والدته كانت السبب
من صبي خجول الى سفاح قاتل
رغم مرور قرابة الشهرين على صدور الحكم بحق الارهابي النرويجي اندرش بريفيك، الا ان تداعيات العملية التي قام بها لا زالت تغري الكثير من الكتاب والباحثين، لدراستها والتمعن فيها، ربما للعنف الذي اتسم به فعل بريفيك، ما يعد امرا غريبا على المجتمعات الاوربية.ومؤخراً، صدر كتاب، يروي فيه مؤلفه، تفاصيل مخفية عن الطفولة التي عاشها، النرويجي بريفيك، معلنا ان والدته كانت سبب الكراهية التي دفعت به، للقيام بعمله الاجرامي في اوتاوا، تموز العام 2011.ويرى باحثون ان بريفيك لم يستند الى نهج او ايدلوجية فكرية معينة في ما اقدم عليه من عمل راح ضحيته 77 شخصا، نصفهم كان من الشباب الذين تقل اعمارهم عن الـ 17 عاما، بل كان عملا لم يخرج عن كونه، رد فعل ذاتي شخصي منعزل، لا يستند على اية خلفية سياسية او ايدلوجية فكرية معينة، ورغم ما عرف عنه من ارتباطات بجماعات يمينية متطرفة، تنشط في عدد من الدول الاوربية، الا انه لم يكن هناك من جهة تبنته او تبنت فعلته.ولم تتردد حركات نازية اوربية، معروفة بعداءها للاسلام والمسلمين، والتي يطلق عليها تسمية الـ Antimuslim (ضد الأسلام)، في وصفه بالشخص المجنون الذي لم يفهم الايدلوجيات التي تتبناها تلك الحركات والتي تهدف الى تقويض الاسلام والمسلمين في اوربا، فيما نبذ حزب ديمقراطيي السويد، المعروف بعداءه الصريح للهجرة والمهاجرين، العمل الذي قام به بريفيك، مشيرا الى ان سياسة الحزب لا تبنى على تلك الاعمال.بريفيك الذي لم يعتبر عمله جريمة، اقرّ، بقتل 69 شخصا في المعسكر الصيفي الشبابي الذي كان يقيمه حزب العمال في جزيرة اوتاوا، 67 منهم من لقوا حتفهم بعد ان فتح بريفيك النار عليهم مباشرة من الرشاش الذي كان يحمله، متعمداً القضاء عليهم، فيما لقى ثمانية اخرون مصرعهم في الانفجار الذي احدثه في اوسلو، مبررا ذلك وكما أعلن في المحكمة، بسعيه الحفاظ على العرق النرويجي والاوربي ورفض تعدد الثقافات التي تشجع الاسلام والماركسية وتجعلانهما قوتان مهيمنتان على المجتمعات الاوربية. بريفيك ذو الابتسامة الساخرة...وطوال الاسابيع العشرة التي استغرقتها محاكمة بريفيك قبل الحكم عليه في الـ 24 من آب الماضي، بالسجن 21 عام، قابلة للتمديد كل خمسة أعوام، تميز بريفيك بالتحية النازية التي أداها مرتين او ثلاثة مرات، وبهدوءه وابتسامته الساخرة التي لم تفارقه، رغم ما رافق تلك الجلسات من شهادات ذوي الضحايا والناجين من المجزرة التي قام بها، والقصص المفعمة بالمشاعر التي تذكروا فيها ابناءهم واحباءهم الراحلين، حتى انه لم يخرج عن هدوءه بعد ان اُستهدف بضربة حذاء، اخطأت هدفها الى محامي الدفاع فيبيكي هاين بايرا، وُجهت اليه من قبل الشقيق الاكبر، لعراقي لقى حتفه في اوتاوا، وما اعقبه ذلك من تصفيق حاد في قاعة المحكمة، تأييدا لقاذف فردة الحذاء. حتى في هذه الحالة، اكتفى بريفيك بتعليقه على الحدث، قائلاً « إذا أراد أحد أن يضربني بشيء، فليفعل ذلك خلال دخولي أو خروجي، وليس استهداف المحامي».ويعود تاريخ الابتسامة الساخرة التي كانت السمة الابرز على وجه بريفيك الى طفولته، التي افتقرت الى الرعاية والاهتمام العائليين، حسب ما يؤكد باحثون، تابعوا قضيته ومسيرة حياته منذ نعومة أظافره وحتى تنفيذه عمله الاجرامي.