التاريخ الآسلامي في اليونان
يبلغ عدد المسلمين في اليونان قرابة نصف مليون مسلم, لكن هناك من يقول أن عددهم أكثر من ذلك, في حين يرى آخرون أنهم أقل. ويرجع تاريخ الإسلام في هذا البلد إلى مرحلة تاريخية متقدمة, تعود بالتحديد إلى أوائل القرن الثالث الهجري.
موجز تاريخي
خلال النصف الأول من القرن الثالث الهجري قام المسلمون بفتح عدد من الجزر اليونانية, وقد كان ذلك بالتحديد عام 210هـ, وكان ذلك الفتح إيذاناً بدخول الإسلام إلى اليونان, واستمر تواجد الإسلام في هذا البلد طوال الفترات التاريخة اللاحقة, وخلال مدة الدولة العثمانية شهد الإسلام في اليونان أزهى فتراته, ونشأ مجتمع إسلامي في ذلك البلد حتى قد وصل عدد المسلمين فيه إلى حوالي 68% من نسبة السكان. وخلال الفترة العثمانية من تاريخ اليونان ترك المسلمون خلفهم آلاف المساجد, وتحول بعضها بعد خروجهم وزوال حكمهم إلى متاحف. وبالنظر إلى ذلك الماضي الزاهر للإسلام في اليونان فإنه لا يوجد حتى الآن مسجد رسمي للمسلمين في العاصمة اليونانية أثينا ولا في أغلب المدن اليونانية, لكن هناك مئات الزوايا التي يؤدي فيها المسلمون صلواتهم, كما أن السلطات اليونانية تسمح لهم باستخراج تراخيص تسمح لهم بإقامة صلوات الأعياد والتراويح في رمضان في الشوارع. أما في المنطقة الغربية من اليونان وهي منطقة (تراقيا) فإن أوضاع المسلمين فيها أفضل من بقية المناطق اليونانية, حيث يوجد لهم في مدينة كوملجنة حوالي خمسة عشر مسجداً كبيراً وعشرات المساجد الصغيرة, كما أن المظاهر الإسلامية المتمثلة في مآذن المساجد لا تزال ماثلة في القرى التي يسكنها الأتراك المسلمون.
وفي الآونة الأخيرة أعطت السلطات اليونانية المسلمين حق بناء مركز إسلامي ومسجد في أثينا, ودعت الحكومات العربية لتمويل هذا المشروع, واختارت لذلك موقعاً على الطريق الموصل إلى مطار أثينا, لكن تلك المحاولة تعثرت برفض بعض الجهات اليونانية إنشاء هذا المركز, مبررين معارضتهم بأن وجود مسجد على طريق المطار من شأنه أن يعطي صورة للسياح مفادها أن اليونان بلد إسلامي.
بالرغم من مرور أكثر من (80) عاماً على اتفاقية تبادل السكان بين اليونان وتركيا..والتي وُقّعت بينهما في عام 1344 هجرية ـ 1924 ميلادية ـ إلا أن أعداد المسلمين في اليونان ظلت في نطاق الأقليات المسلمة التي تعوزها العديد من الحقوق.. ولقد كانت اتفاقية " لوزان" بين تركيا واليونان هي نقطة البداية لإضعاف الكيان المسلم في اليونان.. حيث قُدّرت أعداد المسلمين الذين هاجروا من اليونان إلى تركيا (بمليون و200 ألف) نسمة من المسلمين.. ولم يتبق في اليونان من المسلمين.. في هذا الوقت سوى (200) ألف نسمة من المسلمين فقط.
وطوال الثمانين عاماً الماضية.. لم تزد أعداد المسلمين في اليونان سوى (50) ألف نسمة فقط، ليصبح إجمالي عدد المسلمين في اليونان ـ اليوم ـ (250) ألف نسمة فقط.. بينما كانت أعداد المسلمين هناك في عام 1913 ميلادية أكثر من 60% من إجمالي عدد السكان في اليونان.. أي أنهم كانوا أغلبية ساحقة في اليونان.
وطوال الثمانين عاماً الماضية.. لم تزد أعداد المسلمين في اليونان سوى (50) ألف نسمة فقط، ليصبح إجمالي عدد المسلمين في اليونان ـ اليوم ـ (250) ألف نسمة فقط.. بينما كانت أعداد المسلمين هناك في عام 1913 ميلادية أكثر من 60% من إجمالي عدد السكان في اليونان.. أي أنهم كانوا أغلبية ساحقة في اليونان.
