تاريخ الصليب
أصله الوثني، وعبادة الوثنيين لهوالوثن
تأليف: هنري دانا وارد
ترجمة: حكيم ميلادي
الإصدارالأول
طرابلس – ليبيا
2010
The History of the Cross
The Pagan Origin and Idolatrous Adoption and Worship of the Image
By: Henry Dana Ward
(London 1871)
----------------
كلمة المترجم
التشابه الكثير الموجود بين المسيحية والأديان الوثنية لا يمكن إنكاره. فقد كُتب الكثير عن هذه الأمور قبل كتاب مؤلفنا هذا، الذي بين يديك الآن ترجمة لكتابه "تاريخ الصليب"، وبعده. إلا أن المميز في هذا الكتاب هو أن مؤلفه ليس من خارج محيط الكنيسة، لكي يعد أحد منتقدي الدين المسيحي، بل هو أب محترم في كنيسة معروفة.
يختص هذا الكتاب بدراسة تاريخ الصليب تحديدا، بين كل التشابهات التاريخية والعقائدية الموجودة بين المسيحية والوثنية، ويناقش أصل كلمة الصليب الواردة في الترجمات الأولى للكتاب المقدس؛ كما يرجع الى أصول عبادة الصليب وعلاقته بالإله تموز. ويعود الى بدايات المسيحية حيث كان أوئل المؤمنون يرسمون صورا وإشارات يتعارفون بها فيما بينهم خفية نتيجة للإضطهاد الذي كان يمارسه عليهم اليهود والرومان على حد سواء. وهو يناقش أيضا الرمز الذي إتخذه الإمبراطور قسطنطين، أول أباطرة الرومان ممن إعتنقوا الدين المسيحي وإتخذه كدين رسمي للدولة، وسمى هذا الرمز بـ"الكريستوغرام" أو "مونوغرام المسيح" فوضعه على لواء جيشه وإنتصر به حسبما تقول الروايات، رغم إختلافها في بعض التفاصيل. ويذكر أيضا رحلة أم هذا الامبراطور، هيلانة، الى فلسطين، وبحثها عن موقع الجمجمة، حيث صلب المسيح ودفن صليبه، وكيف وجدت ثلاث صلبان، وكيف إختبرت أيها الصليب الأصلي.
ولا تتوقف القصة عند هذا الحد، بل تطورت الى عادة تعرف بـ"عبادة بقايا الصليب الأصلي"، وكيف إتخذت الكنيسة الكاثوليكية من هذا الصليب رمزا للهينمة المسيحية، وفرض طقوسها على باقي الطوائف المسيحية التي إتهمتها بالهرطقة، لأنها تخالف عقائدها، منها ما إندثر، بحروب صليبية تطهيرية، ومنها ما بقي الى يومنا هذا. وتعتبر الطائفة البروتستانتية، التي أسسها المصلح الديني مارتن لوثر (1483-1546) في نهاية القرن السادس عشر، أكبر الطوائف المسيحية التي لا تعتبر شكل الصليب ورمزه مقدسا ومستأهلا العبادة والتبجيل—نوعا ما—، إلا أن المؤلف ينتقد بشدة بروتستانت أمريكا، لأنهم أصبحوا يعبدون الصليب أكثر من الكاثوليك أنفسهم.
يستشهد المؤلف بأعمال عدد من مؤرخي المسيحية الأوائل، أمثال جستن مارتر، وترتوليان، ونيقوديموس الذين أرخوا للدين المسيحي في بدياته، ولم يذكروا أنهم عبدوا الصليب (صليب الكنيسة الكاثوليكية المعروف "") ولا الكريستوغرام الذي إتخذه الامبراطور قسطنطين بعد أن وحّد الدين الجديد مع الوثنية لأغراض سياسية وعسكرية. وكيف أن هذه الشارة تغيرت وأتخذت رمزا دينيا، وحُلية تلبس للزينة.
----------------
تقديم
كما شكك الكثيرون، هناك الكثير والكثير لأجل الحقيقة؛ فالتاريخ الأصيل الحقيقي للدين المسيحي، هو بالتأكيد غير ذلك التاريخ الذي هو بين أيدينا اليوم. يدَّعي البعض أن تاريخ الكنيسة هو تاريخ دقيق، بينما يدّعى آخرون عكس ذلك. تأتي معظم الإدعاءات المتطرفة ضد الدين المسيحي من معسكر الإلحاد، وغالبا ما تبقى دون إثبات. لكن هذا الكتاب مختلف بشكل كامل. فهو يأتي من مسيحي مؤمن تقي، هو هنري دانا وارد، مؤمن بالمسيح، ومتسلح بالبحث المنهجي والحقائق.
لماذا، إذن، كُتب هذا الكتاب إذا كان يتعارض مع العقائد المسيحية التقليدية والمقبولة؟ لأن العقائد التقليدية المتعلقة بالصليب وعبادته خاطئة! سنحتاح لبعض الوقت لنتقبل نهائيا "الصليب" بشكله الحالي وعبادته، وبالنسبة لـ وارد، كان هذا الرمز رمزاً وثنياً ما كان يجب أن يُتبنّ.
لم تكن الأوثان تعبد على أيام أوائل المسيحيين، ولم يكن الصليب إستثناء لهذه القاعدة. إن عدم عبادة الصليب كان متفقا مع روح المسيحية الأولى، ولم تكن بدعة أو هرطقة. عدم عبادة الصليب كانت أحد ركائز العقائد المسيحية، وإسقاطه يجب أن يكون جزءًا من جسد الديانة الحالية، وفقاً لكلام وارد. إن تبجيل الصليب قائم على الأكاذيب، والخداع، والجهل. يبين وارد كيف بدأت الأكاذيب، ومن نشرها، وكيف ولماذا فعلوا ذلك. يقدّم مؤلف هذا الكتاب قائمة طويلة من الشخصيات المشتركة في نشر هذه المعلومات، من بينهم: برنــابــا Barnabus، نيقوديموس Nicodemus، جستن مارتر Justin Martyr، ترتوليان Tertullian،1 سيبريان Cyprian وآخرون. يقدم وارد كذلك قائمة بالمزيد من القادة اللاهوت الشرفاء والمستندات والوثائق التي لا تقدم أي إشارة للصيلب بكونه مهماً للإيمان خلال السنوات الأولى من تشكل المسيحية.
