انهيار إمبراطورية الفرس
عندما تشرف دولة علی الانهيار٬ يكون ذلك في اللحظة التي تبلغ فيه منتهی التبهرج والتعاظم في مظهرها الخارجي.. منتهی التفسخ والانهيار الداخلي.. كشجرة سنديان عملاقة جذعها ينخره السوس.. البنية تصبح مترهلة ثقيلة٬ بطيئة الحركة٬ بليدة التفكير قصيرة النظر٬ منعدمة الحس.
هكذا كانت فارس٬ تركزت كل السلطة حول كسری وبيده. وهذا بدوره اصبح محاطاً بتهاويل كانت تمنعه من الاستجابة لتحديات البقاء.
مثلا كان كسرى يخرج يومياً للصيد في هودج الديباج المزركش تحمله عشرة جمال يجلس بداخله في كامل ملابسه الشاهنشاهية٬ تتبعه عشرة جمال اخری حاملة العرش ــ لا يمشي الا وعرشه معه ــ وحوله جمال اخری تحمل مئة من المنشدين "كورس" يترنمون بطلعتة.. اخي الشمس والقمر٬ ورفيق النجوم!! هذا عدا الشعراء الذين يسجلون المناسبة بقصائد يرتجلونها٬ اما حرس الموكب مكون من الف فارس٬ كل هذا مدون في النقوش الساسانية التي بقي لنا بعضها ــ وعندما يصل لمنطقة الصيد يطلق له الخدم من القفص وعلا٬ً أو ثورًا٬ أو أسدًا٬ مجهزًا لنيل شرف الموت بسهم مرَّيش من سهامه.
غالبا ما يخطیء الهدف٬ ولكن الفريسة تقع مهما كانت الظروف٬ فترتفع الهتافات للفارس الذي لا تخيب له رمية !, ولا ينجو من سلاحه بشرًا أو وحش.
ويعود الموكب يرفل بطيئا الی القصر ليمارس كسری مظالمه المعتادة مرتديًا ملابس وزنها قنطارين من فرط ما يثقلها من الذهب واسلاك الفضة٬ والاحجار الكريمة! ويجلس علی عرش لا يقل وزنه عن عشرة قناطير من الذهب والمجوهرات٬ اما التاج فلا يوضع علی رأسه وإلا اثقل علی رقبته ــ مهما كانت مقدسة ــ فهو تاج ثقيل جدا مرصّع بالاحجار النفيسة؛ لذا يعلق فوق دماغه بمسافة قصيرة جدا لا يمكن رؤيتها وعلينا ان ندرك الرعب الذي كان يعيشه "كسری" خوفاً من هذا التاج المعلق فوق رأسه والذي أصبح كـ سيف "ديموقليدس" يهدد بالسقوط عليه فيدك جمجمته في اي لحظة!
في مثل هذا الوضع كانت تلقي قصائد الشعر بين يديه٬ ويستقبل المبعوثين والسفراء وتقرأ له التقارير ويلقي هو بالأوامر والتعليقات٬ والحِكم الغاليات٬ فتسجد له البطانة٬ وتمجد كل ما يصدر عنه.
كانت نظم البروتوكول في هذا البلاط دقيقة معقدة وشنيعة, فالذين يدخلون علی كسری يتوجب عليهم ان يخرّوا ساجدين بين رجليه فورا٬ ويقبلوا الارض طالما لم يسمح بالنهوض, فاذا سمح لهم نهضوا.. واذا اذن لهم بالكلام لا يتكلمون إلا بعد وضع منديل في الفم٬ حتی لا تؤذي انفاسهم كسری أو تدنسه
وعندما يأتي المساء ونجوم الليل تظهر٬ يظهر أخو القمر٬ في الحريم الكسروي يبحث عن مأوی للبذور الالهية فتستقبله قطعان الجواري والمحظيات التي اشتكی منهن "الفردوسي" الشاعر في "الشاهنامة" شكوی مريرة مطنبا في وصف جمالهن وتأثيرهن المدمر في القضاء علی قوة الرجال وافساد عقولهم.
