ماهو القرين
عرف الإنسان منذ بداية وجوده على وجه الأرض صراعاً دائماً في ذاته بين أهوائه (كاللذة والسلطة والمال) من جهة والقيود التي تلجم تلك الأهواء من جهة أخرى (تعرف بالأخلاق والضمير والمحرمات) كما عرف أيضاً أن سلوكه (أفعاله أو أقواله) يأتي نتيجة ذلك الصراع القائم لكنه مع ذلك ظل يتساءل عن طرفي هذا الصراع ، هل هي في نفسه فقط ؟ أم أنها كيانات غيبية غريبة عنه تلعب دوراً في تشكيل سلوكه ؟ |
والشر ، بين الملائكة والشياطين، وأن الإنسان متورط لا محالة في هذا الصراع
ومن هنا برز تساؤل آخر : هل يملك الإنسان دوراً في تغيير نتيجة هذا الصراع
القائم في ذاته أم أن سلوكه رهن بنتيجة الحرب بين تلك الكيانات المذكورة
أي أنه ضحية فقط ؟ بمعنى آخر : هل الإنسان مسير أم مخير ؟ ، شغل ذلك السؤال
الفلاسفة وعلماء الدين وتجادلوا فيه دهوراً ولن نناقشه في هذا المقال ولكن
نكتفي بالقول : " من الواضح أن هناك فهماً فطرياً لدى الإنسان للتمييز بين
طرفي الصراع وهذه القدرة على التمييز تفرض وجود كيان ثالث نطلق عليه الذات
أو ما يعرف بـ إيجو Ego في علم النفس الفرويدي ، أي أن الإنسان مسير ومخير
في آن معاً ، تلك الثنائية التي تبدو ظاهرياً متناقضة منطقياً موجودة في
النفس البشرية المعقدة ".
لننقاش الآن أحد طرفي الصراع الذي يلعب على وتر الشهوات والأهواء لدى
الإنسان فلا يكترث إلى العواقب التي قد تكون مدمرة على من حوله من البشر ،
هذا الطرف في الصراع لا بد أن يكون ملازماً وملاصقاً للإنسان ويولد معه
ويغويه باستمرار، لماذا ؟ لأنه لم يعرف في الحياة البشرية أن أحداً لم يكن
ولو للحظة من لحظات حياته غافلاً عن أهوائه ، وأيضاً يقتضي الإيمان بوجود
الشيطان أنه ليس من الممكن له أن يتابع البشر كافة في نفس الوقت ليغويهم
لفعل الشر ، لذلك يقوم بتوكيل أتباعه على كل إنسان جديد، ومن هنا أتت فكرة
القرين في الدين الإسلامي ليس فقط لتفسر سلوكاً مبنياً على الشهوات وبدون
قيود ، ولكن أيضاً لتفسر ظواهر كالمس الشيطاني والتقمص واستحضار الأرواح
وغيرها بحسب رأي بعض الباحثين. نتمنى أن تكون الأسطر التالية أن تعطي نظرة
مختصرة وأقرب للشمولية قدر الإمكان عن فكرة القرين.
القرين في اللغة
إذا بحثنا في كتب اللغة نجد أن العلماء عرفوا القرين على أنه الصاحب أو
الرفيق ولكن في اللغة العربية كل كلمة لها معنى خاص بها، الصاحب مثلاً أو
الصديق يكون فيه بعض صفات مشتركة مع صاحبه أما الخليل فالصفات المشتركة
تكون أكثر بين الشخصين مما بين الصاحبين أما القرين فيتطابق في الصفات مع
قرينه.
أساطير ومعتقدات شعبية
اعتقد قدماء المصريون أن هناك صورة أخرى تسكن جسم الانسان وتسمى ( كا ) وهي ما
تعرف بالقرينة والتي تولد مع كل مولود يأتي الى الحياة، وهي صورة عن الانسان وتقوم بحمايته، فإذا مات رافقته الى قبره وهناك يكون لها عمل آخر ولذا فإن القرينة تقترن بالانسان ولا تفارقه.
كذلك يعتبر الكثير من الناس أن القرين أصل كل الشرور و منه تأتي كل الشرور
الأخرى وهو ينمو مع الأنسان وينتشر في أنحاء جسمه ليتمكن من السيطرة عليه
وهناك أيضاً القرين الطيب الدي يحاول أن يمد يد العون للأنسان الدي يرتبط
به ومنه يتضح أن هناك صراع داخلي بين القرين الشرير والقرين الطيب كما
يعتقد بعض الناس بوجود القرين أو (القرينة).
