هى بصمات و ليست بصمة واحدة
يقوم عالم البصمات بذاته كميدان علمي مؤسس على شيء اسمه " الدقة " .دقة متناهية يستمد قواعدها و قوانينها من أسرار الإنسان, من منطلق أنه لا تشابه بين امرأتين أو رجلين أو طفلين في هذه الأرض الشاسعة التي يعيش عليها أزيد من خمسة مليارات بني آدم, و نفس القاعدة صالحة بالنسبة لباقي الكائنات الحية التي تشاطر الإنسان في الحياة في هذا الكوكب, الشيء الذي لا يمكنه أن يمثل إلا واحد من الأدلة اللا متناهية على عظمة الله سبحانه وتعالي, مع أن التطور العلمي الذي بلغه الإنسان لم يمكنه بعد من كشف كل الأسرار المتعلقة بهوية الإنسان.
بصمة البنان
البنان هو نهاية الإصبع, وقد قال الله تعالي: "أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه. بلى قادرين علي أن نسوي بنانه" (سورة القيامة: 3,4 ), و لم يتوصل العلم إلى كشف سر البصمة إلا فيالقرن التاسع عشر, حين اتضح أن البصمة مشكلة من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورهامنخفضات, وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية, تتمادى هذه الخطوط, وتتلوي, وتتفرع عنها فروع أخرى لتأخذ في النهاية شكلا مميزا لا يمكن أن تكون نفسها في بشرين حتي عندما يتعلق الأمر بتوأمين أصلهمابويضة واحدة. و من حكمة الله أن بصمة البنان عند الجنين تتكون لديه و هو في شهره الرابع, وهي البصمة التي تلازمه طيلةحياته, ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل ( مجرد تقارب لا أكثر ) و لكن لا يمكن أبدا أن تتطابقان الشيء الذي جعل منها دليلا ساطعا لا يمكن القفز عليه في التحقيقات الأمنية و أمام سلطة القضاء...لأن بصمة البنان قالت أنك جاني و هي لا تكذب أبدا.
بصمة الرائحة
لكل إنسان رائحة مميزة هي بصمته المشمومة التي ينفرد بها وحده دون باقي البشر الذين يتعدى عددهم الخمسة ملايير, و هذه حكمة أخرى لله سبحانه عز و جل الذي قال على لسان يعقوب (عليه السلام):" ولما فصلتالعير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون (سورة يوسف: 94).في هذه الآية تأكيد لبصمة رائحة سيدنا يوسف التي تميزه عن كل البشر, وقد استغلت هذه الصفة المميزة, أو البصمة في تتبع آثار أي شخص معين, وذلك باستغلالبعض مخلوقات الله مثل: الكلاب (الوولف) التي تستطيع بعد شم ملابس إنسان معين أنتخرجه من بين آلاف البشر.
بصمة الصوت
يحدث الصوت في الإنسان (المجهور دون المهموس) نتيجة اهتزاز الأوتار الصوتية فيالحنجرة بفعل هواء الزفير بمساعدة العضلات المجاورة التي تحيط بها 9 غضاريف صغيرةتشترك جميعها مع الشفاه واللسان والحنجرة لتخرج نبرة صوتية تميز الإنسان عن غيره, وفي الآية الكريمة قال الله تعالي: " حتى إذا أتوا علي وادي النمل قالت نملة يا أيهاالنمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "(النمل: 18), فقد جعلالله بصمة لصوت سيدنا سليمان جعلت النملة تتعرف عليه وتميزه. كذلك جعل الله لكلإنسان بصمة صوتية خاصة به هو وحده دون غيره وقد استغل البحث الجنائي بصمة الصوت في تحقيق شخصية الإنسان المعين حيث أتاح التطور التكنولوجي منذ سنوات عديدة إمكانيةتحديد هوية المتحدث حتى ولو نطق بكلمة واحدة, ويتم ذلك بتحويل رنين صوته إلي ذبذباتمرئية بواسطة جهاز تحليل الصوت (الإسبكتروجراف), و مثل هذا الجهاز تستخدمه حاليا البنوك في أوروباحيث يخصص لفئة معينة من زبائن تلك البنوك خزائن تحتوي على ودائعهم المالية أو الثمينة أو الوثائقية تلك الخزائن لا تفتح إلا ببصمة الصوت الخاصة بالعميلأي الا عندما يتلفظ مالك الخزانة و لو بكلمة واحدة.
