السفر عبر الزمن
ومفهوم الأبعاد
لماذا أصبح السفر عبر الزمن أمرا يبحث فيه العلماء ولم يعد مجرد فكرة خيالية؟
هناك سببان رئيسيان هما:
- اعتبار الزمن بُعدا (البعد الرابع).
- حقيقة أن الزمن نسبي (يتباطأ ويسرع)، والتي تم التأكد من صحتها بالفعل.
أما الأول فهو الذي يقودنا إلى السفر عبر الزمن الحقيقي، وأما الثاني فهو الذي يقودنا إلى التحكم في تأثير الزمن على المادة (السفر عبر الزمن بالتحايل). وإذا كنتم ستسألون وهل يوجد نوعان من السفر عبر الزمن أحدهم حقيقي والآخر متحايل؟ الجواب هو:
نعم هناك سفر حقيقي عبر الزمن وهو الذي يُفترض أن يتم فيه السفر باعتبار الزمن بُعدا، حيث نعود إلى الماضي أو نسافر إلى المستقبل ونعود إلى نفس النقطة التي انطلقنا منها إذا شئنا وكل ذلك في هذه الأرض التي نحيا عليها وفي نفس هذا الكون. وهناك من جهة أخرى تحكم في الزمن (تبطيؤه، تسريعه، وحتى إيقافه) وهذا ليس سفرا عبر الزمن وإنما تحكم فيه ولكن شائع لدى معظم الناس أنه سفر عبر الزمن، ولكن الفرق شاسع بينهما وسيتضح ذلك في ما هو قادم من هذه المقالة.
سنبدأ بفكرة التحكم في الزمن ونؤجل الأخرى كونها ستأخذنا إلى عالم الأبعاد الذي سأذكره في نهاية المقال.
عرض لنا ألبيرت أينشتاين نظرية مفادها أن الزمن يتمدد بالنسبة لجسم ما كلما زادت سرعة هذا الجسم، وكذلك يتمدد الزمن إذا ما تعرض هذا الجسم لمجال جاذبي قوي. وقد تم بالفعل التحقق من هذه النظرية سنة 1971 وذلك عبر وضع أربع ساعات ذرية من السيزيوم على طائرات نفاثة تقوم برحلات منتظمة حول العالم في جميع الاتجاهات، بعد قيام الطائرات بعدة رحلات معينة، ثم مقارنة الأزمنة التي سجلتها الساعات على الطائرات مع الزمن الذي سُجل على الأرض، فوُجد أن الزمن المسجل على الطائرات أبطأ منه على الأرض بفارق ضئيل جدا ولكنه يتفق مع قوانين النسبية الخاصة تماما، وهذا يُثبت أن الزمن يتمدد بالنسبة للجسم كلما زادت سرعته.
في العام 1976 قام العلماء بتجربة أخرى للتأكد من صحة تمدد الزمن بالنسبة لجسم ما إذا تعرض لمجال جاذبي قوي، وكانت التجربة عبارة عن وضع ساعات هيدروجينية في صاروخ وصل إلى ارتفاع عشرة آلاف كيلومتر عن سطح الأرض عند مستوى سطح البحر، وتم مقارنة إشارات ساعة الأرض مع التي على الصاروخ وطبعا كما هو متوقع كانت الساعة على الصاروخ أسرع منها على الأرض بمقدار يتفق بشكل مذهل مع تنبؤات النسبية العامة للعبقري ألبيرت أينشتاين، لأن الصاروخ في معرض لمجال جاذبي أضعف من الذي معرضة له الأرض.
توضيح بسيط: قد يلتبس على البعض فهم المقصود بتمدد الزمن، ولهذا أنبه إلى أن تمدد الزمن يعني أن مقدار "ثانية" مثلا يستغرق وقتا أطول، فمثلا عندما نبدأ عد الثواني إذا غطس أحد في الماء ونقول: 1 - 2 - 3... فإننا عند تمدد الزمن نقول 1 ----- 2 ----- 3... أي أن مدة كل ثانية تصبح أطول. وهذا يعني بشكل مبسط أن كل دقيقة على الأرض تصبح نصف دقيقة فقط على مركبة تنطلق بسرعة معينة، وذلك لأن مقدار كل "ثانية" على المركبة يصبح أكبر من مقدار "ثانية" على الأرض. وكمثال بعيدا عن الزمن فإن وزني على الأرض هو 58 كلغ بينما على القمر يكون حوالي 9.6 كلغ فقط رغم أني لم أتبع حمية ولا أي شيء وفي حالة الزمن فأنا هو "مقدار الثانية".
