الزمان و المكان الموازيين
من المسائل التي لم يتوصل العلماء بعد إلى البت فيها، هناك حقيقة العلاقة التي تربط الإنسان بعنصري الزمان و المكان أو ما يفضل البعض تسميته بالزمن و الفضاء... فإلى حد كتابة هذه السطور يبقى المنطق يفترض أن: " علي موجود بالجزائر العاصمة على الساعة العاشرة صباحا من صباح الخميس 6 أكتوبر 2004 " و نفس المنطق ينفي أي احتمال أو مجرد التفكير في أن يكون علي خلال نفس الفترة و التوقيت في واشنطن، أو أن يتحول أي يتنقل إلى واشنطن بتاريخ 6 أكتوبر 2004 أو أن يجد نفسه فجأة بالجزائر العاصمة أو بواشنطن أو بفرنسا، لكن بتاريخ 6 أكتوبر 1314 مثلا... هذا ما يفيد به المنطق المسلم به الذي نتعامل به يوميا إزاء بعضنا البعض و إزاء التاريخ و الزمان و المكان.
لكن هناك من الوقائع الثابتة بأدلة دامغة و من الشهادات الحية المدعمة بالقرائن ما قد يدفع بنا إلى مراجعة مفهومنا للزمان و المكان و إذا كنا نرفض هذا التراجع و هذه المراجعة مبدئيا لا لشيء إلا لأننا نعتبر الأمر ضربا من الخيال العلمي، فلنعلم على الأقل أن عشرات العلماء من ذوي الأدمغة المزودة بالمادة الرمادية الحية، قد انكبوا على دراسة هذه المسألة بجدية دون أن يتوصلوا إلى نتيجة نهائية، لكنهم اتفقوا على شيء أساسي على الأقل و هو أن الإنسان لم يكتشف بعد حقيقة العلاقة التي تربطه بالزمان و المكان ليس مثلما نعتقد أنهما عليه.
حالة روبرت ستونير
كان بلندن في عام 1977 فوجد نفسه في الخمسينات بشارع غريب عنه
ففي شهادة له، يذكر السيد - روبرت ستونير - أنه في حدود الساعة التاسعة و الربع من صباح يوم 11 نوفمبر 1977 و بينما كان يمشي الهوينة رفقة كلبه بالقرب من أحد شواطىء مدينة لندن، انتابه، فجأة صداع خفيف سرعان ما تطور إلى شبه غيبوبة استيقظ منها ليجد نفسه واقفا بأحد الشوارع، لم يسبق له أن شاهده من قبل حتى في الأحلام... كل شيء في ذلك الشارع كان غريبا... طرقاته، أرصفته، محلاته، عماراته القصيرة التي لم تكن في الحقيقة إلا مجرد بيوت عالية نوعا ما و حتى المارة من رجال و نساء و أطفال لم يكونوا عاديين بالنسبة إليه و هذا على الأقل من حيث مظاهرهم الخارجية التي لم تكن تحمل أدنى المميزات البريطانية، تماما مثلها مثل ذلك الشارع الذي يقول السيد روبرت بأنه يصعب تحديد أصله إن كان فرنسيا أو أمريكيا أو بلدا آخر رغم واجهات المحلات التي كانت مكتوبة باللغة الإنجليزية، إلا أن الأكيد هو أن ذلك الشارع لم يكن موجودا بانجلترا لأن السيد بوبرت، إضافة إلى كونه زار أغلب مدن بريطانيا مرات عديدة، فهو عالم آثار و سبق له أن ساهم في إعداد عدة نشريات دليلية حول المدن البريطانية و هذا ما سمح له بالتعرف على مميزات كل مدينة كان يزورها لهذا الغرض، حتى أن شوارع المدن البريطانية تتشابه في ما بينها بنسبة ثمانين بالمئة على حد قوله، زد إلى ذلك المناخ الخاص بمنطقة بريطانيا المخالف تماما للمناخ الذي كان منعكسا على ذلك الشارع الغريب الذي كان مضيئا بأشعة شمس ساطعة مثلما ذكر في شهادته التي أضاف فيها بأنه بقي واقفا بذلك المكان لمدة تقارب النصف ساعة، وحيدا من دون كلبه الذي كان يتساءل بخصوصه و طيلة تلك الفترة التي قضاها هناك و بكل غرابة لم ير سيارة واحدة أو حتى عربة من النوع التقليدي، على الرغم من ألبسة الناس التي كانت تذكر بموضة الخمسينيات التي اشترك فيها أغلب الأوربيين و يقول كذلك أنه رغم بقائه هناك طيلة النصف ساعة، إلا أنه لم يجلب إليه انتباه العدد الكبير من المارة الذين تعاقبوا على المكان دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء إلقاء حتى نظرة خاطفة على ذلك الإنسان الوحيد المبهور و كأن السيد - روبيرت - كان رجلا مخفيا.
