تداعيات انهيار الدولة العثمانية
اتفاقية سايكس بيكو بينما كان نشاط الصهيونية يتزايد بعد عزل السلطان عبد الحميدفى 1908وبسبب الفساد والرشوة فى الادارة العثمانية ، كانت الدوائر الاستعمارية الاوروبية ترسم الخطط السرية فيما بينها لاقتسام ممتلكات الدولة العثمانية والتى كانت مظاهر تدهورها وانهيارها بادية للعيان ، وهكذا توصلت كل من بريطانيا وفرنسا الى عقد معاهدة سايكس بيكو لاقتسام المشرق العربى فيما بينها و كانت هذة هى المقدمة لتقسيم البلدان العربية إلى كيانات ودول قطرية، وهي العلاقة التي يعلق العرب شماعة فشلهم بالوحدة حتى يومنا هذا، بالرغم من الاستقلال "الظاهري" للدول العربية، إلا أننا نود تسليط الضوء على بعض الجوانب التي يجهلها الكثير من الناس (لكنها معروفة جيداً للمؤرخين ودارسي التاريخ). نظرة سريعة على اتفاقية سايكس بيكو الأطراف الموقعة لهذه الاتفاقية ليست بريطانيا وفرنسا كما تعلم أغلبنا، بل هي أربع دول: بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا القيصرية، وهي عبارة عن مراسلات وتفاهمات بين وزراء خارجية هذه الدول لبحث تقسيم تركة الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب، وجرت هذه المباحثات خلال عامي 1915م و1916م وسط احداث الحرب العالمية الأولى. اتفقت الأطراف أن تأخذ روسيا القيصرية أقساماً واسعة من شرق تركيا، فيما يأخذ البريطانيون العراق وتكون البصرة وبغداد تحت حكمهم المباشر، فيما المناطق الداخلية تقام فيها دولة عربية تتبع للتاج البريطاني، أما الفرنسيون فكانت حصتهم بلاد الشام والموصل ومناطق تقع اليوم جنوب تركيا (محافظات مرسين وأضنة والاسكندرونة)، وترك للايطاليين السيطرة على جنوب غرب تركيا، فيما أعطي لليونان الشواطئ الغربية لتركيا. أما فلسطين فقد تقرر أن تكون تحت إدارة دولية، نظراً لأهميتها الدينية ورغبة جميع الإطراف أن تكون تابعة لهم، مع إعطاء البريطانيين مدينة حيفا لتكون ميناء لهم، إلا أن الثورة البلشفية في روسيا أواخر عام 1917م أخرجت روسيا من الحرب العالمية ومن الاتفاقية. كيف خرجت الوثيقة للعلن وكان من بين ما قام به البلاشفة بعد ثورتهم واستيلاءهم على وثائق وزارة خارجية روسيا القيصرية في مدينة بتروجراد، هو نشر هذه الوثائق من أجل فضح الحلفاء والدول الاستعمارية الامبريالية، وكان من بين الوثائق اتفاقية سايكس بيكو، والتي أرسلوها للأتراك العثمانيين، والذين بدورهم نشروها، وأوصلوها للشريف حسين قائد "الثورة العربية" حتى يقولوا له هؤلاء من تتحالف معهم يتآمرون عليك أيضاً، وحاول والي بيروت جمال باشا عرض الصلح مع الشريف حسين في بدايات عام 1918م مستدلاً باتفاقية سايكس بيكو. إلا أن الشريف حسين كان أخذ قراره وانتهى، وركن إلى مراسلاته مع ممثل حكومة بريطانيا العظمى السير مكامهون والتي أجريت في وقت قريب من اتفاقية سايكس بيكو (عام 1915م)، واكتفى بالاستفسار من بريطانيا حول صحة الاتفاقية والتي اكتفت بدورها بالالتزام بما اتفق عليه في المراسلات بينهما، وكان هذا كافياً بالنسبة للشريف حسين وقادة الثورة لكي يدفنوا رؤوسهم بالرمال ويمضوا قدماً في ثورتهم. بالرغم من أن تصرفات الفرنسيين على الأرض تشير لصحة ما جاء في الوثيقة ، فقد بدأوا باحتلال