ويوصف القرين بحسب بعض المعتقدات الشعبية التي تعود بجذورها الى عشرات
القرون (بل الى أكثر من ثلاثة آلاف سنة) بأنها روح شريرة أو جنية شريرة
تتمثل بصور وأشكال مختلفة للمرأة المتزوجة لتجعلها عاقراً.
وقد يلجأ من يعتقد بالقرينة الى أمور وقائية لحماية المرأة أو الطفل بعد
ولادته من آذاها، وذلك باتباع وسائل عدة منها: إلباسه ثياب بنت اذا كان
المولود ذكراً أو إلباسه ثياب راهب أو نذره أو تعميده أو بوضع حلقة معدنية
في قدمه أو في معصمه، أو بوضع خلخال من حديد في رجل المرأة أو بتعليق حجاب
في عنق الطفل أو بالرقوة والتبخير.
القرين في الإسلام
يعتبر الإسلام القرين كائن غيبي يلازم الإنسان في حياته وهو مخلوق من
الجن المسبب للوسوسة والشرور المتأتية من إغواء النفس حيث ورد ذكره في عدة
مواضع من القران الكريم :
- "وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ " (سورة ق -آية 23)
- " قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد " ( سورة ق -آية 27)
- "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ " (سورة الزخرف – آية 36)
وقد يكون للإنسان قرين آخر من الكائنات الغيبية كنوع من الجن الصالح أو الملائكة التي تنصحه بفعل الخير، وقد بين محمد رسول الله (ص) فكرة القرين
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
مامنكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول
الله ؟ قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ".
نستنتج من الحديث المذكور أن القرين يمكن له أن يغير من سلوكه مع النفس . فهل هذات مقتصر على الأنبياء وحدهم فقط
وقد ذكر في رواية أخرى عن الحديث المذكور :في رواية مسلم : "
… وقد وكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة " - رواه مسلم.
أي أن للإنسان قرينان وليس واحد ، أحدهما من الجن والآخر من الملائكة .
النفس في القرآن الكريم
هل لفكرة القرين صلة بالنفس ؟ نحن نعرف أن القرآن الكريم أطلق على النفس عدة صفات عندما قد ذكرها في مواضع عدة منها:
- " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ "
(سورة يوسف - آية 53)
- " لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " (سورة القيامة - الآية 2)
- "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " (سورة الفجر - آية 27)
تولد النفس مع الإنسان وتتطبع بطباع قد تكون طيبة أو خبيثة حسب أعمالها ،
ويعتقد أن القرين هو من تتفاعل معه النفس في الأفكار والتخيلات ، فأنت
مثلاً عندما تقف أمام المرآة لتسأل : هل أبدو جميلاً ؟ حينها يجيبك قرينك :
كأن لون القميص ليس لائقاً . عندها قد تقتنع بما نقله إليك أو قد تجيبه
بكل ثقة : " بل أبدو في غاية التألق " ، وقد تكون النفس قوية وذات قناعات
راسخة لدرجة أنها طوعت قرينها بإتجاه معين لا يتزحزح عنه .
النفس بحسب فرويد
قسم سيجموند فرويد رائد علم النفس النمساوي شخصية الإنسان الى ثلاثة أنواع :
-
الأنا العليا : هي الضمير أو القيم والتقاليد والاعراف والقوانين المكتسبه
-
الأنا السفلى : هي الغريزة البدائية والجنسية لدى الإنسان وهي فطرية.
- الذات : هي الشخصية الناتجة عن صراع الأنا العليا والسفلى.
ولدى مقارنتها مع ما ذكره الإسلام عن القرين وأنواع النفس، نجد أن هناك
تشابهاً ، فقرين الجن يرادف الأنا السفلى ، وقرين الملائكة يرادف الأنا
العليا ، والنفس ترادف الذات. وتصبح صفات النفس مثل اللوامة أو المطمئنة أو
الأمارة بالسوء مجرد نفس انحازت لرأي الأنا العليا أو السفلى. أي أننا
أمام نظرية هنا يمكن أن نطلق عليها " نظرية القرين ".
نظرية الهالة النارية والهالة النورانية
يزعم بعض الباحثين أن الانسان محاط بهالة مركبة من عنصرين الأول ناري (قرين
جني)، والثاني نوراني (قرين ملائكي)، ويستندون في فرضيتهم هذه أن الإنسان
يمتلك هالة كهرومغناطيسية لها تردد معين، تتبع جذورها من القلب، ويعتقدون
أن الله تعالى خلق الانسان واحاطه بترددات ثابتة لا يمكن ان تضطرب إلا في
حالات خاصة كالوقوع في الإثم أو القيام بعمل صالح.
