الطاقة Energy
رؤية علمية معاصرة
هي " تمكين " القدرة اللازمة لإنجاز عمل ، ورغم كثرة تداول هذا المصطلح في الفيزياء إلا إنه من أكثر المفاهيم هشاشة و ضبابية ما يضفي عليه مسحة فضفاضة غير مستقرة ، فالطاقة ليست بالكينونة ذات الوجود الموضوعي الخاص لتحديد " قدرة " الشغل التي تحتاجها المادة الكونية عموماً لتتطور وتتغير أو تحافظ على وضع معين ، إنما هي صور متعددة في عرف الفيزياء من الإمكانيات الجوهرية في بنية الهيكل الكوني بمختلف مستوياتها التي " تدفع " القدرة على الحركة أو إنجاز العمل.
كلما نتعمق في تحليل مفهوم " الطاقة " سنجد أنفسنا أمام صورها المتعددة ، كالحركية والحرارية و المجالية والكهرومغناطيسية ، هذه الصور المتعددة يمكن اختزالها في صورتين :
الحرارة Heat
والحركة Motion
أما الحرارة ، فهي صورة الطاقة الكهرومغناطيسية ، أو بمعنى أدق :
هي الصورة " الموجية " تحت الذرية للطاقة ، فحتى موجات السينية ( X ) و كاما ( γ ) يمكن عدها في الحقيقة موجات حرارية (1) غير محسوسة بمتحسسات الحرارة الجلدية في الجسم البشري ، لأنها فوق حسية جلدية ، تماماً مثل الضوء المرئي الذي يقع في حدود معينة من قابلية خلايا شبكية العين للإبصار ، لكن الضوء الذي هو فوق مستوى النظر نسميه الأشعة فوق البنفسجية وما أعلاها ، وما هو تحت مستوى النظر ندعوه بالأشعة تحت الحمراء( الحرارية ) وما أدناها ، ما هو أيضاً إلا هذه الموجات الكهرومغناطيسية ..
فما يقع من هذه الموجات تحت مستوى النظر مباشرة ( الحرارية ) يقع بمستوى الإحساس الجلدي !
أما الحركة ، فهي صورة الطاقة المادية ، وبمعنى أدق :
هي الصورة " الكتلية " المجسمة فوق الذرية للطاقة .. !
فالطاقة تبدو كموجات كهرومغناطيسية في العالم دون الذري ، لكنها حركة كتل في العالم ما فوق الذري ، فالجزيئة المتحركة والجسم المتحرك يحملان طاقة حركية يمكنها أن تنتقل إلى جسم آخر عند الاصطدام به .!
فالموجة الكهرومغناطيسية " تحمل " الطاقة ، كذلك القسيمات دون الذرية أو الأجسام الكبيرة تحمل الطاقة في صورة حركة .. لكن الشحنات Charges تحملها بهيئة " مجال كهربائي " ، وهو يظهر بهيئة خطوط متوازية من خطوط القوة تنبع من الشحنة الكهربائية الموجبة وتدخل متلاشية في الشحنة الكهربائية السالبة ..
في حالة موجات الضوء وباقي الطيف الكهرومغناطيسي ، تولد الشحنات بالإضافة إلى مجالها الكهربائي مجالاً مغناطيسياً يتعامد مع المجال الكهربائي في تشكيل الموجة الكهرومغناطيسية ..
وعليه ، فإننا بشعورنا بالحرارة في جلدنا عند ملامسة جسم ساخن إنما نمس الطاقة الموجية تلك ، أو على الأقل الخصائص المزدوجة الدقائقية الموجية للضوء ، لكن حينما نمسك الكتاب في يدنا ... نمسك الطاقة الكتلية ، كما تنبأت بذلك النظرية النسبية العامة :
فالطاقة تساوي الكتلة مضروبة في ثابت ( سرعة الضوء ) ..
الفرق بين الموجات والكتل المادية هي " الحركة " ..
الموجة متحركة والجسم المادي ساكن ..
لكن ، ماذا يعني ازدياد كتلة الجسم أثناء الحركة ( النسبية الخاصة ) ؟
هذا يعني شيئاً واحداً مؤكداً في فيزياء اليوم وهو :
الحركة ، الكتلة ، الحرارة ... صور متعددة للطاقــــة .. ، لكن تبقى الحركة هي المكون الجوهري لكينونة الطاقة ، ونقصد بالتحديد حركة الموجة أو الفوتون ..
