المحلل السياسي الفرنسي "بيير جوان فرانك":
أمريكا هي صانعة 11 سبتمبر..
وهذه هي الأدلة
الرجل المزعج بالنسبة للأمريكيين.. منعت جريدة النيويورك تايمز نشر مقالاته منذ أن أعلن من مقر مكتبه بالحركة الفرنسية لأجل الحقيقة Mouvement Franais pour la vrit أن الولايات الأمريكية تجيد اغتيال الناس كما تجيد اغتيال الحقيقة... وصار مغضوباً عليه أكثر بعد صدور كتابه الأخير الأكثر انتشاراً في فرنسا وفي الدول الفرانكفونية، كتابه "الكذب سياسة!" (Le mensonge est une politique) الصادر عن منشورات "لاجازيل" الفرنسية..
وفي هذا الحوار الحصري مع المجتمع نحاول التقرب من السيد "بيير جوان فرانك" (الهولندي الأصل، والعضو السابق في البرلمان الأوروبي) لنطرح عليه الأسئلة التي تهمنا جميعا لأجل نفس الحقيقة التي يريد الدفاع عنها، وفق رؤاه وعلى مسؤوليته..
سيد بيير جوان فرانك، كنتم قبل عشرة أعوام، انطلاقاً من فرنسا، كاتباً مهماً من كتاب الصحف الأمريكية المهمة ك "الواشنطن بوست والنيويورك تايمز" وأصبحت اليوم كاتباً غير مرغوب فيه في الولايات الأمريكية، كيف تفسرون هذا التحول الكبير ضدكم؟
اسمحي لي أولاً أن أحييك وأحيي عبرك القراء العرب، وأنا مسرور بمخاطبته عبركم.
نعم، ما جرى أننا وقعنا جميعاً في فخ الدعاية الأمريكية التي استطاعت أن تجرنا جميعاً إلى الفكر المناوئ للحقيقة، حيث إننا اكتشفنا، ربما بعد تأخر الوقت، أننا كنا لعبة بين أيدي خبراء جهنميين صاغوا بأساليب براجماتية كل خيوط المسرحية المرعبة التي نعيشها اليوم بهذا الذهول، لهذا حين كتبت في سنة 2001م، بعد أحداث سبتمبر مقالتي: "نريد الحقيقة"، اتهموني في أمريكا أنني أريد اكتساب شهرتي على حساب فاجعة "قومية!"
والحقيقة أن الحصار الإعلامي الذي ضرب حولي كان كبيراً ولكني أعتقد من البداية أنني لست الوحيد الذي شكك في الرواية الأمريكية بخصوص تلك الأحداث، وبالتالي في أول اجتماع أقيم بين العديد من الشخصيات الفكرية والسياسية في بلجيكا في يناير 2003م أصدرنا بياناً قلنا فيه: إننا نشكك علانية في الرواية الأمريكية بخصوص تلك الأحداث وبالتالي نطالب بالحقيقة كي لا تذهب دول بعينها ضحية المخطط الأمريكي الواسع، بقصد الهيمنة على المناطق البترولية والإستراتيجية في العالم، حيث إن كل دولة اليوم ستصبح عراقاً آخر إن لم نقف في وجه هذا الغول الرهيب..
هذا يدعوني إلى سؤالكم عن الحقيقة التي ترون أن الولايات أخفتها عن العالم فيما يخص أحداث سبتمبر 2001م؟
أجل، أعتقد أنه حان الوقت لمكاشفة الشعوب بما ارتكبته الإدارة الأمريكية ضد الأمريكيين أولاً وضد العالم، لأننا على يقين أن أحداث سبتمبر لم تكن عادية ولا "مفبركة" وفق ما قيل لنا من أنها "مؤامرة إسلامية" ضد العالم المتحضر!
هذا هو الكلام الذي كررته وسائل الإعلام بببغاوية رهيبة صانعة من الدول الإسلامية غولاً جديداً للحضارة الغربية وهو للأسف ما أرادته الإدارة الأمريكية كي تبرر زحفها في منطقة الشرق الأوسط عبر عملية مسح حربي المقصود منها إرهاب الأنظمة العربية وأنظمة الشرق الأوسط والشعوب التي توجه الرسالة إليها إن هي حاولت التصدي للعملية التدميرية الأمريكية في العالم..
هذا أمر لم يعد سراً على أحد، النيويورك تايمز اعتذرت للشعب الأمريكي رسمياً قبل أشهر على جريها خلف التقارير "المفبركة" والمغالطة التي كانت تصوغها أقلام متواطئة مع البنتاجون ومع البيت الأبيض لتسويق قرار الحرب الذي اتخذ فعلاً قبل أحداث سبتمبر المشؤومة..
