تمر الأرض بمتغيرات متعددة ، فتحيا بإذن الله تعالى خلال عصور بإحياء الإنسان لها بموجب وجود مقومات يستفيد منها، وتموت في عصور أخرى عندما يتركها الإنسان بطوعه أو بإجباره أو بانعدام المقومات التي تسببت في وجوده. ومما لاشك فيه أن نمطية الاستيطان في المملكة العربية السعودية تتنوع بتنوع الظروف والأحداث، وتتأثر بتأثير العالم القريب والعالم البعيد شأنها في ذلك شأن أي مكان آخر على الكرة الأرضية. ومن خلال استقرائنا للأوضاع التاريخية عبر ماتمليه الظروف السياسية من زمن إلى زمن يمكننا أن نفسر وجود أماكن الإنسان في مواضع قد لاتوجد فيها حياة في وقتنا الحاضر بالنسبة إلى بعض المواقع وقد تكون الحياة انقطعت في البعض الآخر منذ قرون قد تردفها قرون. وفي الطريق الآخر يمكن ان نحصل على النتيجة ذاتها، فمن خلال دراسة أماكن وجود الإنسان وما تشتمل عليه من بقايا وأسباب ازدهارها في السنين الخوالي يمكن ان نبني تاريخاً للحقب المجهولة ، ويمكن ان نصحح ما كتب ، ونعدل ما صحف.
ومن خلال تتبع الاكتشافات الآثارية الميدانية في المملكة العربية السعودية نجد ان الإنسان عاش في أماكن لم يعد له وجود فيها اليوم بل نجد انه عمر أماكن بكثافة بشرية كبيرة، كما يستدل من الآثار المتبقية، لم يعد لها في وقتنا الحاضر وجود . ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك مواقع سبخة الظبطية في المنطقة الشرقية والتي لم ينفذ فيها إلا موسم مسح واحد جاء بنتائج هائلة متمثلة باكتشاف العديد من حقول المدافن التي ليس لها دلالة إلا وجود خلق كثير عاش في تلك الناحية التي أصبحت في يومنا الحاضر جدباء لا يوجد فيها ونيس.
وأفاد التقرير الذي نشر الهاجري وآخرون في العدد السابع عشر لحولية أطلال، المشتمل على نتائج عمل ميداني نفذوه في سبخة الظبطية عن حياة قديمة سادت في سبخة الظبطية مختلفة عن الحياة التي تحياها المواقع اليوم مثل بقايا الحيوانات القديمة كالماستدون ووحيد القرن والزراف والقرود. وإلى جانب بقايا الحيوانات كشف العمل الميداني عن وجود حقول مدافن قدر عددها بألف مدفن ركامي تظهر بأشكال متنوعة تشمل التالي: 1- المدافن الركامية، 2- المدافن ذات السياج الدائري "حلقية"، 3- المدافن المذيلة ، 4- المدافن التي تظهر على شكل ذيل من التلال المتصلة، 5- المدافن التي على شكل مثلثات مستدقة الطرف، 6- المدافن التي على شكل أبنية مستطيلة،7- المدافن التي بشكل أبنية شبه مستطيلة.
والمثال الثاني على الحياة المفقودة نجده في واحة يبرين في المنطقة الشرقية والتي يبدو من البقايا القديمة التي عُثر عليها فيها انها كانت في يوم من الأيام مقراً لأعداد كبيرة من البشر. فيشير تقرير البعثة الدانمركية المنشور عام 1973م بقلم جفري بيبي ان الواحة تحتوي على آلاف المدافن الجماعية التي تدل على وجود تجمع سكاني مقيم بأعداد كبيرة، كما أشارت دراسات الدكتور عبدالله حسن المصري التي انجز عام 1972م إلى الشيء ذاته. ويفيد تقرير الأستاذ خليفة الخليفة وآخرون ذي الصلة بنتائج العمل الأثري الذي قاموا به في واحة يبرين ونشروا نتائجه في العدد السادس عشر من حولية أطلال ان المدافن تنتشر في عدد من المواقع منها: الجوامير، والطويرف، والدبلانيات، والقباليات ، والصمان ، وبرق السمر، والنعايم، وتغطي المدافن مساحات واسعة في تلك المواقع، فعلى سبيل المثال تغطي خمسمائة ألف متر مربع في موقع الطويرف لوحده. وبالإضافة إلى المساحات الضخمة التي تغطيها تلك المدافن، تظهر المدافن في تنوع كبير في الحجم والتصميم مما يدل على انها تنتمي إلى عصور متعاقبة وثقافات بشرية مختلفة. وهذا الاستنتاج قريب من الحقيقة لأن المدافن ترتبط بعقائد المجتمعات التي عادة ما تحدد نمط المدفن. وبما أن هناك أنماطاً متنوعة فلا شك أنها تعكس ثقافات تعاقبت في المجتمع الواحد لأنه من الأرجح عدم تعاصرها في الزمن.
