إبداع المصنوعات الإسلامية..
في شأن الجمال لا يكون لقيمة المصنوع ذاته قدرٌ مؤثر؛ لأنه دراسة للجمال فيه لا لقيمته هو، فقد يوجد في أقل المنتجات ما يدل على أدق شئون الحياة الشعبية، وما يساعد على تقدير معارف صانعيها الفنيَّة، واحتياجات مبدعيها ومقتنيها.
ويشهد لوبون بأن الفنون الصناعية شائعة بين العرب في كل مكان، وأن الأشياء التي يصنعها العرب صنعوها بروعةٍ تدل على اتّصاف أحقر صناعتهم بالذوق الفني .
الإبداع في المصنوعات الإسلامية
إن الأنساق اللامتناهية التي تشكل الزخرفة في الفنون الإسلامية توجد في كل مكان، ولا يقتصر ذلك على صفحات القرآن الكريم المزخرفة بأمثلة رائعة من الخط الموشَّى، بل إن نسخة من مجموعة قصص أو أشعار تقدم لخليفة أو أمير تكون مزخرفة بطريقة مشابهة، والزخرفة التي توحي بالسمو لا يقتصر وجودها على المسجد وحده، بل إنها تتجلى في بناء نُزل أو مدرسة أو دار سكنى.
كما لا تقتصر الأنساق اللامتناهية على تغطية الكرسي الذي تستند إليه نسخة المصحف في المسجد، بل إنها توجد حتى في الصحن الذي يتناول منه المسلم طعامه، وعلى درع الجندي أو سيفه أو منديل غطاء الرأس، المزخرفة جميعًا بطريقة مماثلة. لذا يكون من المناسب تمامًا أن نَعُدَّ الفن الإسلامي شاملاً بنوع فريد، سائر أنواع الجميل والأشياء المجملة بغض النظر عن الاستعمال الذي صمِّمت من أجله.
وانتشار التجميل في المصنوعات الإسلامية مهما قلَّ شأنها من الأمور التي تبدو بجلاءٍ لا يحتاج لعرض في شأن الحضارة الإسلامية.
ولقد كانت بداية هذا الأمر مبكرة، فلقد ورد أن السيف الذي أعطاه الرسول أبا دُجانة يوم أُحُد كان مكتوبًا على إحدى صفحتيه:
في الجبن عارٌ وفي الإقبـال مكـرمة *** والمرء بالجبن لا ينجو من القـدر
والشعر كان هو السحر الذي يطرب له العربي.
ثم تطورت المصنوعات الإسلامية كلها حتى بلغت ذلك الشأن العجيب البديع مع الانتشار الحضاري للدولة الإسلامية، حتى إن لوبون الذي يبدو مشدوهًا وهو يرصد الفن الإسلامي يتحدث عن الصياغة والحليّ والترصيع فيقول: "بلغ إتقانهم لبعضها مبلغًا يصعب الوصول إلى مثله في زماننا"
لقد تحولت سائر المصنوعات الإسلامية إلى تحفٍ فنية، السيوف والدروع والرماح والحِراب والخناجر والخوذات وأسطوانات نقل الرسائل، وأثاث البيت من مقاعد ومناضد وصناديق الحلي، وصناديق حفظ الأشياء المختلفة، وأطباق الطعام والأباريق والأكواب والصواني والدويات، والأبواب والنوافذ، والأثواب والمنسوجات والمفروشات، وأسرجة الدواب ومصابيح المساجد، والمنابر وشمعدانات الشموع وكِفاف الميزان، والمفاتيح والقفول وحِلَق الأبواب والفئوس، وأدوات الكتابة والأدوات الطبية حتى النارجيلة.. هذا كله إلى جانب المصنوعات التي تُعَدّ الزينة فيها عنصرًا أساسيًّا كالأقراط والعقود والخواتم وفصوص العمائم والخلاخيل، إلى غير ذلك من أدوات الزينة.
ويشهد ول ديورانت بأن استيعاب العرب لفنون من قبلهم كان استيعابًا وليس تقليدًا، أنتجوا به الجديد والأصيل، يقول: "بل كانت تركيبًا بارعًا من أشكال مختلفة لا ينقص من شأنها ما أخذه المسلمون عن غيرهم من الأمم. وتخطى الفن الإسلامي الذي انتشر من قصر الحمراء في الأندلس إلى التاج محل في الهند كلَّ حدود الزمان والمكان، وكان يسخر من التمييز بين العناصر والأجناس، وأنتج طرازًا فذًّا ولكنه متعدد الأنواع، وعبَّر عن الروح الإنسانية بأناقة موفورة فيَّاضة لم يَفُقْهَا شيءٌ من نوعها حتى ذلك الوقت" .
