في حدود سنة 3200 ق. م. ابتكر العراقيون الكتابة (المسمارية ـ Cuneiform) حيث كتبت بها اللغة السومرية، ونشروها في أنحاء الشرق الاوسط حيث أصبحت هذه الكتابة هي الوحيدة المتداولة، واستعملتها شعوب ايران والاناضول والشام، بل حتى في مصر أحياناً حسب بعض الوثائق الآثارية.
في عام 2400 ق.م تم اعتماد هذا الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية بلهجتيها الآشورية الشمالية والبابلية الجنوبية. ورغم إحلال الاكدية بدل السومرية، إلاّ أن العراقيين حافظوا على اللغة السومرية كلغة مقدسة خاصة برجال الدين. دام استعمال هذه الكتابة حوالي 3000 عام، أي حتى قبل الميلاد ببضعة قرون إذ بدأت الكتابة الابجدية القادمة من الشام تنتشر مع انتشار اللغة ألآرامية خصوصاً أثناء حكم السلالة الاخيرة (الكلدانية الجنوبية).
لقد دون العراقيون بالمسمارية السجلات الرسمية وأعمال وتاريخ الملوك والأمراء والشؤون الحياتية العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير والشؤون الدينية والعبادات. وأيام حكم الملك حمورابي (1728– 1686 ق.م.) وضع شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء مملكة بابل . وهذه الشريعة عرفت بقانون حمورابي الذي كان يضم القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات. وفي عصره دونت العلوم. وكان الملك آشوربانيبال ( 668- 626 ق.م.) من أكثر ملوك السلالة الآشورية ثقافة. فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب قومية خاصة شيَّدها في عاصمته نينوى بالعراق. وجمع فيها كل الألواح الطينية التي دونت فوقها العلوم والمعارف.
يشكل اختراع الكتابة وإدخالها في الاستعمال العام أهم حدث في التاريخ الفكري للبشر، فهو الحد الذي يفصل بين مرحلة ما قبل التاريخ والمراحل التاريخية اللاحقة. سميت الكتابة السومرية بالكتابة المسمارية لأن شكلها يشبه المسامير. والسبب في ذلك عائد إلى طبيعة المواد التي استعملوها في الكتابة: ألواح من طين تغمس الكتابة فيها غمساً بواسطة قلم من قصب فيشكل الغمس في الرقيم الطيني مثلثاً يشبه رأس المسمار. ثم تخط خطوط عمودية وأخرى أفقية فيحصل على شكل مشابه للمسمار. بعد ذلك كانت الألواح الطينية الرطبة توضع في تنور وتطبخ بالنار وتصلب تمهيداً للاحتفاظ بها.
الكتابة المسمارية في طورها الأول كتابة صورية (كذلك المصرية الهيروغليفية)، ولكن السومريين سرعان ما طوروها لتصبح كتابة مقطعية، وبهذا تم اختزال الرموز المستعملة فيها إلى أصوات المقاطع في اللغة السومرية البالغة حوالي 598 مقطعاً صوتياً.
وتم فك رموز الخط المسماري في القرن التاسع عشر وبذلك تسنى للعلماء قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس المسمارية. ويوجد حوالي 130000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني.
وفي هذا السياق يتوجب علينا أن نشير الى ان الكتابة المسمارية هي أقدم كتابة في تاريخ البشرية الى جانب الكتابة المصرية (الهيروغليفية hieroglyphs ) التي ظهرت تقريباً في نفس الفترة. وقد اطلق الاغريق هذه التسمية الاغريقية على الكتابة الفرعونية وتعني (النقش المقدس). وهي أيضاً كتابة صورية (ليست حروفية) مثل السومرية. وقد انتهى استعمال هذه الكتابة أيضاً في نفس الفترة التي انتهت فيها المسمارية أي في القرن السابع ق.م، حيث بدأت الكتابة الحروفية (الابجدية) القادمة من سواحل الشام والتي تعد أول أبجدية في التاريخ.
تعليق