وبالإضافة إلى ما مر نستطيع أن نقول إن ما نشاهده من آلاف المدافن ليس إلا ما تبقى من مدافن تلك الأزمنة ، ولا بد ان أضعاف مضاعفة للأرقام التي عثر عليها ذهبت تحت الرمال أو جرفتها السيول أو نحتتها الرياح ثم ذرتها. وإذا استخدمنا أعداد المقابر المعثور عليها مؤشراً لأعداد السكان وجدنا أننا أمام مجتمعات كانت وصلت إلى الألوف في أعدادها ويظهر أنها مجتمعات غنية ومتطورة يوم وجودها .
وصلنا نحن الآثاريين إلى هذه النتيجة التي مفادها وجود إنسان بأعداد كثيفة في مواقع أصبحت في يوم من الأيام مواقع لا يوجد إنسان فيها وإن وجد فوجوده يتمثل بأعداد قليلة. وهذه النتيجة ثابتة بالاكتشافات الأثرية القائمة على أرض الواقع. ولن يكون جهدنا مثمراً مالم يعضد بشيئين . الشيء الأول هو تكثيف الأعمال الآثارية الميدانية للكشف عن المزيد من مواطن الإنسان القديم، ولتقديم مادة علمية جديدة . أما الشيء الثاني فهو مشاركة الباحثين الاخرين في مجالات تخصصية أخرى مثل الجيولوجيا والجغرافيا والنبات والبيئة. ونأمل أن يساهموا في دراسة مواقع قديمة مثل مواقع سبخة الظبطية ومواقع واحة يبرين لأن نتائج دراساتهم سوف تسد نقصاً في التعاضد المعلوماتي الذي يكون رسم الحياة القديمة.
المصدر : جريدة الرياض الكاتب : أ.د عبدالعزيزبن سعود الغزي
منقول ..... مجلة الاثار
ومن خلال تتبع الاكتشافات الآثارية الميدانية في المملكة العربية السعودية نجد ان الإنسان عاش في أماكن لم يعد له وجود فيها اليوم بل نجد انه عمر أماكن بكثافة بشرية كبيرة، كما يستدل من الآثار المتبقية، لم يعد لها في وقتنا الحاضر وجود . ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك مواقع سبخة الظبطية في المنطقة الشرقية والتي لم ينفذ فيها إلا موسم مسح واحد جاء بنتائج هائلة متمثلة باكتشاف العديد من حقول المدافن التي ليس لها دلالة إلا وجود خلق كثير عاش في تلك الناحية التي أصبحت في يومنا الحاضر جدباء لا يوجد فيها ونيس.
وأفاد التقرير الذي نشر الهاجري وآخرون في العدد السابع عشر لحولية أطلال، المشتمل على نتائج عمل ميداني نفذوه في سبخة الظبطية عن حياة قديمة سادت في سبخة الظبطية مختلفة عن الحياة التي تحياها المواقع اليوم مثل بقايا الحيوانات القديمة كالماستدون ووحيد القرن والزراف والقرود. وإلى جانب بقايا الحيوانات كشف العمل الميداني عن وجود حقول مدافن قدر عددها بألف مدفن ركامي تظهر بأشكال متنوعة تشمل التالي: 1- المدافن الركامية، 2- المدافن ذات السياج الدائري "حلقية"، 3- المدافن المذيلة ، 4- المدافن التي تظهر على شكل ذيل من التلال المتصلة، 5- المدافن التي على شكل مثلثات مستدقة الطرف، 6- المدافن التي على شكل أبنية مستطيلة،7- المدافن التي بشكل أبنية شبه مستطيلة.