بصمة الشفاه
كما أودع الله بالشفاه سر الجمال أودع فيها كذلك بصمة صاحبها, ونقصد بالبصمة هناتلك العضلات القرمزية التي كثيرا ما تغني بها الشعراء وشبهها الأدباء بثمار الكريز, وقد ثبت أن بصمة الشفاه صفة مميزة, لدرجة أنه لا يتشابه فيها اثنان في العالم, وتؤخذبصمة الشفاه بواسطة جهاز يحتوي على حبر غير مرئي، حيث يضغط بالجهاز علي شفاه الشخص بعد أنيوضع عليها ورقة من النوع الحساس, فتطبع عليها بصمة الشفاه, و وصلت دقة الأشياء في هذا المجال إلي حد أخذ بصمة الشفاه حتي من عقب سيجارة مرمية.
بصمة الأذن
...نعم لأذن الإنسان بصمة و هي كباقي البصمات لا يمكن أن يلتقي فيها شخصان, و هي منذ سنوات محل أبحاث علمية معمقة لاكتشاف المزيد من أسرارها رغبة في إمكانية العثور على ما يعزز التحقيقات الجنائية.
بصمة العين
... و لعين الإنسان أيضا بصمة اكتشفتها إحدي الشركات الأمريكية المختصة في صناعة الأجهزة الطبية, والشركةتؤكد أنه لا يوجد عينان متشابهتان في كل شيء، و قد أثبتت التجارب و الخبرات التي تم اجراؤها في هذا السياق بأنه من الممكن أخذ بصمة العين عن طريق النظرفي عدسة جهاز يقوم بدوره بالتقاط صورة لشبكية العين, وعند الاشتباه في أيشخص يتم الضغط علي زر معين بالجهاز فتتم مقارنة صورته بالصورة المختزنة في ذاكرةالجهاز, و كل هذه العملية تجرى في مدة زمنية لا تتعدى ثانية ونصف الثانية لا أكثر.
بصمة الجينات تحدث ثورة على عالم التحقيقات
الجينات التي تنقل الرسالة الوراثية من جيل لآخر, وتوجه نشاط كل خلية هي عبارةعن جزيئات عملاقة تكون ما يشبه الخيوط الرفيعة المجدولة و تسمى الحامض النوويالريبوزي المختزل ADN, .تحتوي هذه الرسالة الوراثية علي كل الصفات الوراثية لصاحبهابداية من لون العينين, و انتهاء بأدق التركيبات الموجودة في جسمه.وحديثا تمكن العالم إليك جيفرس بجامعة لستر بالمملكة المتحدة من اكتشاف اختلافاتفي تتابع الشفرة الوراثية, وقد وجد أن هذه الاختلافات ينفرد بها كل شخص تماما مثلبصمة الإصبع والصوت والعين وغيرها، لذا أطلق عليها بصمة الجينات, باستثناء نوع نادرمن التوائم المتطابقين و الناشئين عن انقسام بويضة مخصبة واحدة, وبحساب نسبة التمييزبين الأشخاص باستخدام بصمة الجينات, وجد العالم المذكور أن هذه النسبة تصل إلي حوالي 1 في كل 300
مليون شخص أي أنه من بين كل 300 مليون شخص يوجد شخص واحد فقط يحمل نفس بصمة
الجينات كما اكتشف أن بصمة الجينات تختلف باختلاف المواقع الجغرافية للجينات أي أن جينات
الآسيويين (الجنس الأصفر أو المغولي) مثلال تختلف عن جينات الأوربيين أو الأفارقة وعلي الرغم من
مرور وقت قصير علي اكتشاف بصمة الجينات المسماة ( الحامض النووي ), فان هذا الاكتشاف أحدث
ما لا يمكن وصفه إلا بالثورة التي فرضت على وسائل الطب أن تسارع إلى التكيف معه مثلما تحقق إلى حد الآن في قضايا إثبات البنوة, والاغتصاب, وجرائم القتل و السرقة, و كذا التعرف على ضحايا الكوارث الطبيعية على اختلاف أشكالها.
