كيف نعالج داء الحسد إذا بدأ يتغلغل في قلوبنا ؟
الحسد من أخطر أمراض القلوب ، وقد يتغلغل في القلب بطريقة تدريجية دون أن ينتبه إليه الإنسان ؛ ويبدأ يتحول إلى مرض عضال لا فكاك منه إلا بصعوبة شاقة ، وهذا المعنى أشار إليه بعض الأعراب بقوله : « ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه . » ([1]) فالحسد يقلب صاحبه إلى مظلم أو مظلوم يرى نعمة الله على الغير نقمة عليه ، وهو يريد دفع الأذى عن نفسه ، ولا يندفع الأذى عنه إلا بزوال النعمة عن المحسود ، وهذا المعنى الذي يصل إليه الحاسد أشار إليه معاوية بقوله : « كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة ؛ فإنه لا يرضيه إلا زوالها . » وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى بقوله :
كل العداوات قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حسد ([2])
من هذا الوجه يتبين لنا مدى خطورة الحسد إذا استمكن من قلب العبد ؛ لذا علاجه يتضمن جانباً علمياً وجانباً عملياً ، وذلك على النحو التالي :
أولا: الجانب العلمي .
نقصد بالجانب العلمي تلك المعرفة التي تبصرنا بنتائج الحسد وعاقبته على صاحبه في الدين والدنيا ، ومن هذه النتائج :
نقصد بالجانب العملي تلك الإجراءات التي يقوم به كل من شعر بنار الحسد قد تغلغلت إلى قلبه ، ومنها :
1- معرفة أسباب الحسد وحسم مادتها من القلب .
فالحسد ينتج عن أسباب منها البغضاء والكبر والعجب ، والأصل في المسلم أن ينتبه للسبب الذي أشعل نار الحسد في قلبه وليعالجه .
2- الدعاء بالبركة إذا أعجبه شيئاً للغير .
إذا رأى الإنسان شيئاً يعجبه عند الغير فليبادر بالدعاء بالبركة لصاحبه ، إما أن يقول : بارك الله لك فيه ، أو يقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، أو يقول : تبارك الله أحسن الخالقين .
3- نزع بذور الحسد من القلب بمعاندتها وفعل نقيضها .
إذا وجد الإنسان للحسد بذوراً في قلبه ، فليبادر بقلعها قبل أن تنبت خبثاً في قلبه ، وذلك بفعل نقيضها ، فغن حمله الحسد على قدح في محسوده وذمه ، فليبادر بسرعة بمدحه وذكر محاسنه ، وإن ألزمه الحسد التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه ، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه .
هذه بعض الأدوية النافعة في دفع مادة الحسد وحسمها من القلوب إلا أنها مرة على القلوب ، والنفع في الدواء المر ، ومن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء .
([1])حوى : المستخلص ( 177)
([2])حوى : المستخلص ( 177)
([3]) ابن عبد ربه : تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين ( 204 )
([4])ابن عبد ربه : تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين ( 200 )
([5]) الشهاوي : الحسد ( 75)
المصدر : مدونة نداءالروح للدكتور محمد المبيض
نداء الروح
ملاحظة في الموقع مواضيع عدة تتعلق بالمس والحسد
الحسد من أخطر أمراض القلوب ، وقد يتغلغل في القلب بطريقة تدريجية دون أن ينتبه إليه الإنسان ؛ ويبدأ يتحول إلى مرض عضال لا فكاك منه إلا بصعوبة شاقة ، وهذا المعنى أشار إليه بعض الأعراب بقوله : « ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه . » ([1]) فالحسد يقلب صاحبه إلى مظلم أو مظلوم يرى نعمة الله على الغير نقمة عليه ، وهو يريد دفع الأذى عن نفسه ، ولا يندفع الأذى عنه إلا بزوال النعمة عن المحسود ، وهذا المعنى الذي يصل إليه الحاسد أشار إليه معاوية بقوله : « كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة ؛ فإنه لا يرضيه إلا زوالها . » وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى بقوله :
كل العداوات قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حسد ([2])
من هذا الوجه يتبين لنا مدى خطورة الحسد إذا استمكن من قلب العبد ؛ لذا علاجه يتضمن جانباً علمياً وجانباً عملياً ، وذلك على النحو التالي :
أولا: الجانب العلمي .