والمثال الثاني على الحياة المفقودة نجده في واحة يبرين في المنطقة الشرقية والتي يبدو من البقايا القديمة التي عُثر عليها فيها انها كانت في يوم من الأيام مقراً لأعداد كبيرة من البشر. فيشير تقرير البعثة الدانمركية المنشور عام 1973م بقلم جفري بيبي ان الواحة تحتوي على آلاف المدافن الجماعية التي تدل على وجود تجمع سكاني مقيم بأعداد كبيرة، كما أشارت دراسات الدكتور عبدالله حسن المصري التي انجز عام 1972م إلى الشيء ذاته. ويفيد تقرير الأستاذ خليفة الخليفة وآخرون ذي الصلة بنتائج العمل الأثري الذي قاموا به في واحة يبرين ونشروا نتائجه في العدد السادس عشر من حولية أطلال ان المدافن تنتشر في عدد من المواقع منها: الجوامير، والطويرف، والدبلانيات، والقباليات ، والصمان ، وبرق السمر، والنعايم، وتغطي المدافن مساحات واسعة في تلك المواقع، فعلى سبيل المثال تغطي خمسمائة ألف متر مربع في موقع الطويرف لوحده. وبالإضافة إلى المساحات الضخمة التي تغطيها تلك المدافن، تظهر المدافن في تنوع كبير في الحجم والتصميم مما يدل على انها تنتمي إلى عصور متعاقبة وثقافات بشرية مختلفة. وهذا الاستنتاج قريب من الحقيقة لأن المدافن ترتبط بعقائد المجتمعات التي عادة ما تحدد نمط المدفن. وبما أن هناك أنماطاً متنوعة فلا شك أنها تعكس ثقافات تعاقبت في المجتمع الواحد لأنه من الأرجح عدم تعاصرها في الزمن.
وبالإضافة إلى ما مر نستطيع أن نقول إن ما نشاهده من آلاف المدافن ليس إلا ما تبقى من مدافن تلك الأزمنة ، ولا بد ان أضعاف مضاعفة للأرقام التي عثر عليها ذهبت تحت الرمال أو جرفتها السيول أو نحتتها الرياح ثم ذرتها. وإذا استخدمنا أعداد المقابر المعثور عليها مؤشراً لأعداد السكان وجدنا أننا أمام مجتمعات كانت وصلت إلى الألوف في أعدادها ويظهر أنها مجتمعات غنية ومتطورة يوم وجودها .
وصلنا نحن الآثاريين إلى هذه النتيجة التي مفادها وجود إنسان بأعداد كثيفة في مواقع أصبحت في يوم من الأيام مواقع لا يوجد إنسان فيها وإن وجد فوجوده يتمثل بأعداد قليلة. وهذه النتيجة ثابتة بالاكتشافات الأثرية القائمة على أرض الواقع. ولن يكون جهدنا مثمراً مالم يعضد بشيئين . الشيء الأول هو تكثيف الأعمال الآثارية الميدانية للكشف عن المزيد من مواطن الإنسان القديم، ولتقديم مادة علمية جديدة . أما الشيء الثاني فهو مشاركة الباحثين الاخرين في مجالات تخصصية أخرى مثل الجيولوجيا والجغرافيا والنبات والبيئة. ونأمل أن يساهموا في دراسة مواقع قديمة مثل مواقع سبخة الظبطية ومواقع واحة يبرين لأن نتائج دراساتهم سوف تسد نقصاً في التعاضد المعلوماتي الذي يكون رسم الحياة القديمة.
المصدر : جريدة الرياض الكاتب : أ.د عبدالعزيزبن سعود الغزي
منقول ..... مجلة الاثار
تعليق