حضارة
ماجان و ملوخا
ثلاثة آلاف عام قبل ميلاد سيدنا عيسى المسيح عليه السلام . وخمسة آلاف
عام تقريبا إلى يومنا هذا ، قامت على سواحل الخليج العربــــي ثلاث حضارات
عظيمة تمثلت اثنتان منها في دولتين :
الأولى هي الدولة الاكدية في العراق، والثانية هي دولة ديلمون او تيلمون في
البحرين ، الجزيرة المعروفة والبر المواجه لها في الساحل العربي.
أما الحضارة الثالثة فهي حضارة ماجان أو ماكان وأختها ميلوخا أو ملوخا أيضــا.
وماجان تقع في المنطقة المسماة الآن بأرض ( المجن ) في إمـارة ابوظبي و
التي يكون موقعها بين أرض بينونه وحدود قطر من جهة ، و بين السعودية من
جهة أخرى .
آثار عراقية في الامارات
أما حضارة ميلوخا أو ملوخا فهو موقع ( مليحة ) الأثري قي إمارة الشارقة الذي
يقع عند ممر خطم و في أسفل جبل فايه ، فـ عند قدمي هذا الجبل وفي ارض
( مليحة ) توجد قبور كثيرة متناثرة و ملتقطات أثرية تشبه بقايا فخار وآثار (جمدة
نصر ) في جنوب العراق . و قبل ان ندخل في تفاصيل حضارتي ملوخا الشارقـة
وماجان ابوظبي لابد ان نذكر بأن المفسرين والمؤرخين الأوائل اختلفوا في موقع
كل منها فقد اعتقدبعضهم بان ملوخا في وديان الاندوس في السند وإنها وجدت
عـام 3000 قبل الميلاد وعاشت ألف عام ثم اندثرت عام 2000 قبل الميلاد . إما
ماجان فقد قال بعضهم إنها بلوجستان وقال آخرون إنها منطقة مكران في إيران.
هذه الصورة تم تصغيرها . إضغط على هذه الصورة لرؤيتها بحجمها الطبيعي . أبعاد الصورة الأصلية 530x429 وحجمها 104 كيلو بايت . |
وذهب البعض إلى ان ماجان هي عمان فربط بين ألفاظ ( ماجان ) و ( مزون ) و
هو الاسم القديم لعمان ولفظة ( معادن ) وهو جبل معروف في عمان، وخرج بـ
اجتهاد ان ماجان هي ( ماكان أو مكان أو عمان ). ان أول إشارة تاريخية لماجان
( ابوظبي ) ظهرت أيام الملك سرجون الاكدي ملك المملكة الاكدية في العراق،
فقبل حوالي 2500 سنة قبل الميلاد كانت مملكة اكــد في العراق على علاقة
تجارية جيدة مع دولة ماجـان ، فمنها كانت اكد تستورد معدن النحاس الذي هو
من الصادرات الرئيسية لماجان، حتى عرفت مملكة ماجان في بعض المصادر بـ
اسم (جبل النحاس) كماكانت ماجان تصدر الرخام اسود ويمكن ان تكون مسلة
حمورابي التي كتب عليها شرائعه وقوانينه ، منحوته من حجر الديوريت الأسود
المستورد من ماجان. وكان المغر الأحمر او أكسيد الحديد من صادرات ماجـــان
أيضا، وكذلك كان الخشب القوي المستعمل في صناعة السفن الحربيـة، هذا
علاوة على العطور والتوابل والعاج واللؤلؤ والبضائع المصدرة من الهنــد، و التي
كانت تمر بماجان في طريقها إلى دول الخليج الأخرى. ويبدو ان اسم ( ماجان )
هو من لغة سومرية قديمة انتشرت في العراق ويتكون من شطرين هما ( ما )
وتعني السفينة كما تعني سكان الساحل ايضا و (جــان) و لها معنى آخر، لم
نعرفه و لما تولى حكم المملكة الاكدية الملك الطموح سرجون ، قرر ان يركب
البحر و يتجه جنوبا نحو الخليج ويفتح الممالك ويوسع سلطانه .