مدن ساحل بلاد الشام منذ عام 1918م، في مخالفة واضحة لما اتفق عليه مع البريطانيين. كان الشريف حسين يأمل بقيام دولة عربية على المشرق العربي، وهي المنطقة التي تضم الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وأن ينصب ملكاً عليها، وهكذا ضمنت له بريطانيا (أو هكذا ظن أن بريطانيا وعدته)، لكن عندما عقد الحلفاء المنتصرون مؤتمر فرساي عام 1919م لتقاسم الغنائم، لم يتحقق أي من أحلامه، بل وأكثر من ذلك بدأ الفرنسيون يهددون ما كسبه من أرض. وجه الفرنسيون إنذاراً لابن الشريف حسين بالخروج من دمشق (لأنها من "حصتهم") وبعد معركة سريعة في ميسلون عام 1920م قبل الملك فيصل وخرج من سوريا، وأوجد له البريطانيون حلاً وسطاً عندما نصبوه ملكاً على العراق، فيما أنشئت إمارة شرق الأردن لترضية شقيقه الأصغر الملك عبد الله، وهنا نرى كيف فشل الشريف حسين بإقامة دولته العربية، ليس فقط لأن القوى الاستعمارية تآمرت عليه، بل حتى أبناءه لم يساعدوه وذهب كل واحد منهم لإقامة دولته الخاصة، ونقلت بعض المصادر التاريخية عن الشريف وصفه لأبنائه بالأفاعي. ما بعد سايكس بيكو من المفارقات أن الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو لم يلتزم بها، فجاءت اتفاقية سان ريمو عام 1920م لترسم الحدود كما نعرفها اليوم، فرنسا تولت الحكم المباشر لساحل الشام والمنطقة الداخلية أيضاً، باستثناء فلسطين وإمارة شرق الأردن، فيما تنازلت عن حصتها في الموصل لصالح بريطانيا ودولة العراق التي أنشئت كمكافئة للملك فيصل، أما فلسطين فقد وضعت بريطانيا الجميع تحت الأمر الواقع عندما احتلتها خلال الحرب العالمية الأولى ولم تقبل بتحويلها لإدارة دولية. أما في تركيا فعقدت معاهدة سيفر عام 1920م والتي قسمت تركيا بطريقة مشابهة، وأعطي للأكراد دولتهم وللأرمن دولتهم، وجعلت اسطنبول منطقة تحت الإدارة الدولية، وبدأت جيوش اليونان بغزو الساحل التركي، فقام كمال اتاتورك بجمع شتات الجيش العثماني وبدأ بخوض حرب عصابات ضد الاستعمار الفرنسي في جنوب تركيا، وضد الهجوم اليوناني في غربها، وأحرز انتصاراً كبيراً على اليونانيين عند مدينة أزمير عام 1920م، وكان نصراً مؤزراً خلده أمير الشعراء أحمد شوقي بالقصيدة التي يقول مطلعها: الله أكبر كم في الفتح من عجب ...... يا خالد الترك جدد خالد العرب وبينما كان أتاتورك يخوض حربه ضد القوى الاستعمارية وقف السلطان العثماني ضده، وأصدر علماء السلطان فتاوي تحرم قتال القوى الاستعمارية بدعوى حرمة خرق الاتفاقيات التي عقدها ولي الأمر، وهذا كان أحد المبررات التي دفعت أتاتورك لمحاربة الخلافة وإلغائها والانسلاخ عن التاريخ والإرث الإسلامي لتركيا، مع الإشارة إلى خلفيته العلمانية متأثراً ببعثته الدراسية إلى فرنسا في مطلع حياته. استطاع أتاتورك أن يفشل معاهدة سيفر، وعقد اتفاقية لوزان عام 1923م التي أعادت لتركيا وحدتها، وانسحب الفرنسيون من محافظات أضنة ومرسين، وفي وقت لاحق من الاسكندرونة، ولم تعد اسطنبول مدينة تحت الإدارة الدولية، أما من كان يقود العرب (الأسرة الهاشمية) فقد رضوا باتفاقية سايكس بيكو وسان ريمو، والباقي معروف لديكم. التاريخ يعيد نفسه بطرق عديدة ما يلفت الانتباه في هذه اللمحة التاريخة هي توفر الوثائق