فأساس هذه الكيانات الطبيعية الثلاث هي " الموجات " الكهرومغناطيسية ..
فالكتل المادية المتحركة بالأساس موجات كهرومغناطيسية مركزة ( حسب النسبية العامة ) ، والموجات الكهرومغناطيسية هذه مكونة أصلاً من خطوط المجال الكهربائي و المغناطيسي المتعامدة كما تشرح ذلك معادلات ماكسويل ، والمجال المغناطيسي ينشأ أصلا ً عن الكهربائي ..
وعليه :
المجال الكهربائي هو الأساس في كل شيء !
المفارقة الحالية اليوم هي عدم وجود ربط بين " كثافة خطوط المجال الكهربائي " وبين الطاقة أو الكتلة كما في معادلة الطاقة للنسبية العامة .
هناك إصرار لدى غالبية الفيزيائيين على فصل " المجال " عن الطاقة واعتباره حامل للطاقة أيضا ً ، فالفوتون كأصغر دقيقة مادية حاملة للطاقة ومكون أصلا ً من المجال الكهرومغناطيسي ( مزدوجة الخصائص الموجية الدقائقية ) لها كتلة سكونية تساوي ( صفر ) ..!
ما يعنيه ذلك ؟
إن هذا يؤكد أن الطاقة هي الحركة التي يؤديها المجال الكهربائي ، أو بمعنى أكثر دقة :
الشحنة الكهربائية هي التي تخلق الكتلة ، فالفوتون في معادلات النسبية الخاصة بكتلة سكون صفر ، لكنه يحمل طاقة مكافئة لكتلة معلومة تتناسب طردياً مع تردده ..
فكلما زادت ذبذبة الفوتون ( تردده ) زادت طاقته ، والطاقة هذه لها مكافئ كتلة حسب النسبية العامة ..
هذه الطاقة لا تظهر على قسيم حتى تصبح له كتلة عدا " الفوتون " ..
فقد استثنته النسبية ببراعة وجعلته القسيم الكوني الوحيد الذي لا يحصل على كتلة إلا أثناء الحركة !!
فكتلة سكون لأي فوتون مساوية للصفر تعني من ناحية موضوعية أن لا يوجد جسم يحمل الطاقة ..
كيف يتحرك من هو ليس بجسم ..؟؟!
هذا يرجعنا إلى نظرية معادلات ماكسويل ، فالفوتون موجة ، وليس بجسم ٍ على الإطلاق !
هذه الموجة المهتزة في وسط ما ، تتعامل معها الحواس الطبيعية و الأجهزة على إنها جسم !!
طاقة النظام الموجي
هل يمكن أن نشاهد في الطبيعة " موجات " غير الضوء يمكن أن تفعل فعل الأجسام كي نثبت بان الضوء موجة فقط ولا غير ذلك ؟؟
بصورة عامة ، موجات الصوت والموجات المائية تظهر خواص التداخل و الحيود لكنها لا تتصرف تصرف الأجسام عندما ترتطم بحاجز مثلاً ..
فما يميز الجسم عند ارتطامه بحاجز هو دفعه ، أي نقل طاقة الجسم الحركية لهذا الحاجز كما تفعل كرة البليارد عندما يدفعها مضرب ، تتحرك صوب كرة أخرى فتنقل لها طاقتها الحركية بعد التصادم لترتد الكرة الأولى للخلف وتنطلق الكرة الثانية للأمام ، أو قد يحدث أن يقوم الجسم المتحرك بسرعة كبيرة نسبية بتحطيمه للحاجز الذي أمامه أو إلحاق الضرر في حالة تعذر دفعه ..
لكن ، موجات الماء والهواء لا تفعل ذلك ، فهي ترتد عن الحاجز منعكسة إذا كان ارتفاع الحاجز أو طوله اكبر من نصف طول موجة الوسط المهتز ، أو تتجاوز الحاجز و كأنه غير موجود لو كان طولها الموجي كبيراً ..
الضوء ، الطيف الكهرومغناطيسي للطاقة يتصرف بنفس أسلوب الموجة والجسيم معاً !!