آيات الإعجاز
قال الله جل ثناؤه: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 1-4].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
البنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، البنانة: الإصبع كلها، وتقال للعقدة من الإصبع.
فهم المفسرين:
قال القرطبي في تفسير الآية:
البنان عند العرب: الأصابع: واحدها بنانة.
قال القرطبي والزجاج: "...وزعموا أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام فقال الله تعالى: بلى قادرين على أن نعيد السّلاميات على صغرها، وتؤلف بينها حتى تستوي، ومن قدر على هذا فهو على جمع الكبار أقدر".ويجدر بنا أن نلفت النظر إلى أن العلماء لم يكن بين أيديهم من وسائل طبية حديثة توصلهم إلى ما اكتشفه علماء التشريح بعد ذلك بقرون.
التفسير العلمي:
يقول الله تعالى ذكره في سورة القيامة آية [1-4]: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}، لقد أثارت الإشارة في الآيات الكريمة من سورة القيامة انتباه المفسرين ودهشتهم حيث أقسم الله تعالى باليوم الآخر وبالنفس الباقية على فطرتها التي تلوم صاحبها على كل معصية أو تقصير، لقد أقسم الله تعالى بهما على شيء عظيم يعدّ الركن الثاني من أركان العقيدة الإسلامية ألا وهو الإيمان ببعث الإنسان بعد موته وجمع عظامه استعداداً للحساب والجزاء، ثم بعد أن أقسم الله تعالى على ذلك بين أن ذلك ليس مستحيلاً عليه لأن من كان قادراً على تسوية بنان الإنسان هو قادر أيضاً على جمع عظامه وإعادة الحياة إليها.
كان لا بد من انتظار القرن التاسع عشر
ولكن الشيء المستغرب لأول نظرة تأمل في هذا القسم هو القدرة على تسوية البنان، والبنان جزء صغير من تكوين الإنسان، لا يدل بالضرورة على القدرة على إحياء العظام وهي رميم، لأن القدرة على خلق الجزء لا تستلزم بالضرورة القدرة على خلق الكلوبالرغم من محاولات المفسرين إلقاء الضوء على البنان وإبراز جوانب الحكمة والإبداع في تكوين رؤوس الأصابع من عظام دقيقة وتركيب الأظافر فيها ووجود الأعصاب الحساسة وغير ذلك، إلا أن الإشارة الدقيقة لم تُدرك إلا في القرن التاسع عشر الميلادي، عندما اكتشف عالم التشريح التشيكي "بركنجي" أن الخطوط الدقيقة الموجودة على البشرة في رؤوس الأصابع تختلف من شخص لآخر، حيث وجد ثلاثة أنواع من هذه الخطوط فهي تكون إما على شكل أقواس أو دوائر أو عقد، أو على شكل رابع يدعى المركبّات وذلك لتركيبها من أشكال متعددة.
وفي سنة 1858 أشار العالم الإنكليزي "وليم هرشل" إلى اختلاف البصمات باختلاف أصحابها، مما يجعلها دليلاً مميزاً لكل شخص.والمدهش أن هذه الخطوط تظهر في جلد الجنين وهو في بطن أمه عندما يكون عمره 100 أو 120 يوماً، ثم تتكامل تماماً عند ولادته ولا تتغير مدى الحياة مهما تعرّض الإنسان للإصابات والحروق والأمراض، وهذا ما أكّدته البحوث والدراسات التي قام بها الطبيب "فرانسيس غالتون" سنة 1892 ومن جاء بعده، حيث قررت ثبات البصمات الموجودة على أطراف الأصابع رغم كل الطوارىء كما جاء في الموسوعة البريطانية.