ثم إن مسرحية الوقائع التي أصدرتها لجنة التحقيق الفيدرالية تبدو أقرب إلى فيلم هوليودي منه إلى الحقيقة، ربما في فترة الذهول الأولى كان الناس على استعداد لتصديق أي شيء يأتي من تلك اللجنة، ولكن اليوم بعد مضي أربع سنوات على الحوادث جاء الوقت للبحث عن الحقيقة المطلقة، ليس لشيء سوى تجنب حروب دامية تسعى إدارة بوش الثانية إلى القيام بها لأجل تمديد رقعة الصراع الدولي.
لكن ما تقدمونه الآن لا يعدو مجرد آراء وملاحظات وانطباعات، بمعنى أنكم تتكلمون بشكل نظري، فعلى أي أساس تستندون في عملكم التنظيمي في إطار حركة البحث عن الحقيقة في أحداث 11 سبتمبر2001م؟
كما تعلمين حركتنا عبارة عن ناد فكري وسياسي وثقافي يجتمع فيه كل الذين يسعون مثلنا إلى نبذ العنف بأشكاله.. نحن نندد بالجريمة مهما كانت أسماؤها، ونعتقد أن الحجة التي بنت عليها الولايات المتحدة حروبها الأخيرة كانت حجة واهية وأن قرار الحرب على أفغانستان وعلى العراق كان متخذاً من قبل ولا يحتاج تنفيذه إلا إلى سبب واضح للعيان.
ماذا يجب القيام به في نظرهم؟ لن يكون هنالك أثمن من عملية تتورط فيها جهات وشخصيات وبالتالي يتم نسبها إلى دول عربية بعينها بعبارة " هذه دول إرهابية" وهي التهمة التي وجهت إلى العديد من الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية أيضاً.
المشكلة أن الأولويات الأمريكية موجودة فعلاً في المنطقة العربية، وبالتالي نعرف كمراقبين سياسيين أن الإدارة الأمريكية تريد استعادة مواقعها في الشرق الأوسط، على أساس نهب بترولي وانتشار عسكري يعطي مساحة أمان إستراتيجية لإسرائيل.
هذه هي النقطة التي نسعى إلى التركيز عليها بأن الكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة التي استفادت من أحداث 11 سبتمبر، من الذي استفاد غيرها؟ لا أحد ولا حتى الولايات المتحدة استفادت.. سأرد على سؤالك الآن قائلاً: إننا نعتمد على حقائق ملموسة وهي:
أولاً: الإدارة الأمريكية كذبت على شعبها في تحديد ما جرى يوم الثلاثاء 11 سبتمبر2001م، إذ إنها عجزت عن ذكر ما جرى فعلاً يومها ذاهبة إلى اتهام الدول العربية بالهجمات حتى قبل أن يبدأ التحقيق. هذا خطأ فادح أن تلجأ إلى الإسراع في الاتهام متحججة بتهديدات إرهابية "إسلامية" ضد أراضيها!
ثانياً: أن سير التحقيق كان غامضاً جداً وعمدت الإدارة الأمريكية إلى فرض حالة من الضبابية عليه، ولكن في النهاية كانت النتيجة هي نفسها التي أطلقتها الإدارة الأمريكية بأن الهجمات الإرهابية عبارة عن مؤامرة إسلامية ضد الولايات الأمريكية والحضارة الغربية!
ثالثاً: لقد تم ذكر أسماء الدول مع مرتكبي التفجيرات بعد ساعات من الأحداث وهذا أمر غاية في الأهمية بالنسبة إلينا باعتبار أن التحقيق لم يكن قد بدأ وقتها وكان الناس في حالة ذهول إلا عمال "الفبركة" داخل البنتاجون الذين سارعوا إلى ذكر أسماء الإرهابيين الذين قاموا بالعمليات وبسرعة فائقة حتى قبل أن يتم تقديم الإسعافات للآلاف الذين كانوا تحت المباني المهدمة في الشارع التجاري العالمي!
رابعاً: وهي نقطة مهمة رآها العالم كله، هو أنه بعد 12 ساعة من التفجيرات تم تقديم جواز سفر أحد الإرهابيين (محمد عطا) قائلين للعالم: هذا هو الإرهابي الذي قاد الطائرة الثانية التي انفجرت على المبنى التجاري الثاني، وأنهم عثروا على جواز سفره سليماً تماماً في الوقت الذي ذابت فيه الطائرتان والمبنيان معاً تحت ضغط الحرارة الشديدة، فكيف حدث ذلك؟ كيف يمكن للإدارة الأمريكية ومكاتب التحقيقات الفيدرالية فيها أن تتعامل معنا بهذا الغباء؟
كيف يمكن أن تجرؤ على مجرد القول إن ثمة جواز سفر خاص بالإرهابي الفلاني قد سقط من طائرة تفجرت وذابت تماماً بمن فيها.