إليكم هذا الشكل البسيط الذي أعتقد أنه سيقرب لكم الفكرة أكثر
على مركبة سرعتها مقاربة لسرعة الضوء
على الأرض
طبقا لهذه التجارب فإنه إذا استطعنا أن نرسل مركبة إلى الفضاء بسرعة 261 ألف كلم في الثانية (أي 87% من سرعة الضوء)، وجالت هذه المركبة في الفضاء بنفس السرعة لمدة 25 سنة فإنها عندما تعود إلى الأرض سيكون قد مر في الأرض 50 سنة أي أن الزمن سيمر أبطأ منه على الأرض بقدر الضعف. وهذا يعني أنه إذا كنتَ في الخامسة والعشرين من عمرك وأنجبت طفلا وتركته على الأرض وسافرت أنت على المركبة فإنك بعد أن تعود ستكون في الخمسين من عمرك وكذلك ابنك سيكون في الخمسين من العمر أيضا.
إن المسافر في تلك المركبة سيشعر بأنه سافر عبر الزمن إلى المستقبل لأنه إن كان مثلا سافر سنة 2006 فإنه عند عودته للأرض سيكون العام 2056 ولكن ساعته تشير إلى أن التاريخ هو 2031 فحسب. ولكن رغم ذلك فهذا ليس سفرا عبر الزمن كما هو واضح وإنما تحكم فيه أي أن كل الذي فعلناه هو تبطيء الزمن بالنسبة للمسافر وتركه كما هو على الأرض.
كل هذا هو حقائق محضة، ولدينا التقنية لتحقيقه ولكنها (التقنية) ليست بالتطور الكافي، وهذا يعني أن علينا تطوير التقنيات التي لدينا لنستطيع إنتاج مركبة سريعة جدا وهذا ما يعمل عليه فريق أمريكي روسي حاليا.
هذه كانت أولى الأفكار التي يُعتقد أنها سفر عبر الزمن بينما هي مجرد تحكم في سرعة الزمن. وهناك عدة أفكار أخرى يعتقد البعض أنها سفرٌ عبر الزمن ولكنها في الحقيقة شيء آخر لا يمت للسفر عبر الزمن الحقيقي بصلة إلا من حيث تشابه سطحي في النتيجة، ومن بين هذه الأفكار هناك السفر عبر الزمكان (الزمان والمكان) والسفر عبر العوالم المتوازية، والأولى حقيقة مجربة تلزمنا تقنية ومعرفة عالية لتنفيذها والثانية مجرد نظرية ليس هناك ما يؤكدها أو ينفيها حتى الآن، وهما كالآتي:
- السفر عبر الزمكان
الانتقال في المكان وتبطيء الزمن، والفكرة تم تجربتها ونجحت لكن فقط لجسم صغير عبارة عن قطعة نقدية من مادة واحدة بينما كل التجارب على مواد مختلفة أو أجسام أكبر باءت بالفشل (ويبدو أنها مازلت تبوء بالفشل وإلا كنا شاهدنا استخدامها).
وكشرح مختصر لهذه الفكرة فإنه يتم نقل "إنسان ما" تحت ظروف معينة من مكان إلى مكان آخر أو إلى نفس المكان، لكن الوقت اللازم لانتقال يكون بطيئا جدا "بالنسبة لنا" وسريعا جدا "بالناسبة للإنسان المنقول". وهذا يعني بالأرقام: أننا لو نقلنا إنسانا اليوم 07/06/2006 إلى مكان آخر (مع ضبط متغيرات معينة) فإنه سيظهر يوم 07/06/2007 أي بعد عام من إرساله. لكن بالنسبة له فالزمن الذي يكون قد مر هو ساعة واحدة أو عدة ساعات. وهذا يعني بالنسبة له أنه انتقل سنة إلى المستقبل. لكن بالنسبة لنا فقد اختفى لمدة عام ثم ظهر من جديد(فقط). وهذا كما هو واضح أيضا ليس سفرا عبر الزمن وإنما هو إبطاء للمرور الزمن بالنسبة لجسم ما فحسب.