ويمكننا تصور فزع "يزدجرد" ووزرائه٬ ومنشديه وبطانته٬ في كل ابهتهم٬ وحريرهم وجوهرهم وهم يستقبلون رسل "سعد بن ابي وقاص" في عاصمتهم "المدائن" فيدخل "النعمان بن مقرن" واقرانه في هلاهيلهم الخشنة٬ وملامحهم الحادة يعلوها تراب المعارك٬ واجسادهم الناحلة التي جففها الجوع والاجهاد وطول السفر, فهؤلاء البدو لم ترهبهم سطوة "كسری" ولا مهابة الألوهية التي كان يدعيها ولا فخامة العرش والتاج المعلق الذي كان يبدو انه لا يهدد الا صاحبه!
لم يسجدوا ولم يقبلوا الارض٬ ولم يضعوا مناديل في أفواههم. فهم لا يملكون مناديل اصلا٬ لقد استهانوا بكل ذلك٬ ونظروا اليه بإحتقار من يملك ما هو افضل منه.. بل هاهو "النعمان" يعرض خيارات ثلاثة علی كسری:
"فإن أجبتم إلی ديننا خلفنا فيكم كتاب الله٬ واقمنا عليه حتی تحكموا به, وإن قبلتم بالجزية٬ قبلناها منكم ومنعناكم.. وإلا قتلناكم"
اهتز "كسری" وخاف من التاج المعلق فوق رأسه..
غالبا ما يخطیء الهدف٬ ولكن الفريسة تقع مهما كانت الظروف٬ فترتفع الهتافات للفارس الذي لا تخيب له رمية !, ولا ينجو من سلاحه بشرًا أو وحش.
ويعود الموكب يرفل بطيئا الی القصر ليمارس كسری مظالمه المعتادة مرتديًا ملابس وزنها قنطارين من فرط ما يثقلها من الذهب واسلاك الفضة٬ والاحجار الكريمة! ويجلس علی عرش لا يقل وزنه عن عشرة قناطير من الذهب والمجوهرات٬ اما التاج فلا يوضع علی رأسه وإلا اثقل علی رقبته ــ مهما كانت مقدسة ــ فهو تاج ثقيل جدا مرصّع بالاحجار النفيسة؛ لذا يعلق فوق دماغه بمسافة قصيرة جدا لا يمكن رؤيتها وعلينا ان ندرك الرعب الذي كان يعيشه "كسری" خوفاً من هذا التاج المعلق فوق رأسه والذي أصبح كـ سيف "ديموقليدس" يهدد بالسقوط عليه فيدك جمجمته في اي لحظة!
في مثل هذا الوضع كانت تلقي قصائد الشعر بين يديه٬ ويستقبل المبعوثين والسفراء وتقرأ له التقارير ويلقي هو بالأوامر والتعليقات٬ والحِكم الغاليات٬ فتسجد له البطانة٬ وتمجد كل ما يصدر عنه.
كانت نظم البروتوكول في هذا البلاط دقيقة معقدة وشنيعة, فالذين يدخلون علی كسری يتوجب عليهم ان يخرّوا ساجدين بين رجليه فورا٬ ويقبلوا الارض طالما لم يسمح بالنهوض, فاذا سمح لهم نهضوا.. واذا اذن لهم بالكلام لا يتكلمون إلا بعد وضع منديل في الفم٬ حتی لا تؤذي انفاسهم كسری أو تدنسه
وعندما يأتي المساء ونجوم الليل تظهر٬ يظهر أخو القمر٬ في الحريم الكسروي يبحث عن مأوی للبذور الالهية فتستقبله قطعان الجواري والمحظيات التي اشتكی منهن "الفردوسي" الشاعر في "الشاهنامة" شكوی مريرة مطنبا في وصف جمالهن وتأثيرهن المدمر في القضاء علی قوة الرجال وافساد عقولهم.
ويمكننا تصور فزع "يزدجرد" ووزرائه٬ ومنشديه وبطانته٬ في كل ابهتهم٬ وحريرهم وجوهرهم وهم يستقبلون رسل "سعد بن ابي وقاص" في عاصمتهم "المدائن" فيدخل "النعمان بن مقرن" واقرانه في هلاهيلهم الخشنة٬ وملامحهم الحادة يعلوها تراب المعارك٬ واجسادهم الناحلة التي جففها الجوع والاجهاد وطول السفر, فهؤلاء البدو لم ترهبهم سطوة "كسری" ولا مهابة الألوهية التي كان يدعيها ولا فخامة العرش والتاج المعلق الذي كان يبدو انه لا يهدد الا صاحبه!