فأولئك الناس وتلك النصوص لن تتجاهل أبداً حقيقة جوهرية كتلك؛ إذا ما الذي حدث. بصدق، لم يكن لعبادة الصليب أي وجود في المسيحية الحقيقية. ورمز "الصليب" نفسه لم يظهر في سراديب الموتي تحت مدينة روما إلا في القرن الرابع، ولم يظهر المسيح مصورا على الصليب فعلا حتى القرن السادس. لم يُعلَّق يسوع، والكلام لوارد، على شيء يجب أن يشبه بالضرورة شكل الصليب. وإعتمادا على اللغة الأصلية المستعملة، لم يرد أي شيء أبدا عن شكل هذا "الصليب". كان مجرد عمود مفرد أو جذع شجرة من نوع ما، لكن هذه اللغة لم تقل أي شيء حول صليب ما.
من ناحية ثانية، سيكون بعض الوثنيين، والذين قبلوا الصليب سابقاً ضمن معتقداتهم، أكثر ميلاً لإعتناق المسيحية، إذا ما أُدخل فيها "الصليب" فجأة. وبإضافة الصليب، بجانب الأفكار الوثنية الأخرى، ستخلق إنتقال جد ناعم أو "تجاوز" (إذا ما إستثنيت التورية اللفظية) للمسيحية لأجل (تنصير) الوثنيين. كانت تسوية ملائمة لحد ما، من أجل أولئك الذين كانوا في موقع سلطة في ذلك الوقت، لأن المسيحية كانت تناضل لأجل بقائها لعدة قرون، وبذلت الجهود لضم الجميع باستخدام الأفكار الوثنية. فالكريسمس مثلا، لم يكن يوم مولد المسيح. وأي عالم متدين جيد سيؤكد لك أن يوم 25 ديسمبر كان يوم مولد إله الشمس، مثراس Mithras. والعلماء بشكل عام يعتقدون أن المسيح ولد في يوم من أيام شهر أبريل.
إن أحد أول أهم العوامل التي ساهمت في "عبادة الصليب" كان إدعاء الإمبراطورة هيلانة2، أم الإمبراطور قسطنطين الأول Constantine I، التي زارت الأراضي المقدسة عندما كانت بعمر 78، وأخرجت بالحفر ثلاث صلبان عند موقع هيكل فينوس Temple of Venus، الذي يقع في المكان التي تقوم عليه الآن كنيسة الضريح المقدس Church of the Holy Sepulcher. أخفق صليبان من ثلاثة صلبان في إثبات فائدتهما، لكن الثالث، أدُّعِىَ، أنه يشفى المرضى ويخرج الموتى ويعيدهم للحياة. أعطت هذه القصة الجميع سببا جيدا للبدء بعبادة الصليب كشيء سحري، وكان عاملا حاسما في نشوء عبادته. قد لا تكون هيلانة على علم بحقيقة أن القانون اليهودي يأمر بحرق مثل هذه الصلبان بعد أن يموت الشخص علي أحدها؛ ولم تكن على علم بأن الخشب، إذا ما نجى من النار، سوف لن يكون بحالة ممتازة تقريباً بعد أن يدفن لمدة 300 سنة. وقيل أنه بعد أن تركت نصف الصليب مع أسقف محلى (مكسيموس Maximus)، قامت بنقل بقايا هذا الأثر وعادت به لموطنها وقدمت الخشب لولدها الإمبراطور قسطنطين.
كان هذا أعظم إكتشاف في تاريخ المسيحية، أتبعه توثيق لأحد أشهر مؤرخي ذلك الوقت، الأمر الذي لم يحدث؛ وسلسلة من المعجزات المتلاحقة بفضل هذه الشظايا السحرية. إلى حد الآن واضح أن قسطنطين لم يسمع أبداً بالصليب، ولم يقل عنه شيئاً لعشر سنين بعد أن تم إكتشافه (قبل موته)، وكان مترافقاً مع صمت تام من قبل مكسيموس، أسقف أورشليم، الذي يبدوا ظاهريا أنه إستلم النصف الآخر. لكن لا وجود لأي إشارة لهذا الاكتشاف تم تسجيلها زمنيا بأي طريقة كانت لأي كاتب أو مؤرخ في ذلك الوقت. "خشب الصليب" تحول بالنتيجة ونشره القديس سيريل St. Cyril الأورشليمي – الذي خلف مكسيموس كأسقف على أورشليم. على كلٍ، فالقديس سيريل، لديه تاريخ حافل باللصوصية داخل الكنيسة يتعلق بسرقة المواد الثمينة وحُليّ الزينة، وقد طرد عدة مرات، لذا فكلمته يجب ألا تؤخذ على أنها "إنجيل".
يدعو وارد القصة الكاملة عن الصليب وإكتشافه "سُخْفاً"، ثم يتابع بعرض عدد من القطع المثيرة الأخرى للأدلة التي تدعم أن تلفيقاً قد حدث، ليعطى المصداقية اللازمة لعبادتنا للصليب. سأترك الأمر له ليقدم الأدلة الباقية (والغزيرة).
بالترافق مع هذا "الضلال" للصليب، أتت معلومة مغلوطة أخرى وأعتنقت تقاليد وثنية وقبلت ضمن الإيمان المسيحي. عندما أصبح هذا الأمر واضحاً جلياً، برزت عدة منظمات "مهرطقة" مختلفة نهاية القرن الثاني عشر وتابعت ظهورها لعدة قرون بعد ذلك. هذه الحركات غالباً ما كان لديها نيِّة إعادة القيم المسيحية الأصيلة، لكن التخريب الذي تتّبعه الكنيسة كان أقوى بحيث تم سحق الكثير من هذه الفرق. الأمر المثير والجدير بالملاحظة أن أغلب تهديدات هذه الحركات –الفالدينيين Waldenses،3 والبوغوميلBogomils ،4 والكاثار 5Cathars – كلها رفضت الصليب، ولم ترفض يسوع. وكان الصليب مجرد أداة لموته، لذا فعلى حد قول وارد، أن كل هؤلاء "المهرطقين" كانوا على صواب في آرائهم (على الأقل في قضية الصليب).
إعتبرت حركة البوغوميل "الصليب"، بكل وضوح، ليس كشيء واجب عبادته، بل إحتقاره. فهم قدموا المسألة في شكل سؤال بلاغي، سائلين، "إذا قتل أحدهم ابن الملك بقطعة من خشب، هل تعتقد أن الملك سيعتبر ذلك السلاح مقدساً؟" الصليب هو ما قتل المسيح المُخلِّص، لذا لا حاجة حتماً لعبادته. فهم يدعونه "خصم الله" ويعتبرونه من الشيطان. وفي الواقع، كل الرموز والأيقونات كانت محرمة لدى البوغوميل، كما كانت محرمة لدى أوائل المسيحيين. وكانت الأيقونات، بالنسبة لجماعة البوغوميل، مجرد اشياء مادية خلقت في هذا العالم المادي على يد الشيطان / يهوه، ويجب إجتنابها.
