تاريخ اليهود في ليبيا
تتناول هذه الدراسة تاريخ اليهود في ليبيا منذ العصور القديمة، وتمتد إلى فترة ما بعد هجرتهم من ليبيا عام 1967م، وتستعرض مواقفهم من الأحداث التاريخية التي مرت بها ليبيا عبر العصور، ومنها الاحتلال الاجنبى لليبيا، وأوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأوضاعهم وأنشطتهم الحالية في الدول التي هاجروا إليها وعلى رأسها دولة إسرائيل.
والدافع من وراء هذه الدراسة، وتناولنا لهذا الموضوع هو عدم معرفة الكثيرين من أبناء ليبيا بتاريخ اليهود في ليبيا، وعدم تعمق الكتب في المكتبة العربية في تناول تاريخهم.
فالمراجع التي تتحدث عن تاريخ اليهود في العالم العربي تتناول تاريخ يهود ليبيا في فصول محددة فقط، وقد تتطرق إلي تاريخهم في بعض صفحاتها وبدون تفاصيل، وتكون معلوماتها مختصرة، وفى العديد منها خال من أية معلومات عنهم.
هذا بالإضافة إلى ندرة الدراسات التاريخية الموجهة نحو دراسة تاريخ اليهود في ليبيا بشكل خاص ومفصل، وفى جميع مراحله التاريخية.
حيث أن تاريخ اليهود في ليبيا يعانى من قلة الدراسات والتحليلات والأبحاث العلمية الرصينة له، بل إن الكتابات التي صدرت وهى في اغلبها لباحثين عرب تناولت الموضوع بشكل عام دون الخوض في جوهر التفاصيل.وعلى الجانب الأخر فالمصادر الغربية من كتب ودراسات وأبحاث والتي أعدها عدد من الباحثين الأجانب واليهود تناولت تاريخ اليهود في ليبيا بإسلوب يحمل في طياته مغالطات تاريخية كثيرة وتزييف للعديد من الحقائق، ومحاولة البعض منهم خلط الاوراق لاحداث تاريخية وتغييب العديد منها لتضليل وترسيخ مفاهيم مغالطة لحقيقة تلك الاحداث، و كتابة تاريخ ليبيا بما يتوافق مع أرائهم وتطلعاتهم، وإثارة النعرات وتأجيج الفتن بين أبناء الشعب الليبي، ويتضح ذلك من خلال ما يطرحه عدد منهم من أراء وقضايا وأحداث تاريخية تفتقد إلى الدليل وتتطرق إلى جانب واحد من أحداث التاريخ وتغييب الجوانب الأخرى، والتي سوف نتناولها خلال هذه الدراسة ونحاول إثبات عدم صحة الكثير منها بناءا على مصادر تاريخية عديدة ومتعددة.
فنأمل ان تفتح هذه الدراسة الابواب أمام المزيد من الابحاث والدراسات في تاريخ اليهود فى ليببا للإستفادة من نتائجها وذلك فى ظل شح الكتابات التي تناولت هجرة اليهود واستقرارهم في ليبيا ويتطلب الأمر منا جميعا بذل جهد كبير من اجل فهم واقع اليهود في ليبيا ودورهم في المجتمع الليبي.
* هجرة اليهود واستقرارهم فى ليبيا
تنقسم هجرة اليهود إلى ليبيا إلى قسمين هجرة قديمة وهجرة حديثة
- الهجرة القديمة لليهود إلى ليبيا:
اختلطت هجرة اليهود قديما إلى ليبيا بالأسطورة والتاريخ فأصبح انتقال اليهود إلى شمال إفريقيا بشكل عام وليبيا بشكل خاص مجالا للقصص والخيال حتى لدى الكتاب اليهود أنفسهم، فقد تضاربت الروايات تضاربا شديدا، فلا تكاد تتفق روايتان من هذه الروايات في التفاصيل ولا حتى في الترتيب الزمني وفقا للمرويات التاريخية، ولم تتفق على تحديد تاريخ معين يعتبر منطلقا لهجرة اليهود وقدومهم إلى شمال أفريقيا.
وبالرغم من أن أكثر الروايات تتفق على أن اغلب الهجرات انطلقت من فلسطين وان انطلاقها نحو شمال إفريقيا بشكل عام كان على شكل هجرات متتالية إلا أن المؤرخين والكتاب والمصادر والمراجع اختلفوا اختلافا كبيرا حول الهجرة القديمة لليهود إلى ليبيا واستقرارهم فيها.
فمنهم من يرى أن هجرة اليهود إلى ليبيا كانت في عهد الملك داوود( عليه السلام) عندما تغلب على جالوت والذي على إثره هاجر بعضاليهود إلى مصر التي لم ترحب بهم فشدوا الرحال إلى شمال إفريقيا، وهذا ما يؤكده أكثر من مؤرخ، وبصفة خاصة المؤرخين المسلمين اللذين اتخذوا من التوراة مصدرا لكتاباتهم عن اليهود إلى جانب احتفائهم في هذا الشأن أيضا بالرواية الشفهية.
