تاريخ علم الفلك عند المسلمين
(1)
علم الفلك: هو العلم الذي يختص بحساب سير الشمس والقمر والكواكب، وتعييّن مواقع النجوم ودراسة أحوالها، وتفسير الظواهر الكونية تفسيراً علميا.
وضع العالم قبل النهضة الإسلامية:
كان العرب الأوائل يستخدمون نظاماً أولياً لتقدير مرور الوقت استناداً إلى مصدرين مميزين، الأول: ظاهرة الغروب الأفولي لسلسلة من النجوم أو الكوكبات النجمية لتحديد بداية فترات زمنية تسمى النوء لكن فترة دوام النوء الحقيقية في هذه الأثناء تتراوح من يوم إلى سبعة أيام، وكانت النجوم ذاتها هي المسؤولة عن المطر، ويتم التضرع إليها بطقوس الاستطمار، وقد أفاد البدو من معرفة هذه الأنواء التي أكسبتهم خبرة التنبؤ بحالة الطقس خلال فترة زمنية معينة. أما المصدر الثاني فهو ظاهرة الشروق الاحتراقي لسلسلة النجوم نفسها، أو الكوكبات النجمية على فترات قدرها ستة أشهر لتحديد السنة الشمسية، بتثبيت عدد الدورات عند ثمانٍ وعشرين دورة تقريباً، وتدل بعض الآثار الباقية على أن هذا كان أساس التقويم..
اهتمام الإسلام بعلم الفلك:
يقول الدكتور: أسامة عبد الله خياط:
(( أما علم الفلك، فقد حظي بعناية أهل الإسلام منذ عهد بعيد؛ ولا غرابة في ذلك؛ إذا عُلِمَ أن القرآن الحكيم أورد جملة وافرة وعددًا كبيرًا من الآيات المتعلقة بالكون والفلك. وإن كان المقصود الأساسي منها هو: الهداية للتي هي أقوم.
وتتجلى مظاهر العناية القرآنية بالفلك في الأمور التالية:
1- التأكيد على (السماء) و (الكون) بما يفوق التركيز على (الإنسان)، فمن ذلك قوله سبحانه: ﴿ أأنْتـُمْ أَشـَدُّ خَلْقًا أمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا*رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا*وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ {النازعات 27 ـ 29}.
وقوله عز اسمه: ﴿ لَخـَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النــَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النــَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ غافر: 57.
2 - ورود (مفردات فلكية) كثيرة في القرآن.
فلفظ (السماء) و (السموات) ورد في القرآن 310 مرة. ولفظ (الشمس) 33 مرة. ولفظ (القمر) 27 مرة. ولفظ (النجم)، (النجوم) 13 مرة.
3 - تسمية بعض سور القرآن بـ (أسماء فلكية) و(ظواهر كونية) من مثل: (القمر، النجم، الشمس، المعارج، التكوير، الانفطار، البروج، الانشقاق..).
4 - ورود تلك الآيات الداعية إلى النظر في السماء والتفكر في بنائها المحكم، ومحتوياتها المذهلة، وإلى النظر والتفكر أيضاً في الظواهر الكونية المختلفة؛ مثل قوله عز شأنه: ﴿أوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلــَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ وَأَنْ عَسَى أن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلــُهُمْ ﴾ { الأعراف: 185}.
﴿ أَفَلَمْ يَنـْظــُرُوآ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنـَيْـنَاهَا وَزَيَّنــَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾
{ سورة ق: 6 }
﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللــَّيْلِ وَالنــَّهَارِ لآيَاتٍ لأوْلِى الألْبَابِ*الـَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللــَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنــُوبِهِمْ وَيَتَفَـكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبـَّـنـَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النــَّارِ ﴾ { آل عمران: 190، 191، }
﴿ أَفَلا يَنـْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ { الغاشية: 17، 18، }
﴿ هُوَ الذي جَعَلَ الشـَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ ( يونس:6 ).
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً لا يمكن حصرها في مثل هذا المقال الوجيز.
ولا ريب أنه كان لهذه الآيات أبلغ الآثار في نفوس الفلكيين المسلمين، فأقبلوا عليها دارسين وباحثين في دقائقها، غواصين في بحار معانيها، ملتقطين عجائب لآلئها، موجهين الأنظار إلى ما حوته من إعجاز علمي بين.
ولهذا لم يكن عجباً أن يعد كثير من العلماء والباحثين بحق علم الفلك كله تفسيراً لهذه الآيات القرآنية الكونية وبياناً لما تضمنته من إعجاز علمي شهدت ولا تزال تشهد به الحقائق العلمية التي أذهلت العالم!! "
حقائق علمية:
قال الله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ {التكوير: 15، 16 }
الحقيقة العلمية:
كشف علم الفلك في أواخر القرن الماضي عن أجرام سماوية أسموها: (الثقوب السوداء)وقد سميت بالثقوب لقدرتها الفائقة علي ابتلاع كل ما تمر به أو يدخل في نطاق جاذبيتها من مختلف صور المادة والطاقة من مثل الغبار الكوني والغازات والأجرام السماوية المختلفة، ووصفت بالسواد لأنها معتمة تماما لعدم قدرة الضوء علي الإفلات من مجال جاذبيتها علي الرغم من سرعته الفائقة المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية. واعتبرت هذه الثقوب السود مرحلة الشيخوخة في حياة النجوم.
ومن العجيب أن العلماء الغربيين يسمون هذه الثقوب السود تسمية مجازية عجيبة حين يسمونها بالمكانس العملاقة التي تبتلع(أو تشفط) كل شيء يقترب منها إلي داخلها: Giant Vacuum Cleaners that Suck in every thing insight وللمزيد...