فهل كانت المقاصة البشرية التي تمت بين اليونان وتركيا.. هي السبب المباشر وراء هذا التراجع الواضح في الكمّ الإسلامي اليوناني؟ وهل تهتم الأقلية المسلمة في اليونان بالحفاظ على المكاسب التي حققها أسلافهم؟ وهل تستطيع الأقلية المسلمة اليونانية حماية هذا الكمّ الوفير من الآثار الإسلامية النادرة المتوفرة في اليونان؟ نحن أمام قضية بالغة وهي أن عدد المسلمين الذين تم تهجيرهم إلى تركيا من اليونان يعادل ربع سكان اليونان وقت التهجير منذ (80) عاماً.
فاليونان.. هي إحدى دول قارة أوروبا، وضمن دول شبه جزيرة البلقان، تبلغ مساحة أراضيها (131 ألف و944 كيلو متراً مربعاً)، وعدد سكانها أكثر من (11) مليون نسمة - من بينهم أقلية مسلمة يبلغ تعدادها أكثر من (250) ألف مسلم - والعاصمة هي مدينة "أثينا" والعملة المتداولة هناك هي " الدراخما". ونظام الحكم في اليونان جمهوري، وقد انضمّت إلى الأمم المتحدة في (25) أكتوبر عام 1945 ميلادية.
وتحدها تركيا من الشمال الشرقي.. وبلغاريا ويوغوسلافيا السابقة من الشمال.. وألبانيا من الشمال الغربي.. ويحيط بها البحر الأبيض المتوسط من الجنوب والغرب.. وبحر إيجه من الشرق.
كيف عرفوا الإسلام؟
وقد عرفت اليونان الإسلام منذ وقت مبكر - في النصف الأول من القرن الهجري الأول - وذلك عندما فتح المسلمون بعض الجزر اليونانية مثل جزيرة "رود س" وجزيرة " كريت" في عام 210 هجرية بقيادة أبو حفص عمر الأندلسي.. ثم انتشر الإسلام في أغلب الجزر اليونانية.. وقد تأصل الوجود الإسلامي في اليونان خلال الفتح الإسلامي لشبه جزيرة البلقان.. إذ تم فتح مقدونيا في عام 782 هجرية (1380 ميلادية).. ثم امتدت مسيرة الإسلام إلى وسط اليونان..
وخضع اليونانيون للحكم الإسلامي لعدة قرون.. تأسست خلالها حضارة إسلامية راقية، وشُيّدت مئات المساجد ودور التعليم والمكتبات الإسلامية.. ونشطت بها حركة التأليف في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية والإنسانية.. وظلت اليونان مقصد العلماء وطلاب العلم.. فتزايدت أعداد المسلمين حتى بلغت أكثر من 60% من إجمالي عدد السكان حتى عام 1913 ميلادية.
معاهدة المقاصة البشرية
وقد شهدت اليونان هجرات إسلامية من تركيا وألبانيا وبلغاريا وبعض دول شبه جزيرة البلقان المجاورة لها. واستقلت اليونان عن تركيا ووُقّعت بين البلدين معاهدة " لوزان" في عام 1344 هجرية (1924 ميلادية) لتبادل السكان بينهما.. وبموجب هذه الاتفاقية هاجر من اليونان إلى تركيا (مليون و200 ألف) نسمة من المسلمين وبقي في اليونان (200) ألف مسلم فقط.. وقُدّرت أعداد المسلمين الذين هُجّروا إلى تركيا بنحو ربع سكان اليونان في هذا الوقت.
وقد شهدت السنوات التالية انخفاضاً واضحاً في أعداد المسلمين في اليونان.. بسبب الهجرات الإسلامية إلى ألبانيا وبلغاريا واستراليا، وبعض الدول العربية في شمال إفريقية.. وخلال السنوات العشر الأخيرة شهدت اليونان زيادة في أعداد المسلمين؛ إذ بلغت أعدادهم اليوم أكثر من (250) ألف نسمة.
وتشهد الأقلية المسلمة المعاصرة في اليونان صحوة إسلامية تمثلت في إعادة افتتاح بعض المساجد الأثرية في أغلب الجزر اليونانية، وافتتاح بعض المدارس الإسلامية ومعاهد تخريج أئمة المساجد والدعاة، وتأسيس العديد من المؤسسات العاملة في مجالي الدعوة والتعليم الإسلاميين، كما استرد المسلمون أوقافهم للإنفاق من ريْعها على المشروعات الإسلامية، كما وافقت السلطات اليونانية على تدريس الدين الإسلامي بالمدارس التي يوجد بها عدد من الطلبة المسلمين.