فموجاته تتداخل وتعاني من الحيود حول الحواجز ، وترتد من حاجز ٍ أطول منها نسبياً وتتجاوز القصير كما لو كانت موجة ، لكنها ، وحين ترتطم بجسم طوله أو قطره مقارب لها في العالم تحت الذري حتى يبدو سلوكها كما لو أن الموجة كرة تصطدم بالقسيمات ومنها الإلكترونات ، كما بين ذلك اينشتاين مطلع القرن العشرين في توضيح ظاهرة الانبعاث الكهروضوئي للإلكترونات من أسطح المعادن ، حيث يؤدي سقوط هذه الموجات إلى توليد تيارات كهربائية في المعدن ، أي انبعاث الإلكترون من مداره في الذرة كما لو أن جسماً متحركاً آخر ارتطم به فوهبه طاقته الحركية .. وهو الفوتون !
هل يمكن لموجات الصوت أو الماء أن تفعل مثل هذا ؟؟
حتى وقت قريب ، كان ذلك غير ممكن ، لكن في 1834 قام جون سكوت راسل John Scott Russell بوصف ظاهرة موجة مائية غريبة في أدنبرة ، فعادة تظهر موجات الماء عند إسقاط حجر ٍ معين في الماء بهيئة دوائر متحدة المركز تتلاشى قوة هذه الموجات تدريجياً ، لكن الموجة التي وصفها راسل كانت " كومة " مائية ، أو موجة وحيدة بقمة واحدة انطلقت لمسافة ثلاثة كيلو مترات ..! الموجات الاعتيادية في الماء ناتجة من تراكب موجيات مختلفة في السعة ( أعلى ارتفاع لقمة الموجة ) والطول الموجي ( المسافة بين قمتين متتاليتين ) ، فالموجات الطويلة تنتشر بصورة أسرع من القصيرة لذلك تتلاشى الموجة تدريجياً .. فيما نسميه بالتشتت dispersion ..
تجتمع سعات هذه الموجات جمعاً اعتياديا ً ، وتكون النتيجة موجة خطية تساوي مجموع الأجزاء ، بين كل من Kortwege و Vries أن الموجة الخطية سببها قلة السعة مقارنة بعمق الماء، فإذا كان الماء ضحلا والسعة كبيرة تصبح الموجة لا خطية وتكون سرعتها معتمدة على السعة والطول الموجي معاً ..
مارتن كرسكال Martin Kreskal وفي العام 1965 قام بدراسة تصادم موجتين منفردتين مختلفتي القمم ، خرجت كل موجة سليمة من التصادم لم تتأثر ، أطلق كرسكال على هذه الموجات اسم :
السوليتون soliton ، ( الموجات المنفردة )
تبين أن هذه الموجات تمثل نظاماً فيزيائياً شاملاً أوسع من كونها تمثل موجات الماء فقط ، السمة المشتركة بين هذه الموجات هي : اللاخطية .. وعدم اعتماد تكون هذه الموجات على الوسط ..درست هذه الموجات وهي تتكون في الماء والهواء والمجال الكهرومغناطيسي ، وهنا بدأت تفسيرات جديدة للفوتون على إنه موجة منفردة مستثارة في المجال الكهرومغناطيسي ..
إن موجة السوليتون ، قد تكون ملهمة للعلماء المعاصرين في كون المادة برمتها نتاج تذبذبات في وسط كوني أساسي ، ليست فكرة الأثير القديمة ، ولكن .. خيوط كونية وترية أساسية كما هو معروف في نظرية الخيوط الوترية الفائقة Super String Theory ..
ويبدو أن " المجال الكهربائي " أسهم في هذا الإلهام إلى حدٍ كبير أيضاً ، فهو يتمظهر في الواقع المحسوس بهيئة خيوط أو خطوط قوة ..!
النتيجة التي نستخلصها من طاقة النظام الموجي :
الطاقة عبارة عن انتقال لفعل على شكل ذبذبة في وسط ، تتصرف هذه الذبذبة كالجسيمات عندما تكون سعة الموجة كبيرة مقارنة بعمق الوسط ، مثل الفوتونات ، موجات السوليتون ، وتتصرف كموجات صرفة مثل موجات الصوت والماء عندما يكون الوسط عميقاً مقارنة بسعة الموجة ..
ولعل هذا التوضيح يبرر ببساطة علاقة الطاقة بالكتلة حسب النسبية العامة ، فالطاقة انتقال ذبذبة ، والمادة عموماً هي تذبذبات في وسط مؤلف من أوتار ...!!
إن فكرة الأوتار الكونية تعني إن الطاقة ( أو المادة ، لا فرق ) نغمات موسيقية في كمان كوني لا نهائي ..!
