السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )
اعلم أنه تعالى حكى عن اليهود نوعا آخر من المكر ، وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين ، ولا شك أنهم كانوا عالمين بأن ذلك باطل ، فكان إقدامهم على هذا القول لمحض العناد والتعصب ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : روي أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : أنتم أهل كتاب ، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم ، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا ، ففعلوا ذلك . فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت ؛ لأنهم سجدوا للأصنام ، فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد ؟ فقال كعب : ماذا يقول محمد ؟ قالوا : يأمر بعبادة الله وحده ، وينهى عن عبادة الأصنام ، وترك دين آبائه ، وأوقع الفرقة . قال : وما دينكم ؟ قالوا : نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني . وذكروا أفعالهم ، فقال : أنتم أهدى سبيلا . فهذا هو المراد من قولهم : ( للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) [ النساء : 51 ] .
المسألة الثانية : اختلف الناس في الجبت والطاغوت ، وذكروا فيه وجوها :
الأول : قال أهل اللغة : كل معبود دون الله فهو جبت وطاغوت ، ثم زعم الأكثرون أن الجبت ليس له تصرف في اللغة . وحكى القفال عن بعضهم أن الجبت أصله جبس ، فأبدلت السين تاء ، والجبس هو الخبيث الرديء ، وأما الطاغوت فهو مأخوذ من الطغيان ، وهو الإسراف في المعصية ، فكل من دعا إلى المعاصي الكبار لزمه هذا الاسم ، ثم توسعوا في هذا الاسم حتى أوقعوه على الجماد ، كما قال تعالى : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) [ إبراهيم : 35] فأضاف الإضلال إلى الأصنام مع أنها جمادات .
الثاني : قال صاحب " الكشاف " : الجبت : الأصنام وكل ما عبد من دون الله ، والطاغوت : الشيطان .
الثالث : الجبت : الأصنام ، والطاغوت : تراجمة الأصنام ، يترجمون للناس عنها الأكاذيب فيضلونهم بها ، وهو منقول عن ابن عباس .
الرابع : روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : الجبت : الكاهن ، والطاغوت : الساحر .
الخامس : قال الكلبي : الجبت في هذه [ ص: 104 ] الآية حيي بن أخطب ، والطاغوت كعب بن الأشرف ، وكانت اليهود يرجعون إليهما ، فسميا بهذين الاسمين لسعيهما في إغواء الناس وإضلالهم .
السادس : الجبت والطاغوت صنمان لقريش ، وهما الصنمان اللذان سجد اليهود لهما طلبا لمرضاة قريش ، وبالجملة فالأقاويل كثيرة ، وهما كلمتان وضعتا علمين على من كان غاية في الشر والفساد .
ثم قال تعالى : ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) فبين أن عليهم اللعن من الله وهو الخذلان والإبعاد ، وهو ضد ما للمؤمنين من القربة والزلفى ، وأخبر بعده بأن من يلعنه الله فلا ناصر له ، كما قال : ( ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) [ الأحزاب : 61 ] فهذا اللعن حاضر ، وما في الآخرة أعظم ، وهو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ، وفيه وعد للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنصرة وللمؤمنين بالتقوية ، بالضد على الضد ، كما قال في الآيات المتقدمة : ( وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ) [ النساء : 45 ] .
واعلم أن القوم إنما استحقوا هذا اللعن الشديد ؛ لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - يجري مجرى المكابرة ، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله ، ومن كان دينه الإقبال بالكلية على خدمة الخالق والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال ، والله أعلم .
.................................................. ...........
اخوكم مشغول في طاعة الرحمان
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )
اعلم أنه تعالى حكى عن اليهود نوعا آخر من المكر ، وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين ، ولا شك أنهم كانوا عالمين بأن ذلك باطل ، فكان إقدامهم على هذا القول لمحض العناد والتعصب ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : روي أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : أنتم أهل كتاب ، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم ، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا ، ففعلوا ذلك . فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت ؛ لأنهم سجدوا للأصنام ، فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد ؟ فقال كعب : ماذا يقول محمد ؟ قالوا : يأمر بعبادة الله وحده ، وينهى عن عبادة الأصنام ، وترك دين آبائه ، وأوقع الفرقة . قال : وما دينكم ؟ قالوا : نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني . وذكروا أفعالهم ، فقال : أنتم أهدى سبيلا . فهذا هو المراد من قولهم : ( للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) [ النساء : 51 ] .
المسألة الثانية : اختلف الناس في الجبت والطاغوت ، وذكروا فيه وجوها :
الأول : قال أهل اللغة : كل معبود دون الله فهو جبت وطاغوت ، ثم زعم الأكثرون أن الجبت ليس له تصرف في اللغة . وحكى القفال عن بعضهم أن الجبت أصله جبس ، فأبدلت السين تاء ، والجبس هو الخبيث الرديء ، وأما الطاغوت فهو مأخوذ من الطغيان ، وهو الإسراف في المعصية ، فكل من دعا إلى المعاصي الكبار لزمه هذا الاسم ، ثم توسعوا في هذا الاسم حتى أوقعوه على الجماد ، كما قال تعالى : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) [ إبراهيم : 35] فأضاف الإضلال إلى الأصنام مع أنها جمادات .
الثاني : قال صاحب " الكشاف " : الجبت : الأصنام وكل ما عبد من دون الله ، والطاغوت : الشيطان .
الثالث : الجبت : الأصنام ، والطاغوت : تراجمة الأصنام ، يترجمون للناس عنها الأكاذيب فيضلونهم بها ، وهو منقول عن ابن عباس .
الرابع : روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : الجبت : الكاهن ، والطاغوت : الساحر .
الخامس : قال الكلبي : الجبت في هذه [ ص: 104 ] الآية حيي بن أخطب ، والطاغوت كعب بن الأشرف ، وكانت اليهود يرجعون إليهما ، فسميا بهذين الاسمين لسعيهما في إغواء الناس وإضلالهم .
السادس : الجبت والطاغوت صنمان لقريش ، وهما الصنمان اللذان سجد اليهود لهما طلبا لمرضاة قريش ، وبالجملة فالأقاويل كثيرة ، وهما كلمتان وضعتا علمين على من كان غاية في الشر والفساد .
ثم قال تعالى : ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) فبين أن عليهم اللعن من الله وهو الخذلان والإبعاد ، وهو ضد ما للمؤمنين من القربة والزلفى ، وأخبر بعده بأن من يلعنه الله فلا ناصر له ، كما قال : ( ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) [ الأحزاب : 61 ] فهذا اللعن حاضر ، وما في الآخرة أعظم ، وهو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ، وفيه وعد للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنصرة وللمؤمنين بالتقوية ، بالضد على الضد ، كما قال في الآيات المتقدمة : ( وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ) [ النساء : 45 ] .
واعلم أن القوم إنما استحقوا هذا اللعن الشديد ؛ لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - يجري مجرى المكابرة ، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله ، ومن كان دينه الإقبال بالكلية على خدمة الخالق والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال ، والله أعلم .
.................................................. ...........
اخوكم مشغول في طاعة الرحمان
تعليق