الحضارة المصرية تبهر العالم بسحرها وجمالها وبراعتها
لا زالت الحضارة المصرية تبهر العالم بسحرها وجمالها وبراعتها ودقتها، خاصة فيما يتعلق بعلم الحساب والفلك، ففي مثل هذا اليوم من كل عام تحتفل مصر والعالم بظاهرة تعامد الشمس على تمثال أحد أبرز حكامها وهو رمسيس الثاني المقام بمعبد أبوسمبل الذي يتميز بشكل خاص عن غيره من معابد قدماء المصريين بدخول أشعة الشمس في الصباح المبكر إلي مكان بداخله يسمى "قدس الأقداس" فتضئ هذا المكان العميق في الصخر.
وتحدث الظاهرة الفريدة مرتين في العام الأولي يوم 22 فبراير يوم ميلاد رمسيس الثاني لتعلن عن بداية فصل "شمو" ويعني في اللغه المصرية القديمة موسم الحصاد ويعبر عن بداية فصل الصيف، كما تتعامد الشمس مرة ثانية في 22 أكتوبر يوم تتويج الملك لتعلن عن بداية فصل الشتاء .
والجدير بالذكر أن حدوث تعامد الشمس على تمثال رمسيس كان يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد أبوسمبل عقب تقطيعه لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي في بداية الستينيات من موقعه القديم الذي تم نحته داخل الجبل إلى موقعه الحالي، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير، وذلك لتغير خطوط العرض والطول بعد نقل المعبد 120 متراً غرباً وبارتفاع 60 متراً، حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مسافة 200 متر لتصل إلى قدس الأقداس لتضيء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة في داخله، وهم تمثال رع حور أخت إله الشمس، وتمثال رمسيس الثاني الذي يتساوى مع الإله، وتمثال أمون إله طيبة في تلك الحقبة، أما التمثال الرابع للإله بتاح رب منف وراعي الفن والفنانين وإله العالم السفلي فلا تصله أشعة الشمس، لأنه لابد أن يبقى في ظلام دامس مثل حالته في العالم السفلي .
ويستند تعامد الشمس على معبد أبى سمبل مرتين في العام إلى حقيقة علمية اكتشفها قدماء المصريين وهى أن لشروق الشمس من نقطة الشرق تماماً وغروبها من نقطة الغرب تماماً في يوم الحادي والعشرين من شهر مارس ثم تتغير نقطة الشروق بمقدار ربع درجة تقريباً كل يوم إلى ناحية الشمال حيث تصل في شروقها إلى نقطة تبعد بمقدار 23 درجة و 27 دقيقة شمال الشرق في الثاني والعشرين من شهر يونيو.
كما أن الشمس تعود مرة أخرى لتشرق من نقطة الشرق تماماً بنفس معدل تحركها تجاه الشمال لتصل إلى نقطة الشرق تماماً في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر، ثم تتغير نقطة شروق الشمس بمعدل ربع درجة تقريباً ناحية الجنوب لتصبح على بعد 23 درجة و 27 دقيقة جنوب الشرق في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام ثم تعود بنفس المعدل لتصل إلى نقطة الشرق تماماً في الحادي والعشرين من شهر مارس.
يُشار إلى أن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني مرتين في العام، يومي الثاني والعشرين من شهر أكتوبر والثاني والعشرين من شهر فبراير، جاء نتيجة لاختيار قدماء المصريين نقطة في مسار شروق الشمس تبعد عن نقطتي مسارها زمن قدره أربعة أشهر لتتوافق مع يوم 22 أكتوبر و 22 فبراير من كل عام ثم قاموا ببناء المعبد بحيث يكون اتجاه المسار التي تدخل منها الشمس على وجه رمسيس الثاني من ناحية الشرق من فتحة ضيقة. وأنهم جعلوا هذه الفتحة ضيقة بحيث إذا دخلت أشعة الشمس في يوم وسقطت على وجه التمثال فإنها في اليوم التالي تنحرف انحرافاً صغيراً قدره ربع درجة وبهذا تسقط الأشعة في اليوم التالي على جدار الفتحة ولا تسقط على وجه التمثال.
وقد أكتُشفت هذه الظاهرة في عام 1874 حيث قامت المستكشفة اميليا ادوارد والفريق المرافق لها برصد هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899 (ألف ميل فوق النيل) والذي جاء فيه: تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس وسقوط أشعتها عليها، واستطردت قائلة إن أي مشاهد إذا لم يراقب سقوط أشعة الشمس هذه يساوره شك في أثرها القوي المحسوب بدقة حسب علم الفلك والحساب عند قدماء المصريين، حيث حُسب بدقة ووُجه نحو زاوية معينة حتى يتسنى سقوط هذه الأشعة على وجوه التماثيل الأربعة بشكل يبرز مدى التقدم الحضاري والعلمي الذي وصل إليه قدماء المصريين.
تعليق