ويرى مؤلفَا كتاب أطلس الحضارة الإسلامية أن الزينة الإسلامية عنيت من خلال أنساقها اللامتناهية إلى التعبير عن التوحيد، وأن انتشارها في كل شيء كان انعكاسًا للفكرة الإسلامية التي تلزم المسلم بأن يكون كل نشاطه ملتزمًا بالفكر الإسلامي.
ولهذا فإن الفنان المسلم -مثلاً- حين كان يزين صندوقًا بسيطًا من الخشب ليضم أدوات الكتابة، كان يزينها بقطع العاج والصَّدف والخشب الملوَّن حتى تصير المادة الخشبية الأصلية غير مهمَّة في ذاتها بل غير معروفة، فلا يُعرف هل هو خشب البلوط أو الساج أو الماهوجني، ونفس هذا الكلام يصدق على القصور العظيمة التي تختفي فيها مواد البناء الأصلية تمامًا تحت طبقة الزخرفة، وفي هذا تجسُّد الفكرة التي لا تهتم بالقيمة المادية للمواد الأصلية بما يجعل الجمال غير مرتبط بالقيمة المادية، وهذا هو جوهر الفكرة الإسلامية البسيطة والزاهدة في القيمة المادية، وبما يجعل الجمال في حد ذاته قادرًا على إضفاء روعته على أبسط الأشياء وأقلها قيمة مادية، وكل هذا يعطي للجمال أولاً القيمة الأولى والكبرى في وجدان الإنسان .
إن هذه النظرة التي تعبر عن فلسفة الإسلام الفنية هي بحدِّ ذاتها إسهام يجب الوقوف أمامه طويلاً، ورصد تأثيراته العميقة في تشكيل الوجدان الإسلامي والرؤية الإنسانية للكون والحياة والطبيعة والإله.
ويتضح من الصور التالية كيف كان الجمال عنصرًا أساسيًّا ومنتشرًا في جميع المصنوعات الإسلامية، مهما قلَّ شأنها
ويشهد لوبون بأن الفنون الصناعية شائعة بين العرب في كل مكان، وأن الأشياء التي يصنعها العرب صنعوها بروعةٍ تدل على اتّصاف أحقر صناعتهم بالذوق الفني .
الإبداع في المصنوعات الإسلامية
إن الأنساق اللامتناهية التي تشكل الزخرفة في الفنون الإسلامية توجد في كل مكان، ولا يقتصر ذلك على صفحات القرآن الكريم المزخرفة بأمثلة رائعة من الخط الموشَّى، بل إن نسخة من مجموعة قصص أو أشعار تقدم لخليفة أو أمير تكون مزخرفة بطريقة مشابهة، والزخرفة التي توحي بالسمو لا يقتصر وجودها على المسجد وحده، بل إنها تتجلى في بناء نُزل أو مدرسة أو دار سكنى.
كما لا تقتصر الأنساق اللامتناهية على تغطية الكرسي الذي تستند إليه نسخة المصحف في المسجد، بل إنها توجد حتى في الصحن الذي يتناول منه المسلم طعامه، وعلى درع الجندي أو سيفه أو منديل غطاء الرأس، المزخرفة جميعًا بطريقة مماثلة. لذا يكون من المناسب تمامًا أن نَعُدَّ الفن الإسلامي شاملاً بنوع فريد، سائر أنواع الجميل والأشياء المجملة بغض النظر عن الاستعمال الذي صمِّمت من أجله.
وانتشار التجميل في المصنوعات الإسلامية مهما قلَّ شأنها من الأمور التي تبدو بجلاءٍ لا يحتاج لعرض في شأن الحضارة الإسلامية.
ولقد كانت بداية هذا الأمر مبكرة، فلقد ورد أن السيف الذي أعطاه الرسول أبا دُجانة يوم أُحُد كان مكتوبًا على إحدى صفحتيه:
في الجبن عارٌ وفي الإقبـال مكـرمة *** والمرء بالجبن لا ينجو من القـدر
والشعر كان هو السحر الذي يطرب له العربي.