حتى الصناديق السوداء ادعت الإدارة الأمريكية وعلى لسان "رامسفيلد" أنها ذابت في التفجيرات ولم يتم العثور إلا على بيانات سطحية غير مهمة! الصناديق السوداء المجهزة بنظام مقاومة الضغط الحراري العالي ذابت وجواز سفر "محمد عطا" بقي سليماً ينتظر ضابط التحقيقات ليرفعه من الركام وليشهره أمام المصورين قائلاً: هذا جواز الإرهابي الإسلامي الذي قاد الطائرة وفجرها! أليست هذه جريمة إعلامية في حقنا جميعاً؟ في حق الدول التي دفعت فعلاً ضريبة شيء لم تكن على علم به ولم تكن تريده أيضاً؟ من استفاد من كل ذلك التهريج السياسي العلني؟ هذا هو السؤال الذي أصبح جوابه واضحاً اليوم!
ما تسمونه حقائق ملموسة يعتبره البعض دلائل ناقصة الإثبات، ما رأيكم؟
بل دلائل حقيقية ونعي أننا لا ندافع عن فراغ بل عن أشياء مهمة.. الحرب التي جرت وستجري كانت بحاجة إلى ذريعة كبيرة ولم يكن في مقدور المحافظين الجدد فعل أكثر مما فعلوه، بالطريقة التي فعلوها.
هنالك نقطة أخرى تخص الإرهابيين المزعومين. كيف دخلوا إلى الولايات المتحدة؟ التحقيق الرسمي قال إنهم دخلوا إلى الأراضي الأمريكية في تواريخ كذا وكذا وكذا.. يعني بتعبير آخر أنهم دخلوا بشكل طبيعي إلى الولايات المتحدة.
كيف يمكن تصديق هذا في دولة تضع كل صغيرة وكبيرة تحت المجهر التابع للرقابة الأمنية في المطار؟ أعني أن الرجال الذين قيل: إنهم نفذوا العمليات كان ثلاثة منهم مطلوبين من قبل الشرطة الفيدرالية وبالتالي كانت صورهم منشورة في لائحة البحث التابعة للشرطة الأمنية ولشرطة المطار، والصور التي أظهرتها كاميرا المطار والتي بثتها بشكل سريع "السي إن بي سي" تقول: إنهم لم يدخلوا متنكرين، بل عاديين!!! هذا سؤال لم ترد عليه الإدارة الأمريكية إلى الآن، كل ما فعلته أنها نسجت لنا فيلماً من أفلام هوليود لتصنع غولاً جديداً تدمره على مهل وبالطرق التي تراها ضرورية والبداية كانت من أفغانستان ثم العراق وسيأتي دور سورية وإيران..
أعتقد أن الإدارة الأمريكية بأساليب المحافظين الجدد تسعى إلى تنفيذ عمليات مماثلة لأحداث سبتمبر داخل الولايات المتحدة لتوريط سورية أو إيران ولتكون الحرب "مبررة" أمام الأمريكيين الذين لم يعد لهم في الحقيقة الدور الكامل كما كان في العقدين الماضيين..
في ندوتكم الماضية ذكرتم أن الغول الحقيقي الذي يهدد العالم صار اسمه أمريكا؟
هذا تماماً ما نفكر فيه جميعنا.. دعيني أذكرك أن 88% من الأوروبيين يعتبرون الولايات المتحدة مذنبة وأن ما جرى لها عقاب من السماء! هذا الكلام ليس مزحة وقد أزعج كثيراً الأمريكيين حين علموا برأي الأوروبيين فيهم.
هنالك أيضاً تقرير أوروبي أكد أن 53% من الأوروبيين الذين تم استجوابهم أكدوا أنهم لا يصدقون الرواية الأمريكية فيما يخص أحداث 11 سبتمبر، باعتبار أن الولايات المتحدة عملت فيما بعد وبشكل أحادي لشن الحرب ولمعاقبة من شاءت معاقبته دون العودة إلى الشرعية الدولية، بل أنها تسعى اليوم إلى تصفية الأمم المتحدة ونسفها كي لا تكون عائقاً في الحرب القادمة التي تسعى إلى خوضها، كي تكون هنالك الولايات المتحدة كحاكم وحيد للعالم!