وخلال جلسات المحاكمة، وبأمر منها، خضع بريفيك لفحص دقيق ودراسة حول وضعه النفسي، وفيما اذا كان مختلا عقليا، ربما لقناعتها من ان العمل الذي اقدم عليه لا يقدم عليه شخص، يملك السيطرة على قواه العقلية وانفعالاته العاطفية، غير ان تلك الفحصوصات لم تثبت ان بريفيك، مصاب بأختلال عقلي، وكل ما أعلن عنه طبيباه النفسيان، وبعد جلسات عدة، عقداه معه، ان بريفيك مصاب بداء العظمة.ورحب بريفيك بالنتيجة مبتهجا، بعد ما حاول جاهدا درء شبهات اصابته بمرض عقلي، بل أنه أكد مرات عدة، بأنه سليم العقل، معلنا مسؤوليته الكاملة والواعية عن العمل الذي قام به، كما اكد أيضا على أنه كان يحتفظ بقائمة من الاسماء التي خطط لتصفيتها مستقبلا، بالاضافة الى اعمال ارهابية اخرى، مماثلة للتي قام بها في اوتاوا.يمارس الرياضة والكتابة في السجنوخلال عام كامل، استلزمتها مدة التحقيق والمحاكمة، وضع بريفيك في سجن ILA الذي يقع على بعد ميل واحد خارج العاصمة اوسلو، حيث وضع في حبس انفرادي، محاطا بـ 30 شرطيا، منع عليهم منعا باتا، الحديث اليه او اجراء اي حوار معه، من غير تكليف ادارة السجن بذلك، كما منع عليه الأختلاط مع بقية السجناء.وفي الحقيقة، فأن الغرفة التي يُسجن فيها بريفيك، والبالغة مساحتها 8 متر مربع، تتألف من ثلاثة أقسام، قسم للنوم، وآخر للكتابة، وثالث للتمارين الرياضية. وجميع قطع الأثاث التي وضعت في غرفته بالسجن، مثبتة، بأحكام بأرضية الغرفة والجدران السميكة المكسية باللون الأبيض.وتضم غرفة الكتابة، لوح خشبي مثبت بالحائط، مكونا ما يشبه المنضدة، وضع عليه كومبيوتر (محمول)، خالي من خدمة الانترنيت، الا من صفحة ويكيبيديا التي كان يسجل فيها ملاحظاته، حيث كان يستخدم الكومبيوتر ثلاث ساعات في اليوم، فيما ضمت غرفة التمارين، اجهزة رياضية، للجري واخرى لتمارين العضلات مع سجادة رياضية خاصة، وعلى الحائط، علق بريفيك جدوله الخاص الذي وضعه بنفسه للتمارين الرياضية. وخلال وجود بريفيك في السجن اثناء فترة المحاكمة، بدأ بتأليف ثلاثة كتب، الاول عن المجزرة التي قام بها في جزيرة اوتاوا، والثاني عن الايدلوجيات الفكرية التي يؤمن بها ويسير عليها، وكتاب ثالث عن المستقبل، ربما وضح فيه بريفيك، رؤيته حول ما يؤمن به من معتقدات.ووفقا لـ بريفيك، فأنه كان يمضي من 8 – 10 في اليوم، لممارسة الرياضة والكتابة والاستماع الى الموسيقى واستخدام الكومبيوتر والتحضير للقاء محاميه والمحكمة.الافتقار الى أجندة واضحة ورغم تزايد نشاط الاحزاب والحركات النازية اليمينية المتشددة في عموم الدول الاوربية وفي امريكا، الا ان الكثير منهم، انتقد الفعل الذي قام بريفيك، اذا نأى حزب ديمقراطيي السويد، المعروف بعداءه العلني والصريح للاسلام والمسلمين، والذي عد فوزه في الانتخابات السويدية الماضية، ايلول 2010، صدمة موجعة للمجتمع والسياسيين السويديين، نأى بنفسه عما قام به بريفيك، حيث أكد الحزب عدم وجود اية روابط ايدلوجية تربطه بـ بريفيك وان الاراء والافكار التي يحملها لا تستحق اخذها على محمل الجد، بل ان ديمقراطيي السويد، وجدوا ان بريفيك لا يملك اي رؤية او أجندة سياسية واضحة في خطابه.