إعتنق الفالديون أفكاراً مشابهة. كذلك رفض الكاثار الصليب كرمز للعبادة. فهم شعروا أنه يبعث على الرعب، وليس التبجيل. هم يجادلون أنه إذا سقط عمود السقف وسحق ابن رب البيت، فهذا العمود لن يوضع موضع تبجيل وعبادة. أولئك الذين ينحنون أمام أي وثن أو بقايا رفات هم يركعون أمام أشياء مادية، والمادة كانت من خلق الشيطان، حسب كلام الكاثار. كان لأحد رهبان الكاثار، وهو Peter de Bruys، عادةُ اسقاط كل الصلبان التي تُصَفُّ على جانبي الطرق السريعة وتكديسها لحرقها في كومة واحدة. فإذا رأى أميال أعمدة الهاتف التي تُصفّ على جانبي الطرق اليوم، فهل كان سيستمر بإسقاطها؟ إقتبس يقول: "الصلبان المقدسة يجب أن تكسر وتحرق، لأن الأداة التي عذب بها المسيح برعب، وقتل عليها بوحشية، غير جديرة بالعبادة والتبجيل".
وذهب de Bruys بعيدا جداً عندما دعى "لحفلة شواء" عامة مستخدما كل الصلبان (الخشبية) التي أمكنه جمعها. فحولها لنزهة كبيرة. وبينما كان اللحم يشوى فوق اللهب المكشوف، إقتحم مسيحي غاضب من الرعاع بغضب المكان، فألقى القبض عليه، وقطعه إرباً – بعدها جلس وقام بشواء ما تبقى من اللحم! الواضح، أنهم قرروا أن الحفلة لم تكن بذلك السوء برغم كل شىء.
إن هذا الكتاب لم يعد يطبع منذ سنة 1871. في ذلك الوقت، أُصدرت عدة كتب تتناول هذا الموضوع، التي تتحدى فيه المعتقدات المقبولة، والتي غالبا ما كانت محظورة عن المكتبات، وكان الناس يُعتقلون عند إرسالهم هذه الكتب بالبريد (مثلما حدث مع D.M. Bennett وآخرون غيره). ومن النادر جداً أن كتابا، مثل كتاب Book Tree، دفع فيه ثمناً لا يصدق من المال مقابل النسخة الأصلية، والمحتمل أن تكون النسخة الوحيدة الباقية في العالم. نحن نقدمه لك الآن صونا لمعرفة هي بغاية الأهمية، للمسيحيين ولغير المسيحيين على السواء، وإلا فقد تجد طريقها للضياع الى الأبد.
باختصار، يقدم كتاب History of the Crossحقيقة أن الصليب الذي نبجله ونعبده ليس أكثر من رمز لإله وثني كان يسمى تموز Tammuz. إن الرمز الحقيقي للمسيح، موجود داخل هذا الكتاب، -وهو ما نعبده بالأساس- لكنه تحوّل الى رمز الصليب، وبهذا أصبحنا نعبد أداة موته! أمر ليس بجيد. يجب علينا إسقاط الرموز والمعتقدات المزيفة التي تسللت وإخترقت جسد الدين المسيحي، تاركة إيانا جُهالا روحياً في بعض المجالات.
في كتابي السابق، Triumph of the Human Spirit، دعوتُ كل المسيحيين لنفض مثل هذه الأشياء، مثل الإختراق الوثني، عن دينهم. لقد حان الوقت للعودة للهدف الأصيل والتعاليم الأصلية للسيد المسيح. العودة للحقيقة يجب أن تتضمن أيضا رمز المسيح نفسه. لذا، فأنا أعيد تأكيد ذلك هنا.
بول تايس Paul Tice
التشابه الكثير الموجود بين المسيحية والأديان الوثنية لا يمكن إنكاره. فقد كُتب الكثير عن هذه الأمور قبل كتاب مؤلفنا هذا، الذي بين يديك الآن ترجمة لكتابه "تاريخ الصليب"، وبعده. إلا أن المميز في هذا الكتاب هو أن مؤلفه ليس من خارج محيط الكنيسة، لكي يعد أحد منتقدي الدين المسيحي، بل هو أب محترم في كنيسة معروفة.
يختص هذا الكتاب بدراسة تاريخ الصليب تحديدا، بين كل التشابهات التاريخية والعقائدية الموجودة بين المسيحية والوثنية، ويناقش أصل كلمة الصليب الواردة في الترجمات الأولى للكتاب المقدس؛ كما يرجع الى أصول عبادة الصليب وعلاقته بالإله تموز. ويعود الى بدايات المسيحية حيث كان أوئل المؤمنون يرسمون صورا وإشارات يتعارفون بها فيما بينهم خفية نتيجة للإضطهاد الذي كان يمارسه عليهم اليهود والرومان على حد سواء. وهو يناقش أيضا الرمز الذي إتخذه الإمبراطور قسطنطين، أول أباطرة الرومان ممن إعتنقوا الدين المسيحي وإتخذه كدين رسمي للدولة، وسمى هذا الرمز بـ"الكريستوغرام" أو "مونوغرام المسيح" فوضعه على لواء جيشه وإنتصر به حسبما تقول الروايات، رغم إختلافها في بعض التفاصيل. ويذكر أيضا رحلة أم هذا الامبراطور، هيلانة، الى فلسطين، وبحثها عن موقع الجمجمة، حيث صلب المسيح ودفن صليبه، وكيف وجدت ثلاث صلبان، وكيف إختبرت أيها الصليب الأصلي.
ولا تتوقف القصة عند هذا الحد، بل تطورت الى عادة تعرف بـ"عبادة بقايا الصليب الأصلي"، وكيف إتخذت الكنيسة الكاثوليكية من هذا الصليب رمزا للهينمة المسيحية، وفرض طقوسها على باقي الطوائف المسيحية التي إتهمتها بالهرطقة، لأنها تخالف عقائدها، منها ما إندثر، بحروب صليبية تطهيرية، ومنها ما بقي الى يومنا هذا. وتعتبر الطائفة البروتستانتية، التي أسسها المصلح الديني مارتن لوثر (1483-1546) في نهاية القرن السادس عشر، أكبر الطوائف المسيحية التي لا تعتبر شكل الصليب ورمزه مقدسا ومستأهلا العبادة والتبجيل—نوعا ما—، إلا أن المؤلف ينتقد بشدة بروتستانت أمريكا، لأنهم أصبحوا يعبدون الصليب أكثر من الكاثوليك أنفسهم.