تنبيه: قد يعتبر البعض أن أهل الكهف تم تبطيء الزمن بالنسبة لهم وبالتالي عندما قاموا من نومهم وجدوا أنه قد مر عليهم يوما أو بعض يوم بسبب ما بدت عليه هيئتهم نبت بعض شعر اللحية... بينما في الحقيقة مرت عليهم 300 سنة شمسية. وأقول هنا أنه ليس بالضرورة أنه تم تبطيء الزمن بالنسبة لهم بل ربما تم تخفيض مستوى عملياتهم الحيوية إلى حد ضئيل جدا، كما يحدث في السبات الطبيعي عند الحيوانات أو كما يحدث في السبات الاصطناعي الذي يحاول العلماء تطويره.
وهنا إليكم التجربة التي قام بها العلماء في مسألة السفر عبر الزمكان (في الأساس التجربة تمت لتحقيق ما يصطلح عليه بالانتقال الآني)، وتجدر الإشارة إلى أن هذا النص مقتبس كما هو تقريبا من أحد روايات كوكتيل 2000 التي يكتبها الدكتور نبيل فاروق.
في بداية الثمانينات، كان حلم العلماء الأول هو بلوغ مرحلة، اعتبروها ذروة الاتصالات والانتقالات في الكون، وأطلقوا عليها اسم " الانتقال الآني " ومصطلح " الانتقال الآني " هذا يعني الانتقال في التو واللحظة من مكان إلى آخر، يبعد عنه بمسافة كبيرة أو بمعنى أدق الانتقال الآن وفورا وهذا الانتقال هو ما نراه في حلقات " رحلة النجوم " .. تلك الحلقات التليفزيونية الشهيرة، التي تحولت إلى سلسلة من أفلام الخيال العلمي الناجحة، بالاسم نفسه، والتي نرى في كل حلقاتها شخصا على الأقل، يدخل إلى أنبوب زجاجي، لينتقل بوساطة شعاع مبهر إلى أنبوب آخر، في مكان آخر
فكرة مثيرة مدهشة، تختصر الزمان والمكان إلى أقصى حد ممكن، وككل فكرة مثلها، نجحت في إثارة اهتمام وخيال العلماء، الذي يتعاملون مع كل أمر باعتباره ممكن الحدوث، لو نظرنا إليه من زاوية ما وبينما اكتفى المشاهد العادي بالانبهار بالفكرة، أو الاعتياد عليها، كل العلماء يكدون ويجتهدون، لإيجاد سبيل علمي واحد إليها، وعدني بأنك لن تشعر بالدهشة، والمفاجأة عندما أخبرك أنهم قد نجحوا في هذا، إلى حد ما، نعم .. نجحوا في تحقيق ذلك " الانتقال الآني " في العمل، ولكن هذا لم ينشر على نطاق واسع ..
السؤال هو لماذا !؟! ما داموا قد توصلوا إلى كشف مذهل كهذا، فلماذا لم ينشر الأمر، باعتباره معجزة علمية جديدة، كفيلة بقلب كل الموازين رأسا على عقب ؟! والجواب يحوي عدة نقاط مهمة:
- الانتقال، الذي نجح فيه العلماء، تم لمسافة تسعين سنتيمترا فحسب، ومن ناقوس زجاجي مفرغ من الهواء إلى ناقوس آخر مماثل، تربطهما قناة من الألياف الزجاجية السميكة، التي يحيط بها مجال كهرومغناطيسي قوي .
ثم إن ذلك الانتقال الآني، تحت هذه الظروف المعقدة، والخاصة جدا، لم ينجح قط مع أجسام مركبة، أو حتى معقولة الحجم، كل ما نجحوا في هو نقل عملة معدنية جديدة، من فئة خمسة سنتات أميركية من ناقوس إلى آخر.
ثم إنه لم يكن انتقالا آنيا على الإطلاق، إلا لو اعتبرنا أن مرور ساعة وست دقائق، بين اختفاء العملة من الناقوس الأول، وحتى ظهورها في الناقوس الثاني، أمرا آنيا ! لذا، ولكل العوامل السابقة، اعتبر علماء أوائل الثمانينات أن تجاربهم، الخاصة بعملية الانتقال الآني قد فشلت تماما.