ما تقولونه في الحقيقة يصب في سياق صراع الحضارات الذي يثيره عديد من الأصوات الفكرية والسياسية الفرنسية مؤخراً. هل تؤيدون مصطلح صراع الحضارات بالصيغة التي طرح بها حالياً؟
تماماً.. نحن نعي أن اللعبة التي تفجرت في العالم لعبة أحادية وأنها فجرت في النهاية صراعاً حضارياً مثلما أرادت أن تسوق كما قلنا فكرة الغول الإسلامي الذي يجب القضاء عليه، لأنها سوف تلجأ بعد ذلك إلى صناعة غول جديد.. أمريكا تدمر الحضارات لأنها لا تختار ضحاياها صدفة، بل تختارهم عن تقص مسبق، وبالتالي لا تبيد تلك الدول فقط، بل تبيد تاريخها وحضارتها كما جرى في أفغانستان والعراق وربما في سورية وإيران على التوالي.. ما يبدو مخيفاً أن الولايات المتحدة بأيديولوجيتها الجديدة لن تستطيع العيش من دون أن تصنع أعداء وتبتكر غيلان وهميين تحاربهم، لأجل بسط نفوذها في العالم عسكرياً لأنها تحتاج إلى الموارد الطبيعية وتحتاج إلى النفط وستحتاج إلى الماء أيضاً.
المشكلة أن الحروب التي ستنفجر في المستقبل ستكون حروب ماء وليست نفطاً فقط، وبالتالي نرى أن أمريكا تسعى إلى السيطرة على الموارد الطبيعية في العالم لتتحكم في كل شيء.
في كتابكم "الكذب سياسة" ذكرتم أن العمل على إيجاد سقف تفاهم دولي لم يعد ممكناً مادامت الرؤية الأمريكية الراهنة هي رؤية حرب وليست رؤية سلام، وهي نفسها الرؤية الصهيونية المشتركة؟
تماماً، أمريكا لن تعيش سلاماً لأنها لا تريده، و"إسرائيل" لا تريد سلاماً لأنها لن تعيشه. أعتقد شخصياً أن التجارة السياسية المربحة هي تجارة العنف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من سلاح وأفلام سينمائية هوليودية وجنس ومخدرات وعفن بكل تفاصيله التي يعرفها الجميع.. لهذا تبدو الحرب وكأنها بدأت الآن، فالأنظمة التي لا تستطيع أمريكا إسقاطها بالقوة ستسقطها بأساليب كثيرة منها العنف الداخلي (الحرب الأهلية) والانقلابات السياسية المفاجئة! في إفريقيا وآسيا وأمريكا.." إسرائيل" تسعى إلى ضمان أمنها قدر المستطاع في وجود الإدارة الأمريكية الجمهورية الحالية، بمعنى أنها تضمن الوقوف الأمريكي الرسمي إلى جانبها بشكل علني وبلا حرج.. وهو ما سيستغله الصهاينة كي ينفذوا كل ما يرغبونه قصد إغراق المنطقة في التوترات الداخلية من جهة وقصد تصفية المقاومة الفلسطينية عبر الاغتيال المباشر وعبر فرض خيار نزع السلاح مقابل فك المستوطنات من غزة. هنالك نقطة خطيرة في هذا الانسحاب المسرحي تكمن في طريقة بث صور الانسحاب.
لقد ركز الإعلام الصهيوني والأمريكي على الجانب "الإنساني" وبالتالي رسموا صورة غير حقيقية عما جرى، أرادوا القول إن الكيان الصهيوني يضحي بأحلام شعبه وماضيه ويقرر أن يتقدم خطوة كبيرة باتجاه السلام!! وهذه كذبة كبيرة. فالكيان الصهيوني لا يتنازل عن شيء، وما جرى هو في النهاية الاتفاق السابق، هي الآن تنفذه في هذا الوقت تحديداً لإجبار الفلسطينيين على وضع السلاح.
أي فرض حالة حصار سياسي وإعلامي وبراجماتي على المقاومة الفلسطينية لأجل تصفيتها فعلياً ونهائياً. سيكون استمرار المقاومة بمثابة "الإرهاب" بالنسبة للكيان الصهيوني وستسوق هذه الفكرة دولياً، بينما ستمارس عمليات التمشيط والاعتقال والقتل والمداهمة، وستقول إنها "تحمي نفسها" من الإرهابيين الفلسطينيين!!
هذه هي الصورة التي أخفاها الإعلام الصهيوني وأراد التركيز على بكاء المستوطنين لأجل القول: إن التضحيات الجسام التي يقدمها الكيان الصهيوني يجب أن تنتج "استسلاماً" كاملاً للمقاومة الفلسطينية وهي حالة أشبه "بنزع السروال" كما يقول المثل الفرنسي!