يستشهد المؤلف بأعمال عدد من مؤرخي المسيحية الأوائل، أمثال جستن مارتر، وترتوليان، ونيقوديموس الذين أرخوا للدين المسيحي في بدياته، ولم يذكروا أنهم عبدوا الصليب (صليب الكنيسة الكاثوليكية المعروف "") ولا الكريستوغرام الذي إتخذه الامبراطور قسطنطين بعد أن وحّد الدين الجديد مع الوثنية لأغراض سياسية وعسكرية. وكيف أن هذه الشارة تغيرت وأتخذت رمزا دينيا، وحُلية تلبس للزينة.
حكيم ميلادي
طرابلس-ليبيا 2010
----------------
تقديم
كما شكك الكثيرون، هناك الكثير والكثير لأجل الحقيقة؛ فالتاريخ الأصيل الحقيقي للدين المسيحي، هو بالتأكيد غير ذلك التاريخ الذي هو بين أيدينا اليوم. يدَّعي البعض أن تاريخ الكنيسة هو تاريخ دقيق، بينما يدّعى آخرون عكس ذلك. تأتي معظم الإدعاءات المتطرفة ضد الدين المسيحي من معسكر الإلحاد، وغالبا ما تبقى دون إثبات. لكن هذا الكتاب مختلف بشكل كامل. فهو يأتي من مسيحي مؤمن تقي، هو هنري دانا وارد، مؤمن بالمسيح، ومتسلح بالبحث المنهجي والحقائق.
لماذا، إذن، كُتب هذا الكتاب إذا كان يتعارض مع العقائد المسيحية التقليدية والمقبولة؟ لأن العقائد التقليدية المتعلقة بالصليب وعبادته خاطئة! سنحتاح لبعض الوقت لنتقبل نهائيا "الصليب" بشكله الحالي وعبادته، وبالنسبة لـ وارد، كان هذا الرمز رمزاً وثنياً ما كان يجب أن يُتبنّ.
لم تكن الأوثان تعبد على أيام أوائل المسيحيين، ولم يكن الصليب إستثناء لهذه القاعدة. إن عدم عبادة الصليب كان متفقا مع روح المسيحية الأولى، ولم تكن بدعة أو هرطقة. عدم عبادة الصليب كانت أحد ركائز العقائد المسيحية، وإسقاطه يجب أن يكون جزءًا من جسد الديانة الحالية، وفقاً لكلام وارد. إن تبجيل الصليب قائم على الأكاذيب، والخداع، والجهل. يبين وارد كيف بدأت الأكاذيب، ومن نشرها، وكيف ولماذا فعلوا ذلك. يقدّم مؤلف هذا الكتاب قائمة طويلة من الشخصيات المشتركة في نشر هذه المعلومات، من بينهم: برنــابــا Barnabus، نيقوديموس Nicodemus، جستن مارتر Justin Martyr، ترتوليان Tertullian،1 سيبريان Cyprian وآخرون. يقدم وارد كذلك قائمة بالمزيد من القادة اللاهوت الشرفاء والمستندات والوثائق التي لا تقدم أي إشارة للصيلب بكونه مهماً للإيمان خلال السنوات الأولى من تشكل المسيحية.
فأولئك الناس وتلك النصوص لن تتجاهل أبداً حقيقة جوهرية كتلك؛ إذا ما الذي حدث. بصدق، لم يكن لعبادة الصليب أي وجود في المسيحية الحقيقية. ورمز "الصليب" نفسه لم يظهر في سراديب الموتي تحت مدينة روما إلا في القرن الرابع، ولم يظهر المسيح مصورا على الصليب فعلا حتى القرن السادس. لم يُعلَّق يسوع، والكلام لوارد، على شيء يجب أن يشبه بالضرورة شكل الصليب. وإعتمادا على اللغة الأصلية المستعملة، لم يرد أي شيء أبدا عن شكل هذا "الصليب". كان مجرد عمود مفرد أو جذع شجرة من نوع ما، لكن هذه اللغة لم تقل أي شيء حول صليب ما.
من ناحية ثانية، سيكون بعض الوثنيين، والذين قبلوا الصليب سابقاً ضمن معتقداتهم، أكثر ميلاً لإعتناق المسيحية، إذا ما أُدخل فيها "الصليب" فجأة. وبإضافة الصليب، بجانب الأفكار الوثنية الأخرى، ستخلق إنتقال جد ناعم أو "تجاوز" (إذا ما إستثنيت التورية اللفظية) للمسيحية لأجل (تنصير) الوثنيين. كانت تسوية ملائمة لحد ما، من أجل أولئك الذين كانوا في موقع سلطة في ذلك الوقت، لأن المسيحية كانت تناضل لأجل بقائها لعدة قرون، وبذلت الجهود لضم الجميع باستخدام الأفكار الوثنية. فالكريسمس مثلا، لم يكن يوم مولد المسيح. وأي عالم متدين جيد سيؤكد لك أن يوم 25 ديسمبر كان يوم مولد إله الشمس، مثراس Mithras. والعلماء بشكل عام يعتقدون أن المسيح ولد في يوم من أيام شهر أبريل.
إن أحد أول أهم العوامل التي ساهمت في "عبادة الصليب" كان إدعاء الإمبراطورة هيلانة2، أم الإمبراطور قسطنطين الأول Constantine I، التي زارت الأراضي المقدسة عندما كانت بعمر 78، وأخرجت بالحفر ثلاث صلبان عند موقع هيكل فينوس Temple of Venus، الذي يقع في المكان التي تقوم عليه الآن كنيسة الضريح المقدس Church of the Holy Sepulcher. أخفق صليبان من ثلاثة صلبان في إثبات فائدتهما، لكن الثالث، أدُّعِىَ، أنه يشفى المرضى ويخرج الموتى ويعيدهم للحياة. أعطت هذه القصة الجميع سببا جيدا للبدء بعبادة الصليب كشيء سحري، وكان عاملا حاسما في نشوء عبادته. قد لا تكون هيلانة على علم بحقيقة أن القانون اليهودي يأمر بحرق مثل هذه الصلبان بعد أن يموت الشخص علي أحدها؛ ولم تكن على علم بأن الخشب، إذا ما نجى من النار، سوف لن يكون بحالة ممتازة تقريباً بعد أن يدفن لمدة 300 سنة. وقيل أنه بعد أن تركت نصف الصليب مع أسقف محلى (مكسيموس Maximus)، قامت بنقل بقايا هذا الأثر وعادت به لموطنها وقدمت الخشب لولدها الإمبراطور قسطنطين.