لم يسجدوا ولم يقبلوا الارض٬ ولم يضعوا مناديل في أفواههم. فهم لا يملكون مناديل اصلا٬ لقد استهانوا بكل ذلك٬ ونظروا اليه بإحتقار من يملك ما هو افضل منه.. بل هاهو "النعمان" يعرض خيارات ثلاثة علی كسری:
"فإن أجبتم إلی ديننا خلفنا فيكم كتاب الله٬ واقمنا عليه حتی تحكموا به, وإن قبلتم بالجزية٬ قبلناها منكم ومنعناكم.. وإلا قتلناكم"
اهتز "كسری" وخاف من التاج المعلق فوق رأسه..
بعد أن فتح المسلمون دمشق، وقضت الجيوش الإسلامية على جحافل الروم في الشام، اتجه أبو عبيدة بن الجراح على رأس جيشه الذي يضم خيرة أبطال المسلمين وفيهم سيف الله خالد بن الوليد إلى حمص لفتحها؛ إحكامًا لسيطرة قبضة المسلمين على الشام.
وأراد الخليفة عمر بن الخطاب أن يوجه جيشًا آخر إلى العراق ليقضي على نفوذ الفرس بها، بعد أن بدأت بوادر الضعف والانهيار تدب في إمبراطوريتهم العتيقة، وكان عمر بن الخطاب يريد أن يخرج على رأس هذا الجيش، ولكنه بعد أن استشار أصحابه، أشاروا عليه أن يبقى في المدينة، ويؤمّر على الجيش رجلا غيره، فنزل على رأي الجماعة، وبدأ عمر يبحث عن الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة الخطيرة فأشار عليه أصحابه بأن يؤمّر "سعد بن أبي وقاص".
وخرج سعدُ من المدينةِ إلى العراق في أربعة آلاف فارس، واستطاع سعد وجنوده أن يحققوا أعظم الأمجاد، وسطّروا أروع البطولات، وتوالت انتصارات المسلمين على الفرس في القادسية ثم بُهْرَسِير التي كانت ضاحية للمدائن على الضفة الغربية لدجلة، لا يفصلها عن المدائن سوى النهر، ولا تبعد عن بغداد بأكثر من عشرين ميلا إلى الجنوب.
فوجد منهم حماسًا شديدًا ورغبة أكيدة في السير إلى الفرس وفتح عاصمتهم المدائن، وقسم سعد جيشه إلى عدة كتائب، وجعل على رأس كل منها قائدًا من أمهر رجاله، وأكثرهم حنكة وكفاءة، فجعل على الكتيبة الأولى "كتيبة الأهوال" عاصم بن عمرو الملقب بذي البأس، بعد أن فتح المسلمون دمشق، وقضت الجيوش الإسلامية على جحافل الروم في الشام، اتجه أبو عبيدة بن الجراح على رأس جيشه الذي يضم خيرة أبطال المسلمين وفيهم سيف الله خالد بن الوليد إلى حمص لفتحها؛ إحكامًا لسيطرة قبضة المسلمين على الشام.
القرار الصعب
بعد فتح بهرسير أراد سعد أن يعبر بجنوده إلى المدائن، ولكنه وجد أن الفرس قد أخذوا السفن كلها حتى يمنعوهم من العبور إليهم.
جمع سعد جنوده وأخبرهم بعزمه على عبور دجلة إلى المدائن،
بعد فتح بهرسير أراد سعد أن يعبر بجنوده إلى المدائن، ولكنه وجد أن الفرس قد أخذوا السفن كلها حتى يمنعوهم من العبور إليهم.
جمع سعد جنوده وأخبرهم بعزمه على عبور دجلة إلى المدائن،
الخرساء" القعقاع بن عمرو التميميّ، ثم سار هو على بقية الجيش.
كتيبة الأهوال
وهكذا سقطت المدائن عاصمة الفرس العريقة في أيدي المسلمين فكان سقوطها إيذانا بإنهيار إمبراطورية الفرس كلها، وبداية صفحة جديدة من تاريخ فارس، بعد أن بادر كثير من أهالي تلك البلاد إلى الدخول في الإسلام؛ لما وجدوه من الحرية والعدل وحسن المعاملة في ظل الإسلام، بعدما قاسوا طويلاً من ظلم دهاقين الفرس وجور حكامهم، مما ساعد على المزيد من الفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق.
