العرافة فانجا
مثلت العرافة البلغارية (فانغا) نموذجا لظاهرة غامضة اهتم بها البسطاء وحتى أصحاب القرار والسلطة في دول عدة منذ عشرات السنوات وحتى الآن.
ولدت (فانغا) واسمها الكامل ( فانغيليا باديفا غوشتيروفا) في بلغاريا في قرية (بيريتش) في 31 يناير عام 1911م وتوفيت في 11 أغسطس 1996 م.
عاشت (فانغا) طفولة عادية ولم تنتبه لقدراتها غير الطبيعية. عند نشوب الحرب العالمية الأولى جند والدها في الجيش البلغاري، بينما الأم توفيت قبل أن تشب ابنتها عن الطوق.
عاشت (فانغا) وحيدة بعد وفاة والدتها وتربت برعاية الجيران. عندما بلغت الحادية عشر من عمرها ابتكرت لنفسها لعبة انزعج منها والدها: تعودت على أن تلقي شيئا ً ما في البيت أو في الشارع، وبعد ذلك تغلق عينيها بإحكام، وكالعمياء تبدأ في البحث عنه.
في أحد الأيام حدثت عاصفة قوية، أظلمت فيها السماء واشتدت الريح مقتلعة الأشجار من جذورها. كانت (فانغا) في الثانية عشر من عمرها حين حملتها العاصفة ورمت بها في الحقول. وقد عُثر عليها بعد بحث طويل وشاق، وهي في غاية الرعب بعيون مملوءة بالترابوبالغبار. تعبت عيناها ولم تستطع فتحهما، ولم ينفع العلاج معهما. كما أن أهلها لم يكونوا يملكون المال الكافي لإجراء عملية لعينيها. ضعف بصرها تدريجيا ً، فبكت (فانغا) وصلّت لربها راجية معجزة تعيد بصرها.
أدخلت (فانغا) إلىمؤسسة خاصة بذوي العاهات وبقيت هناك ثلاث سنين. بعد وفاة زوجة والدها عادت لمنزلها لرعاية أخوتها وأخواتها الصغار.
بدأت قدرات (فانغا) غير الطبيعية، بالظهور تدريجيا ً، فقد ساعدت والدها في العثور على خروف سرق من قطيعه، ووصفت بدقة البيت الذي أخفي فيه. دهش الجميع من ذلك، بينما (فانغا) فسّرت الحادثة بأن كل ذلك رأته في المنام.
بعد ذلك لاحظت أن أحلاما كثيرة تخطر لها منبئة عن أحداث غير طيبة، تحققت فيما بعد فعلا ً. إلا أن موهبتها الحقيقية ظهرت بشكل واضح في سنوات الحرب العالمية الثانية.
حين عزم أخوها ( فاسيل) على الالتحاق بالمقاومة ضد الاحتلال النازي، بكت (فانغا) وتوسلت إليه أن لا يذهب للحرب قائلة له بأنهم سيقتلونه في سن الثالثة والعشرين. لكن أخوها لم يصدق نبوأتها ومضى إلى الحرب، وحدث أن استسلم للألمان بعد عدة أشهر، وعذب بوحشية ثم أطلقت عليه النار.
كُتب الكثير عن قدرات هذه العرافة فقد قيل عنها إنها تخبر عن المواليد الصغار وعن الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وإنها كانت تتحدث مع أشخاص ماتوا منذ مئة أو مائتي سنة أو أكثر.
كما قيل عن (فانغا) إنها كشفت عن المستقبل. بحسب كلام ينسب إليها، فبعد مائتي سنة سيتمكن الإنسان من الاتصال بالكائنات الأخرى العاقلة في الكون . بل إنها قالت إن إخوة العقل الغرباء يعيشون معنا على الأرض منذ زمن طويل!. عندما سؤلت: من أين جاءوا؟ أجابت من الكوكب الذي يطلق عليه بحسب لغتهم اسم (فامفيم)، وهذا الكوكب هو الثالث من جهة الأرض!.
بلغت شهرة العرافة ((فانغا)) مبلغا ً وصل حد اعتراف بلغاريا الشيوعية بها، وتسجيلها ضمن كوادر الدولة، وقد استعمل خدماتها عدد كبير من المشاهير.
سجنت لأنها تنبأت بوفاة ستالين
العرافة البلغارية (فانغا) تنبأت في عام 1980 م بغرق الغواصة النووية الروسية ( كورسك)، وقالت بهذا الخصوص:" كورسك ستذهب تحت الماء في شهر أغسطس 1999 م أو 2000 م، وكل العالم سيأسف لذلك). تعجّب الجميع آنذاك من هذه النبوءة إذ أن (كورسك) مدينة روسية كبيرة بعيدة عن البحار والأنهار، ولم يخطر ببال أحد أن المقصود من النبوءة غواصة تحمل اسم المدينة.
كما أنها تنبأت بدقة بيوم وفاتها في 11 أغسطس 1996 م، وكانت لا تنبئ بوفاة العظام وبوقوع الكوارث العالمية وبمصائر الدول إلا لعدد صغير من المحيطين الخلص، فهي كانت تحب أن تكون منبأة بالخير، كما يدل معنى اسمها باللغة اليونانية.
قبل أن تشتهر ويعلوا صيتها في بلدان المعسكر الاشتراكي، مرت (فانغا) بمحن عديدة فقد دخلت السجن لأنها تحدثت عن وفاة ستالين وبقيت فيه عاما ً ونصف، وقد أطلق سراحها بعد وفاة ستالين.
حدث استثنائي وقع في أيام الحرب العالمية الثانية، فقد زارها هتلر والقيصر البلغاري بوريس، ويحكى أنهما غادرا منزلها مغتاظين، وبالطبع لم يعلم أحد بما حدثتهما به العرافة. كما أنها التقت بالعاصمة البلغارية صوفيا بإنديرا غاندي، وفيما بعد تنبأت بعودتها للسلطة وبمقتلها.
في النصف الثاني من عمرها أصبحت (فانغا) معلما ً يحج إليه، إذ يصطف الناس أفواجا ً أمام بيتها. وظلت عشرات السنين على هذه الحال تمسح هموم وأحزان من يلجأ إليها.
لم تغادر فانغا موطنها بلغاريا، فالسلطات هناك على الرغم من تقديم الغطاء لها واستغلال ظاهرتها العجيبة، فإنها لم تسمح بخروج " ثروة وطنية " الى الخارج.
من القصص الطريفة أن الكاتب السوفييتي المعروف ليونيد ليونوف، والذي كان على يحافظ على اتصال منتظم بالعرافة فانغا قد سألها ذات مرة محتجا ً لماذا لم تنبئيني بوفاة زوجتي؟. أجابت فانغا بأنها تنبأت بذلك، إذ أنها أرسلت فنجان قهوة واحد إليه.
حوار مؤجل للقرن الواحد والعشرين
من الحوارات النادرة التي أجريت معها حوار أجراه رجل أعمال ورحالة أوكراني عام 1994 م. وقد اشترطت عليه فانغا أثناء تسجيله، أن لا ينشره في القرن العشرين. نقتبس مما ورد في هذا الحوار هذه الأسطر :كيف صرت عرافة؟
كنت أرى أناسا ً توفوا منذ زمن بعيد. وهم حدثوني عن الأسرار. ثم ظهر لي شخص غير معروف. قال لي، غدا ً تبدأ الحرب، ويجب عليك أن تحدثي الناس عمن سيموت وعمن سيحيا، وكيف يمكن تفادي الموت.
هل كان هذا الشخص حيا ً ؟
لا، بل ميت مثل الآخرين.
كيف كان يبدو؟
ظل كبير يراوح مثل الأشياء المنعكسة. كلهم يبدون بهذا الشكل، وأحيانا لا يبدو إلا الصوت.
وكيف تكلمت معهم ؟
شعرت بهم عندما ظهروا، في البداية في اللسان ولاحقا ً في العقل، وبعد ذلك أقعد وأسمع كل شيء. صوت من بعيد، كصوت المذياع، يعلو، ويخفت…
ماذا تحسين عندما يطرق بابك الناس العاديون؟
أرى من بعيد، كل واحد منهم، وكل حياتهم أعرفها، كما لو أني شاهدت شريطا ً سينمائيا ً. هم طيبون، وأشرار، متنوعون… كلهم يرغبون في معجزة، وبعد ذلك يبكون. لكن حين يكون الأمر سيئا ً جدا ً، فأنا أصمت، ولا أقول شيئا ً. يمكنني فقط تقديم النصائح.
مثل ماذا ؟
أن لا يعيشوا في الشر، وأن لا ينتقموا من أحد، وأن ينسوا السيئة ويفعلوا الحسنة، وأن يسمعوا صوت قلوبهم، دائما صوت قلوبهم فقط، فالعقل يخطئ غاليا ً. القلب متعلق بالكون. لكن ليس الكل بإمكانهم تمييز صوت القلب عن صوت العقل.
هؤلاء الأموات يخبرونك عن المستقبل أم عن الماضي أيضا ً ؟
عن كل شيء.
وإذا كان الحديث يدور حول أناس وأحداث بعيدة، في بلدان أخرى؟
المسافات واللغات لا معنى لها، كل شيء يمضي عبر الكون.
هل يمكنك أن تخبرينا بما ينتظرنا؟
ينتظر روسيا الخير، بلغاريا ومقدونيا القليل جدا ً منه. النساء في روسيا سيلدن أولادا ً كثيرين جيدين، سيغيرون العالم. بعد ذلك ستحل معجزة، سيحل زمن العجائب. العلم سيميز ما في الكتب القديمة من حق ومن باطل. في الفضاء الكوني سيعثر على الحياة، وسيعلم من أين أتت هي إلى الأرض. سيعثرون في داخل الأرض على مدينة كبيرة. سيطير من السماء أناس جدد، وستكون هناك عجائب جمة. لكن يجب الانتظار، لا يجب استعجال الأحداث، هذا لن يقع سريعا ً …
يقولون إن نهاية الكون هي فيضان عالمي…
الفيضان أيضا ً سيحدث بعد ثلاثين أو أربعين عاما ً. جسم ضخم سيطير الى الأرض وسيضرب الماء. الأمواج ستمسح كثيرا ً من البلدان، والشمس ستنطفئ لمدة ثلاث سنوات.
انتهى الحوار الذي أجري في عام 1994 م، حين غفت العجوز فانغا مثل طفل، فانسحب ضيفها بهدوء محاذرا إيقاظها، فرحا ً بما يحمل من أسرار.
نبوءة مقابل مكعبات من السكر ومن الدمى
ماتت فانغا بعد مرض عضال. اشتعلت بعدها حروب وتغيرت دول، وبقيت هي في أعماق الضعف الإنساني الذي يتوق أبدا ً إلى المعجزات، صورة لعجوز عمياء، ببصيرة عجيبة وبقلب طيب توزع الابتسامات وتهدئ القلوب، وتقرأ الغيب، ولا تطلب مقابل ذلك إلا مكعبات من السكر
تعليق