كل شيء حولنا بما في ذلك أفكارنا ذاتها هي " نغمات " من ذبذبات تؤلف سيمفونية الوجود ..!!
هذا آخر ما توصلت له رؤى العلماء في الفيزياء ..
ومن ذلك يبرز التساؤل حول " الفوتون " ..
إذا كان الفوتون هو موجة سوليتون مجهرية ، لكنه سوليتون ماذا ؟
وهل هناك في العالم تحت الذري " وسط " قابل للتذبذب كي يظهر خصائص قسيمية – موجية مزدوجة ؟
حسب نظرية الخيوط الوترية الفائقة ، هذا الوسط مؤلف من أوتار تتذبذب وفق احتمالات كمية تتفق مع نظرية الكم ، فهل تزايد " العشوائية " يناظر تزايد عمق الماء في موجة السوليتون المائية ، وتناقص العشوائية الاحتمالية في العالم الكمي يؤدي إلى ظهور الذبذبة بهيئة سوليتون ( قسيم Particle ) تحت ذري ؟؟
في الحقيقة ، وعندما ندمج نظرية الأوتار مع فكرة السوليتون ، يتبين أن موجات الضوء هي أضعف موجات سوليتون في البحر الكوانتي الكمي الزاخر ...!!
و القسيمات الكبرى مثل الإلكترون والبروتون هي موجات عملاقة من السوليتون تتصرف بسلوك موجي جسيمي كما اثبت ذلك في موجات السوليتون المائية ..
لا ننكر أن المشهد لا يزال معقداً جداً عن العالم تحت الذري والعالم الكمي الكوانتي ، فالعالم تحت الذري عشوائي تتناقص عشوائيته كلما كبر حجم الجسيمات وصولاً إلى الكواكب والمجاميع الشمسية في العالم الكبير ..
وبذهن متفتح كفاية ، وبخيال أكثر خصوبة يمكن للمرء أن يتصور إن عالمنا المرئي المحسوس هو عالمٌ اختارته حواسنا من بين ملايين وربما مليارات العوالم الاحتمالية الخفية الموجودة والمتلازمة معنا ، كما بين هذا ستيفن هوبكنز في نظرية الأكوان الموازية الخفية ..
والعالم الكمي يمثل " بوابة " الاختيار الذي قامت به أجهزتنا الحسية المرتبطة بالدماغ ..
فعلماء الفيزياء المعاصرين الذين يتحدثون عن " عالم ٌ من اختيارنا نحن " لا يقصدون إن هذا الخيار بمحض الإرادة الخالصة ، وإلا تمكن الكثير منا من تبديل العالم الذي يريد أن يحيا فيه ، ولكنه في الحقيقة عالم ٌ من اختيار جهازنا العصبي الذي يتمتع بالكثير من الخصائص المشتركة بين العديد من البشر ..
هل يمكن تغيير خصائص الجهاز العصبي لفرد منا لنجعله يختار عالماً آخر ..؟؟
هذا ما سوف نناقشه في دراسة علاقة الطاقة بظواهر الباراسايكولوجي ..
(1) الموجات الحرارية المعروفة في الفيزياء هي أطياف الأشعة تحت الحمراء المرئية ، لكن ، البوم والقطط ومنها الأسود والنمور وكثير من الحيوانات الأخرى لدى عيونها القابلية على إبصار حرارة أجساد الحيوانات ، لذا ، فالأشعة تحت الحمراء تصبح مرئية لديها ، وكذلك يمكن أن نتصور وجود مخلوقات ذات عيون فائقة القدرة تكون الأشعة السينية لديها مثلاً مرئية ..! أو تتمتع هذه الحيوانات بمتحسسات جلدية قادرة على الشعور بوجود الأشعة السينية أو أشعة كاما مثلاً ،عند ذلك يمكن عد هذه الإشعاعات حرارية بالنسبة لها ..!
وبالفعل ، وحسب قوانين بولتزمان و إشعاع الجسم الأسود فإن كل موجة كهرومغناطيسية لها مكافئ مقابل من درجة الحرارة .
وبالفعل ، وحسب قوانين بولتزمان و إشعاع الجسم الأسود فإن كل موجة كهرومغناطيسية لها مكافئ مقابل من درجة الحرارة .
المصدر
الاستاذ/وليد مهدى
تعليق