من أهم المؤسسات الإسلامية العاملة في اليونان، جمعية اتحاد الإسلام وجمعية يقظة الإسلام واللجنة الإسلامية، بالإضافة إلى دور الإفتاء والقضاء الشرعي. ومن أهم معاهد تخريج الأئمة والدعاة، المدرسة "الرشا دية " والمدرسة "الخيرية"، كما توجد هناك مئات المدارس الإسلامية الابتدائية والمتوسطة والثانوية، التي تؤدي دوراً هاماً في الحفاظ على الهوية العقدية للنشئ المسلم.
مناطق المسلمين
من أهم المناطق الإسلامية في اليونان منطقة "تراقيا الغربية" والتي كانت بها أغلبية مسلمة تمثل 60% من إجمالي السكان البالغ عددهم أكثر من (400) ألف نسمة. وبالرغم من أن اتفاقية "لوزان" بين تركيا واليونان، لم تتضمن تبادل السكان في منطقة تراقيا الغربية، إلا أن المسلمين آثروا الهجرة إلى الدول المجاورة، ولم يتبق بها من المسلمين سوى (125) ألف نسمة فقط، كما تقلّص عدد القرى الإسلامية من (300) قرية إلى (42) قرية.
ويوجد في منطقة مقدونيا اليونانية نحو (15) ألف نسمة من المسلمين، وتتكون الأقلية المسلمة في هذه المنطقة من الألبان، كما يعيش في منطقة بحر إيجه (15) ألف نسمة من المسلمين. كما توجد أقليات مسلمة في جزيرة رودس، وفي منطقة ايبروس ويوجد بها (15) ألف نسمة من المسلمين، كما توجد أقلية مسلمة في العاصمة "أثينا".
المساجد في اليونان
ويوجد في اليونان نحو 300 مسجد أثري أغلبها في منطقة تراقيا الغربية. وقد سمحت السلطات اليونانية للمسلمين بترميم هذه المساجد؛ إذ تم ترميم وإصلاح (14) مسجداً في مدينة " كو- مو- تينى" عاصمة تراقيا الغربية، و(5) مساجد في جزيرة رودس، كما يجرى ترميم يعض المساجد الأخرى في الجزر اليونانية مثل جزر بحر إيجه.
وتوجد العديد من دور الإفتاء في كافة المناطق الإسلامية باليونان. وتقوم دور الإفتاء والإرشاد بنشر الوعي الديني والمفاهيم الإسلامية الصحيحة بين المسلمين، وتشرف دور الإفتاء على القضاء الشرعي والأوقاف الإسلامية. وتخصص ريع هذه الأوقاف للإنفاق منها على المدارس الإسلامية والمساجد ودفع رواتب الأئمة والوعاظ.
وقد احتلت قضية الأقلية المسلمة في اليونان مساحة كبيرة من اهتمامات منظمة المؤتمر الإسلامي؛ حفاظاً على حقوقهم المشروعة في استرداد أوقافهم وإقامة مؤسساتهم الإسلامية، وممارسة شعائر دينهم في حرية وعلنية. وقد أوضحت المصادر الإسلامية في اليونان أن الإسلام ينتشر في أغلب الجزر اليونانية، حيث يعمل المسلمون على حماية هويتهم العقائدية
الأوقاف الإسلامية باليونان مهددة بالاندثار
تعاني الأوقاف الإسلامية المتبقية في الجزر اليونانية من حالة تآكل مستمرة تعزى إلى عوامل متعددة، أهمها سياسي مرتبط أساسا بالعلاقات اليونانية التركية. وورث المسلمون في الجزر اليونانية عن أسلافهم أملاكا وقفية طائلة وغنية جدا تكفي نفقات مؤسساتهم الخيرية والتعليمية والدعوية. وضمت الأوقاف الإسلامية في جزيرة رودس إلى حدود السنوات الأولى من القرن الماضي أراضي شاسعة ومدارس ابتدائية وثانوية تلقن اللغات العثمانية واليونانية والإنجليزية، ومساجد ممتدة في أنحاء الجزيرة إضافة إلى مؤسسات خيرية بقيت تعمل حتى الستينيات من القرن الماضي، وأيضا عشرات المساجد والجوامع والمدافن والحمامات. دوافع سياسيةوشكلت الاضطرابات السياسية والأمنية التي عصفت بالعلاقات اليونانية التركية دافعا للإجراءات المتعددة التي سحبت من أيدي مسلمي الجزر اليونانية الكثير من الأوقاف التي كانوا يديرونها. وإثر الأحداث الدامية في قبرص والتدخل التركي فيها اضطر الآلاف من مسلمي الجزر اليونانية إلى الهجرة منها تجاه أنحاء مختلفة خوفا على حياتهم، ما أدى إلى فراغ مناطق كاملة من سكانها وتحويل الكثير من بيوتها العثمانية وأوقافها إلى أيدي السلطات اليونانية. وتقلص الوجود الإسلامي في الجزر حتى انعدم تماما في بعضها مثل جزيرة خيوس وكريت اللتين بقيت فيهما الكثير من الآثار الإسلامية، بينما انحسر بشكل كبير في جزر أخرى مثل رودس وكو، وهما الجزيرتان الوحيدتان اللتان لا تزالان مأهولتين بأقليات مسلمة.
