السحر الأسود
أليس من حق الإنسان أن ينام إلى الأبد؟ أموات "هايتى" لا يتمتعون بهذا الحق، إنهم لا ينامون، لان كاهن أو ساحر عقيدة "الفودو" لا يهدأ له جنب على فراش وجثة نائمة في قبر، سوداء تلك العقيدة، كما هى شرهة في شعوذتها وتفاصيلها المرعبة.
فمن بين جميع سحرة العالم، فأن سحرة عقيدة "الفودو" وخاصة الأشرار منهم، يمكنهم أن يفاخروا بقدراتهم العجيبة وسطوتهم المخيفة، والفودو نوع من أنواع السحر الأسود ينتشر في مناطق كثيرة من العالم، وخاصة بين الزنوج في أمريكا وسكان جزر الهند الغربية، وأيضا في هايتى التي ظهر فيها هذا النوع من السحر أساسا في البداية. وهذا النوع من السحر يستخدمه سحرة يطلق عليهم اسم "بوكر" وهؤلاء يملكون القدرة من خلال طلاسم وتعاويذ سحرية معينة على تسخير الموتى وإعادتهم للحياة، كجثث شيطانية تعمل وفقا لمشيئة الساحر، ويطلق على هؤلاء الموتى الأحياء اسم "الزومبي"، ويؤكد سكان هايتى أن هناك علامات معينة يمكن عن طريقها التعرف على الزومبي، فهو يترنح أثناء سيره، ويؤدى الوظائف الجسدية بطريقة ميكانيكية، عيناه شاخصتان، فلا يستطيع التركيز في شيء معين.تسخير الموتى
ويؤكد السكان أيضا، إن السحرة يسيطرون على أعداد كبيرة من الزومبي ويسخرونهم للعمل في المزارع، لذلك فان سكان هايتى يخشون السحرة، لأنهم يخافون أن يتحول أقاربهم إلى جثث شاحبة متحركة تعمل لحساب السحرة، لذلك يحرص سكان هايتى حتى يومنا هذا، على بناء غطاء حجري لتغطية قبور أقاربهم المتوفين، كما إنهم وحرصا منهم على عدم دخول موتاهم عالم الزومبي، يقومون بحقن الأموات بسم أو يشوهون أجسادهم بسكين ويطلقون عليهم الرصاص، وهناك تصرفات اخف وطأة، وهى وضع ابر خياطة بدون ثقب مع كرات من خيوط الصوف في القبر، حيث يعتقد الاهالى أن أرواح الموتى سوف تكون مشغولة بمهام مستحيلة، مثل محاولة إدخال الخيط في الإبرة المسدودة، وبذلك لن ينتبهوا إلى أصوات السحرة وهم يستدعونهم.
ورغم كل تلك الاحتياطيات فأن أهل هايتى يرتعبون من مجرد ذكر اسم الكهنة الشريرين، ويؤكدون أن هؤلاء الكهنة ليسوا سوى عبيد للشيطان، الذي يشترط على الكاهن أن يبيعه أرواح اقرب وأحب الناس إليه، وعندما تموت الضحية المسكينة تتحول إلى زومبي "ميت حى" ولكن ماذا بعد أن يفنى جميع أقرباء وأحباء الكاهن "الاتفاق هو الاتفاق" ومن قبل شروط هذا الاتفاق الجهنمي عليه أن يواصل للنهاية.
