غوته يقاوم فاوست ويكون محفوظاً بنعمة الرب وبتوسلات جريتشين (رمز الأنوثة الأبدي) لكي يحظى بالمغفرة . فيتوب ويرسل إلى النعيم.
كان وما زال لأسطورة فاوست دور مؤثر على خيال المؤلفين والكتاب شمل فن السينما حيث ألهمتهم بنفس الفكرة الدينية القديمة .
من هو فاوست في التاريخ
نظراً للتناول المبكر لشخصية فاوست من قبل الأساطير والأدب فإنه من الصعب جداً إبراز معلومات دقيقة وتاريخية عن حياته ، حتى أنه في القرن الـ 17 كانت هناك شكوك تحوم حول الوجود التاريخي لـ فاوست ، فبعض المعلومات عن الشخصية الأسطورية تشير إلى أن عاملاً في مطبعة في مدينة ماينز يدعى يوهان فاوست ، وقد بحث (يوهان جورج نيومان) في عام 1683 ليجد إجابات عن الأصل التاريخي لـ فاوست لكنه حصل على عدد من الشخصيات المختلفة زعم كل منها أنها فاوست وعدة أماكن انطلق منها.
وفي عام 1506 يوجد سجل عن ظهور فاوست كمؤدي حيل سحرية وتنجيم في مدينة غيلنهاوسن . وعلى مدى 30 سنة تبعتها يوجد عدد هائل من السجلات المشابهة والمنتشرة في أرجاء من جنوب ألمانيا . ظهر فيها فاوست كفيزيائي وطبيب في الفلسفة وخيمئائي وساحر وفلكي وكان يتهم غالباً بأنه غشاش ، وبأن الكنيسة كانت تتستنكر أعماله وتنظر إليه كخارج عن الدين وفي فئة أتباع الشيطان.
ويقال أنه فاوست لاقى حتفه في عام 1540 أو 1541 في إنفجار بسبب تجربة خيميائية في فندق يدعى زوم لوفين في ستاوفين. وقيل أن جسمه كان مشوه بشكل مأساوي حيث فسر ذلك أنه ناجم عن تأثير الشيطان الذي جاء بنفسه لأخذه أو بسبب أعدائه الحاسدين ، ويقول عالم اللاهوت يوهان غاست أن فاوست عانى من ميتة شنيعة، وبأن وجهه كان يلتفت لعدة مرات نحو الأرض رغم أن جسمه كان ملقى على ظهره .
الساحر والشيطان
ورد ذكر 4 طرق في الموسوعة لعالمية للسحر يزعم أنها تمنح من يقوم بها القدرة على السحر ، لأن السحر الحقيقي والعميق الأثر (كما يزعم) لا يتم إلا بمساعدة شيطانية محضة، ومن البديهي أن لا يقدم الشياطين للبشر تلك الخدمات بشكل مجاني ما لم يلتزم البشر بالمقابل بتقديم خدمات مهينة ومنحطة إلى الشياطين تشمل تقديم قرابين وممارسات جنسية شاذة تجسد ولاءهم للشيطان أو وهبهم أنفسهم له، للمزيد إقرأ هنا.
شخصيات زعم أنها وهبت نفسها للشيطان
نذكر فيما يلي قصة مختصرة عن شخصين زعم أنهما باعاً أنفسهما للشيطان ، هما البابا سيلفستر الثاني و مغني البلوز الشهير روبرت جونسون فهل حدث ذلك فعلاً أم أن هناك أسباباً أخرى وراء إنتشار أساطير حولهما لا تتصل أصلاً بالشيطان :
1- راهب بودلازيس
في المكتبة الوطنية لمدينة براغ عاصمة دولة التشيك تعرض مخطوطة ضخمة تعرف باسم Codex Gigas وتقول الأسطورة أنها كتبت بمساعدة الشيطان مقابل صلاة خاصة وجهها راهب الدير للشيطان بدلاً من الله . ولما انتهى الكتاب أضاف ذلك الراهب صفحة فيه تصور الشيطان كعرفان منه للجميل الذي أسداه له. ويمكنك قراءة المزيد عن تلك الأسطورة هنا.
2- البابا سيلفستر الثاني
ونظراً لدوره في مكافحة جذور الفساد في الكنيسة ومنها شراء المناصب الكهنوتية وصلته بالعلوم واتباعه مناهج التفكير العقلاني دارت شائعات وأساطير حوله اعتبرته ساحر أو مشعوذ في جماعة الشيطان. كما اتهمه أعداءه بدراسة علوم السحر والتنجيم (الفلك) في مدن إسلامية مثل قرطبة واشبيلية وحتى في جامعة القرويين في المغرب مما سمح لأساطير تنال سمعته وتصوره من أتباع الشيطان في اللوحات الفنية.