وفي مقاربة بين ما قام به بريفيك، ونظيره من التيار الاسلامي المتشدد تيمور عبدالوهاب الذي فجر نفسه في احدى اهم شوارع العاصمة السويدية ستوكهولم، كانون الاول (ديسمبر) 2010، والسلفي الفرنسي من اصول جزائرية محمد ميراح، الذي كان مسؤولا عن مقتل عدد من الطلبة اليهود وحاخام يهودي وثلاثة جنود فرنسيين من اصول مغربية في مدينة تولوز الفرنسية، اذار العام الجاري 2012، تبرز الافكار التي استند عليها الثلاثة، اذ أتخذ الثلاثة من العنف طريقة لتنفيذ اهدافهم ومخططاتهم، رغم اختلافات ايدلوجياتهم الفكرية.ويرى مختصون اوربيون مختصون في شؤون الأرهاب ان تيمور عبدالوهاب، وكان في الـ 28 من عمره، عندما لقى حتفه في التفجير الارهابي الذي خطط له وقام به، أستمد أفكاره من الاسلام الراديكالي المتشدد، حيث كانت له علاقاته مع جهات تتبنى هذه الافكار، والتي تتبلورت اثناء فترة دراسته الجامعية في بريطانيا، وانتهت بمقتله، باحد القنابل المتفجرة التي قام بتصنيعها يدويا. في حين اعتبر محمد مراح، الذي كان في الـ 24 من عمره عندما اقدم على جريمته التي هزت الشارع الفرنسي، وانتهت بمصرعه، اعتبر عمله «مقدسا»، مستلهما ذلك من الفكر الجهادي السلفي، الذي ترسخ لديه من خلال زيارته المستمرة الى افغانستان وباكستان، والاتصال بتنظيم القاعدة، وقناعاته بأن جميع اليهود، يتحملون مسؤولية ما حل بفلسطين، وهو ما عزا اليه قتله للاطفال اليهود. وبناء على ما ذكر أعلاه، يبين المختصون ان العمل الذي اقدم على فعله بريفيك، لا يستند على سياسة او ايدلوجية فكرية معينة، تفرض عليه، الاقدام على ما فعله، لتحقيقها، بمعنى ان الفكر الذي تبناه بريفيك، هو فكر منعزل، مولود من قرارة نفسه، وليس بالضرورة ان يكون متبعا، حتى من قبل الجماعات التي تحمل نفس المنطلقات او التوجهات التي برر بها بريفيك عمله.يقول خبير الارهاب والتر لكيرر بأنه يوجد ما يزيد على الـ 100 تعريف للأرهاب، لكن من الصعب تحديد اكثرها دقة، لكنه يرى بأن ما يوحد جميع هذه التعاريف، هو استخدام العنف، لتحقيق الاهداف، وغالبا ما يكون هذا العنف، موجها ضد المدنيين، بهدف الضغط على حكوماتهم او مروؤسيهم من اجل تحقيق الاهداف التي تقوم بها الجهة المعنفة. معتقدات بريفيكوفقا للبروفيسور الفلسفة توربيون تينخو في جامعة ستوكهولم، فأن بريفيك يعتقد ان الحضارة الغربية، تواجه تهديدا خطيرا من قبل الاسلام الراديكالي، واذا لم يفعل الغرب شيء تجاه ذلك، فسيكون هناك ما اطلق عليه بريفيك بـ «العدوان الديموغرافي»، بمعنى ستتحول الاقلية المسلمة في الغرب الى اغلبية بعد تزايد اعداد المهاجرين منهم الى اوربا.ويرى البروفيسور تينخو ان بريفيك استخدم، استراتيجيتين في دفاعه عن هدفه الاساسي، الأول تمثل بقتل عدد كبير من الشباب الذين كانوا باعتقاده مذنبين، معتبر اياهم مثل الجنود الذي يلقون حتفهم في معركة ما، تندلع من اجل انتصار قوة او جهة ما، بمعنى انهم يمثلون، ثمن لا بد منه، مقابل تحقيق الهدف الذي من اجله، أقدم بريفيك على عمله الارهابي.ووفقا لوجهته لابد من ان يكون هناك ضحايا من اجل تحقيق اهدافه التي يؤمن بها، فرغم ان الشباب كانوا الذبيحة الاكبر في جريمة بريفيك الا انه كان يعتقد بانهم مذنبين، تماما كما توظف الحركات الاسلامية المتشددة افكارها في قتل المدنيين والابرياء من اجل تحقيق اهداف سياسية او عسكرية.