ميشيل نوسترا داموس
(14)
الاخوة الاعزاء
الغيب لله وحده، لا يعلمه إنس ولا جن ، وما يخبر به الجن من يتعاملون معه إنما هو مما غاب عن الحاضرين مما قد وقع بالفعل ، وما وقع وحدث لا يسمى غيبا ، وإنما يسمى إخبارا بما حدث ويجهله الآخرون ، أما الغيب المستقبلي فلا يعلمه إلا الله تعالى .
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤكد هذا المعنى
كقوله تعالى :" فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ"
وقال تعالى :" وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ "
وقال سبحانه :" وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ "
الإيمان باختصاص الله بعلم مفاتح الغَيب واجب بدليل قوله تعالى: (لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ) .
ومَن حاولَ معرفة هذه المفاتح لِيُشارِكَ اللهَ فيها كَفَرَ ، أمّا مَن يَحُومُ حوْلَها مؤمِنًا بأنه لن يَصِلَ إلى العلم اليقينيِّ بها فلا يَكْفُرُ، ومعلوماته التي يَصِل إليها من وراء هذه المحاولة معلومات ظَنِّيَّة لا يَقِينيَّة، وقد حاول الإنسان أنْ يَبحَث عن المجهول منذ خُلِقَ وفيه غرِيزةُ حُبِّ الاستطلاع، وبَذَل في ذلك جهودًا كبيرة، واتَّخَذ وسائلَ متعددة، وكان مِن هذه الوسائل ما عُرِف باسم الكَهانة والتنجِيم والعِرَافَة والطِّيَرَة والطَّرْق وضَرْب الرَّمْل وقِراءة الفِنجان وقِياس الأثَر وما يُبتكر غير ذلك.
وفيما يَلِي تعريفٌ بكلٍّ منها:
1 ـ الكَهَانَة : هي ادِّعاء علْم الغَيب، بالإخبار عن المُضْمرات، أو عن المُغَيَّبات في مستقبل الزمان بأيَّة وسيلة من الوسائل، وقد تَختصُّ بما كان فيه اتصالٌ بالجنِّ .
2 ـ التَّنْجِيم : هو الاستدلال بالنجوم في مواقِعها وتَحرُّكاتها على ما سَيكُون في المستقبل من مَطَرٍ أو حَرٍّ أو بَرْدٍ أو مَرَضٍ أو مَوْتٍ وغَيْرِ ذلك ، وقيل: هو الكهانة .
3 ـ العِرَافَة: هي ادِّعاءُ معرفة الأمور بمُقدّماتٍ وأسبابٍ يُسْتدَلُّ بها على مواقِعها، كالمَسروق مَنِ الذي سَرَقَه، والضّالَّة أين مكانُها، وقيل: هي السحر .
4ـ الطِّيَرَة: بكسْر الطاء وفتْح الياء ـ وقد تُسَكَّنُ ـ وهي مَصْدَرُ تَطيَّرَ، مِثْل تَخَيَّرَ خِيَرَةً، ولم يَجِئْ مِنَ المَصادر هكذا غيْرُهما ـ ومَعناها التشاؤمُ بالشيءِ، أو الاستدلال مِن طَيَرانِ الطائر، أو مِن رُؤية شيءٍ أو سَمَاع صَوْتٍ على ما سيَحصُل للإنسان. وقد كان العَرَب يَزجُرون الطَّيْر من أماكنها. فإن طارَتْ يَمينًا استَبشرتْ، وإن طارَتْ شِمالاً تَشاءمتْ، ويقال لها أيضًا "العِيافَة" مِن عافَ عَيْفًا، وسَيَجِيءُ حديثٌ عن الفَرْق بين الطِّيَرَة والفَأْل.
5 ـ الطَّرْق: وهو الضرب بالحَصا أو بالوَدَع، وقيل: هو الطِّيَرَة وقيل: ضرْب الرمْل.
6 ـ ضرْب الرَّمْل: وهو وضْع خُطوط وعلامات على الرمل، لمعرفة ما يُخبَّأ للإنسان ويُعرَف أيضًا بالخَطِّ ، رَوَى مسلم أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئل عنه فقال: "كان نبيٌّ من الأنبياء يَخُطُّ، فمن وافَق خَطَّه فذاك" وكذَّب ابن القيم نِسْبة الخَطِّ إلى إدريس ـ عليه السلام ـ وجاء في تفسيره: إن "الحازِي" أي المُحترف لذلك يأتِيه الرجل ليَعرِف حَظَّه، فيَخُط على أرضٍ رِخْوة خطوطًا كثيرة بالعَجَلة، ومعه غلام، ثم يَمْحو منها على مَهَل خَطَّيْن خَطَّيْن، والغلام يقول: ابنَيْ عَيَان، أَسرِعا البَيان، فإن بَقِىَ خَطّان فهما علامة النجاح، وإن بَقِىَ خَطٌّ واحد فهو علامة الخَيْبة. ويقول ابن الأثير في "النهاية" : إنه علم معروف فيه تصانيف، ويُعمل به الآن، ولهم فيه اصطلاحات، يَستخرجون به الضمير وغيره، وكثيرًا ما يُصيبون فيه (هكذا يقول).