والمعلومات للعرب والأتراك، لكن كما اليوم دفن قادة الثورة العربية رؤوسهم في الرمال، بل وحتى بعد الخديعة بقي من يبرر لهم، فنرى المؤرخ القومي جورج أنطونيوس يبرر للبريطانيين إصدار وعد بلفور ملقياً اللوم على تعنت الفرنسيين، فحسب زعمه كان البريطانيون ينوون الوفاء بعهدهم للشريف حسين، لكن الفرنسيين تمسكوا باتفاقية سايكس بيكو التي تجعل فلسطين تحت إدارة دولية، فيما البريطانيون يحتاجونها لحماية قناة السويس، فاضطر البريطانيون لإصدار وعد بلفور حتى يتهربوا من الإدارة الدولية وتعنت الفرنسيين. تبدو اليوم رواية أنطونيوس عجائبية، لكنها لا تختلف في شيء عن تبريرات صحافي وكتاب الأنظمة في أيامنا هذه، الذين يخترعون قصص وروايات لا يقبلها عقل ولا منطق حتى يقنعونا بأن القيادة السياسية حكيمة وتعلم ما تفعل، فيما نفس الأخطاء التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى يعاد صنعها وبنسخ عصرية. نرى اليوم هذه الشريحة على رأس المشككين بوثائق ويكيليكس، وبطريقة مثيرة للسخرية تظهر وطنيتهم فجأة ويستنكروا الاستشهاد بوثائق أمريكية، مع أنهم طوال الوقت من المبشرين بالعدل الأمريكي، والنزاهة الأمريكية، والذكاء الأمريكي، وبدأت تساؤلاتهم" لماذا الآن" و"ما الهدف من نشرها"، لكن نسألهم أليست حقيقية؟ وبغض النظر عن نية من نشرها أو توقيتها، ألا تكشف لكم أموراً تتعامون عنها؟ كان للبلاشفة السوفيات أسبابهم الخاصة، لكن لم نصدقهم لأن من أوصل إلينا المعلومة كانوا الأتراك العثمانيين، وكانوا أصحاب مصلحة "بالكذب" في هذا الشأن، وفيما كانت الشواهد تتوالى على الملك فيصل وعلى الشريف حسين بصدق المؤامرة: احتلال الفرنسيين لساحل الشام، والاحتلال الانجليز لكامل فلسطين، وصدور وعد بلفور، لكن لم يهمهم لا الوثيقة ولا الشواهد التي تؤكدها، فقد كان خيارهم محسوماً مسبقاً. وثائق ويكيليكس وثائق ويكيليكس لم تكشف أموراً مجهولة، على الأقل عندما التكلم بالعموميات، هي كشفت لنا أموراً ندركها ونلمسها ونشعر بها، لكنها جاءت لتوثقها ولتقولها بشكل صريح لا يقبل التأويل، ولطالما استمر كتاب وصحافيو الأنظمة بدفن رؤوسهم في الرمال، وهم يقولوا لنا هذه مجرد تكهنات ومجرد تخمينات، فلا الأدلة على الأرض تقنعهم ولا الوثائق المكتوبة تقنعهم لأنهم حسموا خياراتهم مسبقاً، ومثل أسلافهم أغلقوا عقولهم. سايكس بيكو جاءت لتقسم العالم العربي وتركيا، في العالم العربي لم تكن هنالك مقاومة ومضت المؤامرة وأصبحنا أكبر المدافعين عن الحدود القطرية التي رسمها لنا الاستعمار، وأصبحنا نقدس الحواجز التي رسموها لنا، واليوم تبين لنا وثائق ويكيليكس (وهي وثائق مسربة مثلها مثل اتفاقية سايكس بيكو) أن الحكام الذين يحكموننا عطلوا عقولهم وارتموا في حضن الاستعمار. في المقابل أتاتورك لم يقبل بما رسمه الاستعمار له، وحارب وانتصر وحقق ما فيه مصلحة لبلده، وبالرغم من علمانيته الشديدة ومن محاربته للدين فإن تركيا التي أسسها هي أفضل حالاً من عالمنا العربي الذي أسس له أسلاف الزعماء العرب المعاصرين، وهي أقرب لمصالح الإسلام والمسلمين من الأنظمة العربية المعاصرة، فما يجب أن ندركه أننا هزمنا لأننا عطلنا عقولنا ولأننا قبلنا بتفوق الغرب علينا واستسلمنا لمخططاته. |
تعليق