كان هذا أعظم إكتشاف في تاريخ المسيحية، أتبعه توثيق لأحد أشهر مؤرخي ذلك الوقت، الأمر الذي لم يحدث؛ وسلسلة من المعجزات المتلاحقة بفضل هذه الشظايا السحرية. إلى حد الآن واضح أن قسطنطين لم يسمع أبداً بالصليب، ولم يقل عنه شيئاً لعشر سنين بعد أن تم إكتشافه (قبل موته)، وكان مترافقاً مع صمت تام من قبل مكسيموس، أسقف أورشليم، الذي يبدوا ظاهريا أنه إستلم النصف الآخر. لكن لا وجود لأي إشارة لهذا الاكتشاف تم تسجيلها زمنيا بأي طريقة كانت لأي كاتب أو مؤرخ في ذلك الوقت. "خشب الصليب" تحول بالنتيجة ونشره القديس سيريل St. Cyril الأورشليمي – الذي خلف مكسيموس كأسقف على أورشليم. على كلٍ، فالقديس سيريل، لديه تاريخ حافل باللصوصية داخل الكنيسة يتعلق بسرقة المواد الثمينة وحُليّ الزينة، وقد طرد عدة مرات، لذا فكلمته يجب ألا تؤخذ على أنها "إنجيل".
يدعو وارد القصة الكاملة عن الصليب وإكتشافه "سُخْفاً"، ثم يتابع بعرض عدد من القطع المثيرة الأخرى للأدلة التي تدعم أن تلفيقاً قد حدث، ليعطى المصداقية اللازمة لعبادتنا للصليب. سأترك الأمر له ليقدم الأدلة الباقية (والغزيرة).
بالترافق مع هذا "الضلال" للصليب، أتت معلومة مغلوطة أخرى وأعتنقت تقاليد وثنية وقبلت ضمن الإيمان المسيحي. عندما أصبح هذا الأمر واضحاً جلياً، برزت عدة منظمات "مهرطقة" مختلفة نهاية القرن الثاني عشر وتابعت ظهورها لعدة قرون بعد ذلك. هذه الحركات غالباً ما كان لديها نيِّة إعادة القيم المسيحية الأصيلة، لكن التخريب الذي تتّبعه الكنيسة كان أقوى بحيث تم سحق الكثير من هذه الفرق. الأمر المثير والجدير بالملاحظة أن أغلب تهديدات هذه الحركات –الفالدينيين Waldenses،3 والبوغوميلBogomils ،4 والكاثار 5Cathars – كلها رفضت الصليب، ولم ترفض يسوع. وكان الصليب مجرد أداة لموته، لذا فعلى حد قول وارد، أن كل هؤلاء "المهرطقين" كانوا على صواب في آرائهم (على الأقل في قضية الصليب).
إعتبرت حركة البوغوميل "الصليب"، بكل وضوح، ليس كشيء واجب عبادته، بل إحتقاره. فهم قدموا المسألة في شكل سؤال بلاغي، سائلين، "إذا قتل أحدهم ابن الملك بقطعة من خشب، هل تعتقد أن الملك سيعتبر ذلك السلاح مقدساً؟" الصليب هو ما قتل المسيح المُخلِّص، لذا لا حاجة حتماً لعبادته. فهم يدعونه "خصم الله" ويعتبرونه من الشيطان. وفي الواقع، كل الرموز والأيقونات كانت محرمة لدى البوغوميل، كما كانت محرمة لدى أوائل المسيحيين. وكانت الأيقونات، بالنسبة لجماعة البوغوميل، مجرد اشياء مادية خلقت في هذا العالم المادي على يد الشيطان / يهوه، ويجب إجتنابها.
إعتنق الفالديون أفكاراً مشابهة. كذلك رفض الكاثار الصليب كرمز للعبادة. فهم شعروا أنه يبعث على الرعب، وليس التبجيل. هم يجادلون أنه إذا سقط عمود السقف وسحق ابن رب البيت، فهذا العمود لن يوضع موضع تبجيل وعبادة. أولئك الذين ينحنون أمام أي وثن أو بقايا رفات هم يركعون أمام أشياء مادية، والمادة كانت من خلق الشيطان، حسب كلام الكاثار. كان لأحد رهبان الكاثار، وهو Peter de Bruys، عادةُ اسقاط كل الصلبان التي تُصَفُّ على جانبي الطرق السريعة وتكديسها لحرقها في كومة واحدة. فإذا رأى أميال أعمدة الهاتف التي تُصفّ على جانبي الطرق اليوم، فهل كان سيستمر بإسقاطها؟ إقتبس يقول: "الصلبان المقدسة يجب أن تكسر وتحرق، لأن الأداة التي عذب بها المسيح برعب، وقتل عليها بوحشية، غير جديرة بالعبادة والتبجيل".
وذهب de Bruys بعيدا جداً عندما دعى "لحفلة شواء" عامة مستخدما كل الصلبان (الخشبية) التي أمكنه جمعها. فحولها لنزهة كبيرة. وبينما كان اللحم يشوى فوق اللهب المكشوف، إقتحم مسيحي غاضب من الرعاع بغضب المكان، فألقى القبض عليه، وقطعه إرباً – بعدها جلس وقام بشواء ما تبقى من اللحم! الواضح، أنهم قرروا أن الحفلة لم تكن بذلك السوء برغم كل شىء.
إن هذا الكتاب لم يعد يطبع منذ سنة 1871. في ذلك الوقت، أُصدرت عدة كتب تتناول هذا الموضوع، التي تتحدى فيه المعتقدات المقبولة، والتي غالبا ما كانت محظورة عن المكتبات، وكان الناس يُعتقلون عند إرسالهم هذه الكتب بالبريد (مثلما حدث مع D.M. Bennett وآخرون غيره). ومن النادر جداً أن كتابا، مثل كتاب Book Tree، دفع فيه ثمناً لا يصدق من المال مقابل النسخة الأصلية، والمحتمل أن تكون النسخة الوحيدة الباقية في العالم. نحن نقدمه لك الآن صونا لمعرفة هي بغاية الأهمية، للمسيحيين ولغير المسيحيين على السواء، وإلا فقد تجد طريقها للضياع الى الأبد.
باختصار، يقدم كتاب History of the Crossحقيقة أن الصليب الذي نبجله ونعبده ليس أكثر من رمز لإله وثني كان يسمى تموز Tammuz. إن الرمز الحقيقي للمسيح، موجود داخل هذا الكتاب، -وهو ما نعبده بالأساس- لكنه تحوّل الى رمز الصليب، وبهذا أصبحنا نعبد أداة موته! أمر ليس بجيد. يجب علينا إسقاط الرموز والمعتقدات المزيفة التي تسللت وإخترقت جسد الدين المسيحي، تاركة إيانا جُهالا روحياً في بعض المجالات.