نقصد بالجانب العلمي تلك المعرفة التي تبصرنا بنتائج الحسد وعاقبته على صاحبه في الدين والدنيا ، ومن هذه النتائج :
1- الحسد موبق للإيمان ومفسدٌ له في القلوب وذلك لما فيه من تسخط على قدر الله واعتراض على قسمته وقضائه ، وكراهية نعمته على عباده ، واتهام لعدل الله في أرضه ، فالحاسد عدو النعمة وناقم على مقسمها ومقدرها ، وهذه الأمور تعتبر من أعظم الجنايات على الإيمان والتوحيد ، يقول بعض الحكماء : « ما أمحق للإيمان ، ولا أهتك للستر من الحسد ، وذلك أن الحاسد معاند لحكم الله ، باغ على عباده ، عاتٍ على ربه ، يعتد نعم الله نقماً ، ومزيده غِيراً ، وعدل قضائه حيفاً ، للناس حال ، وله حال ، ليس يهدأ ليله ولا ينام جشعه ، ولا ينفعه عيشه ، محتقرٌ لنعم الله ، متسخطٌ ما جرت به أقداره ، لا يبرد غليله ، ولا تؤمن غوائله ، إن سالمته وترك ، وإن واصلته قطعك ، وإن صرمته سبقك » . ([3])
2- الحسد يورث في القلب مرارة وغماً وناراً تشتعل في النهاية بصاحبها ، وهذا المعنى أشار إليه الشاعر بقوله : اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله ... فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله . والحسد يخلف في القلب كمداً وعذاباً متجدداً ولا يزال الحاسد مغموماً يتعذب بكل نعمة يراها ويتألم ويتحسر لكل بلية تنصرف عن المحسود .
3- الحسد ليس فيه ضرر على المحسود بل جل ضرره بالحاسد ، لأن النعمة لا تزول عن العبد بالحسد ، بل بما قدره الله I ، ولكل نعمة أجل مقدر .
4- الحسد يترتب عليه في الغالب تردي حالة الحاسد وحرمانه من نعم الله I ، ويبتلى من نفس الوجه الذي يتمناه للغير ؛ لذا ندر أن تجد حاسداً أو ساحراً منعماً مطمئناً ، بل حياة مضطربة وسوء عاقبة وبوار في الدنيا والآخرة ، ومحق لأرزاقهم ، قال سليمان التيمي : « الحسد يضعف اليقين ، ويسهر العين ، ويكثر الهم » . ([4])
5- الحسد يترتب عليه الخسران الأكبر في الآخرة ، وتلك القلوب السوداء المعادية لنعم الله ليس لها نصيب في النعمة الكبرى ( الجنة ) بل مأواها جهنم وساءت مصيراً .
6- الحاسد أخو إبليس في الشر ، فكلاهما لا يتمنى رؤية النعمة على بني آدم ويسعى لزوالها ، وقال بعض الحكماء : « أسد تقاربه خير من حسود تراقبه » . ([5])
7- الحاسد بحسده لا ينال من المجتمع حوله إلا مذمة وذلاً ولا ينال من الملائكة إلا بغضاً ولعنة ، ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً ، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولاً ، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالاً ، ولا ينال في النار إلا حراً واحتراقاً ، والحسود نفَس دائم ، وهم لازم ، وقلب هائم ، وليس في خصال الشر أعدل من الحسد ؛ يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود .
الجانب العملي :نقصد بالجانب العملي تلك الإجراءات التي يقوم به كل من شعر بنار الحسد قد تغلغلت إلى قلبه ، ومنها :
1- معرفة أسباب الحسد وحسم مادتها من القلب .
فالحسد ينتج عن أسباب منها البغضاء والكبر والعجب ، والأصل في المسلم أن ينتبه للسبب الذي أشعل نار الحسد في قلبه وليعالجه .
2- الدعاء بالبركة إذا أعجبه شيئاً للغير .
إذا رأى الإنسان شيئاً يعجبه عند الغير فليبادر بالدعاء بالبركة لصاحبه ، إما أن يقول : بارك الله لك فيه ، أو يقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، أو يقول : تبارك الله أحسن الخالقين .
3- نزع بذور الحسد من القلب بمعاندتها وفعل نقيضها .
إذا وجد الإنسان للحسد بذوراً في قلبه ، فليبادر بقلعها قبل أن تنبت خبثاً في قلبه ، وذلك بفعل نقيضها ، فغن حمله الحسد على قدح في محسوده وذمه ، فليبادر بسرعة بمدحه وذكر محاسنه ، وإن ألزمه الحسد التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه ، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه .
هذه بعض الأدوية النافعة في دفع مادة الحسد وحسمها من القلوب إلا أنها مرة على القلوب ، والنفع في الدواء المر ، ومن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء .
([1])حوى : المستخلص ( 177)
([2])حوى : المستخلص ( 177)
([3]) ابن عبد ربه : تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين ( 204 )
([4])ابن عبد ربه : تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين ( 200 )
([5]) الشهاوي : الحسد ( 75)
المصدر : مدونة نداءالروح للدكتور محمد المبيض
نداء الروح
ملاحظة في الموقع مواضيع عدة تتعلق بالمس والحسد
تعليق