أجرت الحوار: ياسمينة صالح
عن (مجلة المجتمع)
أمريكا هي صانعة 11 سبتمبر..
وهذه هي الأدلة
الرجل المزعج بالنسبة للأمريكيين.. منعت جريدة النيويورك تايمز نشر مقالاته منذ أن أعلن من مقر مكتبه بالحركة الفرنسية لأجل الحقيقة Mouvement Franais pour la vrit أن الولايات الأمريكية تجيد اغتيال الناس كما تجيد اغتيال الحقيقة... وصار مغضوباً عليه أكثر بعد صدور كتابه الأخير الأكثر انتشاراً في فرنسا وفي الدول الفرانكفونية، كتابه "الكذب سياسة!" (Le mensonge est une politique) الصادر عن منشورات "لاجازيل" الفرنسية..
وفي هذا الحوار الحصري مع المجتمع نحاول التقرب من السيد "بيير جوان فرانك" (الهولندي الأصل، والعضو السابق في البرلمان الأوروبي) لنطرح عليه الأسئلة التي تهمنا جميعا لأجل نفس الحقيقة التي يريد الدفاع عنها، وفق رؤاه وعلى مسؤوليته..
سيد بيير جوان فرانك، كنتم قبل عشرة أعوام، انطلاقاً من فرنسا، كاتباً مهماً من كتاب الصحف الأمريكية المهمة ك "الواشنطن بوست والنيويورك تايمز" وأصبحت اليوم كاتباً غير مرغوب فيه في الولايات الأمريكية، كيف تفسرون هذا التحول الكبير ضدكم؟
اسمحي لي أولاً أن أحييك وأحيي عبرك القراء العرب، وأنا مسرور بمخاطبته عبركم.
نعم، ما جرى أننا وقعنا جميعاً في فخ الدعاية الأمريكية التي استطاعت أن تجرنا جميعاً إلى الفكر المناوئ للحقيقة، حيث إننا اكتشفنا، ربما بعد تأخر الوقت، أننا كنا لعبة بين أيدي خبراء جهنميين صاغوا بأساليب براجماتية كل خيوط المسرحية المرعبة التي نعيشها اليوم بهذا الذهول، لهذا حين كتبت في سنة 2001م، بعد أحداث سبتمبر مقالتي: "نريد الحقيقة"، اتهموني في أمريكا أنني أريد اكتساب شهرتي على حساب فاجعة "قومية!"
والحقيقة أن الحصار الإعلامي الذي ضرب حولي كان كبيراً ولكني أعتقد من البداية أنني لست الوحيد الذي شكك في الرواية الأمريكية بخصوص تلك الأحداث، وبالتالي في أول اجتماع أقيم بين العديد من الشخصيات الفكرية والسياسية في بلجيكا في يناير 2003م أصدرنا بياناً قلنا فيه: إننا نشكك علانية في الرواية الأمريكية بخصوص تلك الأحداث وبالتالي نطالب بالحقيقة كي لا تذهب دول بعينها ضحية المخطط الأمريكي الواسع، بقصد الهيمنة على المناطق البترولية والإستراتيجية في العالم، حيث إن كل دولة اليوم ستصبح عراقاً آخر إن لم نقف في وجه هذا الغول الرهيب..
هذا يدعوني إلى سؤالكم عن الحقيقة التي ترون أن الولايات أخفتها عن العالم فيما يخص أحداث سبتمبر 2001م؟
أجل، أعتقد أنه حان الوقت لمكاشفة الشعوب بما ارتكبته الإدارة الأمريكية ضد الأمريكيين أولاً وضد العالم، لأننا على يقين أن أحداث سبتمبر لم تكن عادية ولا "مفبركة" وفق ما قيل لنا من أنها "مؤامرة إسلامية" ضد العالم المتحضر!
هذا هو الكلام الذي كررته وسائل الإعلام بببغاوية رهيبة صانعة من الدول الإسلامية غولاً جديداً للحضارة الغربية وهو للأسف ما أرادته الإدارة الأمريكية كي تبرر زحفها في منطقة الشرق الأوسط عبر عملية مسح حربي المقصود منها إرهاب الأنظمة العربية وأنظمة الشرق الأوسط والشعوب التي توجه الرسالة إليها إن هي حاولت التصدي للعملية التدميرية الأمريكية في العالم..
هذا أمر لم يعد سراً على أحد، النيويورك تايمز اعتذرت للشعب الأمريكي رسمياً قبل أشهر على جريها خلف التقارير "المفبركة" والمغالطة التي كانت تصوغها أقلام متواطئة مع البنتاجون ومع البيت الأبيض لتسويق قرار الحرب الذي اتخذ فعلاً قبل أحداث سبتمبر المشؤومة..