ويبدو ان الملك سرجون قد أجرى دراسة عسكرية لموقع مجان قبل ان يوجه
جيوشه نحوها فذكر ان " موقع و أرض ماجان يقع على مسافة (120) بيرو أي
حوالي 800ميل من مصب نهر الفرات " وهذه المسافة تقارب إلى درجة كبيرة
المسافة بين البصرة وابوظبي الآن ثم ابحر سرجون فـ حقق هدفه الأول بـ ان
احتل ديلمون البحرين الجزيرة والساحل فوجد ان ديلمون محاطة بخمس جزر ،
واحدة منها تسمى تيلمون التي من المرجح ان تكون هي جزيرة ( دلمــــــا )
إحدى جزر إمارة ابوظبي وتوابعها الآن.
الملك سرجون
و لما وصل الملك سرجون الاكدي إلى ارض ماجان استولى عليها وأسر ملكها
واسمه ( مانيوم ) وقيل أيضا ان اسمه ( مانودانو ) ، ووجد سرجون بان شعب
ماجان يعبد إلهاً اسمه (نين تولا)، ويبدو ان عاصمة ماجان كانت تقع في جزيرة
(أم النار) الحالية المجاورة لجزيرة أبوظبي عاصمة الإمارة والاتحاد. فمن أم النار
فتح سكان ماجان طرقا بريه اتجهت مع الساحل إلى منطقة ملوخا أو مليحـة،
في الشارقة، وطرقا أخرى اتجهت إلى هيلي والقطارة والى إطراف جبل حفيت
في مدينة العين في ابوظبي، فـ وجدت حضارة (بدع بنت سعود) ثم توزعت من
هناك إلى حضارة منطقة ( القصيص ) في دبي ومنطقة ( المدام ) حتى وصلت
إلى صور وصحار في الساحل العربي من بحر عمان. ولما انتهى الملك سرجـون
من حملته على ماجان قويت العلاقات التجارية بين البلدين ففي عام 2200 ق.م
وفي حضارة (لكش) في العراق وجدت كتابات في معبد قديم كان راعيه يسمى
(لو إبن ليلا) قد ذكر بأنه استورد مواد بناء المعبد من ماجان وملوخا وتلمون، كما
ذكر بان اسم تلمون أو دلمون أو دلما إنما هو اسم اكدي وهو مرادف للمعرفة و
الضيافة، ولقد ترك لنا احد الشعراء في ذلك العهد السحيق نصوصا في ألواح من
الطين جاء فيها :
" أن سفن دلمون جلبت إلى (اور نانشه) عطورا
عسى ان تجلب إليك العقيق الجذاب الثمين
وعسى ان تجلب إليك بلاد ماجان النحاس الجبار
أوثقوا سفن دلمون بالأرض
واحملوا سفن ماجان إلى السماء "
الملك شلمنصر الثالث و الملك مردوخ
وتذكر لنا المصادر المسمارية في العراق كما تدل مقارنة المكتشفات الأثرية في
مختلف إرجاء الإمارات وكذلك المكتشفات في قطر والبحرين ، ان تلك الحضارات،
أي حضـارة ماجان وملوخا قد انتهت أو اضمحلت في حوالي 700 قبل الميـــلاد.
فتشير المخطوطات السومرية إلى ان سواحل الخليج قد هاجر إليها قوم يعرفون
باسم (بيت باكيتي) وقيل ان هؤلاء القوم هاجروا من أعالي نهر الفرات فاستقروا
أولاً في جنوب العراق، ثم انحدروا جنوبا واستوطنوا معظم أجزاء الساحــل. و قد
عرفت سلالة ملوكهم بسلالة القطر البحري وسمو أنفسهم ( أمراء الخليج ) و
قد لعب احد ملوكهم دورا هاما في المعارك التي خاضها ضد الآشوريين ، و قيـل
انه تمكن من ان يستولـي على بابــل وكان اسم ذلك المـلك (مــــردوخ) إلا ان
سنحارب الآشوري قضى عليه واسترجع منه بابل.