ويكون الاتفاق انه عندما تفرغ أرواح المقربين والمحبين، يأتي الدور على الكاهن الشرير، فيقدم روحه لقوى الشر لتتحول جثته هو الآخر إلى زومبي..فكيف يحدث ذلك؟ الإجابة هى أن كاهن عقيدة الفودو الشرير يتجه إلى منزل الضحية التي قرر أن يبيع روحها للشيطان والمرشحة جثتها لان تتحول إلى زومي، وحينما يصل الكاهن الشرير إلى المنزل يضع فمه على فرجة من الباب، ثم يستنشق الهواء بقوة من غرفة الضحية المسكينة التي تنام لا تعرف ما قدر لها من مصير مشئوم، وخلال استنشاق الكاهن للهواء يسحب روح الضحية ثم يفرغها في زجاجة ويحكم عليها بالغطاء، والأمر بعد ذلك سهل، ففي خلال أيام قليلة تشعر الضحية بضعف شديد لا يعرف الأطباء سببا له ينتهى بوفاة سريعة، وقد يتخيل البعض أن تلك هى جميع تفاصيل جريمة كاهن الفودو الشرير، ولكن هؤلاء عليهم أن يكملوا القصة، فعندما تدق الساعة منتصف الليل حيث لا يوجد قمر أو نجم في السماء، يتسلل الكاهن إلى قبر الضحية ليلة دفنها، يفتح التابوت و ينادى على الميت باسمه، الأمر يزداد غرابة، فهل يتوقع احد أن يجيب ميت على اى هاتف؟ طبقا لعقيدة الفودو فأن الكاهن يمسك بروح الضحية الميت من الزجاجة المحكمة الغطاء، ومن ثم فأن الميت بمجرد سماع اسمه ينادى فأنه يرفع رأسه على الفور، يتقدم الكاهن ويفتح غطاء الزجاجة ويضع فوهتها تحت انف الميت لمدة 3ثوانى فقط فيقوم الميت متعثرا، عقب ذلك يقوم الكاهن بتقييد الجثة المتحركة بالسلاسل من الرسغين والرقبة، ثم يقوم بضرب الميت فوق قفاه وأسفل رأسه لمزيد من استعادة الوعى.وفي اغلب الأحيان فأن الكاهن الشرير يتعمد أن يصطحب الميت الحى معه بالقرب من منزله، حتى يتأكد من انه لم يتعرف به ولن يعود إليه مرة أخري، حيث يقوم بعد ذلك بتسخير ذلك العبد الميت لخدمة أغراضه الشريرة.
سحر الفودو والزومبي
على أية حال، فأن ظاهرة سحر الفودو والزومبي ظلت بدون اى تفسير، وقد التقي بهم كثير من الباحثين غير المشكوك في صحة رواياتهم، وبعضا من هؤلاء شكلوا فريق عمل لدراسة ظاهرة الزومبي، وخرجوا بأن العديد من الحالات كانت معظمها صحيحة، ومن تلك الحالات التي تم رصدها وكان أطرافها شخصيات دينية أو علمية محترمة تفرض علينا أن نأخذ بكلامها، رجال دين أقاموا الصلاة على أموات ودفنوهم بأيديهم وأغلقوا عليهم القبر، ليفاجأوا بهؤلاء الأموات بعد بضعة أيام وهم يتجولون في حالة اقرب إلى العتة أو الجنون.
وللمتشككين نسوق تلك الحالات التي يرويها "وليام سيبرو" وهو صحفي امريكى من المهتمين بدراسة عالم الزومبي ويقول:أن شركة "هاسكو" وهى شركة مشتركة بين أمريكا وهايتى طلبت عمالا جدد لجنى محصول قصب السكر، وعلى الفور توجهت أعداد كبيرة من العمال إلى مكاتب تشغيل الشركة للانضمام للعمل، وذات يوم جاء احد السحرة ويدعى جوزيف ومعه زوجته مصطحبين معهم عدة رجال يرتدون خرقا بالية، وتوجهوا إلى مكتب تأجير العمل بالشركة، حيث قال الساحر للمسئول: انهم مزارعون بدائيون ويسكنون التلال، وأنهم يتحدثون بلهجة ريفية غير مفهومة، لكنهم على الرغم من ذلك أقوياء ويعملون بجد، وقد وافق رئيس العمل