قصة الإسلام في جنوب شرق آسيا
والحقيقة أن قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام، وهَمَّ الدعوة إلى الله، وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان.
فقد حمل التجار المسلمون بضائعهم، ورحلوا من المشرق الإسلامي إلى تلك البلاد النائية عن طريق البحر، وكان لعرب جنوب الجزيرة العربية اليمنيِّين والعُمَانيِّين النصيب الأوفى في ذلك، فأخذوا يبيعون ويبتاعون، ووجد أهل تلك البلاد النائية فيهم الصدق، وعرَفوا فيهم العفَّة والأمانة، ثم علموا أن هذا كله من أثر العقيدة التي يحملونها؛ فحُبِّب الإسلام إلى نفوسهم؛ الأمر الذي لم يظلوا عليه طويلاً حتى باتوا يَدِينُون بالإسلام، وأصبحوا من أبنائه المخلصين.
وبين يَدَيْ هذه الصفحات نرى قصة وصول الإسلام إلى دول هذه المنطقة، مع التطرُّق إلى أهمِّ أحداثها التاريخية التي مرَّت بها، وأوضاعها الراهنة؛ فإن سكان هذه البُلدان وإنْ نَأَتْ بهم عَنَّا الديارُ إلا أن رابطة الدِين وميثاق الأخوَّة يجعلهم أقرب إلينا من قِيدِ أُنْمُلَةٍ.
قصة الإسلام في جنوب شرق آسيا
جنوب شرق آسيا هي الأقاليم بين شبه القارة الهندية وجنوب الصين، فوصل إليها التجار يحملون الإسلام، ومعظم مسلمي هذه الدول يعانون من الحملات التنصيرية والاضطهاد، ومعظمها عانى من الاحتلال، ففي إندونيسيا ظهرت ممالك مسلمة، منها "بنتام" في جاوة الغربية، و"آتشيه" في شمال سومطرة، فاحتلتها البرتغال وهولندا وبريطانيا واليابان، وبعدها أُعْلِنَ عن قيام حكومة إندونيسية، وهي تعاني من ضعف الإنتاج، وارتفاع نسبة الأمية والبطالة.
وأسلم "أونج" حاكم بروناي على يد السلطان محمد شاه، واتَّسع نفوذها فشملت جزر صولو والفلبين، ثم فرضت إنجلترا الحماية عليها، ودخلتها اليابان ثم انسحبت منها، واتفق سلطانها مع البريطانيين على الانسحاب على أن تبقى إدارتهم المدنية، ولم تنضم بروناي إلى الاتحاد الماليزي، الذي انتشر فيه الإسلام عن طريق أسلام ملك (مالاقا) فصارت مالاقا دولة إسلامية، فاحتلتها البرتغال ثم هولندا، وتابعوا سياستهم في قتل المسلمين، ثم احتلتها بريطانيا، وقامت ثورات في الملايو، منها ثورة الشيخ الهادي، تلميذ الشيخ محمد عبده، ثم احتلتها اليابان؛ ووقع التخريب حتى هزيمة اليابان، فقام اتحاد الملايو، وحُوِّلَتْ مسئوليات الاتحاد إلى المجلس الشعبي، وفي مؤتمر لندن تقرر استقلال اتحاد الملايو.
وأما فطاني فبدأ الإسلام يتوسَّع فيها عن طريق مالاقا، ثم احتلتها البرتغال وهولندا، وتايلند، وقام انقلاب في تايلند دعمه الفطانيون، وتغيَّر نظام الحكم إلى ملكي دستوري، وبدأ الحكم العسكري في تايلند، ثم دخلها اليابانيون، فعمل الإنجليز على تنظيم المقاومة، وبدأ كفاح الاستعمار والاضطهاد.
ودخل الإسلام الصين في أسرة "تانج"، التي عاصرت البعثة النبوية، وانتشر الإسلام فيها عن طريق الفتوحات، وظهر القائد "السيد الأجل" فأصبح حاكمًا، فازدهر الإسلام، ثم سيطرت الأسرة "المانشورية" فاضطهدت المسلمين، واحتفظ الكثير منهم بدينهم خفية، أما تركستان فدخلها الإسلام عن طريق الإيجور "ستاتوك بوجرخان"، الذي اعتنق الإسلام قبل أن يتولَّى العرش، واحتلَّها الصينيون، واتَّبعوا سياسة اضطهاد المسلمين، فقامت الثورات.
وظهرت إمارة "رجا سليمان" المسلمة في الفلبين، وبدأ ماجلان بنشر النصرانية، فتصدى له حاكم جزيرة ماكتنان، ثم احتلتها إسبانيا، باستثناء منطقة "مورو"، وأجرت اتِّفاقًا مع الولايات المتحدة لتتركها لها، فاستمرَّت الثورات، ثم احتَلَّتها اليابان، وحصلت على الاستقلال، وأصبح الحُكم فيها رئاسيًّا، وطالب النصارى بتطبيق القانون المدني على المسلمين؛ فيُمْكِن لهم أن يتزوَّجوا المسلمات، وبدأت حرب الإبادة.
أما بورما فلم تكن شواطئها محطَّات للسفن؛ فوصل إليها مسلمو الصين والهند، فنشروا الإسلام، واحتلتها إنجلترا، فتجمَّع غالبية المسلمون في أراكان، حتى أصبحت دولة مسلمة مستقلة، ثم احتلتها إنجلترا فاستقلت عنها، وتم ضمها إلى بورما، فبدأ التطهير العرقي ضدَّ المسلمين، وأصدرت السلطات قرارًا بحظر تأسيس مساجد جديدة.
أما تشامبيا ومنطقة الهند الصينية، التي تشمل: فيتنام، وكمبوديا، ولاوس، فمعظم شعوبها كانت تَدِين بمعتقدات كالبراهمية، فوصل إليها الإسلام في ساحل مملكة أنام مناسبًا لانتشار الإسلام، ويُطْلَقُ في تشامبيا اسم "هوي هوي" على المسلمين، فدخلت في صراع مع الصين وكمبوديا، وغزتها فيتنام، وكان الفيتناميون يَشُنُّون حرب إبادة ضدَّ المسلمين، فترك معظمهم البلاد إلى كمبوديا، ويُطْلَقُ عليهم "خمير إسلام"، أي الكمبوديون المسلمون، وعانت هذه المناطق من الشيوعية، فوقع المسلمون فريسة للجهل الكبير بدينهم، وغَدَت المساجد لا تُفْتَح إلا يومَ الجمعة، ويقوم الأئمة بالعبادات نيابة عن الشعب، وعمَّ الفقر حتى إنهم لا يجدون ما يُكَفِّنُون به موتاهم، ولا ما يسترهم، ويرفض المسلمون إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية خوفًا على عقيدتهم.
تعليق