7ـ قراءة الفِنْجانِ: وهي الاستدلال بآثار القَهْوة على الفنجان على ما يُفكِّر فيه شارِبُه، ويَزعُم بعض المعاصرين أنَّ أثَر الزفير على القهوة يُعطِي مؤشِّرات صادقة، لكن إذا كان ذلك من الناحية الطبية أو العضوية، فهل تُمكِن معرفة المستقبل؟ فيه كلام.
8 ـ قِياس الأثَرِ: وهو أخْذ قطعة من ثياب الإنسان أو مُتعلَّقاته، وقياسُها بالشِّبْر والأصابع، والاستدلال بذلك على ما يكُون لصاحبه.
وهذه الأشياء وأمثالها نَهَى الإسلام عنها؛ لأنها تَتنافَى مع اختصاص علْم الله بالغَيب، وأنَّ الاعتقاد بأن غير الله يَعلم الغَيب علمًا يقينيًا شاملاً كَفَرَ بما جاء في القرآن الكريم ، ومَن مارَس هذه الأعمال يَنسحب حُكْمه على مَن يلجأون إليه لمعرفة الغيب، فمَن صدَّقه فقد كَفَرَ، ومَن لم يُصدِّقه فقد ارتَكَب إثمًا عظيمًا يُنْقِصُ مِن إيمانه، ولا يَقبل الله صلاته أربعين يومًا.
هذا وقد أُبْدلْنا الله بهذه الأمور وسيلة، يُمكن بها أن تَطمئن لما تُقْدم عليه من عمل، وهي صلاة الاستخارة مع دعائها المعروف الذي جاء به الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، ولْنسمَع قول الله تعالى:
(14)
الاخوة الاعزاء
الغيب لله وحده، لا يعلمه إنس ولا جن ، وما يخبر به الجن من يتعاملون معه إنما هو مما غاب عن الحاضرين مما قد وقع بالفعل ، وما وقع وحدث لا يسمى غيبا ، وإنما يسمى إخبارا بما حدث ويجهله الآخرون ، أما الغيب المستقبلي فلا يعلمه إلا الله تعالى .
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤكد هذا المعنى
كقوله تعالى :" فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ"
وقال تعالى :" وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ "
وقال سبحانه :" وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ "
الإيمان باختصاص الله بعلم مفاتح الغَيب واجب بدليل قوله تعالى: (لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ) .
ومَن حاولَ معرفة هذه المفاتح لِيُشارِكَ اللهَ فيها كَفَرَ ، أمّا مَن يَحُومُ حوْلَها مؤمِنًا بأنه لن يَصِلَ إلى العلم اليقينيِّ بها فلا يَكْفُرُ، ومعلوماته التي يَصِل إليها من وراء هذه المحاولة معلومات ظَنِّيَّة لا يَقِينيَّة، وقد حاول الإنسان أنْ يَبحَث عن المجهول منذ خُلِقَ وفيه غرِيزةُ حُبِّ الاستطلاع، وبَذَل في ذلك جهودًا كبيرة، واتَّخَذ وسائلَ متعددة، وكان مِن هذه الوسائل ما عُرِف باسم الكَهانة والتنجِيم والعِرَافَة والطِّيَرَة والطَّرْق وضَرْب الرَّمْل وقِراءة الفِنجان وقِياس الأثَر وما يُبتكر غير ذلك.
وفيما يَلِي تعريفٌ بكلٍّ منها:
1 ـ الكَهَانَة : هي ادِّعاء علْم الغَيب، بالإخبار عن المُضْمرات، أو عن المُغَيَّبات في مستقبل الزمان بأيَّة وسيلة من الوسائل، وقد تَختصُّ بما كان فيه اتصالٌ بالجنِّ .
2 ـ التَّنْجِيم : هو الاستدلال بالنجوم في مواقِعها وتَحرُّكاتها على ما سَيكُون في المستقبل من مَطَرٍ أو حَرٍّ أو بَرْدٍ أو مَرَضٍ أو مَوْتٍ وغَيْرِ ذلك ، وقيل: هو الكهانة .