ولم يكن سيلفستر الثاني أول بابا اشتبه بممارسته للسحر إذ طال هذا الإشتباه يوحنا الحادي عشر وينديكت الثاني عشر ، وجرى التحقيق مع غريغوري الثاني عشر حول ممارسات سحرية مزعومة في عام 1409
3- المغني روبرت جونسون
روبرت لي روي جونسون (1911 - 1938) هو موسيقي ومغني أمريكي نمط بلوز Blues ولديه موهبة العزف على الغيتار وكتابة الأغاني وموهبته أثرت بشكل كبير على الأجيال التي أتت بعده من الموسيقيين ، لكن حياته التي لم توثق كثيراً ووفاته بعمر 27 سنة ساهمت في صنع أسطورة حوله بما فيها قصة بيع نفسه للشيطان (فاوستي) . ورغم أنه كان مؤدياً بارعاً في الأزقة وزوايا الشوارع وليلاً رقص السبت فإن الفرصة لم تكن تسنح له ليلاقي نجاحاً جماهيراً أو تجارياً يستحقه طوال حياته.
ومن تلك الأساطير أسطورة تقول بأنك هناك شاب اسمه روبرت جونسون ويعيش في مزرعة من أرياف نهر الميسيسبي ولدي رغبة جامحة في أن يكون مغني بلوز عظيماً، فأتاه أمر لكي يأخذ غيتاره إلى منطقة تقاطع شوارع بالقرب من مزرعة دوكري في منتصف الليل، وهناك قابل رجل ضخم وأسود (الشيطان) الذي أخذ الغيتار منه ودوزنه . عزف الشيطان عدد من الاغاني وأعاد الغيتار إلى جونسون مانحاً إياه التفوق عليه ، وهذا ما يطلق عليه "عهد مع الشيطان" أكثر ما يتجسد في أسطورة فاوست، ومقابل بيع نفسه للشيطان أصبح جونسون قادراً على إبتكار البلوز. ومما يجدر بالذكر أن لدى روبرت جونسون أغنية تحمل عنوان 'selling your soul to the Devil' أو" بيع نفسك للشيطان ".
4- مشاهير آخرون
من عالم الموسيقى نذكر :
- نيكولو باغانيني : قد لا يكون نيكولو باغانيني وهو عازف كمان إيطالي مسؤولاً عن بدء الإشاعات ولكن كان له دور طوال فترة انتشارها.
- غيسسبي تارتيني: هو عازف كمان وملحن إيطالي من فينيسيا يعتقد أن لحنه الموسيقى المسمى "التغريدة" استلهمه من ظهور الشيطان أمامه في الحلم.
- الليدي غاغا Lady GaGa : وهي مغنية نمط آر إن بي RnB
ومن المشاهير خارج عالم الموسيقى نذكر :
- جوناثان مولوتون : زعم أن جوناثان مولتون ( قائد لواء في ميليشيا هامبشاير من القرن الثامن عشر ) قد باع نفسه للشيطان وأنه كان يجد جزمته ممتلئة بالنقود الذهبية عندما يعلق نفسه على الموقد في كل شهر.
- تومي موتولا : هو صاحب شركة تسجيلات كازابلانكا.
استخدام ديني - سياسي للمصطلح
كثيراً ما جرى استخدام مصطلح " التحالف مع الشيطان " بشكل ميتافيزيقي لإدانة شخص أو جماعة من الأشخاص عُرف عنهم التعاون مع شخص شرير أو نظام . على سبيل المثال استخدم هذا المصطلح في قضية رودولف كاستنر التي أثارت جدلاً في إسرائيل والذي زعم فيها أنه تواطأ مع أدولف إيشمان خلال المحرقة النازية التي تدعى بـ هولوكوست في عام 1944 في المجر ويرى البعض أنه جرى استخدام هذا المصطلح لإثارة الكراهية عند الجماهير باتجاه كاستنر فتوجت في حادثة إغتياله في نهاية المطاف.
وفي مثال آخر يستخدم النظام في إيران مصطلحات سياسية- دينية مشابهة في الخطابات كجزء من الدعاية السياسية ضد عدوه الولايات المتحدة الأمريكية واصفاً إياها بالشيطان نفسه أو حليف الشيطان أحياناً.
تعليق