على اقتراح الساحر بأن يعملوا في معزل عن العمال الآخرين، لأنهم يخجلون ويضطربون من الغرباء، ولكن السبب الحقيقي وراء اقتراح جوزيف كان خوفه من إن يتعرف احد أقارب هؤلاء العمال عليهم لأنهم كانوا من الزومبي، وكان عمال جوزيف الغامضون يعملون بجد خلال ساعات النهار، إلا في أوقات راحة قليلة يتناولون فيها وجبة من الخبز غير المملح، فتقاليد سحر الفودو تقول: انه إذا تناول الزومبي طعاما مملحا أو لحوما فسوف يدرك حالته الحقيقية ويتوجه إلى قبره حيث مكانه الطبيعي، وفي احد الأيام مرض الساحر جوزيف فترك لزوجته مهمة الذهاب بهؤلاء الزومبي إلى العمل، وأثناء توجههم إلى الحقل التقت بهم سيدة شعرت بالرثاء نحوهم واعتقدت أن إعطائهم بعض الأطعمة قد يسعدهم، وبمجرد إن قاموا بمضغ الطعام المملح، أدرك الزومبي أنهم ينتمون للقبور المظلمة وليس لعالم هايتي، فقاموا بإطلاق صيحات حزينة وتوجهوا تجاه قبورهم في الجبال البعيدة عبر الغابات، وعندما وصلوا إلى هناك تعرف عليهم أقاربهم وأصدقائهم الذين سبق وان قاموا بدفنهم منذ شهور وسنوات، وعندما وصلوا للمقابر ازاحو الصخور التي تغطيها ونزلوا بداخلها متحولين إلى جثث متحللة
غير المرئيين
القصة السابقة رواها عالم الانثربولوجى البريطانى, "فرانسيس هوكسلي" ضمن العديد من الاحداث التي عاصرها والقصص التي سمعها من مصادر موثوق بها، والتي رصدها في كتاب شهير له اسمه "غير المرئيين" سجل فيه عددا من اغرب حالات الزومبي ويقول العالم البريطاني: انه كان يزور هايتي، حيث كان يقم بجوار كنيسة كبيرة في العاصمة، وفي إحدى الليالي استدعاه راعى الكنيسة، ليفاجأ بأحد هؤلاء الزومبي جالسا في الفناء الخلفي للكنيسة، وعلى الفور قرر هوكسلي وراعى الكنيسة تسليم الزومبي التعيس إلى مركز الشرطة بصفتهم الجهة الرسمية التي يمكن إن تتصرف حيال هذا الموقف، إلا إن البوليس وبالرغم من سطوته أصابه الرعب من مجرد دخول الميت الحى قسم الشرطة، وأخيرا وجدت الشجاعة طريقها إلى قلب احد الأشخاص، الذي قدم محلولا ملحيا لهذا الزومبي الحى الأمر الذي ساعده على استعادة وعيه، وأخيرا نطق باسمه وتعرفت عليه امرأة وقالت: انه مات ودفن من 4 سنين
وعلى الفور تم استدعاء احد الكهنة الطيبين الذي نجح بوسائله الخاصة جدا في معرفة اسم الكاهن الشرير الذي أيقظ ذلك المسكين من نومته الأخيرة، كما اكتشف أن الساحر الشرير فعل نفس الشيء مع عشرات الأموات لكى يعملوا بالسخرة إلى الأبد في مزرعته، وبالرغم من كل ذلك رفضت الشرطة مدفوعة برعبها إلقاء القبض على الكاهن الشرير، وبعد يومين بالضبط تم العثور على جثة الزومبي المسكين، هذه المرة كانت بلا روح أو حركة بعد أن قتله الكاهن الشرير للمرة الثانية بسبب الفضيحة التي سببها له.
وإذا كان ما سبق يدعو إلى الحيرة والدهشة، فأنها كشفت للعلماء بعض أسرار عملية تحويل الشخص إلى زومي، لكن رغم هذا تبقى آلية تحويل الشخص إلى زومبي مجهولة بالنسبة للعلماء، وذلك لأن ديانة الفودو تحتوي على الكثير من الطقوس والنصوص السرية، والتي يكون من الصعب جدا لشخص أجنبي الإطلاع عليها
تعليق