وتقدمت الكتيبتان في إيمان وشجاعة؛ فلا البحر يخيفهم ولا الفرسان المتربصون بهم على الشاطئ الآخر يرهبونهم.. وأسرع المسلمون يعبرون النهر بخيولهم حتى امتلأت صفحة النهر بالخيل والفرسان والدواب، فلا يرى أحد الماء من الشاطئ لكثرة الخيل والفرسان؛ فلما رأى الفرس المسلمين وقد خاضوا النهر إليهم راحوا يجمعون فرسانهم للتصدي لهم، ومنعهم من الخروج من الماء، واجتمع عدد كبير من فرسانهم حول الشاطئ مدججين بالسلاح يترقبون وصول المسلمين ليرشقوهم بالسهام والرماح، ويقضوا عليهم قبل أن يصلوا إلى الشاطئ.
ولكن قائد الأهوال عمرو بن عاصم يدرك بسرعة ما ينتظرهم، فيأمر رجاله أن يشرّعوا رماحهم، ويصوبوها إلى عيون خيل الفرس، وتنطلق الرماح وكأنها البرق الخاطف إلى عيون الخيول، فتعم الفوضى بين صفوف الفرس، وتضطرب صفوفهم، ويفرون أمام المسلمين، وقد امتلأت نفوسهم رعبًا وفزعًا، وهم لا يملكون كف خيولهم، يطاردهم فرسان كتيبة الأهوال.
ولكن قائد الأهوال عمرو بن عاصم يدرك بسرعة ما ينتظرهم، فيأمر رجاله أن يشرّعوا رماحهم، ويصوبوها إلى عيون خيل الفرس، وتنطلق الرماح وكأنها البرق الخاطف إلى عيون الخيول، فتعم الفوضى بين صفوف الفرس، وتضطرب صفوفهم، ويفرون أمام المسلمين، وقد امتلأت نفوسهم رعبًا وفزعًا، وهم لا يملكون كف خيولهم، يطاردهم فرسان كتيبة الأهوال.
المسلمون في المدائن
وانطلق المسلمون نحو الشاطئ بخيولهم القوية، وهي تصهل في حماس، وتنفض الماء عن أعرافها في قوة، فلما رآهم القوم أخذهم الفزع، وانطلقوا لا يلوون على شيء.
ودخل المسلمون المدائن فاتحين منتصرين، وغنموا ما تحويه من نفائس وذخائر، بعد أن فرّ كسرى وجنوده حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والنفائس والأمتعة، وتركوا ما عجزوا عن حمله.
ووجد المسلمون خزائن كسرى مليئة بالأموال والنفائس، ولكن هذه الكنوز لم تُغرِ أيًّا منهم بالاستيلاء عليها لنفسه، ولم تراود أحدًا منهم نفسه على أخذ شيء منها، ودخل سعد القصر الأبيض بالمدائن، وانتهى إلى إيوان كسرى، وهو يقرأ قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} (الدخان: 25-28).
ثم صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن، كما صلى من قبلُ في قصر كسرى الآخر في بهرسير.
يد تقاتل وأخرى تحمل السلام
وعرض المسلمون على أهل المدائن ما عرضوه من قبل على إخوانهم في بهرسير:
"إما الإسلام؛ فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فمناجزتكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم". فأجابوهم إلى الجزية، وقالوا: "لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة, ولكن الوسطى". وأرسل سعد السرايا في إثر كسرى، فلحق بهم بعض المسلمين، فقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وفر الباقون، واستولى المسلمون على ما معهم من الغنائم والأسلاب، وكان فيها ملابس كسرى وتاجه وسيفه وحليه.
وانتشر المسلمون في المدائن تلك المدينة الساحرة التي طالما داعبت أحلامهم، وتمنوا فتحها، وأخذوا يجمعون المغانم الكثيرة التي ظفروا بها من الذهب والفضة والسلاح والثياب والأمتعة والعطور والأدهان، فأرسلوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، وكان فيما أرسلوه سيف كسرى وأساوره, فلما وضعت بين يديه نظر إليها متعجبًا وهو يقول: إن أقوامًا أدّوا هذا لذوو أمانة, فرد عليه علي بن أبي طالب: إنك تعففتَ فعفّت الرعية.