في كتابي السابق، Triumph of the Human Spirit، دعوتُ كل المسيحيين لنفض مثل هذه الأشياء، مثل الإختراق الوثني، عن دينهم. لقد حان الوقت للعودة للهدف الأصيل والتعاليم الأصلية للسيد المسيح. العودة للحقيقة يجب أن تتضمن أيضا رمز المسيح نفسه. لذا، فأنا أعيد تأكيد ذلك هنا.
بول تايس Paul Tice
----------------
تمهيد
تجتاح الكنائس، خصوصا في أمريكا، موجة طوفانية من التعلق بالطقوس مهددة بغمر الإنجيل، مثل الموجة التي غمرت الكنائس الأولى في القرن الرابع ببقايا الشهداء، وأساطير الرهبان، وإتيان الأعاجيب، والأعراف والتقاليد الوثنية، و"إختراع الصليب". إن العين تُسحر بالإيماءات المسرحية الفضولية، وتجتذبها حركة الممثلين المختلفين. إن أي عرض بشعارات وأصوات جميلة خلال الشوارع، أو داخل الكنائس، حتماً أنه سيلفت إنتباه الحشود. متحمساً بالحركات الغامضة، يكون الجيل الصاعد مجبرٌ على المشاهدة والمشاركة، وتشكيل جزء من هذا العرض الهائل، بإرتداء الملابس الملونة أو الجلاليب البيضاء، مع الأعلام وحاملى الرايات، من أجل إثارة إعجاب المشاهدين. إشارة وصورة الصليب، هي الآن، كما كانت قديماً، في بداية الإغتصاب الوثني لبساطة الايمان بالله في المسيح. لذلك، فمن الملائم الآن التقديم علناً، تاريخاً يبين الأصول الوثنية للصور والتماثيل، وكيفية دخولها بين المسيحيين، وإعتناقها النهائي في الكنيسة: كاثوليكياً وعالمياً.
هناك عدد ليس بقليل من قرائي الصغار سمع برواية "رؤيــا قسطنطين عن الصليب"، موضحة بالصور، وموقَّعة بالأحرف، In Hoc Vinces. الكل سيشعر بالسخط والنقمة على الكاتب، عندما سيرى في سني نضجه ويتعلم أن هذه "الصورة" هي تزوير واضح، تقليد وثني لتميمة وضعها قسطنطين على رايته، وهو ما يمكن أن ندعوه تقليدا، والذي بدون أدنى شبه لخاصية وحيدة، يأخذ اسم ومكان ووظيفة شيء آخر.
لقد كان "مونوغرام المسيح" "الكريستوغرام" ، إشارة على راية قسطنطين وخلفاءه الاباطرة من بعده، التي تدّعي الآن "صورة الصليب" الحلول مكانها. لقد حلت صورة الصليب محل المونوغرام بعد إنحلال الإمبراطورية الرومانية، سنة 476 ب.م. لا ترى للمونوغرام أي أثر الآن، لأنه إختفى؛ في الوقت الذي إحتلت فيه صورة الصليب مركزاً مرموقاً عند الذروة والوعاظ، وعلي الكتب والأشخاص، من القصر الى القرية، ومن الأماكن المقدسة الى أماكن اللهو العامة. هذه الصورة الوثنية والبربرية القديمة رُفِعَت بتبجيل، وحُملت بإعجاب، من قبل جماهير الكاثوليك، معتقدين أنهم، قائلين مع بولس الرسول، مجلين الصليب "حَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ" (غلاطية 6: 14). إنما ليس لأجل صلب النفس للعالم يزين كل من الصغير والكبير نفسه ببريق "صورة الصليب". صليب المسيح هو الموت لمجد هذا العالم، لكنه الحياة لله بسبب المجد الآتِ. تبيان شجاعة الصليب أمر هيّن، بينما قد يكون حاملوه جبناء جداً في المعسكر الاسرائيلي.
لا يتخيّل أحدٌ للحظة أن هذا العمل يهدف للهجوم على صليب المسيح. لا، بل على العكس، إنه يبين: آلام المسيح، لأجل خطايا الآخرين، التي حُجبت الآن وغطتها صورة الصليب. إنه يصون قوة صليب المسيح حتى الحياة الأبدية، التي أفسدتها الصورة. إنه يُمجِّد فخر الصليب وبرآءة المُتألِّم، الذي حُطّ من قدره بتعظيم الصورة؛ ويهدف لتمجيد غنى نعمة صليب المسيح، الذي تحول الى ادّعاء فارغ باتخاذ الصورة. صليب المسيح لايمكن رؤيته، ولا إمساكه، ولا محبته؛ إنه الألم المولود بصبر للجسد والروح هنا، لقاء السعادة الموعودة في الآخرة. إنه حب سرمدي وفخر لا يمكن وصفه لله، تم خنقه الآن، عن طريق التبجيل الخاطىء وحب الصورة، التي دعيت وأتخذت ككل الصور الأخرى، من أجل حقيقة خيالية تدعي الظهور. هدفنا الرئيس هو إزاحة الصور، لأجل موت المسيح عن هذا العالم، ومجيئه ثانية في مجدٍ. نرجو ظهوره. الرب الرحيم يبارك جهد كل من يحب اسمه وينتظر بصبر ظهور المسيح؛ الذي أجاب الكاهن الأكبر، في حظور السنهدريم Sanhedrim، "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ»" (متى 26: 64).