ومنهم من يزعم أن الجيوش اليهودية في عهد الملك داوود (عليه السلام) قد وصلت إلى شمال إفريقيا في أثناء مطاردتهم لفلسطينيين الذين عرفوا بعد ذلك بالبربر بعد استقرارهم في شمال إفريقيا، وهذا الراى وصفه ابن خلدون بأنه (قول ساقط يكاد يكون من أحاديث الخرافة )، وهو قول يؤكد المؤرخون انه ليس له اى دليل تاريخي، فهو صادر عن أقلام وبيئة يهودية متعصبة ترمز إلى أهداف خطيرة.
ومنم من رأى أن هجرتهم كانت على اثر هجوم (نبوخذ نصر)البابلى على يهود أورشليم(القدس) عام 578ق م لعدم احترامهم للمواثيق، وللمحافظة على سلامة القوافل التجارية المارة بأرضهم، فحطم (نبوخذ نصر)البابلى أورشليم (القدس)واسر يهودها إلى بابل وهذا ما يعرف ب(السبي البابلي) ومن افلت من هذا السبي هاجر إلى شمال أفريقيا فبعضهم (اى اليهود) استقر بجزيرة جربة وآخرون استقروا بمدينة طلميثة بليبيا.
ومنهم من يرى أن قدومهم كان على قوارب فينيقية إلى المستعمرة التي أسسها الفينيقيون في الشمال الافريقى سنة 814 ق م(قرطاج) في أعقاب هدم الهيكل الأول عام 586 ق. م، ومنها انتشروا في ليبيا، و أن الهجرات اليهودية الأولى إلى ليبيا قد وصلت مع الفينيقيين منذ عام 800 ق م، وان الأفكار اليهودية هي التي وصلت فقط إلى ليبيا عن طريق الاستيطان الفينيقي لليبيا.
وفند هذه الآراء بعضالمؤرخين استنادا إلى انه لم تشر اى من المصادر التي تناولت تاريخ وحضارة الفينيقيين في شمال أفريقيا إلى اى هجرات يهودية أو وصول الأفكار اليهودية للمنطقة.
ومنهم من ذكر بان وجودهم في برقة كان في القرن السادس عشر قبل الميلاد وان الديانة اليهودية قد نقلها المبشرون والتجار وأسرى الحرب من اليهود إلى ليبيا خلال 1500 عام قبل الميلاد.
ويرى المؤرخون إن تزايد التواجد اليهودي في منطقة شمال أفريقيا يترافق مع تزايد موجات الاضطرابات والأزمات التي كانت تجتاح فلسطين خاصة أيام الحكم اليوناني، وما أعقب ذلك من دمار للهيكل اليهودي الثاني عام 70م على أيدي القائد الروماني ‘تيتوس’، والذي أقدم على تدمير القدس، ولم يترك فيها حجراً على حجر، وبطش بالذين حلوا بها من اليهود وما اعقبها من قدوم موجة من المهاجرين اليهود الى شمال أفريقيا.
والرأي الأكثر قبولا والأقرب إلى الصحة من الناحية التاريخية وتتفق عليه معظم الدراسات والمصادر هو الذي يحدد بداية استقرار اليهود في ليبيا منذ عصر البطالمة في مصر حيث اسر بطليموس الأول الكثير من اليهود أثناء غزواته على فلسطين منذ عام 312 ق م وأدخلهم في جيوشه وأوفد أعدادا من اليهود إلى مدينة قورينا عاصمة إقليم برقة وشجع بطليموس الأول فيما بعد الهجرات اليهودية إليها في شكل جماعات منظمة ذات صبغة عسكرية مكونة من الأسرى حيث استخدمهم للتدخل في شؤون قورينا مستغلا الصراع بين أحزابها لبسط سيطرته عليها.
- الهجرة الحديثة لليهود إلى ليبيا:
تؤكد المصادر أن أصول أفراد الجالية اليهودية التي كانت متواجدة حديثا في ليبيا يعود إلى الموجات المتتالية للمهاجرين اليهود من اسبانيا وايطاليا، ولعل أهم هذه الموجات وأقواها موجة اليهود التي نزحت من اسبانيا والبرتغال عقب زوال الحكم الاسلامى من شبه الجزيرة الأيبيرية عام 1492م.حيث أدت الإجراءات التعسفية ضد المسلمين واليهود في تلك الفترة إلى هجرة أعداد كبيرة من اليهود باتجاه الساحل الشمالي الافريقى واستقرت جاليات كبيرة في مختلف المناطق خصوصا يهود اسبانيا الذين وجدوا في مدينة طرابلس ملاذ امن لهم.
ومع بداية القرن التاسع عشر فيما بين (1802-1805)م بدأت أعداد من يهود تونس والجزائر في القدوم إلى طرابلس بسبب الاضطهاد الذي وقع لهم في البلدين متزامنة هجرتهم مع هجرة يهود ايطاليا الذين جاءوا إلى طرابلس للتخلص من الأحوال المتردية التي كانوا يعانوا منها في تلك الفترة.
ووصول أفواج أخرى من مدن نابولي وليفورن عام 1880م اغلبهم من التجار والبحارة
يتبع
تعليق