ثم إن مسرحية الوقائع التي أصدرتها لجنة التحقيق الفيدرالية تبدو أقرب إلى فيلم هوليودي منه إلى الحقيقة، ربما في فترة الذهول الأولى كان الناس على استعداد لتصديق أي شيء يأتي من تلك اللجنة، ولكن اليوم بعد مضي أربع سنوات على الحوادث جاء الوقت للبحث عن الحقيقة المطلقة، ليس لشيء سوى تجنب حروب دامية تسعى إدارة بوش الثانية إلى القيام بها لأجل تمديد رقعة الصراع الدولي.
لكن ما تقدمونه الآن لا يعدو مجرد آراء وملاحظات وانطباعات، بمعنى أنكم تتكلمون بشكل نظري، فعلى أي أساس تستندون في عملكم التنظيمي في إطار حركة البحث عن الحقيقة في أحداث 11 سبتمبر2001م؟
كما تعلمين حركتنا عبارة عن ناد فكري وسياسي وثقافي يجتمع فيه كل الذين يسعون مثلنا إلى نبذ العنف بأشكاله.. نحن نندد بالجريمة مهما كانت أسماؤها، ونعتقد أن الحجة التي بنت عليها الولايات المتحدة حروبها الأخيرة كانت حجة واهية وأن قرار الحرب على أفغانستان وعلى العراق كان متخذاً من قبل ولا يحتاج تنفيذه إلا إلى سبب واضح للعيان.
ماذا يجب القيام به في نظرهم؟ لن يكون هنالك أثمن من عملية تتورط فيها جهات وشخصيات وبالتالي يتم نسبها إلى دول عربية بعينها بعبارة " هذه دول إرهابية" وهي التهمة التي وجهت إلى العديد من الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية أيضاً.
المشكلة أن الأولويات الأمريكية موجودة فعلاً في المنطقة العربية، وبالتالي نعرف كمراقبين سياسيين أن الإدارة الأمريكية تريد استعادة مواقعها في الشرق الأوسط، على أساس نهب بترولي وانتشار عسكري يعطي مساحة أمان إستراتيجية لإسرائيل.
هذه هي النقطة التي نسعى إلى التركيز عليها بأن الكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة التي استفادت من أحداث 11 سبتمبر، من الذي استفاد غيرها؟ لا أحد ولا حتى الولايات المتحدة استفادت.. سأرد على سؤالك الآن قائلاً: إننا نعتمد على حقائق ملموسة وهي:
أولاً: الإدارة الأمريكية كذبت على شعبها في تحديد ما جرى يوم الثلاثاء 11 سبتمبر2001م، إذ إنها عجزت عن ذكر ما جرى فعلاً يومها ذاهبة إلى اتهام الدول العربية بالهجمات حتى قبل أن يبدأ التحقيق. هذا خطأ فادح أن تلجأ إلى الإسراع في الاتهام متحججة بتهديدات إرهابية "إسلامية" ضد أراضيها!
ثانياً: أن سير التحقيق كان غامضاً جداً وعمدت الإدارة الأمريكية إلى فرض حالة من الضبابية عليه، ولكن في النهاية كانت النتيجة هي نفسها التي أطلقتها الإدارة الأمريكية بأن الهجمات الإرهابية عبارة عن مؤامرة إسلامية ضد الولايات الأمريكية والحضارة الغربية!
ثالثاً: لقد تم ذكر أسماء الدول مع مرتكبي التفجيرات بعد ساعات من الأحداث وهذا أمر غاية في الأهمية بالنسبة إلينا باعتبار أن التحقيق لم يكن قد بدأ وقتها وكان الناس في حالة ذهول إلا عمال "الفبركة" داخل البنتاجون الذين سارعوا إلى ذكر أسماء الإرهابيين الذين قاموا بالعمليات وبسرعة فائقة حتى قبل أن يتم تقديم الإسعافات للآلاف الذين كانوا تحت المباني المهدمة في الشارع التجاري العالمي!
رابعاً: وهي نقطة مهمة رآها العالم كله، هو أنه بعد 12 ساعة من التفجيرات تم تقديم جواز سفر أحد الإرهابيين (محمد عطا) قائلين للعالم: هذا هو الإرهابي الذي قاد الطائرة الثانية التي انفجرت على المبنى التجاري الثاني، وأنهم عثروا على جواز سفره سليماً تماماً في الوقت الذي ذابت فيه الطائرتان والمبنيان معاً تحت ضغط الحرارة الشديدة، فكيف حدث ذلك؟ كيف يمكن للإدارة الأمريكية ومكاتب التحقيقات الفيدرالية فيها أن تتعامل معنا بهذا الغباء؟
كيف يمكن أن تجرؤ على مجرد القول إن ثمة جواز سفر خاص بالإرهابي الفلاني قد سقط من طائرة تفجرت وذابت تماماً بمن فيها.