و يضيف صاحب الشهادة أن أثناء تواجده في ذلك المكان، كان يعي جيدا ما يحدث له كما كان يعرف و يتذكر أنه أحس بصداع، بينما كان يمشي بالقرب من الشاطىء، غير أنه شكك في سلامة شعوره و رجح احتمال كونه يحلم، فلمس جيدا الجدار الذي كان واقفا يستند إليه فتلقى حس اللمس الكامل، لكن ذلك ما لم يمنعه من أن يضرب ذلك الجدار بلكمة عنيفة أسالت الدم من يده اليمنى.
بعد اللحظات الغريبة التي عاشها السيد - روبرت - في ذلك الشارع المجهول، فتح عينيه فجأة على وجهي شخصين، رجل و امرأة، توسطهما كلبه الذي كان يلمس رجليه اليسرى بلطف و نعومة و كأنه كان يترجاه للنهوض، لأن الرجل وجد نفسه مرميا على رمل الشاطىء... و بينما كان ذلك الزوج ( الرجل و المرأة ) يسألانه عن حالته، شعر - روبرت - بألم في يده اليمنى فحول إليها بصره و كانت المفاجأة، يده مجروحة و الدم مخثر عليها... انه الدليل القاطع على تواجده الفعلي في ذلك الشارع غير المسمى و على صحة الموقف.
القضية بدت جدية منذ الوهلة الأولى التي كشف عنها صاحبها، بقدر جدية هذا ألخير المعروف برزانته و ثقافته العالية و اسمه الرائج... الواقعة سقطت بين أيدي الصحافيين البريطانيين قبل أن تدرج في أعمدة النشريات المتخصصة في الظواهر الغريبة بفرنسا و خصوصا بأمريكا، ثم كان أن عكفت مجموعة من علماء البرابسيكولوجيا و النفسانيين و الملاحظين العلميين على إجراء لقاء مباشر مع السيد - روبرت - سمح لهم بجمع مختلف حيثيات الواقعة التي بعد دراستها لم تظهر أي نتيجة واضحة تكون قد خلصت إليها تلك المجموعة من العلماء، غير بعض الأسئلة التي بقيت مطروحة دون أن تلقى أية إجابة و هذا على الأقل إلى غاية سنة 1991 و هذه الإجابة الغائبة هي: لماذا لم يكن السيد روبرت مرفوقا في رحلته الغريبة بكلبه؟ ... احتمال أن يكون الرجل اُغمي عليه و طيلة فترة الإغماء رأى ما رآه في حلم عاد... هذا ممكن، لكن ما الذي أصاب يده ما دام السيد روبرت لم ير إلا حلما عاديا؟... من المحتمل أن يكون روبرت قد ضرب يده إراديا لاستعمال ذلك دليلا على صحة الواقعة... لا، لا، لا هذا ما تستبعده مجموعة العلماء على الإطلاق، لأن مستوى الرجل لا يسمح حتى بمجرد التفكير في شيء كهذا... إذن ما الذي حدث بالضبط؟ اللجنة العلمية تلك، لم تخلص إلى صدق الواقعة، لكنها في المقابل لم تتجرأ على تكذيبها أو نفيها، رغم بعض الأقاويل و التحليلات الضعيفة لبعض العلماء النفسيين الذين يشككون في كل شيء، دون أن يتوصلوا يوما واحدا إلى تأكيد صحة عقولهم في حد ذاتها.
و يعتقد عدد كبير من الباحثين العلميين أن الفضاء ( أي المكان ) ليس منسجما بالقدر الذي
يسري عليه الظن و أن هناك ما يصفونه بالثنايا البعدية les replis dimensionnels التي تخفي عنا مناطق عديدة من الكون و من الأرض، كما يظن رجال العلم بأن هناك ثقبا يحدث من حين إلى آخر أن يقع فيها الإنسان فينتقل فجأة و دون علم منه من مكان إلى آخر
والوقائع التي تؤكد صحة هذا الاعتقاد العلمي، عديدة و متعددة، عاشها رجال و نساء تحولوا
بغتة من فضاء إلى آخر.
يتبع
تعليق