ولكن علماء نهاية التسعينات نظروا إلى الأمر من زاوية مختلفة تماما، فمن وجهة نظر بعضهم، كان ما حدث انتقالا عبر " الزمكان " أو عبر الزمان والمكان معا، وليس انتقالا آنيا بالمعنى المعروف ومن هذا المنطلق، أعادوا التجربة مرة أخرى، ولكن من منظور مختلف تماما، يناسب الغرض الذي يسعون إليه هذه المرة، ولتحقيق الغرض المنشود، رفعوا درجة حرارة العملة المعدنية هذه المرة، وقاسوها بمنتهى الدقة، وبأجهزة حديثة للغاية، وحسبوا معدلات انخفاضها، في وسط مفرغ من الهواء، ثم بدؤوا التجربة .
وفي البداية، بدا وكأن شيئا لم يتغير، قطعة العملة اختفت من الناقوس الأول ثم عادت إلى الظهور في الناقوس الثاني، بعد ساعة وست دقائق بالتحديد، ولكن العلماء التقطوا العملة هذه المرة، وأعادوا قياس درجة حرارتها بالدقة نفسها، والأجهزة الحديثة نفسها للغاية . ثم صرخوا مهللين . فالانخفاض الذي حدث، في درجة حرارة العملة المعدنية الصغيرة، كان يساوي وفقا للحسابات الدقيقة، أربع ثوان من الزمن فحسب، وهذا يعني أن فرضيتهم الجديدة صحيحة تماما . فتلك السنتات الخمسة الأميركية قد انتقلت ليس عبر المكان وحده، ولكن عبر الزمان أيضا أو بالمصطلح الجديد، عبر الزمكان فعلى الرغم من من أن الزمن الذي سجله العلماء فعليا، لانتقال تلك العملة، من ناقوس إلى آخر، هو ساعة وست دقائق، إلا أن زمن الانتقال، بالنسبة لها هي، لم يتجاوز الثواني الأربع.
- العوالم المتوازية
هذه الفكرة جاءت من النظرية التي تقول: كل البدايات المتشابهة تعطي نتائج متشابهة (وهنا أرجوا الانتباه إلى كلمة متشابهة وليس متماثلة "يعني أنه ستكون هناك بعض الاختلافات")، وهذه النظرية ببساطة تأخذ بعين الاعتبار التكون المتشابه للمجرات والكواكب... وهذا يعني أن كل المجرات نشأت بطريقة متشابهة وبالتالي سيكون بها أنظمة شمسية (نجم + كواكب + ...) وبما أن أحد هذه المجرات (مجرتنا) وأحد هذا الأنظمة الشمسية "نظامنا الشمسي" وأحد هذه الكواكب "كوكبنا الأرض" به كائنات حية (منها الإنسان)، فهناك احتمال كبير أن يحدث ما يشابه هذا في مجرات أخرى في هذا الكون.
لكن بما أن بداية المجرات كانت في أزمنة مختلفة فإننا سنحصل على كواكب في أزمنة مختلفة (الآن أرضنا في القرن 21) لكن هناك كوكب مشابه للأرض يتكون حاليا (زمن تكون الأرض) وهناك كوكب في مرحلة بداية وجود النباتات وهناك كوكب مضى على وجوده أكثر مما مضى على "كوكبنا" (المستقبل) وهكذا...
بهذا الشكل نكون قد وصلنا إلى إيجاد وسيلة للسفر عبر الزمن، لكنها في الحقيقة ليست سفراً عبر الزمن وإنما انتقالا في "المكان فقط" إلى كوكب مشابه، في زمن مختلف، ولمن يحب (رفعت إسماعيل) أحد أبطال روايات مصرية للجيب فبالتأكيد مر على رواية تتحدث عن هذه الفكرة وهي "أسطورة أرض أخرى").
كان هذا ما يخص التحكم في الزمن لكن ماذا عن السفر عبر الزمن الحقيقي باعتبار الزمن بُعدا. إن هذه الفكرة التي تقود إلى إمكانية السفر عبر الزمن الحقيقي بسيطة للغاية فقد اعتبر ألبيرت أينشتاين الزمن بُعدا، وإذا كان الزمن بُعدا فهذا يعني أنه يمكننا التحرك في ثناياه (الماضي والمستقبل) مثلما نشاء كما نتحرك في ثنايا باقي الأبعاد(الأعلى، الأسفل، الأمام...)، لكن كيف هذا ما لم نتوصل إليه بعد.
تعليق