الأعشاب بين الوهم والحقيقة
منذ بداية خلق البشر والتداوي من الطبيعة بالنباتات والطين والرمل والماء والشمس والهواء وغيرها، وطبعا حدث تواصل في العلوم الطبية يتسلم الجيل ما سبقه من علوم، ويزيد عليها من علمه، ولم تدخل الكيمياء في العلاج إلا حديثا في القرن التاسع عشر.
وقديما كانت معظم العلوم محفورة على الحجر ومنقوشة على البرديات ومخطوطة ومطبوعة بالكتب أي لم تكن هناك أسرار علمية أو تكنولوجية، وبعد الحرب العالمية الثانية نشأت الشركات العالمية العملاقة متعددة الجنسيات واحتفظت هذه الشركات بأسرارها التكنولوجية لاحتكار السوق العالمي وبالتالي فرض أعلى الأسعار على المستهلك، حيث ببساطة البلاد الاستعمارية وجدت السيطرة بجيوشها على مستعمراتها مكلفة بشريا وماديا فاستبدلتها بالشركات متعددة الجنسيات لتستنزف بها خيرات الدول الأخرى بتكلفة أقل وبلا نزيف بشرى عسكري وجندت الشركات العالمية خبراتها في الدعاية والإعلان لتشكيل عقل المستهلك لشراء منتجاتها من أغذية وأجهزة وأدوية وسلاح وما إلى ذلك.
وبالنسبة لشركات الأدوية العالمية فحسب تقارير الأمم المتحدة تعتبر الشركات رقم واحد في المكسب ومكاسبها تفوق مكاسب التجارة غير المشروعة من مخدرات ودعارة ورق....وتدعى شركات الأدوية العالمية أن تكلفة الأبحاث العلمية لديها عالية جدا وتمثل 35%، والواقع أنه يتم صرف أكثر من 10% للدعاية سحبا من بند الأبحاث وتصرف هذه الدعاية في صورة مؤتمرات دعائية ورحلات ترفيهية وهدايا، بل وأرصدة بالبنوك للأطباء والصيادلة لأجل تسويق منتجاتهم من الأدوية والأجهزة الطبية، كما يخصص جزء من مصاريف الدعاية للدعاية المضادة لكل ما هو منافس لمنتجاتهم الدوائية وأهمها الأعشاب، والحجامة.
وقد حكى الأستاذ الدكتور تيمور التونسي أنه أثناء عمله بالولايات المتحدة، طالب أستاذه رئيس القسم أن ينشر مقال بمجلة علمية يحذر فيها من أضرار حفاضات الأطفال، وأن ينصح باستخدام الكافولة القطن بدل من الحفاضات الصناعية ذات الألياف الضارة بصحتهم، فرد عليه أنه فكر في ذلك فجاءه مندوب من شركات الحفاضات وحذرة من نشر المقال، حتى لا يكون مصيره القتل أو عدم النشر، ويكون الجزاء 150 ألف دولار سنويا، فسأله صديقي: وماذا فعلت ؟ فرد قبلت التحذير لأعيش وأقبض المائة وخمسين ألف دولار.
ومنذ أعوام وجه صحفي هذا السؤال لمجموعة من الاطباء:
ما رأيكم في مستحضرات التجميل للشعر والبشرة التي يتم الإعلان عنها بجميع وسائل الإعلام؟
فنصحته بأن يوجه هذا السؤال لأطباء الأمراض الجلدية، وعاد بعد أيام مذهولا أن الإجابة لدى الأطباء واحدة وهى أن هذه المستحضرات التجميلية تسبب أضرار لمستخدميها وأنها تحدث رواج بعياداتهم لإصلاح هذه الأضرار وطلب نشر إجاباتهم، فرفض الجميع خوفا من مافيا شركات مستحضرات التجميل !...
هذا في التجميل فما بال الأدوية التي تفوق مكاسبها مكاسب مستحضرات التجميل.
|