حتى الصناديق السوداء ادعت الإدارة الأمريكية وعلى لسان "رامسفيلد" أنها ذابت في التفجيرات ولم يتم العثور إلا على بيانات سطحية غير مهمة! الصناديق السوداء المجهزة بنظام مقاومة الضغط الحراري العالي ذابت وجواز سفر "محمد عطا" بقي سليماً ينتظر ضابط التحقيقات ليرفعه من الركام وليشهره أمام المصورين قائلاً: هذا جواز الإرهابي الإسلامي الذي قاد الطائرة وفجرها! أليست هذه جريمة إعلامية في حقنا جميعاً؟ في حق الدول التي دفعت فعلاً ضريبة شيء لم تكن على علم به ولم تكن تريده أيضاً؟ من استفاد من كل ذلك التهريج السياسي العلني؟ هذا هو السؤال الذي أصبح جوابه واضحاً اليوم!
ما تسمونه حقائق ملموسة يعتبره البعض دلائل ناقصة الإثبات، ما رأيكم؟
بل دلائل حقيقية ونعي أننا لا ندافع عن فراغ بل عن أشياء مهمة.. الحرب التي جرت وستجري كانت بحاجة إلى ذريعة كبيرة ولم يكن في مقدور المحافظين الجدد فعل أكثر مما فعلوه، بالطريقة التي فعلوها.
هنالك نقطة أخرى تخص الإرهابيين المزعومين. كيف دخلوا إلى الولايات المتحدة؟ التحقيق الرسمي قال إنهم دخلوا إلى الأراضي الأمريكية في تواريخ كذا وكذا وكذا.. يعني بتعبير آخر أنهم دخلوا بشكل طبيعي إلى الولايات المتحدة.
كيف يمكن تصديق هذا في دولة تضع كل صغيرة وكبيرة تحت المجهر التابع للرقابة الأمنية في المطار؟ أعني أن الرجال الذين قيل: إنهم نفذوا العمليات كان ثلاثة منهم مطلوبين من قبل الشرطة الفيدرالية وبالتالي كانت صورهم منشورة في لائحة البحث التابعة للشرطة الأمنية ولشرطة المطار، والصور التي أظهرتها كاميرا المطار والتي بثتها بشكل سريع "السي إن بي سي" تقول: إنهم لم يدخلوا متنكرين، بل عاديين!!! هذا سؤال لم ترد عليه الإدارة الأمريكية إلى الآن، كل ما فعلته أنها نسجت لنا فيلماً من أفلام هوليود لتصنع غولاً جديداً تدمره على مهل وبالطرق التي تراها ضرورية والبداية كانت من أفغانستان ثم العراق وسيأتي دور سورية وإيران..
أعتقد أن الإدارة الأمريكية بأساليب المحافظين الجدد تسعى إلى تنفيذ عمليات مماثلة لأحداث سبتمبر داخل الولايات المتحدة لتوريط سورية أو إيران ولتكون الحرب "مبررة" أمام الأمريكيين الذين لم يعد لهم في الحقيقة الدور الكامل كما كان في العقدين الماضيين..
في ندوتكم الماضية ذكرتم أن الغول الحقيقي الذي يهدد العالم صار اسمه أمريكا؟
هذا تماماً ما نفكر فيه جميعنا.. دعيني أذكرك أن 88% من الأوروبيين يعتبرون الولايات المتحدة مذنبة وأن ما جرى لها عقاب من السماء! هذا الكلام ليس مزحة وقد أزعج كثيراً الأمريكيين حين علموا برأي الأوروبيين فيهم.
هنالك أيضاً تقرير أوروبي أكد أن 53% من الأوروبيين الذين تم استجوابهم أكدوا أنهم لا يصدقون الرواية الأمريكية فيما يخص أحداث 11 سبتمبر، باعتبار أن الولايات المتحدة عملت فيما بعد وبشكل أحادي لشن الحرب ولمعاقبة من شاءت معاقبته دون العودة إلى الشرعية الدولية، بل أنها تسعى اليوم إلى تصفية الأمم المتحدة ونسفها كي لا تكون عائقاً في الحرب القادمة التي تسعى إلى خوضها، كي تكون هنالك الولايات المتحدة كحاكم وحيد للعالم!