3 ـ العِرَافَة: هي ادِّعاءُ معرفة الأمور بمُقدّماتٍ وأسبابٍ يُسْتدَلُّ بها على مواقِعها، كالمَسروق مَنِ الذي سَرَقَه، والضّالَّة أين مكانُها، وقيل: هي السحر .
4ـ الطِّيَرَة: بكسْر الطاء وفتْح الياء ـ وقد تُسَكَّنُ ـ وهي مَصْدَرُ تَطيَّرَ، مِثْل تَخَيَّرَ خِيَرَةً، ولم يَجِئْ مِنَ المَصادر هكذا غيْرُهما ـ ومَعناها التشاؤمُ بالشيءِ، أو الاستدلال مِن طَيَرانِ الطائر، أو مِن رُؤية شيءٍ أو سَمَاع صَوْتٍ على ما سيَحصُل للإنسان. وقد كان العَرَب يَزجُرون الطَّيْر من أماكنها. فإن طارَتْ يَمينًا استَبشرتْ، وإن طارَتْ شِمالاً تَشاءمتْ، ويقال لها أيضًا "العِيافَة" مِن عافَ عَيْفًا، وسَيَجِيءُ حديثٌ عن الفَرْق بين الطِّيَرَة والفَأْل.
5 ـ الطَّرْق: وهو الضرب بالحَصا أو بالوَدَع، وقيل: هو الطِّيَرَة وقيل: ضرْب الرمْل.
6 ـ ضرْب الرَّمْل: وهو وضْع خُطوط وعلامات على الرمل، لمعرفة ما يُخبَّأ للإنسان ويُعرَف أيضًا بالخَطِّ ، رَوَى مسلم أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئل عنه فقال: "كان نبيٌّ من الأنبياء يَخُطُّ، فمن وافَق خَطَّه فذاك" وكذَّب ابن القيم نِسْبة الخَطِّ إلى إدريس ـ عليه السلام ـ وجاء في تفسيره: إن "الحازِي" أي المُحترف لذلك يأتِيه الرجل ليَعرِف حَظَّه، فيَخُط على أرضٍ رِخْوة خطوطًا كثيرة بالعَجَلة، ومعه غلام، ثم يَمْحو منها على مَهَل خَطَّيْن خَطَّيْن، والغلام يقول: ابنَيْ عَيَان، أَسرِعا البَيان، فإن بَقِىَ خَطّان فهما علامة النجاح، وإن بَقِىَ خَطٌّ واحد فهو علامة الخَيْبة. ويقول ابن الأثير في "النهاية" : إنه علم معروف فيه تصانيف، ويُعمل به الآن، ولهم فيه اصطلاحات، يَستخرجون به الضمير وغيره، وكثيرًا ما يُصيبون فيه (هكذا يقول).
7ـ قراءة الفِنْجانِ: وهي الاستدلال بآثار القَهْوة على الفنجان على ما يُفكِّر فيه شارِبُه، ويَزعُم بعض المعاصرين أنَّ أثَر الزفير على القهوة يُعطِي مؤشِّرات صادقة، لكن إذا كان ذلك من الناحية الطبية أو العضوية، فهل تُمكِن معرفة المستقبل؟ فيه كلام.
8 ـ قِياس الأثَرِ: وهو أخْذ قطعة من ثياب الإنسان أو مُتعلَّقاته، وقياسُها بالشِّبْر والأصابع، والاستدلال بذلك على ما يكُون لصاحبه.
وهذه الأشياء وأمثالها نَهَى الإسلام عنها؛ لأنها تَتنافَى مع اختصاص علْم الله بالغَيب، وأنَّ الاعتقاد بأن غير الله يَعلم الغَيب علمًا يقينيًا شاملاً كَفَرَ بما جاء في القرآن الكريم ، ومَن مارَس هذه الأعمال يَنسحب حُكْمه على مَن يلجأون إليه لمعرفة الغيب، فمَن صدَّقه فقد كَفَرَ، ومَن لم يُصدِّقه فقد ارتَكَب إثمًا عظيمًا يُنْقِصُ مِن إيمانه، ولا يَقبل الله صلاته أربعين يومًا.
هذا وقد أُبْدلْنا الله بهذه الأمور وسيلة، يُمكن بها أن تَطمئن لما تُقْدم عليه من عمل، وهي صلاة الاستخارة مع دعائها المعروف الذي جاء به الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، ولْنسمَع قول الله تعالى:
(ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْه مَسْئُولا) (سورة الإسراء : 36).
والله أعلم
والله أعلم
تعليق