وجه الإعجاز:
سبحان الذي خلق النجوم وقدر لها مراحل حياتها... وسبحان الذي أوصلها إلي مرحلة الثقب الأسود، وجعله من أسرار الكون المبهرة... وسبحان الذي أقسم بتلك النجوم المستترة، الحالكة السواد، الغارقة بالظلمة... وجعل لها من الظواهر ما يعين الإنسان علي إدراك وجودها علي الرغم من تسترها واختفائه، وسبحان الذي مكنها من كنس مادة السماء وابتلاعها وتكديسه، ثم وصفها لنا من قبل أن نكتشفها بقرون متطاولة بهذا الوصف القرآني المعجز فقال:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ {التكوير: 15، 16 }
الأرض ذات الصدع:
قال الله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ {الطارق: 12 }
الحقيقة العلمية:
بعد الحرب العالمية الثانية قام علماء البحار بدراسة قيعان المحيطات فلاحظوا أمراً مذهلاً للغاية، وهو أن أغلب قيعان المحيطات ممزقة بشبكة هائلة من الصدوع تمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات طولاً وعرضاً وبمتوسط عمق 100كيلومتر. وأعجب من ذلك أن هذه الصدوع مرتبطة ببعضها وكأنها صدع واحد.
وعلماء الأرض يقولون لولا هذه الصدوع لانفجرت الكرة الأرضية كقنبلة نووية منذ أول لحظة لتكوينها، وذلك لما يحدث في باطن الأرض من تفاعلات نووية وكيميائية هائلة.كما أنه يوجد هناك صدوع على اليابسة ولكنها لا تقارن بما هو موجود في قاع المحيطات.
وجه الإعجاز:
لم يدرك العلماء الحقيقة الكونية المبهرة التي أقسم بها الله منذ أربعة عشر قرناً إلا في النصف الأخير من القرن العشرين عندما نزلوا إلى أعماق المحيطات ورسموا خريطة لكل هذه الصدوع عام 1965م. فتبارك الله العظيم القائل: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
{يونس: 37 }
علم الفلك في السنة النبوية المطهرة :
روى الترمذي بسنده عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ: مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ {رواه الترمذي كتاب الزهد حديث رقم 2234 }-
الحديث حسنه الالباني بغير لفظة لوددت أنى ... - وذكر الباحث طائفة من الأحاديث الأخرى واستدل بها على ما أثبته العلم الحديث من أنه لا يوجد فراغ في الكون. وأن المادة تنتشر في فسحة هذا الكون حتى المسافات التي تنتج عن تباعد هذه المجرات تباعدًا هائلاً عن بعضها تتخلق فيها المادة في الحال لتملأها
حديث: (روى الترمذي بسنده عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ"، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ { الترمذي كتاب الزهد حديث رقم 2242 }) وبيّن الباحث أنه يوافق ما أثبته علم الفلك الحديث من أن الأرض شيء صغير جدٌّا جدٌّا بالنسبة للأجرام الكونية ذات الحجوم الهائلة.
وبيّن ماهيّة الأرضين السبع لحديث: ( روى البخاري بسنده أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ ظَلَمَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ {البخاري - كتاب المظالم والغصب - باب إثم من ظلم شيئا من الأرض - حديث رقم 2272} ) وأحاديث أخرى حيث أثبت علماء الأرض ـ بعد دراسات متأنية عبر عشرات السنين في هذا القرن ـ أن في الأرض سبع طبقات متميزة، وهي لب في مادة صلبة، ثم لب خارجي في مادة سائلة، ثم أربعة أوشحة (أغلفة) تلي ذلك، ثم قشرة خارجية. وهي طبقات متلاصقة بعضها ببعض لا يفصل بينها فاصل.
معجزة انشقاق القمر:
صورة الشق القمري " وكالة ناسا الفضائية"
قوله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ {القمر: 1} قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: { خمس قد مضين: الروم والدخان واللزام والبطشة والقمر } وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات..
وروى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَر
{ البخاري - حديث رقم 3365 }
روى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:" اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ" قَالَ: قَدْ انْشَقَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ أَوْ فِلْقَتَيْنِ شُعْبَةُ الَّذِي يَشُكُّ فَكَانَ فِلْقَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ وَفِلْقَةٌ عَلَى الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ
نهاية الكون بين علماء الكون والقرآن العظيم:
(( إن علماء الفلك مازالوا في اضطراب عظيم حول مصير هذا الكون المتوسع، وإن آراءهم المتباينة قد تأسست على فروض شتى حول هيئة الكون كما يلي:
1) الكون كبالون هائل، ولسوف يتوسع باطراد حتى ينفجر في النهاية. ولقد بني هذا الرأي على تصور (كون مغلق) ينفجر في النهاية فيم سمي (الانسحاق العظيم ) (Big Crunch).
2) الكون ليس مغلقاً، ولكنه (كون مفتوح) ولسوف يتوسع إلى الأبد، وعليه، فلا نهاية لتمدده، إنه توسع بلا نهاية.
3) الكون مكون من العديد من (البالونات) كل واحد منها يتمدد حتى يكون لكل منها (يوم القيامة) الخاص به.
4) الكون كله لا يخضع لنفس القوانين الفيزيائية التي نعرفها، وربما كانت هناك أكوان أخرى غير كوننا تخضع لقوانين لا علم لنا بها البتة. وهناك آراء أخرى لعلماء آخرين.) (6)
يتبع ....
تعليق