ما تقولونه في الحقيقة يصب في سياق صراع الحضارات الذي يثيره عديد من الأصوات الفكرية والسياسية الفرنسية مؤخراً. هل تؤيدون مصطلح صراع الحضارات بالصيغة التي طرح بها حالياً؟
تماماً.. نحن نعي أن اللعبة التي تفجرت في العالم لعبة أحادية وأنها فجرت في النهاية صراعاً حضارياً مثلما أرادت أن تسوق كما قلنا فكرة الغول الإسلامي الذي يجب القضاء عليه، لأنها سوف تلجأ بعد ذلك إلى صناعة غول جديد.. أمريكا تدمر الحضارات لأنها لا تختار ضحاياها صدفة، بل تختارهم عن تقص مسبق، وبالتالي لا تبيد تلك الدول فقط، بل تبيد تاريخها وحضارتها كما جرى في أفغانستان والعراق وربما في سورية وإيران على التوالي.. ما يبدو مخيفاً أن الولايات المتحدة بأيديولوجيتها الجديدة لن تستطيع العيش من دون أن تصنع أعداء وتبتكر غيلان وهميين تحاربهم، لأجل بسط نفوذها في العالم عسكرياً لأنها تحتاج إلى الموارد الطبيعية وتحتاج إلى النفط وستحتاج إلى الماء أيضاً.
المشكلة أن الحروب التي ستنفجر في المستقبل ستكون حروب ماء وليست نفطاً فقط، وبالتالي نرى أن أمريكا تسعى إلى السيطرة على الموارد الطبيعية في العالم لتتحكم في كل شيء.
في كتابكم "الكذب سياسة" ذكرتم أن العمل على إيجاد سقف تفاهم دولي لم يعد ممكناً مادامت الرؤية الأمريكية الراهنة هي رؤية حرب وليست رؤية سلام، وهي نفسها الرؤية الصهيونية المشتركة؟
تماماً، أمريكا لن تعيش سلاماً لأنها لا تريده، و"إسرائيل" لا تريد سلاماً لأنها لن تعيشه. أعتقد شخصياً أن التجارة السياسية المربحة هي تجارة العنف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من سلاح وأفلام سينمائية هوليودية وجنس ومخدرات وعفن بكل تفاصيله التي يعرفها الجميع.. لهذا تبدو الحرب وكأنها بدأت الآن، فالأنظمة التي لا تستطيع أمريكا إسقاطها بالقوة ستسقطها بأساليب كثيرة منها العنف الداخلي (الحرب الأهلية) والانقلابات السياسية المفاجئة! في إفريقيا وآسيا وأمريكا.." إسرائيل" تسعى إلى ضمان أمنها قدر المستطاع في وجود الإدارة الأمريكية الجمهورية الحالية، بمعنى أنها تضمن الوقوف الأمريكي الرسمي إلى جانبها بشكل علني وبلا حرج.. وهو ما سيستغله الصهاينة كي ينفذوا كل ما يرغبونه قصد إغراق المنطقة في التوترات الداخلية من جهة وقصد تصفية المقاومة الفلسطينية عبر الاغتيال المباشر وعبر فرض خيار نزع السلاح مقابل فك المستوطنات من غزة. هنالك نقطة خطيرة في هذا الانسحاب المسرحي تكمن في طريقة بث صور الانسحاب.
لقد ركز الإعلام الصهيوني والأمريكي على الجانب "الإنساني" وبالتالي رسموا صورة غير حقيقية عما جرى، أرادوا القول إن الكيان الصهيوني يضحي بأحلام شعبه وماضيه ويقرر أن يتقدم خطوة كبيرة باتجاه السلام!! وهذه كذبة كبيرة. فالكيان الصهيوني لا يتنازل عن شيء، وما جرى هو في النهاية الاتفاق السابق، هي الآن تنفذه في هذا الوقت تحديداً لإجبار الفلسطينيين على وضع السلاح.
أي فرض حالة حصار سياسي وإعلامي وبراجماتي على المقاومة الفلسطينية لأجل تصفيتها فعلياً ونهائياً. سيكون استمرار المقاومة بمثابة "الإرهاب" بالنسبة للكيان الصهيوني وستسوق هذه الفكرة دولياً، بينما ستمارس عمليات التمشيط والاعتقال والقتل والمداهمة، وستقول إنها "تحمي نفسها" من الإرهابيين الفلسطينيين!!
هذه هي الصورة التي أخفاها الإعلام الصهيوني وأراد التركيز على بكاء المستوطنين لأجل القول: إن التضحيات الجسام التي يقدمها الكيان الصهيوني يجب أن تنتج "استسلاماً" كاملاً للمقاومة الفلسطينية وهي حالة أشبه "بنزع السروال" كما يقول المثل الفرنسي!
أجرت الحوار: ياسمينة صالح
عن (مجلة المجتمع)
تعليق