مجرمو شيكاغو يشكون قلة الحيلة
حدث أن بعض المجرمين بمدينة شيكاغو الأمريكية تصوروا أنفسهم قادرين على تغيير بصماتهم فقاموا بنزع جلد أصابعهم واستبداله بقطع لحمية جديدة من مواضع أخرى من أجسامهم، إلا أنهم أصيبوا بخيبة الأمل عندما اكتشفوا أن قِطَع الجلد المزروعة قد نمت واكتسبت نفس البصمات الخاصة بكل شخص منهم.
وخلال تسعين عاماً من تصنيف بصمات الأصابع لم يُعثر على مجموعتين متطابقتين منها، وحسب نظام "هنري" الذي قام بتطويره مفوض اسكتلند يارد "إدوارد هنري" سنة 1893م، فإن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية، بحيث تُعتبر أصابع اليدين العشرة وحدة كاملة في تصنيف بطاقة الشخص.
بصمات القدم أيضاً علامة على هوية الشخص
هنا نلاحظ أن الآية في سورة العلق تتحدث أيضاً عن إعادة خلق بصمات الأصابع جميعها لا بصمة إصبع واحدة، إذ إن لفظ "البنان" يُطلق على الجمع أي مجموع أصابع اليد، وأما مفرده فهو البنانة، ويلاحظ أيضاً التوافق والتناغم التام بين القرآن والعلم الحديث في تبيان حقيقة البنان، كما أن لفظة "البنان" تُطلق كذلك على أصابع القدم، علماً أن بصمات القدم تعد أيضاً علامة على هوية الإنسان.ولهذا فلا غرابة أن يكون البنان إحدى آيات الله تعالى التي وضع فيها أسرار خلقه، والتي تشهد على الشخص بدون التباس فتصبح أصدق دليل وشاهد في الدنيا والآخرة، كما تبرز معها عظمة الخالق جل ثناؤه في تشكيل هذه الخطوط على مسافة ضيقة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات مربعة.
جاء في الموسوعة البريطانية: "قام المشرّحون الأوائل بشرح ظاهرة الأثلام في الأصابع، ولكن لم يكن تعريف البصمات معتبراً حتى عام 1880 عندما قامت المجلة العلمية البريطانية (الطبيعة: Nature) بنشر مقالات للإنكليزيّيْن "هنري فولدز" و "وليم جايمس
هرشل" يشرحان فيها وحدانية وثبوت البصمات، ثم أثبتت
ملاحظاتهم على يد العالم الإنكليزي "فرانسيس غالتون". الذي أنجز النظام البدائي الأول لتصنيف البصمات معتمداً فيه على تبويب النماذج إلى أقواس، أو دوائر، أو عقد. لقد قدم نظام "غالتون" خدمة لمن جاء بعده، إذ كان الأساس الذي بني عليه نظام تصنيف البصمات الذي طوره "إدوارد هنري"، والذي أصبح "هنري" فيما بعد المفوّض الحكومي الرئيسي في رئاسة الشرطة في لندن".وذكرت الموسوعة البريطانية أيضا:" أن البصمات تحمل معنى العصمة –عن الخطأ- في تحديد هوية الشخص، لأن ترتيب الأثلام أو الحزوز في كل إصبع عند كل إنسان وحيداً ليس له مثيل ولا يتغير مع النمو وتقدم السن.إن البصمات تخدم في إظهار هوية الشخص الحقيقية بالرغم من الإنكار الشخصي أو افتراض الأسماء، أو حتى تغير الهيئة الشخصية من خلال تقدم العمر أو المرض أو العمليات الجراحية أو الحوادث".
وجه الإعجاز:
بعد أن أنكر كفار قريش البعث يوم القيامة وأنه كيف لله أن يجمع عظام الميت، رد عليهم رب العزة بأنه ليس قادرا على جمع عظامه ( أي الميت )فحسب بل أيضا حتىعلى خلق وتسوية بنانه، هذا الجزء الدقيق الذي يعرّف عن صاحبه والذي يميز كل إنسان عن الآخر مهما حصل له من الحوادث.
يتبع
تعليق