وانطلق المسلمون نحو الشاطئ بخيولهم القوية، وهي تصهل في حماس، وتنفض الماء عن أعرافها في قوة، فلما رآهم القوم أخذهم الفزع، وانطلقوا لا يلوون على شيء.
ودخل المسلمون المدائن فاتحين منتصرين، وغنموا ما تحويه من نفائس وذخائر، بعد أن فرّ كسرى وجنوده حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والنفائس والأمتعة، وتركوا ما عجزوا عن حمله.
ووجد المسلمون خزائن كسرى مليئة بالأموال والنفائس، ولكن هذه الكنوز لم تُغرِ أيًّا منهم بالاستيلاء عليها لنفسه، ولم تراود أحدًا منهم نفسه على أخذ شيء منها، ودخل سعد القصر الأبيض بالمدائن، وانتهى إلى إيوان كسرى، وهو يقرأ قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} (الدخان: 25-28).
ثم صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن، كما صلى من قبلُ في قصر كسرى الآخر في بهرسير.
يد تقاتل وأخرى تحمل السلام
وعرض المسلمون على أهل المدائن ما عرضوه من قبل على إخوانهم في بهرسير:
"إما الإسلام؛ فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فمناجزتكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم". فأجابوهم إلى الجزية، وقالوا: "لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة, ولكن الوسطى". وأرسل سعد السرايا في إثر كسرى، فلحق بهم بعض المسلمين، فقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وفر الباقون، واستولى المسلمون على ما معهم من الغنائم والأسلاب، وكان فيها ملابس كسرى وتاجه وسيفه وحليه.
وانتشر المسلمون في المدائن تلك المدينة الساحرة التي طالما داعبت أحلامهم، وتمنوا فتحها، وأخذوا يجمعون المغانم الكثيرة التي ظفروا بها من الذهب والفضة والسلاح والثياب والأمتعة والعطور والأدهان، فأرسلوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، وكان فيما أرسلوه سيف كسرى وأساوره, فلما وضعت بين يديه نظر إليها متعجبًا وهو يقول: إن أقوامًا أدّوا هذا لذوو أمانة, فرد عليه علي بن أبي طالب: إنك تعففتَ فعفّت الرعية.
سراقة يلبس سواري كسرى
وكان في القوم سراقة بن مالك الذي وعده النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يوم الهجرة أنه سيلبس سواري كسرى، فتناول عمر السوارين وألقاهما إليه، فوضعهما سراقة في يديه، لتتحقق بشارة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ووعده لسراقة، حيث كان النبي مهاجرًا خارجًا من بلده، فارًا بدينه مُطاردًا من قومه، ضعيفًا إلا من إيمانه بالله، وثقته في نصره إياه.
فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال: الحمد لله سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك.
ثم أطرق عمر قليلا، وكسا الحزن والأسى صوته وهو يقول: " اللهم إنك منعتَ هذا رسولك ونبيك، وكان أحب إليك منّي، وأكرمَ عليك مني، ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكُر بي ".. ثم بكى حتى أشفق عليه المسلمون من حوله.
وكان في القوم سراقة بن مالك الذي وعده النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يوم الهجرة أنه سيلبس سواري كسرى، فتناول عمر السوارين وألقاهما إليه، فوضعهما سراقة في يديه، لتتحقق بشارة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ووعده لسراقة، حيث كان النبي مهاجرًا خارجًا من بلده، فارًا بدينه مُطاردًا من قومه، ضعيفًا إلا من إيمانه بالله، وثقته في نصره إياه.
فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال: الحمد لله سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك.
ثم أطرق عمر قليلا، وكسا الحزن والأسى صوته وهو يقول: " اللهم إنك منعتَ هذا رسولك ونبيك، وكان أحب إليك منّي، وأكرمَ عليك مني، ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكُر بي ".. ثم بكى حتى أشفق عليه المسلمون من حوله.
وهكذا سقطت المدائن عاصمة الفرس العريقة في أيدي المسلمين فكان سقوطها إيذانا بإنهيار إمبراطورية الفرس كلها، وبداية صفحة جديدة من تاريخ فارس، بعد أن بادر كثير من أهالي تلك البلاد إلى الدخول في الإسلام؛ لما وجدوه من الحرية والعدل وحسن المعاملة في ظل الإسلام، بعدما قاسوا طويلاً من ظلم دهاقين الفرس وجور حكامهم، مما ساعد على المزيد من الفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق.