الموسيقى والغناء فى الحضارة الاسلامية
العصر الجاهلى
كانت الموسيقى العربية في العصر الجاهلي لا تعدو الترنيم بالشعر، وقد عَدَّ العرب الترنيم بالشعر غناءً. أما الآلات الموسيقية مثل القضيب والطبل والدُّف والجلاجل والطُّنبور والقيثار (وهو مربع ذو تجويف منبسط) والمزهر والبربط وما إليها فلم يكن لها الأثر البارز، إذ كان العربي في ذاك الزمان يؤثر سماع الغناء على الموسيقى ليتسنى له تذوق معاني الشعر. والعرب ـ كشعوب العالم ـ كانت لهم عقائدهم وعباداتهم، وكانت للعبادة طقوسها التي يرافقها الغناء والموسيقى، وكانوا يؤدون عباداتهم على ضرب غنائي بدائي، فيطوفون حول البيت الحرام في مكة عراة يصفرون ويصفقون والعذارى ترقص حول الأصنام رقصة «الدوار»، وقد أشار امرؤ القيس إلى هذا الضرب من الرقص الطقسي بقوله:
فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنَّ نِعَاجَهُ
عَذَارى دوار في مِلاءٍ مُذَيَّلِ
وكانت نسوة بني دوس يرقصن حول صنم «ذي الخلصة» وكان الكهنة والعرافون يرتلون التعاويذ بمصاحبة آلة موسيقية، ويعدّ العرَّاف «سطيح» أشهر مرتل للتعاويذ. سبقت علاقة الموسيقى بالطقوس الدينية «الحِداء»، وكان مضر بن نزار بن مَعَدِّ من أحسن الناس صوتاً، وحينما وقع عن بعيره في أحد أسفاره؛ انكسرت يده فجعل يصيح: «وايداه وايداه»؛ فاستأنست الإبل بصوته، وطاب لها السير؛ فاتخذ العرب حداء برجز الشعر، وجعلوا كلام مضر أول «الحداء»:
يا هادياً يا هادياً
وا يايداه، يا يداه
والحداء عند العرب ضرب من الغناء، وكان الشعر مادة غنائهم، وألحانهم سهلة بسيطة توقَّع مع مقاطع البيت الشعري، وتضبط بالضرب على الدف. ومنه غناء «النصب»، وهو على ثلاثة أنواع:
السـناد الخفيف، والسناد الثقيل، والهزج وهو أهم ضروب غنائهم،
وقد انقرض هذا كما انقرض غيره لافتقار العرب للتدوين الموسيقي.
ويذكر «العقد الفريد»: «أن أصل الغناء ومعدنه تكوّن في يثرب والطائف وخيبر ووادي القرى واليمامة». وكانت جاريتا عبد الله بن جدعان (عاد وثاد) من أشهر مغنيات ذلك العصر، كذلك (هزيلة وعفيرة) مغنيتا بني جديس، و(هريرة وخليدة) مغنيتا بشر بن عمرو أحد أشراف الحيرة في زمن الملك نعمان الثالث، ومن الشعراء الموسيقيين عدي بن ربيعة، وعلقمة بن عبدة، والأعشى ميمون بن قيس الملقب بـ «صنَّاجة العرب» ومالك بن جبير، والخنساء التي كانت تغني مراثيها بمصاحبة الموسيقى.
فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنَّ نِعَاجَهُ
عَذَارى دوار في مِلاءٍ مُذَيَّلِ
وكانت نسوة بني دوس يرقصن حول صنم «ذي الخلصة» وكان الكهنة والعرافون يرتلون التعاويذ بمصاحبة آلة موسيقية، ويعدّ العرَّاف «سطيح» أشهر مرتل للتعاويذ. سبقت علاقة الموسيقى بالطقوس الدينية «الحِداء»، وكان مضر بن نزار بن مَعَدِّ من أحسن الناس صوتاً، وحينما وقع عن بعيره في أحد أسفاره؛ انكسرت يده فجعل يصيح: «وايداه وايداه»؛ فاستأنست الإبل بصوته، وطاب لها السير؛ فاتخذ العرب حداء برجز الشعر، وجعلوا كلام مضر أول «الحداء»:
يا هادياً يا هادياً
وا يايداه، يا يداه
والحداء عند العرب ضرب من الغناء، وكان الشعر مادة غنائهم، وألحانهم سهلة بسيطة توقَّع مع مقاطع البيت الشعري، وتضبط بالضرب على الدف. ومنه غناء «النصب»، وهو على ثلاثة أنواع:
السـناد الخفيف، والسناد الثقيل، والهزج وهو أهم ضروب غنائهم،
وقد انقرض هذا كما انقرض غيره لافتقار العرب للتدوين الموسيقي.
ويذكر «العقد الفريد»: «أن أصل الغناء ومعدنه تكوّن في يثرب والطائف وخيبر ووادي القرى واليمامة». وكانت جاريتا عبد الله بن جدعان (عاد وثاد) من أشهر مغنيات ذلك العصر، كذلك (هزيلة وعفيرة) مغنيتا بني جديس، و(هريرة وخليدة) مغنيتا بشر بن عمرو أحد أشراف الحيرة في زمن الملك نعمان الثالث، ومن الشعراء الموسيقيين عدي بن ربيعة، وعلقمة بن عبدة، والأعشى ميمون بن قيس الملقب بـ «صنَّاجة العرب» ومالك بن جبير، والخنساء التي كانت تغني مراثيها بمصاحبة الموسيقى.
فى بداية الاسلام
وقد وقف الإسلام موقفاً إيجابياً من الغناء الهادف الذي يخدم رسالته الدينية والاجتماعية والأخلاقية فكان الناس في صدر الإسلام يضربون بالدفوف والمزامير في حفلات الزفاف ويستمعون في أيام الأعياد إلى الجواري وهن يغنين ويعزفن، وكان الناس في ذاك العصر يترنَّمون بالشعر ويرجَّعون القراءات، وكانت هناك أصوات وآلات مثل الدفوف والقصب والأوتار، ولكنها كانت جميعها مقيدة بوازع ديني عميق، يفرض وجوده؛ إذ لا يجوز السماع في الإسلام إلا لِمَا حرَّك خِصَالَ الخير والأخلاق الحميدة.
العصر الأموي
كان الغناء واحداً من الفنون التي تطورت بتأثير التَّغيُّرِ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في العصر الأموي. ولم يعد المغني، ولاسيما الحجازي، يقنع بالغناء الذي ورثه من الجاهلية، بل صار يطلب غناء يتماشى وما وصل إليه العربي من تقدم مادي ومعنوي. لذا يمم أغلب الفنانين وجوههم إلى فارس أولاً، ثم إلى بلاد الشام ليضيفوا إلى معارفهم معارف جديدة كانوا في حاجة إليها، فإذا ما آبوا إلى ديارهم أسقطوا مالا يُسْتَحْسَنُ من غناء الفرس وغناء بلاد الشام وغناء الرهبان، وأخذوا المحاسن فمزجوا بعضها ببعض وألّفوا منها الأغاني التي صنعوها في أشعارهم، فجاؤوا بما لم يُسمع به قبلاً، حتى أُطلق عليه اسم «الغناء المتقن». وقد هال مروان بن الحكم ـ وكان والياً على الحجاز ـ ما آلت إليه حال الحجازيين الذين أخذوا بأسباب اللهو والطرب، ولاسيما عِلْيَةُ القوم منهم، فعاب على عبد الله بن جعفر بن أبي طالب اقتناءه الجواري المغنيات، فما كان من عبد الله إلا أن قال له: «وما عليَّ أن آخذ الجيد من أشعار العرب وألقيه إلى الجواري فيترنمن به، وينشدنه بحلوقهن ونغماتهن؟». وعندما زار معاوية بن أبي سفيان المدينة حاجَّاً ـ وكان يعيب هو الآخر على عبد الله بن جعفر سماع الغناء ـ أعد له جعفر وليمة جلب إليها المغني ابن صياد وأوصاه قائلاً: «إذا رأيت معاوية واضعاً يده في الطعام فحرك أوتارك وغنِّ، فلما فعل معاوية، حرّك ابن صياد أوتاره وطفق يغني من شعر عدي بن زيد وكان مفضَّلاً عند معاوية:
يَالُبَيْنَى أَوقِدِيْ النَّارا
إِنْ مَنْ تَهّوَيْنَ قَدْ حَارَا
رُبَّ نارٍ بِتُّ أرقبُها
تقسم الهنديَّ والقفارا
ولها ظبي يؤججّها
عاقداً في الخَصْرِ زُنارا
فقبض معاوية يده عن الطعام، وجعل يضرب الأرض بقدمه طرباً، وعند ذاك قال عبد الله: «إنما هو مختار الشعر، يركب عليه مختار الألحان، فهل ترى بأساً به؟» فأجابه معاوية: «لابأس بحكمة الشعر مع حكمة الألحان».
وعلى الرغم من استئثار دمشق بالخلافة، فقد ظل الحجاز محتفظاً بطابعه الفني الذي أغدق على الغناء طوال العصر الأموي أجمل الألحان وأبهى الأصوات والأنغام. وفي أيام يزيد بن معاوية، ظهر الغناء في مكة والمدينة، واستُعملت الملاهي، أما عبد الملك بن مروان، فقد شجب الغناء، ويُروى أنه قال على الملأ: «قبَّح الله الغناء، ما أوضعه للمروءة، وأجرحه للعرض، وأهدمه للشرف، وأذهبه للبهاء» وأمر بمصادرة أموال المغني سعيد بن مسجح لأنه فتن الناس في مكة بغنائه، فحُمل إليه، فغنى بين يديه حداءً عربياً صافياً، فلما انتهى طلبَ منه عبد الملك أن يغني الغناء المتقن ففعل، فطرب الخليفة، وأجزل له العطاء، وأمر برد أمواله إليه.
وفي عهد الوليد بن عبد الملك حققت الموسيقى بعض الانتشار، واستقبل الوليد على الرغم من ضغط الحاشية بعض الموسيقيين ولاسيما أبو يحيى عبيد الله بن سريج فأقام عنده عشر سنوات. أما سليمان بن عبد الملك الذي ناصب المغنين والموسيقيين العداء علناً؛ فيروى أنَّه استدعى المغني الدلال سراً من المدينة إلى دمشق ليستمع إلى غنائه، ورسم جائزتين تمنحان سنوياً لأفضل المغنين.
وفي عهد عمر بن عبد العزيز تراجعت مكانة الغناء. أما في عهد يزيد الثاني، ومن بعده هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد، فقد رَحُبَ البلاط الأموي بالموسيقيين والمغنين على اختلاف أوطانهم ومشاربهم، وحينما حج الخليفة هشام اعترض طريقه المغني حنين الحيري ومعه عوده وزامره، فسأل هشام عنه، فقيل له هذا حنين، فأمر به فحُمِلَ في محمل على جمل، وسِيْرَ به أمامه وهو يغني. وعندما قدم يزيد بن عبد الملك مكة؛ بعث إلى الغَريض فجاءه وغنَّى بين يديه، وسمِّيَ بالغَريض لأنه غضُّ الشباب وحسن المنظر، وكان يغني أيام الحج فيلهي الناس عن حجهم لجمال صوته، وهو من تلاميذ ابن سريج، وأخذ النواح عن النائحتين المشهورتين في مكة حوراء وبغوم.
أما محمد بن عائشة الذي غنى أمام الوليد بن يزيد وهو شاب في حضرة أستاذيه معبد ومالك، فإن الوليد أبدى إعجابه به وفضّله عليهما، وخلع عليه ومنحه ثلاثين ألف درهم، ويدين ابن عائشة بفنه لأبي عباد معبد بن وهب الشهير بمَعْبَد الذي تعلم الموسيقى على سَائبِ خَاثِرٍ ونشيطٍ الفارسي وجميلةٍ حتى فاز بالجائزة الموسيقية الأولى التي أعدها ابن صفوان أحد أشراف المدينة.
افتتح معبد مدرسة خاصة به في المدينة تخرج فيها ابن عائشة ومالك وسلامة القس ويونس الكاتب الذي ألف كتابي «النغم» و«القيان». أما حبابة واسمها «الغالية» التي غيَّر يزيد اسمها إلى حبابة لشدة حبه لها، فقد كانت ذات صوت عذب تتقن العزف بالعود، وتتلمذت وسلامة القس على يد عزة الميلاء وابن سريج ومعبد وجميلة.
تعليق