وكلما ازدادت عمل الانسان الصالح، ازدادت الهالة النورانية التي تحيط
بوجهه، ولذا يقال أن لهذا الانسان أو ذاك نور في وجهه، وعلى العكس تتقلص
الهالة النورانية وتزداد تلك النارية كلما قام الانسان بأعمال غير صالحة.
وعند أول تأثير في هذه الهالة سيتسبب في حدوث اضطراب لدى الانسان لا سيما
في تصرفاته وسلوكياته ويشعر بأعراض مختلفة غير طبيعية، ولذا يستنتجون أنه
مصاب بمس.
بعد أن اثبت العلم الحديث ان هناك مجالاً كهرومغناطيسياً يحيط بالجسم
البشري زعم هؤلاء الباحثين أن طبيعة اجسام الجن المخلوقة من نار السموم أو
مارج من النار وهي تقع خلف تردادات الضوء المرئي في سلم الترددات،
وبالتحديد تحت مجال الاشعة تحت الحمراء تقريباً ومن هنا يقولون : " إن
طبيعة اجسام الجن بشكل عام لها ترددات كهرومغناطيسية تتقارب أو تتساوى مع
ترددات الطيف للأشعة تحت الحمراء " ، رغم عدم وجود إثبات علمي تجريبي على
ظهور كائنات في كاميرات التصوير الحساسة للأشعة تحت الحمراء.
وبحسب تلك النظرية أو الفرضية حول الهالة المحيطة بالانسان نجد أنه يمكن ان
تختلف مواصفات هذه الترددات بسهولة مع ترددات أخرى كأن يتداخل مع هذه
الهالة شيء آخر له المواصفات نفسها فعلى سبيل المثال لو تعرض المرء الى
هجوم من حيوان شرس اثناء السير بالليل فلا بد انه سيشعر بالقشعريرة في بدنه
" القشعريرة ناتجة عن ازدياد تردد القرين"، فإذا كان هناك جن يراقب هذا
الشخص وكان تردد قرين الشخص مساو لتردد هذا الجني،فإن الجني يخترق قرين هذا
الشخص ويصبح مقروناً أو ما يسمى بالمعنى العامي ملبوساً .
وتشير الدراسات الأخيرة الى أنه عندما يغضب الانسان ترتفع درجة حرارته
وتزيد ضربات قلبه فتؤثر في ترددات الهالة المحيطة به وتصبح ترددات الهالة
مشابهة لترددات الجن وهي ترددات الاشعة تحت الحمراء، وهنا يزعم أن الجني
يتمكن من التداخل مع هالة الانسان واختراقها ودخول جسم الانسان.
الوسوسة : الصوت الداخلي
عندما يفكر الإنسان بأمر معين فأنه يسمع في عقلة صوت مطابق للصوت الذي يتكلم به و
هذا طبيعي و هو صوت نفس الإنسان. و من المعروف في الشريعة الإسلامية أن
لكل إنسان قرين شيطان يوسوس له. ولكن كيف يوسوس هذا القرين للإنسان ؟ يقوم
هذا الشيطان بمطابقة صوته مع صوت نفس الإنسان من حيث السرعة، النبرة ، وحتى
اللغات التي يعرفها الإنسان و يتكلم بها هذا القرين و يوسوس للإنسان بها.
فيسمع الإنسان صوت في عقلة مطابق لصوت نفسه و يعتقد الإنسان أن نفسه تحدثه
بهذه الأمور والأفكار ولكن الأفكار التي يحتويها هذا الصوت هي أفكار سوء
(أن يؤذي الإنسان نفسه أو غيره) فحشاء (أفكار الزنا و ما شابه) و القول على
الله بما لا يعلم الإنسان ويخدع الشيطان الإنسان بجعله يعتقد أن هذه
الأفكار هي من نفس الإنسان و أنها حقيقة. فتأثير الشيطان على الإنسان هو
سبب ما يعتقد الناس بأنه مرض نفسي. وقد ورد تأثير الأفكار التي يوسوس بها
الشيطان للإنسان في القرآن الكريم :
" إنما يأمركم بالسوء و الفحشاء و أن تقولوا على الله مالا تعلمون " (سورة البقرة - آيه 169).
يتبع
تعليق