(Muslims in Greece mark Eid ul Fitr)
لكن العلاقات السياسية لم تكن السبب الوحيد الذي أدى إلى تقلص الأوقاف بشكل تراجيدي، فقد وكلت السلطات المحلية إدارة ما تبقى منها إلى مجالس معينة من قبلها، وكان أعضاء تلك المجالس في معظم الأحيان دون مستوى المسؤولية، ما حدا بهم إلى بيع كثير من ممتلكات الأوقاف دون الرجوع إلى الأقلية المسلمة، وأدى ذلك إلى خسارة المزيد منها. ويقول أحد مسلمي جزيرة رودس إن الجزيرة لا تزال فيها إلى اليوم عشرات المساجد والجوامع القديمة المهملة منها رجب باشا والآغا ومصطفى باشا وعلي باشا ومراد ريس ومسجد السوق وحمزة باشا والسليمانية ومسجد إبراهيم باشا، والأخير هو الوحيد الذي يعمل رسميا في الجزيرة. وكان عدد المدارس الوقفية يبلغ سبعا أهمها مدرسة السليمانية التي توقفت عن العمل عام 1971، وكانت تضم مئات التلاميذ من الجزيرة ومن المناطق والبلاد المجاورة. كما كانت الإمارة وهي الوقفية المخصصة لإطعام الفقراء وعابري السبيل تقدم الطعام إلى مئات المحتاجين يوميا، وأوقفت كذلك في سبعينيات القرن الماضي بدعوى أن المنظر العام للفقراء المصطفين لا يليق بالجزيرة السياحية. وقد استحدثت خدمة مماثلة في بلدية الجزيرة تعمل بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وأضاف المسلم اليوناني أن العديد من المساجد أصلحت بتمويل من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) وصرفت عليها أموال طائلة، لكنها لم تسلم إلى اليوم للمسلمين للصلاة فيها. ويظل أسوأ ما تعرضت له الممتلكات الوقفية في الجزيرة هو طمس بعضها وإزالة طابعها الإسلامي، مثل الكثير من سبل المياه الخيرية التي انتزعت لوحاتها العثمانية وحنفياتها، كما أن بعض المقابر الأثرية مهدد بالزوال، مثل مقبرة مسجد رجب باشا التي يشاع أن البلدية تعتزم جرفها وإقامة ملعب للأطفال مكانها لكونها تقع وسط المدينة. وتضم مقابر الجزيرة رفات أشخاص مهمين في التاريخ العثماني، حيث دفن فيها عشرات الباشوات والولاة والقادة العسكريين العثمانيين والأجانب، كما أن إحدى مقابرها تضم رفات والد شاه إيران البهلوي. وأشار مسلم آخر من جزيرة كو القريبة من رودس إلى ظروف مماثلة تتعرض لها أوقاف الجزيرة، التي لا يزال الكثير من المساجد والحمامات العثمانية قائمة فيها. كما لاحظ أن انتشار الحمامات في جزيرتهم كان عادة مقصودة في الدولة العثمانية، حيث كانت الحمامات تبنى قبل المساجد وبالقرب منها، وذلك بهدف التطهر قبل حضور الصلوات الجماعية
المسلمون الجدد
وفي المدّة الأخيرة بدأت ظاهرة جديدة تظهر ولو بشكل فردي ضعيف، وهي اعتناق أفراد من المجتمع اليوناني الإسلام باجتهادٍ فرديٍّ وبحثٍ شخصيٍّ، وهم بمعظمهم من الشباب والمثقفين الذين قضوا أعواماً طويلة في البحث والتقصي في المبادئ والديانات والأفكار. وهؤلاء الذين اهتدوا إلى الإسلام حديثاً هم من أكثر العناصر وعداً بالنسبة للعمل الدعوي في البلد لكونهم يعرفون طبيعة اليونان وخصائصها الثقافية والسياسية، لكن ينقصهم الكثير من الخبرة في مجال العمل الدعوي الإسلامي، وتتويج حماستهم وخبرتهم بالبلد بخبرة وتعقل في مجال الدعوة والعمل الإسلامي.