والاستراتيجية الثانية التي يتحدث عنها البروفيسور تينخو هي، اقتداء بريفيك بما قامت به الولايات المتحدة في قصفها هيروشيما وناكازاكي في اليابان في العام 1945، وكيف انها اقدمت على قتل ما يزيد عن 140 الف في هيروشيما و 80 الف في ناكازاكي من اجل تحقيق اهدافها في البلد واستسلام اليابان الذي تم بعد ايام من التفجير.والدة بريفيك كانت السبب...يروي الكاتب والناقد النرويجي Aage Storm Borchgrevink في كتابه «En norsk tragedi - Anders Behring Breivik och vägen till Utøya” – تراجيديا نرويجية... بريفيك والطريق الى اوتاوا»، تفاصيل مخفية من طفولة بريفيك، كاشفا عن والدته كانت السبب في ما وصل اليه من كراهية وعدائية.ووفقا لما نشرته الصحافة السويدية عن الكتاب، فأن الكاتب يشير الى الطفولة القاسية والمرعبة التي عاشها بريفيك والتي قادته الى الجريمة والقتل الجماعي في جزيرة اوتاوا، رغم ما عرف عنه من شخصي هادئة وخجولة.واستقى الكاتب معلوماته من حديث غير معلن، دار بينه وبين بريفيك ومن المعالج النفسي والاجتماعي الذي كان يهتم بعائلة بريفيك اثناء ترددها عليه في العام 1983، اي عندما كان بريفيك اربعة اعوام فقط.وفي الكتاب، وصف الكاتب والدة بريفيك التي كانت تعمل ممرضة على انها «مريضة وقلقة»، وبأن الكراهية التي كان يحملها بريفيك، مصدرها حرمانه من الرعاية الاسرية، وافتقاره الى الاستقرار في حياته العائلية.ولاقى الكتاب أنتقاداً في النرويج، اذ أنتقد محامي بريفيك كير ليبستاد، المعلومات الواردة فيه، مشيرا الى ان بريفيك، بنفسه وصف طفولته بالجيدة، كما رد قائلا «انه من المؤسف وبعد 30 عاما ان يكون هناك طرح بهذا الشكل من دون ان يؤخذ بنظر الأعتبار الامر بشكل كامل».ولم تعلق والدة بريفيك على الكتاب بشيء رغم قراءته. ووفقا للمعلومات المتداولة عن بريفيك، فقد نشأ في عائلة مفككة وغير مستقرة، اذ تطلق والداه في العام 1983، سافر بعدها والده الى فرنسا، ثم بدأت معركة الحضانة على بريفيك التي فازت بها الام. ولم تربط بريفيك بوالده علاقة علاقة طيبة وقريبة، رغم الزيارات المنتظمة التي كان يقوم بها لوالده بعد انتقاله من فرنسا والعيش في النرويج في العام 1990. كما استثنى بريفيك من الخدمة العسكرية ضمن القوات النرويجية، ولم تعلن اسباب ذلك، لكن ووفقا لوزارة الدفاع النرويجية فان بريفيك لم يكن مناسبا للخدمة العسكرية.وصف المعالج النفسي لعائلة بريفيك التي كانت ترتاد اليه التي كانت ترتاد اليه في العام 1983، بريفيك في طفولته، بأنه سلبي وقلق رغم الابتسامة التي تصبغ وجه، لذا اقترح معالجه حينها وضعة في احدى دور الرعاية، لمنع تطور وضعه النفسي السيء.بريفيك يعتذروخلال جلسة محاكمته الاخيرة، استقبل بريفيك الحكم الصادر بحقه، بتحيته النازية التي عرف بها، معتذرا من جميع القوميين والمتشددين في اوربا والنرويج، لانه لم يتمكن من قتل المزيد من الابرياء.واستقبل الحكم الصادر بحقه، بأبتسامته المعهودة، معلنا بعد الانتهاء من الجلسة وعلى لسان محاميه، بأنه لم يتفاجأ من الحكم الصادر بحقه، وبأنه راض عن الحكم ولن يستأنفه.وسينهي بريفيك محكومته، بالسجن 21 عاما في سجن ILA، الواقع في ضواحي العاصمة النرويجية اوسلو، حيث سيوضع في سجن انفرادي، وسيخضع للعلاج النفسي، وكما كان عليه الحال في فترة التحقيق.