----------------
المحتويات
مقدمة |
|
زخرفة أضرحة القديسين | |
صور وأوثان مزخرفة في أماكن مقدسة | |
التديُّن الفتيّ سببٌ منهجيٌ للكُفر المُعلن | |
الفصل الأول. | |
صليب المسيح لا صنمه | |
الحية النحاسية | |
عقاب الصليب (التعذيب بالصلب) | |
رمز تموز | |
خطـأٌ فـادح | |
أشكال مختلفة من تماثيل ستاروس stauros | |
الفصلالثاني. | |
برنابا | |
نيقوديموس | |
جستين مارتر | |
ماركوس مينوتيوس فيلكس | |
ترتوليان | |
سيبريان | |
جريجوري ثاوماتورجوس، أو مُجترِحُ المُعْجِزات | |
"إكتشافخشب الصليب" | |
القديس سيريل الأورشليمي، عامل لإنتشار خشب "stauros" | |
مجد خشب صليب "stauros" | |
كتاب القس هيسلوب "the two babylons" | |
الفصل الثالث. |
|
خلاصة | |
الصليب الكاثوليكي الروماني يتعارض مع صليب قسطنطين | |
قصة رؤيا قسطنطين، عن يوسيبيوس | |
نماذج منسوخة عن ميداليات ونقود قسطنطي |
|
الفصل الرابع. |
|
السراديب، للمسيو بيريه | |
تغير الشارة | |
هل تمجيد وتبجيل صورة وثن الخشبة يرضي الله؟ | |
حَمَلة هذا الصليب لا يُصلُّون له وقد يتجاوزون عنه | |
"وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي" |
|
«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» |
|
رموز |
----------------
مقدمة
منذ أكثر من أربعين سنة مضت، كنت ماراً بجانب باب الكنيسة الكاثوليكية في شارع آن Ann، نيويورك، كان الباب مفتوحا، وقفت ونظرت الى مدخله المتشح بالسواد صباح يوم الجمعة الحزينة، أخذت مقعداً متقدما قرب المذبح، لأرى مشهداً لم أشهد مثيله من قبل ولا بعد منذ ذلك الوقت. كانت الحركات، والصلوات باللاتينية، وشذى البخور، والألحان، والشموع، والركوع، وجوقة المذبح الغنائية، كانت قريبة الملاحظة بدون حتى أن تفهم بشكل جيد. لكن العظة التي تلت ذلك كانت بلغة ساكسونية Saxon صرفة، تبجل خشب الصليب، الذي يقول عنه الكاهن: "يجبُ أن يُعبد". لقد كنت متفاجئاً، لأن اللاتينيون رفضوا عبادتهم للأوثان، وأنا، بحسن نية، صدقت ذلك، لقد كنت مشدوهاً بلغة الكاهن مخاطبا حضور الكنيسة المزدحم. يبدو لي أنه من غير الحذر، ومن التسرع أن وضعوا سلاحاً في أيدى أعدائهم. يتابع الكاهن، على كلٍ، بخشوع تام، ليبين ويحث العقلانية، وليؤكد وجوب عبادة الصليب الذي يمثل المسيح مصلوباً the rood of the cross!
أولاً، لأنه حُفظ بطريقة عجائبية، ووجد مع صليبيْ السارقيْن، بعد أن دفن في الأرض قرابة ثلاثمائة سنة.
ثانياً، لأنه عندما وُجِد، تم تميزه من بين صليبي السارقين عن طريق المعجزات التي عملها، بينما لم يقم صليبي السارقين بشىء. (صاحب هذا يخدع نفسه بإيجاد صليبي السارقين).
وثالثاً، لأن خشب الصليب الحقيقي ضاعف نفسه وتكاثر من أجل توزيعه على أرجاء العالم بدون نقص أو فقدان الخشب الأصلي.
كان هذا الوعظ المؤكِّد والمنطقي يقارب التطبيق المصوّر أمام كل أعين الناظرين. بالنسبة للواعظ، ترأُس الأكليروس، ورجال الدين داخل الهيكل، اقتراب الأول بإنفراد في التسلسل الكنسي، برؤوس مطأطئة، أمام صليب المصلوب الموضوع على علو لهذا الغرض، وبالركوع على الركبتين، بعيون كاسفة ناضرة لأسفل، الجميع متعبد، مُصلِّياً في صمت، ثم واقفاً بعد أن كان على ركبتيه ليتراجع، مقبلاً قدميْ الصنم! ينتهى هذا، ويُنقل الصليب الذي مَثّل المسيح مصلوبا الى حاجب المذبح أمام الجناح الأوسط، وتُدْعَى الرعية لتقترب من الجناحين الجانبيين، ليقدموا عبادتهم للصليب، وليتراجعوا الى الممر المركزي، الذين قاموا بذلك بأعداد غفيرة، مقتربين بخشوع، مطأطي الرؤوس، نازلين على رُكَبهم، ثم واقفين، فمقبلي قدميْ الصنم، ومتقهقرين في وقار. إلا أن الرجال الخاشعين ينفون يقيناً أن مثل هذه الأفعال يتم القيام بها؛ أو معلنين حقائق تنفي أن هذه عبادة أصنام! حتى أن مجمع ترنت Trent6الكبير يقول:
"أن الأصنام التي تمثل السيد المسيح، والعذراء "أم الله"، وباقي القديسين، يجب أن تُقتنى ويُحتفظ بها خصوصاً في الكنائس، وأن يقدم لها التبجيل والتقديس؛ لا بسبب الإيمان بأن لها أو فيها أية قدسية أو قوة، وبداعي وجوب عبادتها؛ أو بسبب سؤالك لها؛ أو بسبب الأعتماد أو التوكل عليها، كما فعل الوثنيون من قبل، الذين وضعوا كل ثقتهم بالأوثان؛ بل بسبب الإجلال الذي نقدمه للشخصيات التي تُجسّدها هذه التماثيل. لذلك، فمن خلال هذه التماثيل التي نُقبِّلُها، ونرفع قبعاتنا إحتراما لجلالها، ونخر لها ساجدين: نحن نعبد المسيح، ونبجل القديسين الذين يبدون كهيئة تلك التماثيل" (Sess. 25, sec. 2).