ثم تطورت المصنوعات الإسلامية كلها حتى بلغت ذلك الشأن العجيب البديع مع الانتشار الحضاري للدولة الإسلامية، حتى إن لوبون الذي يبدو مشدوهًا وهو يرصد الفن الإسلامي يتحدث عن الصياغة والحليّ والترصيع فيقول: "بلغ إتقانهم لبعضها مبلغًا يصعب الوصول إلى مثله في زماننا"
لقد تحولت سائر المصنوعات الإسلامية إلى تحفٍ فنية، السيوف والدروع والرماح والحِراب والخناجر والخوذات وأسطوانات نقل الرسائل، وأثاث البيت من مقاعد ومناضد وصناديق الحلي، وصناديق حفظ الأشياء المختلفة، وأطباق الطعام والأباريق والأكواب والصواني والدويات، والأبواب والنوافذ، والأثواب والمنسوجات والمفروشات، وأسرجة الدواب ومصابيح المساجد، والمنابر وشمعدانات الشموع وكِفاف الميزان، والمفاتيح والقفول وحِلَق الأبواب والفئوس، وأدوات الكتابة والأدوات الطبية حتى النارجيلة.. هذا كله إلى جانب المصنوعات التي تُعَدّ الزينة فيها عنصرًا أساسيًّا كالأقراط والعقود والخواتم وفصوص العمائم والخلاخيل، إلى غير ذلك من أدوات الزينة.
ويشهد ول ديورانت بأن استيعاب العرب لفنون من قبلهم كان استيعابًا وليس تقليدًا، أنتجوا به الجديد والأصيل، يقول: "بل كانت تركيبًا بارعًا من أشكال مختلفة لا ينقص من شأنها ما أخذه المسلمون عن غيرهم من الأمم. وتخطى الفن الإسلامي الذي انتشر من قصر الحمراء في الأندلس إلى التاج محل في الهند كلَّ حدود الزمان والمكان، وكان يسخر من التمييز بين العناصر والأجناس، وأنتج طرازًا فذًّا ولكنه متعدد الأنواع، وعبَّر عن الروح الإنسانية بأناقة موفورة فيَّاضة لم يَفُقْهَا شيءٌ من نوعها حتى ذلك الوقت" .
ويرى مؤلفَا كتاب أطلس الحضارة الإسلامية أن الزينة الإسلامية عنيت من خلال أنساقها اللامتناهية إلى التعبير عن التوحيد، وأن انتشارها في كل شيء كان انعكاسًا للفكرة الإسلامية التي تلزم المسلم بأن يكون كل نشاطه ملتزمًا بالفكر الإسلامي.
ولهذا فإن الفنان المسلم -مثلاً- حين كان يزين صندوقًا بسيطًا من الخشب ليضم أدوات الكتابة، كان يزينها بقطع العاج والصَّدف والخشب الملوَّن حتى تصير المادة الخشبية الأصلية غير مهمَّة في ذاتها بل غير معروفة، فلا يُعرف هل هو خشب البلوط أو الساج أو الماهوجني، ونفس هذا الكلام يصدق على القصور العظيمة التي تختفي فيها مواد البناء الأصلية تمامًا تحت طبقة الزخرفة، وفي هذا تجسُّد الفكرة التي لا تهتم بالقيمة المادية للمواد الأصلية بما يجعل الجمال غير مرتبط بالقيمة المادية، وهذا هو جوهر الفكرة الإسلامية البسيطة والزاهدة في القيمة المادية، وبما يجعل الجمال في حد ذاته قادرًا على إضفاء روعته على أبسط الأشياء وأقلها قيمة مادية، وكل هذا يعطي للجمال أولاً القيمة الأولى والكبرى في وجدان الإنسان .
إن هذه النظرة التي تعبر عن فلسفة الإسلام الفنية هي بحدِّ ذاتها إسهام يجب الوقوف أمامه طويلاً، ورصد تأثيراته العميقة في تشكيل الوجدان الإسلامي والرؤية الإنسانية للكون والحياة والطبيعة والإله.
ويتضح من الصور التالية كيف كان الجمال عنصرًا أساسيًّا ومنتشرًا في جميع المصنوعات الإسلامية، مهما قلَّ شأنها