هذه الشهادة من المجمع الأكبر تتعارض مع الوصية الثانية،7 وتتعارض مع الشهادة المماثلة للكتاب المقدس ضد الأشباه والأوثان في العبادة، وتتعارض كذلك مع المشهد في كنيسة شارع آن، ومع الفطرة السليمة. لقد صرخ الأسقف إمبرت Imbert الصالح أسقف جاسكوني Gascony، بصوت مدوٍ بمجلس محتشد، عقد بعد ثمانية عشر سنة من مجمع ترنت، قائلاً: "أعبدوا المسيح؛ لا الخشبة!" "لا خشبة الصليب"، ثم رد المجلس؛ وإنتصرت الخشبة؛ ومن ثم، فقد قام رئيس أساقفة بوردو Bordeaux بإتهام إمبرت، وحوكم، وأُدين، وأُخرس بسبب ضلاله. لقد قد بنو إسرائيل القرابين، وصاموا، ورقصوا أمام العجل الذهبي، صارخين: "هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ!" كانوا يعلمون أن لا ألوهية أو قوة في الصنم الذهبي؛ لكنهم تعبدوا أمامه لتمجيد "الرب الخفي" الذي كان حضوره يتمثل بالوثن الذي صنعوه. كل الوثنيين يُقرّون أن أوثانهم وأصنامهم ما هي إلا صور عن الآلهة التي تمثلها، بينما تسكن الآلهة نفسها في السماء. هم يعتقدون، على كل حال، على غرار صاحبنا من ترنت، أن التماثيل والصور والمذابح التي يتعبدون أمامها بالقرابين والبخور والصلوات والتمجيد، ما هي إلا أشياء من التبجيل المتواضع، وأن التماثيل والصور هي عزيزة خاصة للروح الخفي المتجسد، سواء أكان شيطانا أم قديسا؛ وهم يعبدونه تبعاً لذلك. وبالتالي فإن صورة الصليب تلقي نظرة خلسة على محبوب ومعبود البروتستانت، لدرجة غير مشكوك فيها ولا حَلُم بها معجبي ومُبجِّلي الرمز، تاركين مسافة عرض كفٍ فقط بين تبجيلهم للصنم ودخولهم في الوثنية. ولأجل العالم أجمع الذي يُبجل رايات وتماثيل أي شخص، أو أمة، أو يسبب ذلك تمثيل مع جزء من التبجيل والحب جراء ذلك السبب، للأمة، أو للشخص المُمَثَّل، وسواء كان ذلك وطننا أم مبادئ حزبنا، أو صديقنا المرئي أم الخفي، وسواء أكانت العذراء أم جوبتير، أو المملكة أو الجمهورية، الكنيسة الرومانية أو البروتستانتية، سلفنا أو أخانا. والشخص الذي يتبرأ من التماثيل والصور، أو يزدري الأعلام، هو شخص يُثخن الجراح في قلوب محبيها وأتباعها. كثيرين من هم في إختبارٍ تبجيل وحُب صورة ووثن الصليب، الذين لم يعبدوه بعد بالبخور والتقبيل: لمن يعتبر أن تلك إهانة، ولأي شخص يطرح أسئلة حرجة عن مدى ملائمة وبراءة تبجيل وتشريف الصليب فى كنائسنا وعلى أجسادنا! ومع ذلك، فالنصوص المقدسة تحرم على أتباع يسوع أن يبجلوا أي صورة مادية، من بين الأشياء المقدسة لدينا، أو الأشباه المتوهَّمة، التي صنعتها يد البشر، لتمثل شخص (المسيح) الخفي، أو أشياء عن الله؛ وتحرّم إنسانيتنا حبنا وتبجيلنا لصنم يمثل المعاناة والألم، كالتي تكبدها وتعرّق لأجلها الرب يسوع، "وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ"، بينما يُصلي بألم أن تُجيز عنه هذه الكأس. إننا نرى العديد من الأخوة والأصدقاء المقربين "متصيدي الألقاب" ينجذبون بلا وعي لبدعة تبجيل هذه الصورة، لقد حان الوقت لنبين أن صليب المسيح ليس صورة، بل حقيقة. ليس الصليب حلية لشخصه، بل عبء ثقيل ألقي على كاهله، وعلى قلبه الخفاق، يسحق مَعين حياته، ويسكب دمه على وجه الأرض. وبالنسبة ليسوع، لم يكن الصليب مشهداً رائعاً، ولكنه كان مبغوضا في قلبه، مع ذنوبنا، التي حملها في جسده على الشجرة. بينما يحول الصليب، الذي يُرسم في إختيال وزهو، الشخصية الكاملة لصليب المسيح الى حلية للجسد، مكلل بالزهور، أو متدلٍ من جِيد حسناء في ملابس متأنقة، أو مرفوعاً على قمة برج كنيسة، ليُزيِّن الوعاظ، أو جدران المذبح، أو الواجهات؛ أو مُزخرفاً على الرايات الوطنية بألوان وأشكال مختلفة. وعلى النقيض، ها هي راية الإستبداد البابوي، وشارة تحول هذا العالم الى مملكة ألفية سعيدة أو الى حياة أبدية ومجد!
حان الوقت لمواجهة هذه الصور الوثنية المنشأ، والتي تبناها أعداء المسيحيين لتكون حقيقة صليب المسيح. لقد حان الوقت لإستيعاب الفرق بين الموت لأجل محبة قوة ومجد هذا العالم، وصورة أو تمثال ينصبُ عالياً ليُظهِر أُبهة وبدعة هذا العالم. لقد حان الوقت لتتعرف على العداوة الرهيبة بين صليب المسيح الذي أراق دمه على أرض هذا العالم الشرير، و"صليب المجد" المحمول بالغناء في موكب مقدّس، والموضوع لأجل التبجيل والإحترام "فوق المذابح العالية!" لقد حان الوقت لتفهم الفرق الشاسع بين يسوع المُسمَّر بالمسامير كمجرمٍ من خلال يديه وقدميه "على الشجرة الملعونة"، والشبه المزخرَف في الإحتفالات السنوية لآلة القتل تلك، والتي أُستعملت لتعديبه حتى الموت. إنّ قلبنا ليدمى حزنا عندما نرى البروتستانت الشرفاء على كل جهة، مأخوذين بهذا الوثن التافه، ومنقادين بلحظة واحدة الى التفكير أنه بتزيين أنفسهم أو منازلهم، أو بيت الرب بهذا الصنم (أي شكل الصليب)، إنما هم يرجون مرضاة آب الروح القدس، وممجدين اسم ولده الوحيد، ربنا يسوع المسيح. لابساً الصليب المتلألئ، حاملا خشبة stauros، وتابعاً المسيح! إن لابس الصليب المشغول من الذهب، أو اللؤلؤ، أو الأحجار الكريمة، تابع ليسوع، وقتلته الذين أكرهوا رجلاً ماراً بهم على حمل خشبة صليبه لأجله، مرهق وخائر القوى، لعذاب نفسه! إن الذي يرتدي صورة الصليب هذا لا يضعف جراء هذا الحمل الثقيل. إن الصليب المتألق غالباً ما يُرتدى في حالة من الفخر لا بفقر في الروح وغلظة في القلب. إنه يُرتدى حباً في تبجيل وإحترام صورة الوثن؛ وليس لأجل تحقير ونكران غرور ومجد هذا العالم. إنه يُرتدى لأجل التميز الطبقي، ذهباً ومطرزاً، ومنحوتاً بصور برَّاقة، بالأحرف والزهور؛ مرفوعاً في مواكب تصحبها أنغام الموسيقى والأبواق، وبأغانٍ تقول: "أنظرو الصليب! صليب منقذنا! الصليب الذي حررنا من دينونة الخطيئة، ومن عبودية الموت! صليب خلاصنا!"
إن هذا الإستعراض المعاصر مشابه لما قام به بنو إسرائيل أمام العجل الذهبي، غير قاصدين إغاضة الرب مخلصهم، بل تمجيده. مع أن النية كانت حسنة، إلا أنها أساءت تمثيل المجد الغامض "بِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً." (عبرانيين 10: 10)، وهي ليست أقل من العجل المصهور الذي أساء تمثيل الله الذي خلّص إسرائيل من نير عبودية مصر؛ وهذا الوثن في الكنيسة المعاصرة، ليس أقل من ذلك الوثن في الكنيسة القديمة، يخدمه من "كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ." (يوحنا 8: 44).
تعليق